|
ليس من حقّ أحد أن يكون فقيراً-بالامكان تغيير العالم
ريكاردو بتريلا
الحوار المتمدن-العدد: 1288 - 2005 / 8 / 16 - 12:05
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
*في اطار العولمة الراهنة، تزول الـ"نحن"، ليحلّ مكانها عدد لا متناهٍ من "الأنا"، في المنافسة ما بينها في سبيل الحصول على الثروات والخدمات الاساسية* الحفاظ على الحرب الدائمة ضد "الشر"، والحفاظ على بقاء الفقر، من أهداف الطغم المالية والسياسية المسيطرة* مطلع تموز 2005، وبمناسبة انعقاد قمّة الثمانية في غلن ايغلز (اسكوتلندا)، جرت تظاهرات كبيرة في كلّ انحاء العالم تقريباً، ومنها الحفل الموسيقي الكبير للتضامن (Live 8)، وذلك للضغط على رؤساء الدول الثماني لحثّهم على التخلّص من الفقر. لكن دون جدوى، وذلك بالرّغم من وجود حلول. قد يكفي اظهار ارادة سياسية حقيقية لتغيير العالم أخيراً. عام 1974، وعدت المجموعات المُسيطرة للدول الغنية بـ"القضاء على الفقر" في عام 2000. الهدف المرجوّ كان (وما يزال) العبور بالأفراد عتبة الفقر المحدّدة بدولاريْن يومياً للشخص الواحد. علماً أنّ من يتجاوز هذه العتبة لا يعود يُصنَّف بخانة "الفقر"!! لهذه الغاية، تعهّدت هذه الدول بتخصيص 0.7 % من ناتجها الداخلي الاجمالي للمساعدة في التنمية العامة. بعد 15 عاماً، إثر انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1989، أعلنت هذه المجموعات أنّ نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين، هي حقبة سلام جديدة في العالم، إذ انتفت الحاجة المُلحّة لتبذير أموال طائلة من أجل التسلّح. يستفيد عندها العالم من "أرباح السلام" هذه التي بدورها ستُسهِّل تحقيق هدف استئصال الفقر بحلول العام 2000! لكن الكلّ يعلم للأسف ما الذي حصل: لم يُمحَ الفقر، لا بل ازداد، خصوصاً خلال عقد التسعينيات. في العام 2000، بلغ عدد الذين يعيشون تحت خطّ الفقر 2،7 مليار من اصل 6 مليارات نسمة في العالم، ومن أولئك 1.3 مليار مصنّفون "شديدو الفقر" كون دخلهم يقلّ عن دولار واحد يومياً. في العام 2003، ارتفع عدد الفقراء بـ100 مليون ليصل الى 2.8 مليار نسمة. لم يُحقَّق هدف سنة 1974، ليس لأنه غير قابل للتحقيق، إنما بسبب عدم وفاء كلّ من المجموعات المسيطرة للدول الغنية والنخب الحاكمة في البلدان الفقيرة بالتزاماتها. والأسوأ من ذلك، فقد اعتمدوا سياسات تجارية، مالية وتكنولوجية، تُرسِّخ من أسباب الإفقار المتواصل للشعوب المحرومة أصلاً؛ أما في ما يخصّ السلام الموعود، فإنّ الحروب قد تضاعفت خصوصاً في دول شرق الوسط وافريقيا. بعد 11 ايلول، وبحسب المسؤولين الأمريكيين، دخل العالم في كلّ ارجائه مرحلة طويلة من الحرب ضدّ ما يسمى بـ"الارهاب". ما بين 2003-2004، عاد مستوى الانفاق العسكري الى ما كان عليه إبّان حقبة الحرب الباردة، وفي هذه الحالة أيضاً لم يكن الفشل نصيب السلام وحسب، بل طال مفاهيم العالم وترسيم السياسات من قبل المجموعات الحاكمة التي اتفقت على أنّ الحرب هي الوسيلة الأنجح لإحلال السلام! أمام هذا المأزق المزدوج، يقترح أصحاب النفوذ، على مَنْ هم تحت سيطرتهم، تقبّل الصفة الحتمية والطبيعية للفقر ولواقع الصراع الفردي المرير من اجل البقاء. في اطار العولمة الراهنة، تزول الـ"نحن" كما يؤكّد هؤلاء، ليحلّ مكانها عدد لا متناهٍ من "الأنا"، في المنافسة ما بينها في سبيل الحصول على الثروات والخدمات الاساسية. بات اليوم إنجيل المنافسة المُبشَّر به، من ثلاثين عاماً، مُلهماً ومحرّك الحضارة الغربية، بات يستخدم ذريعة لتفسير استمرارية الفقر والحرب وتبريرهما. تجمع مجموعات الدول المسيطرة، مع تنوّع بسيط في المواقف، على حتميّة الفقر. فحكومات الولايات المتحدة والصين والدول الـ25 الأعضاء في الاتحاد الاوروبي، كما البلدان العربية والتشيلي والهند.... كما الكنائس الكاثولكية والبروتستانية، والمراجع الاسلامية والبوذية، اضافة الى المنظّمات غير الحكومية الدائرة في فلك الهيئات الأُمميّة المُعتاشة منها، كلّ هؤلاء وافقوا، في ايلول من العام 2000، على إعلان "أهداف الألفية للتنمية"، الذي أقرّته قمّة الألفية المُلتئِمة في مقرّ الأمم المتحدة في نيويورك. وقد أكّد هذا الاعلان على أنّ الهدف الواقعي الوحيد، ضمن مهلة عملانية، هو تخفيض عدد الاشخاص "الشديدي الفقر" الى النصف بحلول العام 2015. هذا هو اذاً الهدف "الطموح" الذي تبنّته المجموعة الدولية، استجابة للحقّ في الحياة والكرامة الانسانية ل 2.8 مليار فقير. تخلّت النُخب العالمية عن مسوؤليّتها السياسية والاخلاقية في احترام هذه الحقوق، وطلبت من الفقراء التخلّي عنها بدورهم. أما في حالة السلام، يحلّ الفخ مكان الاستقلالية. فخّ تواطؤ المجتمعات "الحرّة" و"الدمقراطية"، لخوض الحرب ضدّ العدوّ المشترك الذي يفترض أن يُمثّله " الإرهاب العالمي"، وذلك باسم شراكة حضارية، لا سيّما حضارة الثروة والاستهلاك وفْقَ نمط الحياة الغربية. إنّ رعاة هذه الحرب يسوقونها على أنها حتمية، كونها الوسيلة الفعّالة للإطاحة بمجموعات يُحرّكها التعصّب الديني والعرقي، وترى نفسها حضارات "خاسرة" تجاهد لمنع الهيمنة العالمية لما تصفه بالحضارة "الرابحة"، حضارة الحرّية والدمقراطية "الغربيتين". قد يكون العالم العربي والاسلامي مركز انطلاق الحرب ضدّ الظلامية. ومن وجهة نظر المُسيطرين، إنّ لكلّ فقراء الأرض مصلحة للاشتراك في هذه الحرب، لضمان حقوقهم في الحرّية والغنى الشخصي والعصرنة. وهذا ما فهمه جيداً، حسب ادعاءات المسوقين للحرب، القادة الصينيّون، وبحسب هذه الفرضية إنّ المحافظة على نمط حياة البلدان الغربية والترويج لها، والتي نُصِّبت رمزاً للحضارة العالمية، هما في مصلحة جميع الشعوب. الواجب اذاً، هو محاربة كلّ مَنْ يضع العراقيل أمام نموّ الاستهلاك وحرّية التجارة والأموال وحرّية الانتقال وتخصيب تلاقي الحضارات، ضمن إطار القواعد الموضوعة والمُسوَّقة من قبل المنطمة العالمية للتجارة، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والاتحاد الاوروبي، والمنظمة العالمية للملكية الفكرية، واتفاقية شمال أمريكا للتبادل الحرّ، ورابطة دول جنوب شرق آسيا وشراكة جديدة للتنمية الأفريقية.... غير أنّ هناك بدائلَ أخرى للحفاظ على الفقر والحرب الدائمة ضدّ "الشر"؛ طوال عصور خلتْ، كانت العبودية ظاهرة "طبيعية" لا مفرّ منها ولا يمكن الغاؤها، إنما اعتُبِرت خلال القرن التاسع عشر غير شرعية، ليتحقّق بذلك وبالتالي حلم المساواة بين الناس، أقلّه في نظر القانون، وقد حان الوقت لاعلان الفقر غير شرعيّ والعمل على اقصائه من المجتمع، على قاعدة مبدأ "ليس من حقّ أيّ انسان أن يكون فقيراً" والذي كان في اساس بناء دولة الرّفاه. واعلان الفقر غير شرعيّ، يعني، حسّياً، إبطال التشريعية والادارية التي تُغذّي آليّات انتاج الفقر وابقائه في العالم حتى في الدول " المُتقدِّمة". فعلى سبيل المثال، على الاتحاد الاوروبي استبدال استراتجية "لشبونة" العاملة على "جعل اقتصاد المعرفة في اوروبا الأكثر قدرة على المنافسة في العالم في عام 2010"، ومسار بولونيا (خصخصة وتحويل التعليم العالي الجامعي الى سلعة)، وكلّ شكل يُمكن أن تتّخذه مذكّرة بولكنشتين... بإجراءات تُشجّع التعاون، وتوطد الجامعة كقطاع عامّ وتطور خدمات المواطنيّة الأوروبية...ولإعلان عدم شرعيّة الفقر، لا يجب انتظار مؤتمر بين الحكومات. يُمكن المبادرة بذلك انطلاقاً من الهيئات المحلية المُنتخبَة، وها هو البعض منها يُعلن، عبر العالم، انسحابه من AGCS (الاتفاقية العامّة للتجارة بالخدمات) مُؤكِّداً معارضته المُسبَقة لإجراءات تحرير وخصخصة وتحويل الثروات والخدمات العامة الى سلع، وهذا ما يتمّ التفاوض عليه في منظمة التجارة العالمية OMC، ضمن الاتفاقية العامة للتجارة بالخدمات الغالية جداً على قلب السيد باسكال لامي، المفوّض الاوروبي الاشتراكي السابق والمدير العام الحالي لمنظمة التجارة العالمية. فالعديد من المدن والمقاطعات والمناطق، غالباً ما أعلنت رفضها لزراعة الأجسام المُعدَّلة جينياً واستخدام هذه الأجسام في التغذية، ويناضل البعض منها ضدّ خصخصة المياه، ومن أجل عدم تجديد عقود ادارتها من قبل شركات متعدّدة الجنسية، والسعي للاعتراف باستخدام ماء الشرب كحقّ انساني (وبالتالي كونيّ وأممي). نخلص في القول أنّ البديل عن الحرب - حلم السلام العالمي - يمرّ قبل كلّ شيء بالارتقاء باقتصاد مبنيّ على سلسلة من الثروات المشتركة والخدمات العامّة العالمية. من المُلحّ الإقرار أنّ الهواء والماء والطاقة الشمسية والغابات، والمعرفة والتنوّع البيئي للقارّة، والأمن الغذائيّ والصحّة، والمحيطات وموجات البثّ والتعليم، والاستقرار الماليّ والأمن الجماعي، هي بضائع وخدمات يجب تأمينها عبر الجماعة الدولية وتحت مسوؤليتها. لهذا يجب على القرن الواحد والعشرين أن يدخل التاريخ، ليس فقط على أنه عصر اعلان عدم شرعية الفقر، بل كونه الذي اعترف بالانسانية ككيان قضائيّ وسياسيّ. هكذا اقتراح لن يتحقّق خلال سنوات، لكن لا أحد يستطيع استبعاد انجازه بفترة جيل. إن تعثّر مشاريع إصلاح الأمم المتحدة يستدعي تحوّلاً حقيقياً من اجل ضمان السلام: الانتقال من منظمة الامم المتحدة الى المنظمة العالمية للانسانية. يجب العمل على تصميم هيكلية لسياسة على مستوى القارة، تكون جديرة بعالمية الوضع الانساني. في هذا السياق، لا بدّ للاشارة الى قصر نظر واضعي المعاهدة الدستورية الاوروبية، فبدل تشجيع دول الاتحاد على رفض فكرة الحرب والعمل على تحقيق السلام كهدف، عمدوا في المادة (-I41-7) الى أنّ تبنّي أيّ سياسة أمن ودفاع مشتركة يجب أن تنسجم مع سياسة منظّمة حلف شمال الاطلسي، داعيةً الدول الاعضاء في المادة (I-41-3) الى "تحسين قدراتهم العسكرية تدريجياً". آن أوان الخروج عن دروب القوة والهيمنة الامبريالية. حاجة الانسانية اليوم ليست الى غزاة وأباطرة، بل الى بنّائين لعيش مشترك، من خلال عقد اجتماعيّ عالميّ مبنيّ على تطلّعات كلّ انسان وكلّ شعب للكرامة والعدالة والحرية والسلام.
*الكاتب هو أستاذ جامعي يساري في بلجيكا
#ريكاردو_بتريلا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|