علي رمضان فاضل علي
الحوار المتمدن-العدد: 4575 - 2014 / 9 / 15 - 11:32
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
السهروردي المقتول عشقا في نور الأنوار
شهاب الدين السهروردي صاحب مذهب فلسفي , ومدرسة فلسفية حاول من خلالها تفسير أسرار الكون , والوجود , والنفس الإنسانية ,والعشق الإلهي , وإشراق أنوار الله علي الكائنات , وفي السطور التالية عرض لفلسفة السهروردي الاشراقية وكيف مات شهيداً من اجل أفكاره.
يمكن تلخيص نظرية السهروردي فيما بلي :
اولاً – جوهر النور المطلق هو الله ( نور الأنوار)
هذا الكلام يعني أن الله تعالي عبارة عن نور يشع علي الكائنات , باعثاً فيها الحياة من خلال تلك التجليات النورانية وكلما كان الكائن مستعداً لاستقبال النور كان اقرب إلي الله , وابعد عن الظلمة . فكل الكائنات مشتقة من نور ذاته ومن جلالة وكماله. يقول السهروردي موضحاَ ذلك : "أن النور هو الظاهر في حقيقة نفسه ,المظهر لغيرة ( أي من الموجودات الجسمانية والروحانية)بذاته وهو اظهر في نفسه في كل ما يكون الظهور, ولهذا لا يمكن أن يكتب بحد أو رسم ولا أن يعلم بحجة وبرهان لاستحالة أن يدرك الظاهر بما هو اقل ظهوراَ منة لوجوب كون المعرف اجلي من المعرف."
هذا الكلام يعني أن الله تعالي ( نور الأنوار) هو النور المحض الذي يصدر عنة كل نور فيقول في كتابة هياكل الأنوار موضحاً هذه الفكرة : " ومن جملة الأنوار القاهرة أبونا ورب طلسم نوعنا ومفيض نفوسنا ومكملها بالكمالات العلية وهو روح القدس المسمي عند الحكماء بالعقل الفعال وكلهم أنوار مجردة ألاهية , والعقل الأول أول ما ينتشيئ بة الوجود وأول من أشرق علية نور الأول, وتكثرت العقول بكثرة الإشراق وتضاعفها بالنزول والوسائط وان كانت اقرب ألينا من حيث العلة والتوسط إلا أن أبعدها أقربها من شدة الظهور واقرب الجميع نور الأنوار."
ثانيا - مراتب النور
يقسم السهروردي النور إلي نوعين نور محض , ونور عارض فيقول: " ولما علمت أن كل نور مشار إلية أشارت حسية فهو نور عارض, كنور الشمس والكواكب, فان كل نور محض لا يشار إلية ( أي إشارة حسية بل عقلية بصريح العرفان) ولا يحمل اسماً ولا يكون له جهة أصلا."
ويضيف السهروردي موضحاً وشارحاً ترتيب الأنوار ( الأنوار العقلية ) فيقول: " أن اختلاف الأنوار العقلية العارضة إنما يكون بالكمال والنقص وليس بالنوع كما يقرر المشؤون , وذلك لأن الأنوار من طبيعة واحدة من حيث البساطة الوجودية والأصل النوراني ويكون التمييز بحسب شدة ألنوريه وضعفها فتترتب الجواهر من اعلي إلي أسفل حسب كمال نوريتها وحسب نقصانها, وهذا مما لا يفسح المجال للتغاير الذي تقوم علية فكرة الأنواع الأرسطية, فيجب التسليم بان النور كله الجوهر والعرض منة لا يختلف إلا بحسب الكمال والنقصان, والأنوار المجردة كلها ليست مختلفة الحقائق."
