نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 1289 - 2005 / 8 / 17 - 11:45
المحور:
الصحافة والاعلام
بعد أن فشلت جميع فضائيات الأعراب, الموزعة بين ثلاثة فصائل لا رابع لهما بأية حال ,إما تلك التي تبث فكر الظلام والسواد والإجرام,أو تلك التي تتغزل بسجايا وكرامات الزعماء,أو تلك التي تبث الشخلعة والخلوعة والميوعة ويمولها نفط العربان, في إيصال رسالة واحدة للعالم نتيجة لسيطرة الجهلة والأميين والمهجنين فكريا من مختلف مدارس الدجل ,والنفاق ,والغباء والأوهام ,لجأت فنانة,كما تناقلت الصور والأنباء , إلى نشر رسالة عبر جسدها العاري ,في تقليد يعتبر عاديا ومألوفا في التعبير والاحتجاج في الغرب,لكنه استثنائيا ,وخارقا بالنسبة للأعراب,وقد أفلحت هذه الرسالة ,دون النظر إلى الطريقة التي اختلف عليها "أشراف" الأعراب,في إحداث تلك الخلخلة المطلوبة في المشهد الراكد الحافل بالتكاسل, والترهل ,والنمطية والتكرار.وفقأت,وألف مبروك, فنانتنا الرائعة عيون المتعوربين الهائجين ,والظلاميين الفائرين , والمتباكين المتأسفين على الشرف المسفوح على إسفلت الغرباء .وأستغل هذا المنبر الحر لتحية هذا الإنسانة الواثقة الصادقة من الأعماق,التي لم تجد سبيلا آخر بعد أن سدت في وجهها كل الأبواب. وربما ستكون هذه ,وحسب رأيي المتواضع جدا,واحدة من أجمل الصور واللوحات التي رسمتها مبدعتنا على الإطلاق,ونسجتها أناملها البيضاء,وسأحتفظ بها دائما كموناليزا ساحرة من بلادي,وكوسام رفيع ,تمييزا عن كل نياشين الهزائم والاندحارات الكاذبة, لأرصع بها رفوف المكتبات التي لم تحتلها ,عبر التاريخ,سوى سيَر القتل, وثقافة السيف والدماء,وصور السفاحين وقاطعي الرقاب ,ويجتاحها فكر الإجرام.وإنها بشائر الأسافين الأولى الجريئة التي ستدك جدار التابوهات والمحرمات وتسقطها للأبد.
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن للوهلة الأولى وهو موجه إلى أولئك الذين اعتبروها إهانة لشرف الأمة ,وخروجا عن العادات والتقاليد والثوابت النكداء التي أوصلتنا إلى الدرك الأسفل في كافة الميادين والمجالات وجعلتنا عراة تماما إلا من أوراق فقر الحال,هل مؤخرة امرأة أو "مقدمة" فحل من الرجال تمثل شرف وكرامة أمة بحالها ,وتنهار أمة فورا ,وتتعرض للهزيمة النكراء إذا ظهرت عورة لسبب ما؟ ولماذا أمنا حوّاء نزلت من السماء ,إلا من ورقة التوت الجرداء؟أي منطق استهبالي أخرق هذا الذي نسمعه ويقال ؟ولماذا لا يدخل ذلك كله في نطاق الحرية الفردية الموءودة ,طالما أن الإنسان لم يوجه أي أذى أو ضرر لأحد على الإطلاق,أم أن ثقافة القطيع ,وغريزة القبيلة التي صدرها البدو الأجلاف مزروعة ومشرشة في العقول والأبدان؟وأرفض أن يكون شرف وكرامة أي شخص معلقة بمؤخرة شخص آخر .ولنفترض جدلا ,بأن ماقامت به الفنانة شيئا مشينا,وهو ليس كذلك من وجهة نظري على الأقل,ما علاقة هذا بمجموعات بشرية معزولة عن البشرية جمعاء؟ ثم من قال بأن شخصا ما يمثل أمما وشعوبا بكاملها ؟فما بالك بإنسانة خلعت عنها ثوب الأعراب وفرت للغرب ,وربما أخذت جنسيته ,وهي تعيش بأمان واطمئنان هناك,وتفعل ما يحلو لها وتتمناه,وتركت كل هذا الوباء والبلاء؟ بل يجب أن تشكر وتثاب على أنها ماتزال تحمل في داخلها هذا الإخلاص والذكرى والبلاوي التي لن تنتهي مع الأيام.أم أن العقلية الشمولية الاستبدادية يجب أن تكون ماثلة وتطبق على الناس في كل زمان ومكان؟