اعتذار النظام للكويتيين يعكس هشاشته ، ويعطي الصدقية للخيار الثالث !

علاء اللامي

الحوار المتمدن-العدد: 335 - 2002 / 12 / 12 - 01:30
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    

 

                                                                           
  ماتت الدكتاتورية سريريا في العراق منذ انتفاضة ربيع 1991 ولكن  دفنها تأخر لأكثر من عقد من السنوات  لأسباب أمريكية و " عربية .. سعودية تحديدا " تفوح بروائح طائفية باتت معروفة .
واليوم ، جاء الاعتذار العلني للنظام الشمولي عما دعاه أحداث الثاني من آب 1990 لـ" أبناء الشعب في الكويت " في السياق السياسي ذاته الذي جاء فيه قرار العفو الشكلي والناقص عن السجناء والمعتقلين والذي اتضح سريعا إنه تحول الى ورطة كبيرة عقدت الأمور عوضا عن أن تحدث أية حلحلة مرتجاة ترخي الأنشوطة المحكمة حول رقبة النظام وحول الحالة الجيوسياسية التي اكتنفت العراق وشعبه .
ومع ذلك  و في خضمه  ، يمكن لنا أن نستشف  ونستخلص من خلال هذه القرارات والحركات الحكومية المتلاحقة والمرتجلة  دلالات عديدة و قمينة بالانتباه والتحليل وصولا الى تأكيد الخلاصات المطلوبة التي ينبني عليها الموقف الوطني الديموقراطي المعارض للحرب على العراق وللنظام الدكتاتوري فيه .
  أولى تلك الدلالات هي أن النظام بات يشعر ويدرك ويفهم وبشكل جدي أنه دخل مرحلة بداية النهاية ، وأن الخيارات التي بقيت أمامه لا تتعدى التنويع على النهاية الفعلية لعهده . فهل سيجنح النظام الى طريق التسليم بمطالب الشعب عمليا عبر قرار طال انتظاره بتسليم السلطة الى حكومة إنقاذ تعكس الطيف السياسي والمجتمعي العراقي بشكل صحيح،  و تعد العدة لتنظيف البيت العراقي من عهد ومؤسسات  الدماء والقمع وتسعى الى كبح  العدوان الأمريكي ، أم إنه  سيواصل نهج المبادرات المفرغة من أي معنى أو عمق استراتيجي فيمارس عنجهيته المعهودة ومغامرته برأس الشعب ومقدرات البلاد تحت شعار " علي وعلى أعدائي " ؟
   كل المؤشرات تذهب الى خليط يجيد النظام الدكتاتوري طبخه بين الخيارين  المذكورين أعلاه , وكما قيل قديما ( فكل خليط مؤلف من الحق والباطل هو باطل !)
    فهو مثلا حين استجاب الى المطالبة القديمة والتي تكررت طوال سنوات بإطلاق سراح السجناء والمعتقلين ارتكب ورطته الكبرى ، فأطلق سراح اللصوص والقتلة ،وأبقى مناضلي الحرية  وراء القضبان ، ظانا بأنه استجاب الى واحدة من متطلبات الوضع الراهن والحاجات الاستراتيجية ، ولكنه ارتعب من النتائج ومن ردات فعل الشعب حين يعلم بمصير الآلاف من أبنائه المعتقلين والذين تمت تصفيتهم فأحجم بالتالي عن إكمال الإجراء بل وشرع في حملة اعتقالات جديدة .
   وهو حين استجاب الى المطالبة بالاعتذار الى الكويتيين ، والتي هي شرط أمريكي من جملة شروط بعضها يشترط توطين ثلاثة ملايين فلسطيني في العراق والاعتراف بالدولة الصهيونية ..الخ ،  مقابل السماح  ببقاء الحكم أو رأسه فقط إذا ما نفذت ، وهو أيضا مطلب عربي تكرر على مسامع النظام مرات عديدة ولكن النظام الغارق في حالة انقطاع عن العصر والواقع الفعلي الخطير أرفق اعتذاره بالتهديد الصريح ضد أنظمة الخليج العربي الإيراني والذي أرعب المحميات النفطية كلها وليس الكويت فقط ومن استمع الى المذيع الإماراتي على قناتهم  الفضائية بعد إذاعة بيان الاعتذار من قبل وزير الإعلام محمد سعيد الصحاف، ومن قرأ تصريحات وزير الإعلام الإماراتي  يفهم مقدار الخوف الذي تركته عنجهية وتهديدات النظام ولغته المتحجرة  .