هذا الكلام يعني أن النور قسما ن: الأول النور المحض ( الله ) نور الأنوار ومنة ينبثق القسم الثاني الأنوار العاقلة وتلك الأنوار العاقلة تأتي علي مراتب فكلما كان الكائن أكثر نوراً كلما كان مقرباً من الله وفي مرتبة اعلي , وكلما كان الكائن اقل نور كلما كان في المرتبة السفلي , والمعيار عند السهروردي في القرب والبعد من الله بدرجة كمال ونقص النور . وان العارفين درجات ومراتب , يبدأ العارف بملاحظة النور المحسوس وكلما تجرد من الماديات والشهوات كلما تقرب إلي نور الأنوار الله حقيقة الحقائق فيري أنة النور الحقيقي وما عداه مجاز فيقول عن ذلك :
لِأَنوارِ نورِ اللَه في القَلب أَنوارُ **** وَللسرّ في سرّ المُحبّين أَسرارُ
وَلمّا حَضَرنا للشّرابِ بِمجلسٍ ***** وَخفّ مِن عالم الغَيب أَسرارُ
وَدارَت عَلَينا لِلمَعارف قَهوة **** يَطوفُ بِها مِن جَوهرِ العَقلِ خمارُ
فَلَمّا شَرِبناها بإِقراه فمها ***** أَضاءَ لَنا مِنها شُموس وَأَقمارُ
وَكاشَفنا حَتّى رَأَيناهُ جَهرَةً ***** بِأَبصار صِدقٍ لا يُواريهِ أَستارُ
وَخالَفنا فى سكرِنا عِندَ نَحونا **** قَديمٌ عَليمٌ دائمُ العَفوِ جَبّارُ
سَجَدنا سُجوداً حينَ قالَ تَمَتّعوا **** بِرُؤيَتنا إِنّى أَنا لَكُم جارُ
ثالثا – المعرفة
يري السهروردي أن الله ( نور الأنوار ) موجد النفس , وهو الذي يلقي إليها بالمعرفة وان مصدر الإشراق هو الله تعالي , وان العارف يحصل علي المعرفة عن طريق الإلهامات والوحي الإلهي المباشر. ويقسم السهروردي الأرواح علي حسب قربها , ودرجات إلهامها ومعرفتها إلي :
1 – الروح الحساس ( المشكاة )
2 –الروح الخيالي وهو يكتب ما اوردتة الحواس ( الزجاجة)
3 – والروح العقلي وهو يدرك المعاني الخارجة عن الحواس ( المصباح)
4 – الروح الفكري الشجرة وهو الذي يستنتج من العلوم العقلية والمعارف
5 – الروح القدسي النبوي ويختص بالأنبياء وبعض الأولياء وفية تتجلي لوائح الغيب.
هذا يعني أن أسرار الكون ليست متاحة لكل الناس بل متاحة فقط لمن تقرب إلي الله ( نور الأنوار) فكلما ازداد قرباً ازداد علماً ومعرفة وحتى يصل إلي حقيقة الحقائق. فكل إنسان علي حسب كماله النوراني فكلما ازداد نورا ازداد علماً , هنا يربط السهروردي زيادة المعرفة والعلم بزيادة وكمال النور. يقول السهروردي واصفا السالكين , وأهل ألهوي الذين تجردوا من كل خسيسة دنيوية , وتحلوا بكل شريفة علوية من اجل كمال النور وزيادة العرفان , وكيف اشتياقهم للقاء ربهم نور الأنوار, واستعدادهم للموت في سبيل قربهم من اللة , ومعرفتهم لحقيقة الحقائق :
أَبداً تَحنُّ إِلَيكُمُ الأَرواحُ **** وَوِصالُكُم رَيحانُها وَالراحُ
وَقُلوبُ أَهلِ وِدادكم تَشتاقُكُم ***** وَإِلى لَذيذ لقائكم تَرتاحُ
