اسعد عزيز
الحوار المتمدن-العدد: 4570 - 2014 / 9 / 10 - 11:20
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بالأمس استمعت الى جزء من حديث السيدة باولين هانسن رئيسة حزب امة واحدة الأسترالي اليميني ,قالت السيدة هانسن في حديثها ان المسلمين ينضرون الينا ( الغرب او المجتمع الأسترالي ) على اننا كفارا وانه يتم تحريضهم في الجوامع باستمرار ضد المجتمع الذي يعيشون فيه وانه بناءا على ذلك يجب فرض إجراءات لاحتواء العنف المتولد عن ذلك التحريض ..
امتعضت لبعض الوقت من حديثها ووجدتني اقف موقف المعارض ولكني بعد برهة تساءلت في نفسي عن كم مرة او كم من عشرات المرات التي سمعت فيها شيخ مسجد او احد المتدينين وهو يصف المجتمع الغربي بأنه مجتمع كافر ...ولأكون صادقا مع نفسي أولا ومع البلد الذي شرفني بمنحي حق المواطنة فيه أقول ان هذا الوصف متفق عليه بين الأكثرية من متديني السنة والشيعة ,وانا ادرك ان وصف الكافر يتبعه ما يتبعه من مشاعر الاغتراب والانعزال والكراهية والاقصاء , هكذا مشاعر يمكنها ان تقودنا بنا بسهولة الى اقصى مواقف الكراهية ومن ثم العنف نحو هذ المجتمع ..مجتمع اخترنا بمحض ارادتنا ان ننتمي اليه بل سعى معظمنا سعيا حثيثا شاقا ومضنيا وبكل ما اوتينا من حيلة للانتماء اليه ونحن نعرف مسبقا انه يصنف دينيا ضمن خانة الكفر وهو هنا كفر انكار الله او الاشراك به والذي هو اشد أنواع الكفر ( ان الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) . هذ المجتمع هو ما يصفه الحديث المنسوب الى الرسول (( انا بريء من كل مسلم يقيم بين المشركين )) و ( لا يقبل الله من مشرك عملا بعد ما اسلم حتى يفارق المشركين )) ( ومن عاشر قوما اربعين يوما صار مثلهم )) . وهذه اشكاليه المسلم الذي يعيش في مجتمع غير مسلم – فهذا المسلم يريد ان ينعم بحسنات المجتمع الذي يعيش فيه وهي حسنات كثيرة وربما عظيمة مقارنه بالبيئة التي خرج منها ( وطبيعيا ان اصف الحرية والمساواة وحقوق المواطنة بالعظيمة مقارنة بالظلم والاقصاء والتمييز الذي هو سمة اغلبيه مجتمعاتنا المسلمة ) ,وهذا المسلم ذاته يلقن باستمرار معاني التكفير والانفصال عن مجتمعه الجديد وعن كيف ان يبني سورا عاليا يحيط به نفسه بمنئ عن هذ المجتمع . وهنا تكمن البيئة الأمثل لنمو التطرف والفكر الإرهابي .(والحق انه قل ما نسئل انفسنا كمسلمين ونحن نغدق بحرية العبادة وحرية الانتماء في هذا المجتمع هل يحق لنا ان نكره ونعادي ونكفر من منحنا حرية ممارسة شعائرنا وجلنا حرم بشكل او باخر من هذا الحق في وطنه الأصلي ؟. ).
ولأوضح مقصدي سأصف هذه الإشكالية التي اتحدث عنها في خطوات فالخطوة الأولى اننا نكفر المجتمع الغربي ( وكل مجتمع غير مسلم بالطبع ) ثم الخطوة الثانية وهي هجرتنا مختارين نحو هذا المجتمع تليها الخطوة الثالثة وهي عيشنا في وسطه ونحن نحمل قناعات راسخة بتكفير هذا المجتمع والانعزال ومن الطبيعي ان نصل للخطوة الرابعة والتي تخطوها قلة من مجتمعنا ولكنها بطبيعة التدرج المنطقي قلة غير صغير ة وهذه الخطوة هي العداء الفعلي لهذ المجتمع والذي يوصف منطقيا بالإرهاب .
