|
شـئـون وشـجـون تـاريخية
محمود سلامة محمود الهايشة
(Mahmoud Salama Mahmoud El-haysha)
الحوار المتمدن-العدد: 1287 - 2005 / 8 / 15 - 11:13
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
اسم الكتاب: شئون وشجون تاريخية اسم المؤلف: د. يونان لبيب رزق الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب – ضمن مهرجان القراءة للجميع "مكتبة الأسرة" لعام 2005. رقم الطبعة: الأولى عدد صفحات الكتاب: 184 صفحة من القطع المتوسط نبذة عن شخصية المؤلف: د."يونان لبيب رزق" أثرى المكتبة العربية بما يقارب الخمسين مؤلفا في تاريخ مصر الحديث والتاريخ العربي، عدا الأبحاث والتحقيقات التي استفاد منها أجيال من الباحثين، ويتذكر الشعب المصرى كله دوره مع فريق العمل المصري الذى نهض بمهمة الدفاع عن حق مصر في طابا، فقد قام على جمع الوثائق الخاصة بالموضوع وصياغة الجوانب التاريخية في المذكرات القانونية التي كان الفريق المصري يقدمها إلي هيئة محكمة العدل الدولية. وقد أسندت إليه مهمة تأسيس "مركز تاريخ الأهرام" ويقوم بتحرير الصفحة الأسبوعية التي تنشرها الجريدة بعدد يوم الخميس تحت عنوان "الأهرام-ديوان الحياة المعاصرة" وقد توجت مسيرته العلمية وجوائزه العديدة بحصوله على أرفع الجوائز العلمية المصرية، وهي جائزة مبارك في العلوم الاجتماعية لعام 2004.
قراءة في الكتاب: وفي وصف وتصنيف الكتاب –يقول المؤلف – أنه من الصعب وصف هذا العمل بأنه من أعمال التاريخ العلمي التي تقوم على اختيار موضوع بعينه أو شخصية بذاتها أو فترة بحدودها لوضعها موضع الدراسة، مستعينا صاحبها في ذلك بأحد مناهج الكتابة العلمية المعروفة، ومستخدما المادة المتاحة، خاصة الأصيل منها نقلا عن دور الوثائق والدوريات وسائر المصادر التي تشكل ما يعرفه دارسو التاريخ بأنه مادة علمية من الدرجة الأولى. وإنما يندرج هذا العمل إلى "التاريخ الجاري" أو ما يسميه البعض "بالشئون الجارية Current Affairs" والقائم على رصد وقائع كبيرة جرت خلال السنوات الأخيرة، ومحاولة البحث عن جذورها التاريخية؛ الأمر الذى جعل المؤلف يختار هذا العنوان غير التقليدي "شئون وشجون تاريخية".
إن كتاب "شئون وشجون تاريخية" لا يضع حقائق وإنما يطرح أسئلة ربما لم يحن الوقت للإجابة عليها، وهو لا يضع حلولاً بقدر ما هو يلقى الضوء علي المواقف؛ ولأن الأحداث مازالت تجرى، بل ساخنة، سواء قبل التعامل مه هذا النوع من الدراسات أو بعده، يبقى الحصول علي النتائج ضربا من المستحيل. الأمر الذي يوفر لقرائها لونا من المتعة الفكرية، ويثير شهية القراء في البحث عن تلك الإجابات والاستمتاع بهذا النوع الجديد من الكتابة التاريخية؛ ويثير في نفس الوقت شكلا من أشكال الرياضة الذهنية تفتقر إليها في العادة الكتابات التاريخية التقليدية. على عكس الحال مع الكتابات التاريخية التقليدية التى تتعامل مع أحداث دخلت ذمة التاريخ، والتى يمكن لكاتبها أن يلتزم بدرجة من الحياد البارد!