وَا رَحمةً للعاشِقينَ تَكلّفوا **** سرّ المَحبّةِ وَالهَوى فَضّاحُ
أهل الهوى قسمان: قسم منهمو *** كتموا، وقسمٌ بالمحبة باحوا
فالباحئون بسرهم شربوا الهوى *** صرفاً فهزهموا الغرام فباحوا
والكاتمون لسرهم شربوا الهوى **** ممزوجةً فحَمتْهمو الأقداحُ
بِالسرِّ إِن باحوا تُباحُ دِماؤُهم *** وَكَذا دِماءُ العاشِقينَ تُباحُ
وَإِذا هُم كَتَموا تَحَدّث عَنهُم **** عِندَ الوشاةِ المَدمعُ السَفّاحُ
أَحبابنا ماذا الَّذي أَفسدتمُ *** بِجفائكم غَير الفَسادِ صَلاحُ
خَفضَ الجَناح لَكُم وَلَيسَ عَلَيكُم *** لِلصَبّ في خَفضِ الجَناح جُناحُ
وَبَدَت شَواهِدُ للسّقامِ عَلَيهمُ *** فيها لِمُشكل أمّهم إِيضاحُ
فَإِلى لِقاكم نَفسهُ مُرتاحةٌ *** وَإِلى رِضاكُم طَرفه طَمّاحُ
عودوا بِنورِ الوَصلِ مِن غَسَق الدُّجى *** فَالهَجرُ لَيلٌ وَالوصالُ صَباحُ
صافاهُمُ فَصَفوا لَهُ فَقُلوبهم **** في نُورِها المِشكاةُ وَالمِصباحُ
وَتَمَتّعوا فَالوَقتُ طابَ لِقُربِكُم ***** راقَ الشّراب وَرَقّتِ الأَقداحُ
يا صاحِ لَيسَ عَلى المُحبِّ مَلامَةٌ *** إِن لاحَ في أُفق الوِصالِ صَباحُ
لا ذَنبَ لِلعُشّاقِ إِن غَلَبَ الهَوى *** كِتمانَهُم فَنما الغَرامُ فَباحوا
سَمَحوا بِأَنفُسِهم وَما بَخِلوا بِها **** لَمّا دَروا أَنّ السَّماح رَباحُ
وَدعاهُمُ داعي الحَقائقِ دَعوة *** فَغَدوا بِها مُستَأنسين وَراحوا
رَكِبوا عَلى سنَنِ الوَفا وَدُموعهُم *** بَحرٌ وَشِدّة شَوقهم مَلّاحُ
وَاللَّهِ ما طَلَبوا الوُقوفَ بِبابِهِ *** حَتّى دعوا فَأَتاهُم المفتاحُ
لا يَطربونَ بِغَيرِ ذِكر حَبيبِهم ** أَبَداً فَكُلُّ زَمانِهم أَفراحُ
حَضَروا وَقَد غابَت شَواهِدُ ذاتِهم *** فَتَهَتّكوا لَمّا رَأوه وَصاحوا
أَفناهُم عَنهُم وَقَد كشفَت لَهُم *** حجبُ البقا فَتَلاشتِ الأَرواحُ
فَتَشَبّهوا إِن لَم تَكُونوا مِثلَهُم ** إِنَّ التَّشَبّه بِالكِرامِ فَلاحُ
قُم يا نَديم إِلى المدامِ فَهاتها ** في كَأسِها قَد دارَتِ الأَقداحُ
مِن كَرمِ أَكرام بدنّ ديانَةٍ *** لا خَمرَة قَد داسَها الفَلّاحُ
هيَ خَمرةُ الحُبِّ القَديمِ وَمُنتَهى *** غَرض النَديم فَنعم ذاكَ الراحُ
وَكَذاكَ نوحٌ في السَّفينة أَسكَرَت ***** وَلَهُ بِذَلِكَ رَنَّةً وَنِياحُ
وَصَبَت إِلى مَلَكوتِهِ الأَرواحُ ** وَإِلى لِقاءِ سِواه ما يَرتاحُ
وَكَأَنَّما أَجسامهُم وَقُلوبهُم *** في ضَوئِها المِشكاةُ وَالمِصباحُ
مَن باحَ بَينَهُم بِذِكرِ حَبيبِهِ *** دَمهُ حلالٌ لِلسّيوفِ مُباحُ
كيف مات السهروردي
