|
أقلام وأوراق
أحمد الخميسي
الحوار المتمدن-العدد: 1287 - 2005 / 8 / 15 - 11:26
المحور:
الصحافة والاعلام
ارتبطت بدايات الصحافة المصرية بعام 1813 مع صدور " الجورنال " بأمر من محمد علي باشا لحاجته وقتها إلي مجرد تقرير منتظم يصله عن نشاط الدواوين الحكومية التي أنشأها . وكان " الجورنال " أول صحيفة مصرية سرعان ما كبرت وتحولت عام 1828 إلي جريدة " الوقائع " التي استهدفت مجرد التعريف بأخبار الحكومة وبناء الجسور وترقيات الضباط وما شابه . وحتى ذلك التاريخ كانت الصحافة مجرد نشرة حكومية تقتدي بما فعلته الحملة الفرنسية حين أصدرت جريدتين لجنودها ، لكن نشرة " الوقائع " كانت حبلى بجنين الصحافة حتى عام 1841 عندما تم بإشراف من رفاعة الطهطاوي وضع وتنفيذ خطة جديدة لإصدار الوقائع بإضافة أنباء العالم الخارجي ومقطوعات أدبية ، فقفزت الوقائع بذلك إلي القيام بدور إعلامي . ولم يكن ذلك الدور الجديد يعني أن الصحافة قد نضجت لتصبح صحافة " رأي وموقف " . وفقط عام 1877 وعلى ألسنة نيران الحرب الروسية التركية التي غذت الأزمة الوطنية بعامل خارجي مؤثر عرفت الصحافة المصرية طريقها إلي " الرأي والموقف " منتقلة من الأخبار الحكومية مع طائفة من الأخبار العامة إلي صحافة تثير الرأي العام وتؤلبه على النظام . وخاضت الصحف للمرة الأولي بعد 65 عاما من نشأتها في النقد السياسي الصريح ، فانتقلت من مرحلة التأسيس ثم الدور الإعلامي المحايد إلي صحافة رأي وموقف وطني . وولدت منذ ذلك الحين صحف لا حصر لها على هذا الدرب ، تظهر ، وتقول كلمتها في وجه الدولة ، وتغلق ، وينفي أصحابها ، وكانت القضية الأولي لكل تلك الصحف هي الدعوة للحرية ، ومواجهة الطغيان والجود الأجنبي ، والاستغلال . وعلى الجانب الآخر ظهرت صحف أخرى لا تعاني من أزمات في التمويل ، ولا تغلق ، ولا تصادر ، لأنها كانت تحني رقاب الكلمات للسلطة ، كصحيفة المقطم التي قامت على أموال اللورد كرومر . وخرجت صحف من نوع ثالث كصحيفة المؤيـد كان : " نصفها للأمير ونصفها للجماهير " كما شاع عنها حينذاك . وللمرة الأولى في تاريخ الصحافة المصرية تصف إحدى الجرائد الخديوي إسماعيل بأقذع الألفاظ فتقول إنه : " أنفق مائة ألف جنيه من دم الفلاح وأنه بمثل هذه التصرفات السيئة يفضي بالبلاد إلي الهاوية " فتأمر الحكومة بإغلاق الجريدة . وتنقب جريدة أخرى هي " مرآة الشرق " لمحررها إبراهيم اللقاني عن أسباب الفساد الذي تفشى في مصر وتكتب صراحة أن السبب هو الحكام الذين : " لا يعرفون شرعا ، ولا يرضون قانونا ، بل تعدوا الحدود وانتهكوا المحارم ، وحاربوا العدل ، فطغوا وبغوا ، ونهبوا وسلبوا ، وفتكوا وهتكوا وأفراد الرعية على مرأى منهم حفاة عراة يتضورون جوعا " . وينشر أديب اسحق مقالاته النارية في جريدة مصر التي أنشأها فأغلقت بعد ثلاثة أعداد ويكتب مهاجما الاستبداد وغياب الحريات قائلا بأعلى صوت: " لا ريب في أن امتياز بعض الناس عن بعض الناس في وطن واحد يلحق بذلك الوطن الضرر العظيم حسا ومعنى .. وقد حان لهذه البلاد أن تنتعش من عثرتها " . ولم تحتمل الحكومة جرائد أديب اسحق لأنها جرائد موقف ورأي فأغلقتها ، ثم نفته إلي باريس عقابا له على شعوره الوطني فأصدر من هناك صحيفة " مصر القاهرة " وكتب فيها يقول : " سأكشف حقائق الأمور .. وأوضح معايب اللصوص الذين نسميهم