أم أن "بعضهن" قد تحسسن ,وأصابتهن الغيرة من رونق هذا الذوق والجمال الفتان الذي حباها به الله وأحسدها – شخصيا-عليه؟ وماذا يفعل هؤلاء المتشرفون والمتمسحون بالورع والتقوى في الخلاء وحين لا تتابعهم العيون والعدسات؟ ولماذا الغرب "السافر"والإباحي المنحل حسب توصيف "المحافظين",عشاق الثوابت وأدعياء التقاليد,وحماة التخلف, يحقق السبق ,ويغزو الفضاء,ويحقق المعجزات ويسبقنا بعشرات آلاف السنين ونقلده في كل شيء,ونتخلف عنه إلى الوراء, ويتفضل علينا بالمأكل والملبس والدواء وكل الرفاهيات؟ولماذا ينظرإلى أعضاء معينة بالجسم البشري بهذه الحساسية والخصوصية والنزق الفطري طالما أنها تؤدي وظائف حيوية هامة أخرى كالأكل ,والسمع ,والنظر,واللمس؟ وما هو مصير مليارات النساء والإناث اللواتي لم يتحجبن,ولم يتنقبن قبل نزول الرسالة المحمدية السمحاء,وعشن في الغابات والجبال والوهاد شبه عراة قبل تطور البشرية وابتكارها الأثواب؟وهل لم يبق أمامنا من سبيل سوى استخدام بقية أعضاء الجسد البشري,ومنها المؤخرات, بعد أن كممت الأفواه,وشلت الأيدي ,وصمت الآذان,وفقئت العيون النجلاء ,ومنعت كل أشكال الحرية والتعبير والكلام,فتم اللجوء إلى هذا الاحتياطي الاستراتيجي الهام؟
ربما كانت الرسالة التي وصلت من خلال "مؤخرة"إحدى الفنانات,وعذرا من المحافظين والأصوليين على هذه الألفاظ, أقوى من كل رسائل الاستنكار و الإحتجاج ,ومن قرارات القمة, وكل البلاغات التي كانت تصدر مع البيان رقم واحد والتي خرجت من أفواه وأبواق الأنظمة التي عجزت أن توصل نشرة الأخبار ,أو إعلان عن قطع الكهرباء إلى حارة من حارات مدن الصفيح التي تغص بها مرابع الأعراب.وما هذا التفاعل الكبير مع هذا الحدث إلا دليل على أهمية استخدام المؤخرات في العمل الإعلامي بدل ألسنة الاستراتيجيين والمستشارين الكبار .
وبالعودة إلى أبجديات الإعلام التي ينساها جهابذة التنظير ,وأساطين التلقين ,فكما هو معلوم,أن الخبر الإعلامي الهام والمثير الذي يلفت الانتباه ,يجب أن يحتوي في مضمونه على واحد من أشياء هامة ,كالجنس ,والسياسة,والألوهية ,والغموض ,والملكية.فمثلا يصبح الخبر الأكثر مثالية هو الذي يحمل عنوانا يقولThe queen is pregnant. Oh my God! Who did it?,والمعنى الملكة حامل ,يا إلهي من فعلها ؟إن خبرا من هذا القبيل يثير فضول واهتمام عدد غير محدد ومتباين من الشرائح الاجتماعية بغض النظر عن مستواها الفكري والعقلي,وستجد الكثيرين ممن سيشدهم هكذا نبأ ,وصورة.فلقد وصل الإعلام المتخشب المتجمد"الجاد" الذي يظهرالعبسات والتكشيرات الجادة والصارمة أيضا,وليس المؤخرات إلى حافة المأزق ,ولم يعد يجد من يتابعه حتى من قبل أولئك الموظفين المفروض بهم متابعة العمل لتقييمه وتقديمه للناس, لعلمهم اليقين أن أحدا ما لن يشاهده,ولن يسألهم عن الأخطاء والمطبات والعثرات ,والكوارث اللغوية التي نراها يوميا على الشاشات.ولا أعتقد ان أحدا وقعت عيناه على النبأ والصورة,وانا واحد منهم, إلا وتناوله بشغف ,وترك أخبار العولمة ,وفضائح المعارضة والمقارضة,و"التلبسة",والمأسسة,والفلسفة والثرثرة وطول اللسان,وعذرا"مو على بعضنا يا شباب" فالحارة ضيقة جدا هذه الأيام.
والعقبى الكبرى,والأمل المنشود, حين تظهر كل "المقدمات" الذكورية والأنثوية على حد سواء,وتعرض كل السوءات للعيان,فهي الأكثر تعبيرا, وصدقا ,عن هذا الواقع المرير, المليء بالعهر ,والقبح, والسفالات.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