هشام القروي
كاتب وشاعر وروائي وباحث في العلوم الاجتماعية
(Hichem Karoui)
الحوار المتمدن-العدد: 1288 - 2005 / 8 / 16 - 09:20
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
تيارات
ما الذي تواجهه الولايات المتحدة في العراق ؟ هل هو مجموعات من المتطرفين الاسلاميين طرأوا على الساحة بعد أن هربوا من أفغانستان , أم هو بالأساس خطة منظمة من طرف حزب البعث العراقي ؟ لعل الجواب الأرجح لا يستبعد أيا من الاحتمالين . ولكن التقليل من شأن مقاومة عناصر النظام السابق, الذين لديهم السلاح والكثير من المال, قد لا يكون موضوعيا. أعود الى تحقيق نشرته "نيويورك تايمز" في أكتوبر 2004. واهميته تكمن في استناده الى تقرير وضعه كبير المفتشين الأمريكيين عن الأسلحة العراقية. وصدام هو محور هذا التقرير. وبالرغم من أن الرجل انتهى كشخصية سياسية , فليس من المعقول أن نتصور أنه سيفرج عنه دون محاكمة , ولا أن نتصور أن المحاكمة ستبرئ ساحته, فالتقرير يذكرنا بأنه عشية الغزو الامريكي للعراق, في آذار ,2003 ابلغ كبار الوزراء العراقيين بأن " قاوموا لمدة اسبوع, وبعد ذلك سأتولي الامر بنفسي". وكانت اوامره لقادة الجيش مشابهة, بأن يعيقوا الغزاة بقيادة امريكية لمدة ثمانية ايام, ويتركوا الباقي عليه.
ويعتقد بعض الذين اعادوا سرد كلمات صدام المذكورة آنفا امام المحققين, بأن لديه اسلحة سرية. ومما يقوله التقرير ان ما يبدو الاكثر ترجيحا هو "ان صدام كان يحمل في ذهنه, حقيقة, نوعا من مقاومة قوات الاحتلال".
ومنذ خريف 2003, ووكالات الاستخبارات الامريكية تقول ان الخطوط العريضة العامة لحركة المقاومة ضد القوات الامريكية في العراق, قد وضعت اسسها, قبل نشوب الحرب, علي ايدي جهاز المخابرات العراقية. غير ان الصورة الاكثر دقة, التي تضمنها تقرير المفتش تشارلز دويلفر, Charles Duelfer تقدم ملامح استثنائية لحال صدام ومستشاريه عشية الحرب, اي بعد ثلاثة اشهر فقط من تبليغ الرئيس العراقي لمعاونيه, بأنه لم يعد يملك اسلحة كيماوية.
ووفقا للوصف الذي عرضه دويلفر, فان الفهم العميق لدي كبار المسؤولين العراقيين, لموضوع مواجهة الامريكيين بأسلحة تقليدية وحسب, قد قابلته القناعة, ومن جانب صدام علي الاقل, بان بالامكان عرقلة الزحف الامريكي بمساعدة انتفاضة شعبية, وبأن العراقيين الهاربين يستطيعون العودة والمشاركة في القتال ان ارادوا ذلك.
يستند تقرير دويلفر الي التحقيقات المطولة, التي اجريت لا مع صدام فقط , بل مع الكثيرين ايضا من كبار معاونيه, مثل طارق عزيز, نائب رئيس الوزراء سابقا. فقد اجاب بعضهم من زنزاناتهم, بمن فيهم طارق عزيز, حتي كتابة علي الاسئلة الامريكية, في عملية يصفها دويلفر باتمام الواجبات المنزلية. ويوحي هذا التقرير بأن فشل الامريكيين بتوقع اندلاع مقاومة عراقية يعتبر واحدا من عدد من القراءات الخاطئة لصدام ومعاونيه.
ومن حلقات قطع الوصل, التي يستشهد بها التقرير, تلك التي تصور الولايات المتحدة والعراق كما لو كانا من عالمين متوازيين. فيقول التقرير انه حتي 16 آذار ,2003 اي قبل ثلاثة ايام من اندلاع الحرب, ظلت وكالات الاستخبارات الامريكية تتلقي تقارير من وكالات اجنبية للاستخبارات, وكذلك من مصادر اخرى, كانت تعتبر ذات مصداقية, تقول ان صدام حسين قررّ استخدام اسلحة كيماوية ضد القوات الامريكية في حال نشوب الحرب.