ولقد أدرجت في المقدمة بعض من التبريرات الدينية لمفهوم التكفير وهنالك اكثر واكثر من ذلك . واذن فان عدائنا وسلبيتنا نحو المجتمع الغربي تبدء أصلا قبل رحلة الانتماء الى تلك المجتمعات ,فطبيعيا ان تستمر وتتزايد خاصة الان ومع تزايد التطرف الديني . والسؤال الذي يفرض نفسه هو لماذا اذن نختار ان نعيش في مجتمع نصفه بانه كافر ؟ لماذ يرضى المتدينون بالعيش في هكذا مجتمع وكيف يبررون لأنفسهم وجودهم بين ضهرا نيه ؟ الجواب الحتمي هو اننا نعيش هنا بمحض اختيارنا اما لأننا ننعم بالحرية هربا من الاضطهاد او لأننا ننعم بفرص العمل او كلاهما وفي كلتا الحالتين فاننا نحصل على امر هائل في أهميته فالحرية هائلة الأهمية ولقمة العيش اهم ,ولقد قيل قطع الاعناق ولا قطع الارزاق ), فأن كان وجودنا في هذه المجتمعات صميميا في أهميته أفلا نسعى بكل جهدنا لردم الهوة بين ديننا ومجتمعنا هذا , افلا نعصر افكارنا ونصوصنا الدينية ونصهر قناعاتنا لنشكلها بصيغ تتيح لنا ان نتوقف عن الاعتقاد بكفر هذا المجتمع ؟
هل يوفر لنا ديننا مبررات تبيح لنا الاستفادة من خيرات هذه المجتمعات ولايوفر لنا مبررات الانتماء السليم لها , انتماء بالواجبات كما ننتمي بالحقوق .انتماء بالاعتقاد , انتماء محبة واحترام واجلال لهذ الأرض التي صارت لنا وطننا .
اولم نتربى على ان الوطن اغلى ما نملك ,
هل يعجز منطقنا الديني عن ان يدرك ان من يمنحنا الوطن ويحسن الينا ويفتح لنا بيته ليس بكافر وليس في الخندق المقابل لنا كمسلمين .هل يرضى منطقنا الديني ومفهومنا الديني ان نعض يد من احسن الينا وان لا نرى في ذلك رذيلة دينية .
فاذا كنا قادرين على التجزئة والتقطيع اذ قطعنا عندما انتمينا لهذا المجتمع الآيات والاحاديث الواردة أعلاه في تحريم الانتماء الى مجتمعات –كافرة- , فاذا كنا قادرين على التقطيع فلماذا لا نقتطع مفاهيم التكفير والتحريض على العزلة والبغضاء .
هل نتخيل ان يكون لنا وجود صحي وسليم بين مجتمع نكفره ونعزل انفسنا عنه ؟
هل نملك رويا طويلة الأمد لكيفية التعايش فكريا بين ديننا ووجودنا في هذه المجتمعات ؟ هل نتمنى حقا كمسلمين ان تتحول هذه المجتمعات الى الإسلام فتصبح بلدان إسلاميا ؟ افأن تحولت فهل ستستمر بامتلاك نفس الخصائص التي من اجلها تركنا اوطاننا ام تصبح نسخة ثانية من بلداننا ؟
نعم نمتلك من النصوص الدينية ما يحرضنا على الانتماء للوطن وحب الوطن والإخلاص له وارى انه يمكن من خلال هكذا نصوص ان نعمل على حل لإشكالية التكفير ونحيل الفهم الى فهما اكثر انفتاحا بكثير وأوضح واصدق مع المجتمع , فهم توصلت اليه الجاليات الأخرى كالسيخ والهندوس والبوذيون وغيرهم (وكثير من تعاليم هؤلاء عسيرة على التناغم مع الفكر الغربي )
يجب ان تدرك الجاليات الإسلامية ان الطريق الذي تسير فيه حاليا والذي يقوده محرضون جهلة ليس هو طريق الانتماء السليم وان الرؤيا الدينية المطروحة حاليا تصيب مشروع الانتماء في مقتل وهي ارض خصبة للفكر الإرهابي .هذه الروية التكفيرية هي روية مريضة كسيحة لا تقودنا الى امام , روية مشوهة تناقض العقل حتى وان استندت الى قصاصات مقدسة ( ومن بين النصوص المقدسة ما يكمن توظيفه للتحريض على الانتماء الصحيح لهذا المجتمع كحال كل الأديان والملل الأخرى )
ولطالما رددنا من مثل :
اللي مضيع محب يمكن سنه وينساه
واللي مضيع ذهب بسوق الذهب يلكاه
بس اللي مضيع وطن وين الوطن يلكاه .
و
وطني حيث يحملني
وها نحن قد لقينا اوطاننا تحملنا..... افلا نحملها !!!!
#اسعد_عزيز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