|
الصحافة الجهوية مهنة من لا مهنة له
حميد طولست
الحوار المتمدن-العدد: 4576 - 2014 / 9 / 16 - 13:46
المحور:
الصحافة والاعلام
الصحافة الجهوية مهنة من لا مهنة له وأنا أتصفح بريدي الإلكتروني كالمعتاد ، فوجئت بأحد الزملاء /الأصدقاء الأعزاء يسألني عن حالي وأحوالي ، ويتساءل عن أسباب غيابي عن المشهد الإعلامي الفاسي ، وانقطاعي ، او مقاطعتي لاجتماعات وندوات الصحفيين ، وختم متمنيا أن يكون المانع خيرا !! وبعد أن حمدت للصديق/الزميل المحترم كريم اهتمامه، وشكرت له لباقة مصارحته وتأدب مكاشفته ، قررت أن أفتح له قلبي وأبادله المصارحة والمكاشفة وملامسة الحقائق . ولإشباع فضوله وإشفاء غليله ، وجدتني مجبرا على أن أسرد عليه قصتي مع الصحافة مند نقطة الانطلاق الأولى لي في عالم الصحافة الذي دخلته سنة 1989 آتيا من حقل التعليم ، كمراسل لعدد من الجرائد اليومية والأسبوعية ، ثم مكلفا بقضايا نقابة الاتحاد العام للشغالين ، الذي كنت فيه النائب الأول لمكتبه الجهوي لجهة فاس ، حيث كنتُ انذاك مازلتُ غِرّا طوباويا كثير الحلم ، وكانت أحلامي بسيطة ، ولكنها كانت ، على بساطتها ، تحيى في نفسي الأمل ، وتزرع فيها الشعور الذي جعلني ولمدة ليست بالقصيرة ، أقبل على العمل الصحفي بنهم ، وأتمسك بعناد شديد بصحبة الصحفيين - أو من كنت أظنهم كذلك – الذين فتح لهم ذراعيّ على وسعها لاستقبل وانهل من وهج ما كنت أظنه صحافة ، لكن الأحلام شيء والواقع شيء آخر .. استمر صديقي/الزميل المتسائل -بعد أن استطاب لعبة سؤال جواب - في طرح الأسئلة ، الواحد تلو الآخر ، فقال متسائلا : وما الذى حدث إذن ، وما الذى تغير ؟؟؟.. ـ ج ـ لقد صدمتني واقع الصحافة الجهوية الذي كان أنداك مرا والحقائق أمر –كما تعلم أيها المحترم ، وما أظنه تغير للأسف الشديد .. خاصة بعدما انزاح الغشاوة عن عيني ، وقل الإنبهار ، وزال ما كان يتخفى خلفه أشباه الصحفيين الجهويين من زيف ، وتبددت الأصباغ والماكياجات التي كانت تستر سوءاتهم ، لتظهر حقيقتهم واضحة وضوح الفضيحة العارية.. ونكتشف أن صحافتهم كانت تتسم في أغلب مضمونها بالسوقية والابتذال والخروج عن الذوق العام ، صحافة تعج بأميين ليس لديها أي احترام تجاه المسؤولية الأخلاقية والفكرية لعقلية الإنسان ، ولا يتقنون من العمل الصحفي إلا النميمة والأحقاد والتهافتُ والتناحُر على الصغائرَ وحول التفاهات وبيع الكلام الفارغ ، البعيد عن المبادئ والقيم والقضايا الكفيلة بتهذيب وتثقيف وتحرير الإنسان. ــ مراهقاتٌ وهزائمُ وانكسارات ، أربكت قناعاتي ، ومكنت اليأس والإحباط من التسلل إلى نفسي ، ومحاصرتي وخنقني ، إلى درجة أصبحت معها لا أتحمل الكثير من تلك السلوكات اللاصحفية التي لا تحتمل ، والتي ما أظنني كنت لوحدي في ذاك الشعور بذاك الكم المتراكم من الألم والمعاناة ، والذي على ما يبدو أنه قد أصاب الكثيرين غيري ، وأن ما شعرت به هو شعور سائد ، يظهره البعض ويخفيه البعض الآخر ، تتقارب الحالات أو تتباعد، غير أن الأسباب تبقى واحدة .. ـ س ـ هل معنى هذا أنك أصبت بالضعف وتخليت عن دورك في النضال من اجل اعلاء كلمة الحق ، ورفعت راية الاستسلام ، لليأس والإحباط ؟! ـ ج ـ لا أبدا لم أضعف قط ، وأنا كما عهدتني مازالت حساما مسلولا رغم السن ، وكما يقول المثل المغربي الدارج : "مازال فالنصل ما يقطع فلبْصَل " . أنني لم أكن يوماً ضعيفا ، ولم أترك قط نفسي فريسة للإحباط واليأس ، لكن يبدو أن الواقع و الأوضاع والممارسات كانت أقوى وأشرس ، والزمن أمكر ، وأنا لم أفكر يوما في ولوج عالم الصحافة لأتعلم فنون المكر والخديعة ، فقط كنت آمل تشرب فنونها وأخلاقياتها .. ومهما كان الإنسان قويا ، يمر أحيانا بلحظات يشعر فيها بالضعف ، فيبحث عن الانطواء ، عفوا ، الاستراحة ، فيبعد بنفسه عن الشرور ، خاصة إذا وجد في ذاك النأي والبعد ما هو انفع من الكثير ممن يدعون الصحافة .. ويقلل من "صداع الراس" كما يسميها الكثيرون ، ويفتح القريحة للكتابة وترتيب الافكار .. ـ س ـ هل معنى هذا أنك استسلمت للوضع ، واخترت الاستكانة في بيتك غاضا الطرف عما يحدث... ـ ج ـ على العكس ، ظللت مراقبا ، ولازلت متابعا ومنبها لمكامن الخطأ في تسيير وتدبير الشأن الصحفي العام ، وسأظل أدافع عن الحريات وعن الحق في التعبير عن الرأي بحرية ، لأنه واجب لا يجوز الحياد عنه ، بل أجزم القول بأنه "فرض" عين على كل مواطن يحب هذه المهنة ويرغب أن يرى صحافة بلده في مصاف صحافات الدول التي تحترم نفسها وإنسانها . ــ ولتحقيق ذلك ينبغي علينا استحضار نوع من الشجاعة الأدبية لنقد الذات ، والتنبيه إلى إن أخطر ما يحدق بصحافتنا ، هو الاستغلال البشع للحريات غير المنظم وغير المقنن ، وعلى رأسها حرية التعبير -التي لا يمكن إنكار القفزة الجبارة التي قفزها المغرب في مجالها وفي فترة قياسية- والتي لن أجانب الصواب إذا قلت أنها من أخطر وأكثر القضايا الحيوية والشائكة في التاريخ الإنساني ، وذلك لأنها إذا استغلت استغلالا لائقا ، وكانت من أجل الشعب ومساعدة الجماهير للوصول للحقيقة المؤدية إلى تكوين آرائه العامة الصائبة في استقلالية وفي ضل سيادة القانون ، فإنها تؤثر إيجابا على الكثير من نظم الحكم في العديد من بلدان العالم ، فتتطور وتزدهر تبعا لتطور مفهومها واتساع مساحة ما تطرح من أفكار جديدة ورؤى جريئة تستحث الجدل الفكري الذي ينتج المعرفة النوعية والتنمية. لكنها بالمقابل حينما تكون للأغراض الشخصية ، وتستغل لانتهاك أو الاعتداء على حقوق أية جهة ، عامة أكانت أم خاصة - تحت مظلة حرية التعبير المزيفة- فإنها لا تنتج إلا كل غث سقيم من الأفكار التي لا تستحث جدلا فكريا ، ولا تنتج معرفة ، ولا تصنع إلا الفوضى الإعلامية المفعمة بالقذف والشتائم وإدمان العنف الذي يشكل خطرا على المجتمع وبنيته الإعلامية ، ما لم تحصن بالقوانين الصارمة ، و تقنن بالحدود الأخلاقية والخطوط الحمراء التي تحكم العمل الصحفي والإعلامي ، وتقيه من أن يكون ميدانا سائبا ومهنة من لا مهنة له ، يقتحم الدخلاء الذين لا يفقهون شيئا من أبجدياته ولا تهمهم أخلاقياته ، ويعتدي عليه المرتزقة الذين لا يكترثون للمادة المنشورة فى صحفهم التجارية البحتة ، بقدر ما يكترثون لما تدره من مغانم ، التي لا يتورعون من أجلها في سرقة مقالات غيرهم عن طريق النسخ واللصق التي يجيدون طرقها أكثر من إجادتهم أساليب الكتابة وفنونها ، التي ليس لها عندهم من أهداف غير جمع مردود الإعلانات المدفوعة والتي هي الأساس الرئيس وراء إصدارهم للجرائد والمجلات ، الورقية والإليكترونية ؛ الأمر الذي حول الصحافة من وسيلة "إعلامية" مسؤولة تحترم عقل الإنسان ، ولا توقع الضرر بالمجتمع ، ولا تقود إلى تضليله أو تجهيله ، إلى مؤسسة " إعلانية " لغايات ربحية مادية بحتة مجردة من أي دافع ثقافي أو مسؤولية وطنية مجتمعية .. فلا تندهش ، أيها المحترم ، ولا تتصور أنني أبالغ إذا قلت أن هناك رؤساء تحرير لبعض الجهويات " أميين " لا يقرؤون ولا يكتبون ، ومع ذلك كان ولايزال لهم أعمدة تنشر بها مقالات بأسمائهم كلما صدرت جرائدهم ، أما المراسلون فحدث ولا حرج .. ـ س ـ متى ستكون لنا صحافة في المستوى المطلوب صحافة جماهرية موضوعيو لها قواعدها وأدواتها ، لا صديقة السلطة ولا عدوة لها ، يهتم بالصالح العام وتقبل بروح العصر وسلطة المجتمع والمواطن ، وتبحث عن الحقيقة والأفضل لمساعدة الجماهير لاتخاذ رأيه في أجواء صافية...؟؟ ـ ج ـ عندما نتوقف عن تسمية الكذب والنفاق والبهتان لباقة وذكاء اجتماعيا !! وحينما نصل إلى قول الحقيقة كما هي ، ولما نصل إلى مواجهة الذات ومساءلتها عند كل تقمص لما هو كائن بكل صدق وبكل شجاعة... آنذاك ستكون لنا ذلك النوع من الصحافة الصادقة في القول والفعل والوعود ، والتي تبني الأوطان ولا تهدمها ، وترتقي بالمجتمعات ولا تحطمها ، والتي نحن في أمس حاجة إليها في بلادنا السائرة في طريق النمو. آنذاك فقط آنذاك ستحل العديد من القضايا والمشاكل العالقة بصحافتنا ونتوصل إلى إيجاد مصل يلقح هذا الجسم المريض ، الذي اعتلاه صدأ الرياء والبهتان وكل الموبقات اللإنسانية من تلوث فكري وبيئي وجسدي وعقلي وعقائدي ومعاملاتي وسياسي وجمعوي وتعليمي ـــــ س ـــــ هل من كلمة أخيرة . ــــ ج ـــــ بعد الشكر والامتنان أود أن أنبه في ختام هذا الحوار إلى أن حديثي هذا ليس عاما ولا يشمل كل الصحافة الجهوية ، وأقر أن هناك جرائد محترمة يقوم عليها صحفيون محترفون تعلمنا على أيديهم مهنيتها وأخلاقياتها ، أساتذة لا يمكن أن ينطبق عليهم تلك التوصيف المشين ، التي الملتصقة بصحافة الإرتزاق التي يقوم عليها " الدخلاء " من غير أبناء المهنة ، الذين أساؤوا بشدة لسمعة الصحافة عامة والصحافة والجهوية خاصة والفاسية على وجه التخصيص ، وبما يتقيِؤونه في تجمعات المقاهي وقاعات الحلاقة والصالونات والمآدب ، البعيدة عن الندوات الفكرية والأدبية ، مقابل الحصول على الهبات والعطايا أو الامتيازات او هي مجتمعة .. حميد طولست [email protected]
#حميد_طولست (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القضية الفلسطينية والأقلام الخربة
-
الأحفاد ودفئ التفاعل الاجتماعي
-
قيمة الأمتعة من قيمة أصاحبها ، أو على وجه الجلدة كيتباس الكت
...
-
اربعينية بونوارة ، حلت دون استئذان !!
-
ليس مراعاة لخاطركم ، لكن احتراماً لأرواح الشهداء الابرار ..
-
مصائب قوم عند قوم فوائد ..
-
نعم للتضامن لا للوم والعتاب !!
-
ظاهرة التلصص على الآخرين !!
-
لكل جهنمه ! (5)
-
مراسيم تشييع جثمان -بونوارة-
-
قد جاء دورك يا -بونوارة- فمت قرير العين بما ينتظرك عند ربك!!
-
بدعة التسابيح وموضة التسبيح
-
ألا في مثل هذا فليتنافس المتنافسون .
-
لماذا تأهلت لنهائيات كأس العالم الدول التي ترأسها النساء فقط
...
-
هل بعث الله لمصر من يصلح لها أمر دينها ودنياها
-
سلامة الإنسان في سلامة بيئته .
-
وبضدها تتميز الأشياء !!
-
الصبر والدعاء لا يكفيان لمجابهة المصائب يا نساء !
-
على هامش إحتفالية توزيع الجوائز بمنتزه -جنان السبيل- التاريخ
...
-
هل هي مؤا مرة على المرأة ، أم على الإسلام ؟
المزيد.....
-
تحليل للفيديو.. هذا ما تكشفه اللقطات التي تظهر اللحظة التي س
...
-
كينيا.. عودة التيار الكهربائي لمعظم أنحاء البلاد بعد ساعات م
...
-
أخطار عظيمة جدا: وزير الدفاع الروسي يتحدث عن حرب مع الناتو
-
ساليفان: أوكرانيا ستكون في موقف ضعف في المفاوضات مع روسيا دو
...
-
ترامب يقاضي صحيفة وشركة لاستطلاعات الرأي لأنها توقعت فوز هار
...
-
بسبب المرض.. محكمة سويسرية قد تلغي محاكمة رفعت الأسد
-
-من دعاة الحرب وداعم لأوكرانيا-.. كارلسون يعيق فرص بومبيو في
...
-
مجلة فرنسية تكشف تفاصيل الانفصال بين ثلاثي الساحل و-إيكواس-
...
-
حديث إسرائيلي عن -تقدم كبير- بمفاوضات غزة واتفاق محتمل خلال
...
-
فعاليات اليوم الوطني القطري أكثر من مجرد احتفالات
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|