أما الشئون التي يأخذنا إليها ."يونان لبيب رزق" فهي كثيرة، وهي أحداث مهمة يمد بها المجتمع، ومازالت نتائجها في مرحلة التصور، لم ينته بها المطاف بعد لتصبح حقائق مقدرة، ولأنها أمور تهم المجتمع فهي تحمل شجوناً لمدى تأثر المجتمع بهذه القضايا التي يناقشها الكتاب، حيث يعرض لنا تاريخ الطبقة الوسطى منذ أيام الحكم العثماني وحتى الآن، ويستعرض مدى تزايد أو تناقص دورها في حياة الأمة طبقا لظروف كل مرحلة، ثم ينتقل إلي الشأن السياسي ودراسة عن ثورة يوليو والدولة وتطلعاتها والدور البرلماني، ثم الحدث الأهم وهو الاستفتاء على انتخاب رئيس الجمهورية بما يحمل من مكاسب ومخاطر، ثم الشأن السوداني على اعتبار أن أمن السودان يشكل أمناً وقائياً لمصر، ثم الشأن العربي وما يمر به العالم العربي من أحداث اختلطت فيها المفاهيم وما أفرزته من قضايا جديرة بالبحث.
شئون مصرية في الشأن الاجتماعي: في مصر قضية الطبقة الوسطى وما أصابها من وهن شديد، الأمر الذى لا يختلف عليه أحد، فيما جعل المؤلف إلي تقديمه من خلال "رؤية تاريخية" في موضوعين يفصل بينهما قيام ثورة 1952 بكل ما استتبعها من تغييرات عميقة أصابت تلك الطبقة. ويري المؤلف أن أزمة الطبقة الوسطي الصغيرة قد استحكمت بعد تعويم الجنية المصري، وما تبعه من ارتفاع حاد حتى في أسعار الضروريات، ولا نجد غرابة مع ذلك أن يلجأ هؤلاء إلى حلول تجافى ما ضيهم الطبقى ، وتتناسب مع واقع الخصخصة المفروض عليهم؛ العمل في الحراسات الخاصة، أو في الخدمات في الفنادق وسائر المنتديات، بل وحتى في بيع الفول المدمس!! وفي مواجهة هذه الموجة العارمة من الفوضى العامة يبقى الجهاز الحكومي عاجزا عن مقاومة ظاهرة الفساد في طبعتها المجددة، والتي لن تتآكل إلا بزوال أسبابها .. بإصلاح النظام الحزبي علي نحو يعيد للحياة السياسية استقامتها، وبوضع الضوابط التي تكفل حسن التصرف فيما بقى من مؤسسات القطاع العام في إطار رقابة مشددة، والأمر موكول للمؤسسات التي تتولي هذه المهمة .. الرقابة الإدارية وجهاز المحاسبات، فهل ينتظر المصريون طويلا!!؟؟
شئون مصرية في الشأن الديني: ثم اختار بعد ذلك ما أصبح يعاني منه المصريون من احتقان ديني بدا في بعض جوانبه نوعاً من المؤامرة من جانب بعض الجهات الحريصة علي إضعاف الدور المصري، تبعناها ببعض القضايا ذات الطابع السياسي التي لا تفتأ تطل برأسها لتصبح محل مناقشات بين سائر المصريين. ولا يبقى إلا القول أنه على الدولة أن تطرح "مشروعا وطنيا" يتناسب مع الأوضاع القائمة، عالميا وإقليميا ووطنيا، وأن يلتف المصريون جميعا حول هذا المشروع، ويصبح عندئذ للوطن معنى ويعود شعار "الدين لله والوطن للجميع" ليفرض نفسه على المصريين .. جميع المصريين، عندئذ فقط سوف تنتهي حالة الاحتقان الديني القائمة!