اصطلاحا أولي الأمر، ومثالب الخونة الذين ندعوهم وهما أمناء الأمة .. وقصدي أن أثير بقية الحمية ، وأرفع الغشاوة عن أعين الساذجين ، ليعلم قومي أن لهم حقا مسلوبا فيلتمسوه ، ومالا منهوبا فيطلبوه وليستصغروا الأنفس والنفائس من أجل حقوقهم " وعام 1979 كتب أديب اسحاق يقول : " و اعجباه ! انا أمة عظيمة ولا قوة لنا ، وأرضنا خصبة ولا نجد القوت ، نشتغل ولا نجني ثمرة الاجتهاد ، ونؤدي الضرائب الباهظة فلا تعد كافية .. ونحن في سلم خارجي وحرب داخلية ، فمن هو ذلك العدو الخفي الذي يسلب أموالنا ويفسد أحوالنا ؟ " . ثم كتب يعقوب صنوع عن الخديوي إسماعيل : " إنه فاجر يقتات بالكبائر ويتفكه بالصغائر " ، وكتب عندما صدر قانون المطبوعات : " اكسروا أقلامنا وسدوا أفواهنا ، فسوف نكسر أنف أظلم حكامنا " ! وعندما قرر السلطان عبد الحميد الثاني عزل إسماعيل باشا وتعيين توفيق كانت نذر الثورة العرابية تتجمع في سماء مصر ، ومعها احتشدت صحافة الموقف وأمانيها التي أطلقتها الثورة وخاصة الجرائد التي أصدرها عبد الله النديم ومنها " التبكيت والتنكيت " التي ظهرت في يونيه 1881 ، ثم " الطائف " ، وجريدة " الأستاذ " ، وفيها كلها حمل النديم على طغيان الحكام ، ووصف حالة البؤس التي وصل إليها الفلاحون ، والفساد ، والظلم . وقد مرض عبد الله النديم ذات يوم ، فلم يستطع تحرير عدد من جريدته الطائف ، لكنه أتم مقالا هاجم فيه إسماعيل قائلا : " أعتذر عن تحرير باقي الجريدة ، إلا ما كان خاصا بإسماعيل باشا فإني أكلف نفسي بكتابته .. لأن نشره علاج لي ! " . وظهرت أيضا صحف يعقوب صنوع الساخرة فلاحقته السلطة دون هوادة . ولقد تبدل الحكام ، وتغيرت العصور ، ولم يبق للتاريخ سوى الأقلام والأوراق التي تعتز بالحقيقة وحدها .
#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جابريل جارثيا ماركيز - قصيدة عن الحب
-
كنت في شرم الشيخ
-
هذه الرواية - نادي القتال
-
الفساد جملة واحدة مستمرة
-
الليبراليون العرب .. من يخدعون ؟
-
أدباء مصريون من أجل التغيير .. موقف أم وجود ؟
-
الرقابة والثقافة في مصر
-
مسيحيون من أجل القرآن
-
حديقة - قصة قصيرة
-
المستشار محمد بك نور .. الذي برأ طه حسين
-
أيام واحات صنع الله إبراهيم
-
التمويل الأجنبي عمالة صريحة
-
جذور للكتابـة
-
المادة 76 في حياة مصر الثقافية
-
معرض القاهرة والكتب
-
طول لسان رياض النوايسة
-
في وداع كاتب شريف
-
كلمة سحرية تتحدى الزمن
-
-- قصة قصيرة - بط أبيض صغير
-
من تثقيف العسكر .. إلي عسكرة المثقف
المزيد.....
-
هذا الهيكل الروبوتي يساعد السياح الصينيين على تسلق أصعب جبل
...
-
في أمريكا.. قصة رومانسية تجمع بين بلدتين تحملان اسم -روميو-
...
-
الكويت.. وزارة الداخلية تعلن ضبط مواطن ومصريين وصيني وتكشف م
...
-
البطريرك الراعي: لبنان مجتمع قبل أن يكون دولة
-
الدفاع الروسية: قواتنا تواصل تقدمها على جميع المحاور
-
السيسي والأمير الحسين يؤكدان أهمية الإسراع في إعادة إعمار غز
...
-
دراسة تكشف عن فائدة غير متوقعة للقيلولة
-
ترامب يحرر شحنة ضخمة من القنابل الثقيلة لإسرائيل عطّلها بايد
...
-
تسجيل هزة أرضية بقوة 5.9 درجة قبالة الكوريل الروسية
-
مقتل ثلاثة من أفراد الشرطة الفلسطينية بقصف إسرائيلي لرفح
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|