وفي الحقيقة, واستنادا الى المقابلات التي اجريت مع العراقيين, يستنتج دويلفر بأن الاسلحة الكيماوية لم تكن على الاطلاق جزءا من استراتيجية الدفاع العراقية, وذلك لان صدام اعترف في كانون الاول 2002 بأنه لا يملك شيئا منها .ويقول التقرير بأن ما كانت الولايات المتحدة تعتقد انه "الخط الاحمر" بالنسبة للعراقيين, ويقضي تجاوزه من القوات الامريكية الثأر العراقي منها باستخدام اسلحة كيماوية, لم يكن الا جزءا من نظرية تكتيك معروفة, درست لجميع الضباط العراقيين, وتضمنت مفهوم خط الدفاع الاخير.
لم يقدم التقرير حكما فاصلا بمدى التخطيط للمقاومة العراقية المشتعلة منذ الغزو. لكنه يقول بأنه من آب 2002 حتى كانون الثاني 2003 وقادة الجيش العراقي في القواعد العسكرية في جميع انحاء العراق, يتلقون الاوامر بنقل الاسلحة وغيرها من المعدات العسكرية, وتخبئتها في خارج هذه القواعد, بما في ذلك المزارع والبيوت.
وتؤكد جملة وردت في احد الملاحق, على ان واحدا من فروع جهاز الاستخبارات العراقية, ويعرف باسم "ام 14", اي مديرية العمليات الخاصة, اشرف على مشروع في غاية السرية, ويعرف باسم "مشروع التحدي". وكانت صحيفة نيويورك تايمز نشرت خبرا في شهر نيسان, وصفت فيه تقريرا استخباراتيا صدر عن البنتاغون, بأنه يحتوي على معلومات مفصلة عن عملية انتشر فيها ضباط مخابرات نظام صدام مع تقدم القوات المحتلة بقيادة امريكية نحو بغداد, وذلك لقيادة المقاومة المسلحة, والتخطيط لعمليات التفجير, وغيرها من الهجمات.
يصف تقرير دويلفر جهاز "ام 14" بأنه قام بتدريب عراقيين وفلسطينيين وسوريين ويمنيين ولبنانيين ومصريين وسودانيين كمسؤولي عمليات الارهاب, وزرع العبوات الناسفة واتقان الرماية, اضافة الى القيام بعمليات خارجية في معسكر "سلمان بك" قرب بغداد. واذا صحت هذه المعلومات, فهي تفسر لماذا واجه الأمريكيون مقاومة عرفت بأنها "عربية" وليس فقط مكونة من عناصر عراقيين.
اما بالنسبة "لمشروع التحدي" بوجه خاص, يقول تقرير دويلفر "ان مصادر الاستخبارات لم تتمكن من توفير معلومات كافية عنه. ويشتمل هذا التقرير كذلك على استجوابات جرت في الفترة الاخيرة مع كبار مسؤولين عراقيين كانوا عائدين من رحلات الي الخارج, بما فيها استجواب لطارق عزيز, الذي ذكّره احد المحققين الامريكيين بأنه " بدا واثقا عشية الغزو الامريكي". فعندما سئل طارق عزيز عن قوله ان العراق كان مستعدا لدحر الغزو الامريكي, رد بالقول:" بالطبع, قلت هذه الاشياء. وهل تريدني ان اقول: اعتقد اننا ارتكبنا خطأ, وبأننا لسنا مهيئين لوقوع هجوم علينا?"
ويصف هذا التقربر محللي المعلومات المخابراتية من "مجموعة مسح العراق" بأنهم "تمتعوا بصلاحيات, لم يسبق لها مثيل", كالاتصال بالمعتقلين المحتجزين في السجون الامريكية, بمن فيهم كبار معاوني صدام, مثل علي حسن المجيد, المعروف ايضا بعلي الكيماوي, وعبد التواب ملا هويش, وزير الصناعة السابق, وصابر عبدالعزيز الدوري, فريق سابق عمل في مديرية الاستخبارات العسكرية العامة وجهاز المخابرات العراقية.