 إن  النظام يدرك هشاشته الداخلية وعزلته الخانقة ، وكلام طارق عزيز الى التلفزيون السويدي قبل أيام قليلة  يقول ذلك بكل وضوح ( غبي من يعتقد إننا سننتصر على الأمريكان عسكريا ولكننا سننتصر سياسيا !!) والشيطان وحده قد يستطيع  أن يشرح لنا كيف سينتصر نظام طارق عزيز سياسيا على الأمريكان وهو الذي لا يجيد تسويق بالون اختبار سياسي بحجم البيضة .. ترى هل يفكر النظام بتسليم رأس العراق وثرواته  سلميا للأمريكان والضواري الإمبريالية الحليفة له  مقابل بقائه في السلطة  مع بعض التحويرات ؟ ألا يمكن قراءة قرار الاعتذار الأخير والمباغت بعض الشيء ضمن هذا السياق ؟ 
 المخيف هو أن كل الاحتمالات واردة ، وأخطرها هو أن النظام وبمجرد بداية العدوان أو المجزرة القادمة سينتقل من طور العنجهية والعناد الى مرحلة جديدة  لن يجد حتى من يتطوع لدفنه خلالها إنما بعد تدمير العراق وسقوط نصف مليون قتيل ! والمجزرة القادمة لن تكون نهاية العالم ، فشعب العراق شعب حي  ومبادر وراسخ الجذور في معجم المقاومة الذهبي و هذا الكلام موجه تحديدا لأصحاب الخيار الأول ، أي خيار التعويل والمراهنة على الدبابات والطائرات الأمريكية التي يحلمون بأنها ستوصلهم الى السلطة على جبال من جثث العراقيين ،  أما أهل الخيار الثاني ( التعويل على النظام الشمولي والتحالف معه ) فهم أقل شأنا وأكثر بؤسا من أن يفكر بهم المراقب السياسي والمواطن العراقي البسيط ..
ولكن ماذا عن خيار  التغيير السلمي الشامل الذي يضمن احتمالا قويا بكبح العدوان الأمريكي الدموي القادم وينهي الحكم الدكتاتوري إنهاء فعليا  عن طريق تشكيل حكومة إنقاذ وطنية  تقود عملية التغيير وإحلال الديموقراطية والتعددية السياسية عبر المباشرة بالتنفيذ الشفاف والجذري لقرار الأمم المتحدة 688 الخاص بحقوق الإنسان العراقي وتقود عملية التصدي للعدوان إن وقع ؟
التراث الدموي المهول الذي راكمه النظام طوال أكثر من  ثلاثين عاما، وفقدان الثقة المطلق به ،وأسباب أخرى بين هذا وذاك، لا تترك مكانا للتفاؤل لدى العراقيين عموما في  أن النظام سيجنح الى قرار الحياة وطي ملف الموت، ولكن الاحتمال الضئيل في أن ذلك قد يحدث، يمنح لجهود المثابرين الشرفاء على رجاحة وإنسانية الخيار الثالث ،خيار التغيير السلمي، صدقية وشرفا كبيرين  سيذكرهما  التاريخ على مداه ..
نعم .. قد يذكر التاريخ أن الحزب العراقي الفلاني أو الشخصية السياسية الفلانية شاركت الغزاة الأمريكان في المجزرة مقابل  بعض الفتات السياسي ، ولكن التاريخ سيرصع جباه الذين حاولوا منع المجزرة وراهنوا على احتمال السلام والديموقراطية بكل الفخر والمجد ..
 لقد بلغ النظام الشمولي الدموي عنق الزجاجة ، والأمريكان يعدون العدة لاحتلال العراق احتلالا مديدا قد تجعل العراقيين يترحمون على عهود الطغاة السالفين ..
ولكن الدرس الجدير بالتأمل واستخلاص النتائج  من اعتذار النظام الأخير يقول  بأن زيادة الضغط على النظام ومحاصرته سياسيا وميدانيا بمطالب التغيير السلمي قد تفتح الباب واسعا أمام خيار السلام والديموقراطية وكلما ضاقت الأنشوطة حول رقبته اتسعت الآمال بإمكانية حدوث ذلك ..
اليد على القلب ...
 والعين على مشاهد التدمير النووي والإبادة الهمجية لشعب العراق  ...
فليكن التفكير والفعل  مركزين حتى الدقيقة الأخيرة قبل سقوط الصواريخ على خيار الحياة والأمل .. فحتى لو خسرنا هذا الرهان سنكون قد نجونا من عار التعاون مع غزاة بلادنا وقتلة أمهاتنا وأطفالنا .
نعم، لقد ماتت الدكتاتورية عمليا في العراق منذ انتفاضة ربيع 1991 و الخيار الثالث ، خيار السلام والتغيير السلمي الشامل يمنحها فرصة الدفن الكريم كنمط في الحكم وسيلحق بها في ذات القبر مشروع الحرب الرهيبة الوشيكة والمصفقين لها في المعارضة التابعة ..

#علاء_اللامي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات