|
الشبيبات الحزبية -مابعد- 20 فبراير: هل تُضيّع هوية الانتماء؟
حميد هيمة
الحوار المتمدن-العدد: 4568 - 2014 / 9 / 8 - 09:15
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
يجب التنبيه، أولا، إلى أن "ما بعد"، لما قد تثيره من مسائل الوجود أو الفناء، فإنها تفيد، هنا، دلالة التحقيب كلحظة فاصلة بين زمنين سياسيين: زمن ما قبل 20 فبراير وما يعنيه من تسلط مخزني مقابل شلل الفعل الحزبي، بكل أطيافه، وعدم فعاليته في مواجهة هجوم النظام؛ الذي كان يستعد لتدشين مرحلة ما بعد "الانتقال الديموقراطي"، بما تستبطنه في الواقع من تأسيس لما يسمى بالسلم الاجتماعي، إلى مرحلة صناعة الأداة الحزبية للسلطة بإعادة إنتاج نسخة مشوهة من تجربتي بنعلي ومبارك في تونس ومصر على التوالي.
أما مرحلة "مابعد" 20 فبراير، وهي التي تهمنا، فهي منعطف تاريخي في الزمن السياسي والاجتماعي المغربي؛ إذ استعاد الشارع المبادرة، عبر احتجاجات جماهيرية، للمطالبة ميدانيا بإسقاط الفساد والاستبداد بقيادة حركة 20 فبراير المجيدة. لقد نجحت حركة 20 فبراير، كحركة اجتماعية ناهضة، في إسقاط المشروع المخزني، وفرضت على النظام مباشرة عدة مبادرات لامتصاص الضغط الشعبي، وفضحت المنظمات النقابية وجمعيات الريع بعد تنصلها من مسؤولياتها في إسناد ودعم المطالب والنضالات وما جوبهت به من قمع عنيف جدا.
والأهم من ذلك كله، أن حركة 20 فبراير أكدت على الدور الطليعي للشبيبة المتعلمة، ذات الأفق الديموقراطي، في قيادة المنعطفات المفصلية في التاريخ الراهن ليس فقط في المغرب وإنما في كل المجتمعات المتطلعة إلى الديموقراطية. وبهذا المعنى، فإن حركة شباب 20 فبراير، أعادت صياغة هوية الشباب المغربي: إنه الشباب المتمرد على تعليم "جيل الضباع"، بتعبير الراحل محمد جسوس. كما أنه، أيضا، ليس شباب التطرف الديني والاجتماعي، بل شباب واع، يفكر في السياسة رغم أنها هي- السياسة- لا تفكر فيه، من منظور الدولة وقسم كبير من الأحزاب، إلا في تدجينه وصرف انتباهه عن القضايا الحقيقية للمجتمع والوطن.
والحقيقة، التي يجب أن نعترف بها، بكل الوضوح والجرأة اللازمتين، أن حركة 20 فبراير أحرجت بعنف المنظمات الشبابية الحزبية؛ بقدرة شباب الحركة على المبادرة، والجرأة، والشجاعة، والتضحية، والوفاء، والنضال المستميت رغم عنف السلطة وانتهازية "النخب" وانتظارية شبيبات الأحزاب وشلل قدرة هذه الأخيرة، كتنظيمات وليس كأفراد، على الإبداع والمبادرة مكتفية بلغة البيانات والبلاغات على صدر صفحات الفايسبوك!
مقابل إبداع شباب 20 فبراير ومبادراته، ارتهنت الشبيبات الحزبية إلى إنتاج أمراض النسق السياسي برمته؛ إذ تفشل، مثلا، في اختبار استنبات الممارسة السياسية الديموقراطية الرائجة في أحزابها (نموذج حشدت) في عقلنة سلوكها بدل العمل بنزعات الطوائف والقبائل! والمفارقة، التي يجب الانتباه إليها بكل يقظة، هي: شلل التنظيمات الشبيبية الحزبية، مقابل نشاط أعضائها في المبادرات "العفوية" ذات الطابع الجماهيري! إن هذه المفارقة الصادقة توحي إلى أننا بصدد أزمة تنظيمات لا بصدد "أزمة" مناضلين ومبادرات! إن هوية الشباب المغربي اليوم، كانتماء وهوية، هي شعارات ومطالب وتضحيات حركة 20 فبراير المجيدة، وهي: أولا: إسقاط الفساد. في الوقت الذي كانت فيه الشبيبات الحكومية تنعم في عائدات ريع الدواوين الوزارية، وفي الوقت الذي كانت فيه الشبيبات الحزبية المعارضة مرتبكة الإرادة ومشلولة المبادرة، تقدم شباب 20 فبراير بمبادرة جماهيرية لمغرب الديموقراطية ومجتمع العدالة الاجتماعية. وإذا كان هذا الشعار يشكل، اليوم، حقا مشاعا للتدوال الشفاهي، فإن الانتماء للديموقراطية والتقدمية واليسار، في ظل زمن 20 فبراير الفائر، يستلزم وجوبا مناهضة الفساد ومحاربته ليس في البنيات السلطوية فحسب، بل تجفيف الفساد الذي يخترق تنظيماتنا. سيكون من باب الخيانة العظمى، إذا شاركت بعض الشبيبات هوية الانتماء إلى محاربي الفساد، لكنها، بالمقابل، لا تتردد- الشبيبات- في التوسل، بشكل سري، إلى صانعي الفساد في هذا الوطن المجروح! وما أعظمها خيانة، وما أكثر الخونة الذين يملئون محيطنا ضجيجا بالشعارات! ثانيا: إسقاط الاستبداد. لا يقوم الإيمان والوفاء لهذه الهوية النضالية دون مواقف واضحة ومسنودة بالممارسة في محاربة الاستبداد. ولا يستقيم هدم الاستبداد دون تشييد الديموقراطية كفلسفة آليات. بيد أن الملاحظة المثيرة في تنظيمتنا، التي لا تتوانى في التأكيد على الانتماء الديموقراطي، هو التغييب الممنهج للديموقراطية، من خلال إعدام البيئة المناسبة للتفكير الحر، ومصادرة حق المعرضة في الرأي العلني كما الأغلبية، وإغلاق التنظيمات على كل نقاش علني يهم الديموقراطية، رعاية القيادة للطائفية والقبيلة كتعويض عن الانتظام في تيارات الرأي.
إن نماذج الممارسة السياسية التي تقدمها شبيبت(نا) تعيد إنتاج فقط النسق السلطوي القائم دون الانفكاك عن تقديم نموذج بديل لما يقيمه النظام المستبد. ويكفي أن نثير، هنا، مصادرة الرأي في التعبير، ومعاقبة فاضحي الفساد، والاعتماد على حرارة الهواثف بدل النقاش العلني الصريح والواضح، وإشاعة النميمة كسلوك منهجي، في غياب الحد الادنى من تبادل وجهات النظر والأفكار! كانت، في زمن ولُى، القيادات الشبيبة تصنع الأحداث والمبادرات؛ منها مثلا معارضة محمد الساسي لما سمي بحكومة التناوب بقيادة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، ورفض محمد حفيظ لمقعد برلماني مُزور، وتضحيات أجيال من رفاقنا في الحركة الطلابية، وقيادة تنسيقية الشبيبات الديموقراطية...الخ.
واقعنا، اليوم، هزال. فلا نحن في مستوى صيانة هويتنا، ولا نحن في مستوى الوفاء لتضحيات شباب الحراك الاجتماعي والسياسي. وعموما، فإنه لا معنى، في زمن 20 فبراير، الانتماء إلى الديموقراطية والتقدمية دون التقيد بالمنطلقات التالية: 1- تجفيف الفساد بكل أشكاله؛ 2- الشفافية المالية؛ 3- ضمان الاستقلالية عن مراكز الفساد.
هل تعاني تنظيماتنا من هذه الأمراض؟ الحقيقة، بكل أسف، هي نــــــــــــــــــعم بهذا الامتداد الذي يلف قسم كبير من التنظيمات! أما سؤال كيف؟ فالجواب في الحلقة المقبلة مادام العمل السياسي شأنا عاما! (*) عضو اللجنة المركزية لحركة الشبيبة الديموقراطية التقدمية. سيدي يحيى الغرب، 08/09/2014
#حميد_هيمة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفلاح المغربي المدافع عن العرش.. هل ينجح شباب القرى في تفكي
...
-
انتحار الشباب بسيدي يحيى الغرب..وهذا هو المتهم!
-
ما لم تقله جماعة العدل والإحسان في مؤتمرها الصحفي.
-
بصدد الندوة الدولية لطنجة: لا..لم يناضل الشهداء من أجل تقوية
...
-
صقور المخزن وحمائمه: أجنحة التوازن.
-
بصدد الفساد: النقد المزدوج.
-
ديغول -الأنواري- يخاطب مرسي الإخواني.
-
البيان العام للمؤتمر الوطني السادس لشبيبة الحزب الاشتراكي ال
...
-
مؤتمر حشدت بروح الربيع الديمقراطي:-ممفاكينش..على التغيير ممت
...
-
حشد التقدمية... إعادة البناء بروح حركة 20 فبراير.
-
حديث الشهداء: من ايت الجيد الى شكري بلعيد.
-
شبيبة الاشتراكي الموحد.. نهاية نفق التأزيم
-
نفاق صحابة بنكيران.... صهيوني في مؤتمر حزب رئيس الحكومة الاس
...
-
ذ جمال العسري: ركز الاستنطاق حول مقاطعة الانتخابات .. و هناك
...
-
المناضلة التونسية جليلة قديش لأنوال: القطب الديمقراطي الحداث
...
-
باراكا في مسيرات 20 فبراير: هل فشل بنكيران في انتزاع نصيبه م
...
-
ميثاق الشرف...لسياسة بدون شرف.
-
بسبب تراكم السياسات الفاشلة في سيدي يحي الغرب : السلطات تحتر
...
-
لجنة محلية بسيدي يحي الغرب للتضامن مع المعتقلين السياسيين.
-
أحكام قاسية في محاكمة غير عادلة: التحضير لتأسيس لجنة وطنية ل
...
المزيد.....
-
معالجات Qualcomm القادمة تحدث نقلة نوعية في عالم الحواسب
-
ألمانيا تصنع سفن استطلاع عسكرية من جيل جديد
-
المبادئ الغذائية الأساسية للمصابين بأمراض القلب والأوعية الد
...
-
-كلنا أموات بعد 72 دقيقة-.. ضابط متقاعد ينصح بايدن بعدم التر
...
-
نتنياهو يعطل اتفاقا مع حماس إرضاء لبن غفير وسموتريتش
-
التحقيقات بمقتل الحاخام بالإمارات تستبعد تورط إيران
-
كيف يرى الأميركيون ترشيحات ترامب للمناصب الحكومية؟
-
-نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح
...
-
الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف
...
-
حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف
...
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|