وصل الشاب الفقيه الذي لم يبلغ من العمر خمسة وثلاثون عاماً إلي مدينة حلب , وذاع صيته حتى جاب الأفاق , وكثر حسادة والحاقدين علية من الفقهاء والعلماء , فسالة احدهم يوماً عن مسألة النبوة فقال السهروردي إن الله قادر علي خلق النبي . هذا الكلام الذي صرح بة السهروردي في سياق معين اقتطعه الفقهاء من سياقه وحكموا علية بالإعدام وأرسلوا الحكم لصلاح الدين فوافق علي قتلة وعندما حانت ساعة التنفيذ سألوه فأخبرهم "أنة إذا كان ولابد من الموت فتركوني في مكان قفر لأموت جوعاً". تركوه بالفعل في مكان حتى مات من الجوع شهيداً لأفكاره الإشراقيه التي جابت الأفاق بعدة .يقال أنة قال تلك الأبيات وهو في سكرة الموت :
قل لأصحاب رأوني ميتا **** فبكوني إذ رأوني حزنا
انأ عصفور وهذا قفصي **** طرت عنة فتخلي وهنا
وأنا اليوم أناجي ملاْ **** وأري الله عينا يهنا
فخلعوا الأنفس عن أجسادها *** لترون الحق حق بيننا
لا ترعاكم سكرة الموت فما ** هي إلا انتقال من هنا
عنصر الأرواح فينا واحد *** وكذا الأجسام جسم عمنا
ما أري نفسي إلا انتم **** واعتقادي أنكم انتم أنا
قمتي ما كان خير فلنا *** ومتى ما كان شرا فبنا
فارحموني ترحموا أنفسكم **** وعلموا أنكم في إثرنا
من راني فليقوي نفسه **** إنما الدنيا علي قرن ألفنا
وعليكم من كلامي جملة *** فسلام الله مدح فثنا
الخلاصة
تتلخص الفلسفة الاشراقية في الفيض الإلهي علي الكائنات, فالله نور الأنوار هو موجد الكائنات وملقي إليها المعرفة: موجدها من خلال نورة الذي يشع علي كل الكائنات. والنور عند السهروردي نوران نور محض وهو الله موجد الكل , ولا يدرك بالعقل بل عن طريق الوحي والإلهام , ونور عقلي يدركه الناس بالحواس . والكائنات في تلقي النور مراتب وكلما زاد النور في الإنسان كلما زاد القرب من نور الأنوار. هذه النظرية الاشراقية نظرية كونية فهي تجعل الكل من نور الأنوار دون ميزة أو خصيصة , فالميزة والخصيصة ينالها الإنسان من خلال عملة ومحاولة قربة من الله تتأتي من خلال ايمانة وعملة فهما سبيلا الخلاص والنجاة لدي السهروردي. وكلما تجرد الانسان من شهوات البدن كلما ازداد نوراً وإشعاعا وتفتحت لة سبل المعرفة الربانية, الإلهامية .
الهوامش
السهروردي حكمة الاشراق , شرح وتعليق صدر الدين الشيرازي , طابعة باريس 1950 ص 295
الدواني : شرح هياكل النور , صورة من مخطوط المكتبة البلدية بالاسكندرية 1721 , ص 28
السهروردي : حكمة الاشراق ص 389
السهروردي : حكمة الاشراق , ص 95
انظر : ديوان السهروردي ,
محمد علي ابو ريان : أصول الفلسفة الأشراقيه عند شهاب الدين السهروردي, مكتبة ا لانجلو المصرية , سلسلة الدراسات الفلسفية والأخلاقية 1959 , ص 96
انظر : ديوان السهروردي
محمد علي ابو ريان : مرجع سابق , ص ص 21 – 22
#علي_رمضان_فاضل_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