ويشير التقرير الي علي المجيد بأنه واحد من الذين تحدثوا مطولا, وبحيوية لكنه لم يكشف عن اية معلومات جوهرية. ويقول التقرير ايضا ان مسؤولين غيره, بمن فيهم الفريق الدوري, كانوا مستعدين للتعاون في قضايا, مثل تعامل العراقيين في قضية الاسرى الكويتيين بعد حرب الخليج الاولى عام ,1991 والتخطيط لعمليات الاغتيال في الخارج علي ايدي اجهزة الاستخبارات, وتعذيب المعتقلين السياسيين.
ويصور تقرير دويلفر, صدام حسين وقد استحوذت عليه مسألة أمنه الشخصي لدرجة انه نادرا ما رفع سماعة الهاتف بعد عام 1990 بسبب الخوف من ان يحدد ذلك موقعه, وبالتالي يدفع الولايات المتحدة للهجوم عليه, كما انه يصف صدام بأنه منعزل عن مستشاريه وعن الواقع الحقيقي للعالم, لدرجة انه عارض توصيات مستشاريه, حتى بعد هجمات 11 ايلول, بان يبعث العراق رسالة مواساة الى الولايات المتحدة. وقد افرد هذا الموقف, الذي يقول التقرير انه مستند الي غضب صدام من الهجمات الامريكية على العراق, حال وسائل الاعلام العراقية, من بين وكالات الانباء الشرق اوسطية, في تمجيد مهاجمي عمليات 11 ايلول.
وجاء في التقرير بأن صدام حسين جمع كبار المسؤولين, في كانون الاول 2002 ليبلغهم ان العراق لا يملك اسلحة محظورة, وان عليهم "التعاون الكامل" مع مفتشي الامم المتحدة العائدين الي العراق, كجزء من محاولة اخيرة يقوم بها مجلس الامن الدولي للحيلولة دون شن حرب علي العراق بقيادة امريكية.
ويضيف التقرير أنه بحلول شهركانون الثاني,2003 , اقتنع صدام بأن العمل العسكري الامريكي واقع لا محالة. لكنه كان يعتقد ايضا بأن القوات العراقية قادرة على عرقلة الغزاة واعاقة تقدمهم لمدة شهر على الاقل, حتى من دون اسلحة كيماوية, وبأن القوات الامريكية لن تتوغل حتى بغداد. ورفض التشاور مع المستشارين الذين كانت لهم قناعات مختلفة ودعمت حلقته الداخلية وجهة نظره الخاطئة. وبالتالي, فلم ينجم من القوات العراقية اي رد فعل عسكري فعال عندما بدأت عملية "تحرير العراق".
ويقول تقرير دويلفر انه بحلول شهر آذار 2003, استنادا الى تصريح احد ضباط الحرس الجمهوري الميداني سابقا, الذي قال بأن العراق جمع معلومات تكتيكية معتمدة عن القوات الامريكية في الكويت, انهم كانوا على علم بموعد بداية عملية "تحرير العراق", وفتيل اندلاع الحرب, اي في 19 آذار,حيث اجتمع صدام بقادة الجيش, وعقد الاجتماع الاخير مع وزراء حكومته, و كررّ علي مسامع وزرائه تعليماته الواضحة ثلاث مرات على الاقل "بالمقاومة لمدة اسبوع, وبعد ذلك سأتولي الامر بنفسي".
من الناحية العملية, لم يغب صدام عن الانظار حتى اوائل نيسان ,2003, عندما وصلت القوات الامريكية مشارف بغداد. وسينقضي اكثر من ثمانية اشهر, منذ ذلك الحين, حتى تقبض عليه القوات الامريكية.
العرب العالمية
http://www.hichemkaroui.com/
http://www.phoenixmagazine.tk/
http://www.hichemkaroui.edu.tc/
#هشام_القروي (هاشتاغ)
Hichem_Karoui#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