شئون مصرية في الشأن السياسي: من هذه القضايا ذلك الخلط الذى ساد بين المهتمين بالتاريخ والذى طفا على السطح بمناسبة مرور خمسين عاما على ثورة يوليو، حين اعتبر البعض أن (الثورة) مازالت قائمة، وفندنا هذا الرأى اعتمادا على البديهية التاريخية أن الحركة الثورية لا تدوم إلى الأبد، وإنها يمكن أن تولد نظاما يأخذ بمبادئ الثورة دون زخمها ، مما وصفه المؤلف "بدولة يوليو". منها أيضا محاولة وضع تحديد دقيق لتوصيف المستقلين وتأثير هؤلاء على التاريخ المصري الحديث، بعد أن شاعت فكرة بين عديدين وصمت موقف هؤلاء بأنه موقف انتهازي، أكثر منه موقف سياسي. ومنها أخيرا الحدث الضخم الذى جرى في مصر يوم 26 فبراير عام 2005 حين أعلن الرئيس المصري حسني مبارك القبول بمبدأ انتخاب "رئيس الدولة" ، وهو الأمر الذى لم نعرفه مصر طوال تاريخها الحديث، مما يشكل علامة فارقة في هذا التاريخ ينبغي الوقوف عندها، والعض عليها بالأسنان والنواجذ! .. مما يمثل مكسبا كبيرا، ولكن مع المكاسب كثيرا ما تلوح المخاطر!! وقد أشار المؤلف إلي ثلاثة مخاطر:- (1) أولها نابع من داخل النظام؛ فقد يستغرق الأمر بعض الوقت ليدرك الرجال القائمون على السلطة، كما أدرك الرئيس، بأن رياح التغيير قد هبت، خاصة بعد أن احتكروا السلطة واستمتعوا بثمارها خلال السنوات الطويلة السابقة. (2) احتمالات التدخل الخارجي، فمصر، أو دورها، ظلا مطمعا لقوى عديدة، سواء من داخل المنطقة أو خارجها، ونعتقد أن هؤلاء لن يألوا جهدا في سعيهم لاقتناص صاحب المنصب الجديد، مما يمكن أن يضخوا معه أموالا لا أول لها ولا آخر في سبيل تحقيق هذا الهدف. (3) آخر هذه المخاطر متعلق بالمصريين أنفسهم، فهم بهد كل تلك السنوات التي سلموا خلالها بثقافة سياسية بعينها، هي ثقافة البيعة، في حاجة إلي درجة عالية من اليقظة حتى لا تستغل هذه الثقافة لسوقهم إلي التيه!!
في الشأن السوداني: وبحكم ذلك الاحتكاك الدائم والقائم بين التاريخين المصري والسوداني كان من الطبيعي أن يدلف –المؤلف- من الشمال إلي الجنوب فيطرح السؤال الذى لا يفتأ السياسيون في مصر يثيرونه حول من المسؤول عن تبدد حلم وحدة وادى النيل، وما اتصل بذلك من موقف مصر حيال التطورات المتلاحقة في السودان أو جنوب الوادي. رصد المؤلف المحاور الأساسية التي قامت عليها سياسات العهد الناصري تجاه السودان على النحو التالي: المحور الأول: يقوم على الحفاظ على المصالح المائية المصرية في السودان ، وقد تجسد هذا المحور في عقد اتفاق الانتفاع الكامل بمياه النيل بين الحكومتين المصرية والسودانية عام 1959. المحور الثاني: يقوم على سياسة التهدئة في العلاقات مع الحكومات القائمة في الخرطوم وضبط النفس خاصة في الظروف التي تتبع فيها تلك الحكومات سياسات نابعة من الاعتبارات الحزبية. المحور الثالث: أن تظل لمصر، وتحت أى ظروف وجود فعال في السودان، وقد رئي أن أفضل ميدان من ميادين هذا الوجود هو الميدان الثقافي، سواء بسبب تلبيته لحاجات شعبية لا تقدر الحكومة السوادنية على الوفاء بها، أو بسبب أنه يثير قدرا أقل من الحساسية. ونستطيع أخيرا أن نزعم أن السياسات المصرية، حتى بعد غياب عبدالناصر، ظلت تدور حول هذه المحاور، رغم أى ظروف!
في الشأن العربي: ولم يكن هناك مندوحة مع التطورات المأسوية التي عرفها العالم العربي بكل انعكاساتها على الدور المصري من محاولة وضع إجابات على كثير من الأسئلة الحائرة في هذا العالم، عن الفرق بين الإرهاب والعمل الوطنى، عن أسباب اختيار القوى الطامعة لمناطق الأبواب العربية، العراق والسودان، وأخيرا عن الأسباب التى دفعت قطاعات عريضة من العراقيين إلي سلوك السبيل الذى سلكوه في أعقاب سقوط بغداد في أيدي قوات الاحتلال الأمريكي. يبقى أخيرا تلك العلاقة المعقدة بين بعض الشعوب العربية وبين "الملكية العامة"، إذا بينما نجح الغربيون أن يرسخوا في نفوس أبنائهم ملكية شعبية، أو بمعنى آخر ملكية كل ابن من أبناء الوطن ، فقد افتقر أغلب العرب، وربما كثير من أبناء العالم الثالث، إلى فهم هذه الحقيقة، إذ ظلوا ينظرون إلي الملكية العامة على اعتبارها ملكية الحكومة بكل الانفصام القائم بينهم وبينها. ويرجع –المؤلف- ذلك بالأساس إلى الافتقار إلي حد معقول من الديموقراطية يدفع هؤلاء إلي النظر للقضية من زاوية أن "البلد بلدهم"، وكلما زاد الانفصام بين السلطة وبين جماهير الناس، خاصة من أبناء الطبقات الفقيرة، كلما زاد ميل هؤلاء إلى التخريب الذي يصل إلي حد النهب والسلب ، عندما تواتيهم الفرصة لذلك. ويصل الأمر إلى غير المعقول، فيما حدث من نهابي بلاد الرافدين، أنهم لم يكتفوا بتدمير رموز السلطة الطاغية التي تحكمت في رقابهم من قبل مثل القصور الرئاسية أو أجهزة الأمن أو المخابرات، بل إنهم اتجهوا إلى مرافق الخدمات التى يفترض أنها قائمة لمنفعتهم قبل أي شيء آخر، ولعل ما حدث للمدارس والجامعات والمستشفيات يقدم النموذج على ذلك، وعم في هذا قد تخلوا عن أية مشاعر وطنية خاصة فيما حدث من تخريب المتحف الوطني ونهب قطعة الأثرية ، وهو يقينا ملك لتاريخ العراق وليس ملكا لصدام حسين أو أى نظام قبله أو بعده!
#محمود_سلامة_محمود_الهايشة (هاشتاغ)
Mahmoud_Salama_Mahmoud_El-haysha#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاستفادة من عرش البطيخ في تغذية المجترات
-
الأعشاب والنباتات الطبية والعطرية كإضافات غذائية للمجترات
-
الخميرة والبيئات الميكروبية كإضافات غذائية للمجترات
-
الاستفادة من مخلفات زراعة البطاطس (درنات وعروش) فى تغذية حيو
...
-
استخدام محتويات الكرش المجففة فى علائق المجترات والدواجن
-
الاستفادة من نبات الغاب فى تغذية الحيوان
-
أضرار الغذاء والتغذية
-
العلامة ابن خلدون .. ذكرى 600 عام
-
الدراسات الاجتماعية ومواجهة قضايا البيئة
-
إرشادات عامة يجب مراعاتها فى تغذية وتكوين وتصنيع علائق حيوان
...
-
هرمون النمو .. أهميته – واستخداماته فى مجال الإنتاج الحيوانى
-
الاجترار Rumination .. Ruminator
-
الإمام المصلح محمد عبده مائة عام علي وفاته
-
الجوهر الثمين بمعرفة .. دولـة الـمـرابـطـيـن
-
الذكاء الاصطناعي .. واقعه ومستقبله
المزيد.....
-
لحظة لقاء أطول وأقصر سيدتين في العالم لأول مرة.. شاهد الفرق
...
-
بوتين يحذر من استهداف الدول التي تُستخدم أسلحتها ضد روسيا وي
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي في معارك شمال قطاع غزة
-
هيّا نحتفل مع العالم بيوم التلفزيون، كيف تطوّرت -أم الشاشات-
...
-
نجاح غير مسبوق في التحول الرقمي.. بومي تُكرّم 5 شركاء مبدعين
...
-
أبرز ردود الفعل الدولية على مذكرتي التوقيف بحق نتنياهو وغالا
...
-
الفصل الخامس والسبعون - أمين
-
السفير الروسي في لندن: روسيا ستقيم رئاسة ترامب من خلال أفعال
...
-
رصد صواريخ -حزب الله- تحلق في أجواء نهاريا
-
مصر تعلن تمويل سد في الكونغو الديمقراطية وتتفق معها على مبدأ
...
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|