أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - كاظم حبيب - حوار مع السيد جوزيف سماحة حول العرب والقضية الكردية















المزيد.....


حوار مع السيد جوزيف سماحة حول العرب والقضية الكردية


كاظم حبيب
(Kadhim Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 1286 - 2005 / 8 / 14 - 11:44
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


الحلقة الأولى 1-2
نشر السيد جوزيف سماحة في جريدة السفير اللبنانية بتاريخ 9/8/2005 مقالاً بعنوان "الشعب الكردي والطوائف العربية". وقد تضمن المقال مجموعة من الأفكار التي تستوجب الحوار, إذ أنها لا تساهم بأي حال في مساعدة الشعب العراقي بكل مكوناته القومية في الوصول إلى حلول عملية لمشكلاته القائمة منذ عقود, سواء بصدد المبادئ التي يراد تسطيرها في الدستور الجديد أم في إنهاء الأوضاع المعقدة التي يواجهها العراق حالياً. وابتداءً أشير إلى ثلاث نقاط لإعطاء صورة عن الطريقة التي عالج بها السيد جوزيف سماحة القضية الكردية في العراق, وأعني بذلك ما يلي:
• يعترف أولاً بحق الشعب الكردي في إقامة دولته حين كتب قائلاً "الشعب الكردي هو من أكبر شعوب العالم المحرومة من حقها في دولة؛ في دولة مستقلة تُبرز هوية هذا الشعب وتسمح له بأن يمارس، كما يرتئي، حقه في تقرير مصيره" ولكنه سرعان ما يتنكر لهذا الحق المشروع فيطرح
• تهديداً واضحاً بالويل والثبور لهذا الشعب المحروم من حقوقه حين يلتقط العرب أنفاسهم ويستعيدوا توازنهم المفقود منذ قرون, إذ كتب النص التالي: "لكن من الضروري تنبيههم، من موقع الصداقة، إلى أن ما يتأسس على لحظة الإنهاك العربي هذه قد لا يعمّر طويلاً في حال التقطت المنطقة أنفاسها".
• وأخيراً اعتبر ما حصل عليه الكرد في العراق هو أفضل من حظ الكرد في إيران وتركيا, ثم اعتبر انتخاب مواطن كردي لرئاسة الجمهورية العراقية بمثابة انتقام غربي من العرب, وتأديب كردي "أقلوي" (من الأقلية) للعرب, وينتهي بدعوة الكرد إلى "التعقل" في مواجهة الأوضاع الراهنة في العراق.

عند قراءة المقال تبدو للقارئ صورة الموقف القومي واضحة, إنه الموقف الذي سارت عليه جميع الحكومات العراقية المركزية المتعاقبة منذ إلحاق ولاية الموصل, وبضمنها كردستان الجنوبية, بالدولة العراقية الملكية الحديثة في عام 1926 حتى سقوط النظام البعثي القومي في العراق في عام 2003. فما هي المسائل التي يثيرها السيد جوزيف سماحة والتي تستوجب الحوار حقاً؟
فالسيد سماحة يعترف من جانب بوجود حرمان تعرض له الشعب الكردي في كل أقاليمه الكردستانية الموزعة على العراق وإيران وتركيا وسوريا, رغم أنه لا يذكر سوريا, ولكنه يقول بأنهم مع العرب كانوا أقل حرماناً من غيرهم في الدول الأخرى. وإذا كان السيد سماحة يعترف اعترافاً حقيقياً صادقاً بتعرض الكرد إلى الحرمان وأن لهم الحق في تقرير المصير, فلِمَ لا نعمل نحن العرب على إزالته قبل غيرنا ونعترف للكرد بحقهم في تقرير مصيرهم. وإذا اختاروا الفيدرالية ووضوح الحدود لِمَ نرفض ذلك, وإذا رفضنا نحن العرب ذلك, فمن حقنا أن نستقل عن الكرد لا أن يستقلوا عنا فخيارهم المعلن, بغض النظر عن الاستفتاء, والذي يتمسكون به هو الفيدرالية في إطار دولة عراقية ديمقراطية اتحادية. لِمَ لا نطرح القضية بصورتها الطبيعية وليس بعكس ذلك؟ لماذا نضعها تقف على قدميها لا على رأسها؟
أشك كثيراً في أنك كنت تتمنى أن يجري اختيار مواطن كردي لمركز رئاسة الجمهورية بصورة طبيعية وديمقراطية, حتى عندما يقر الشعب العراقي ذلك وبالأكثرية. إذ أن ما حصل في العراق هو اختيار مواطن كردي عراقي, بغض النظر إن كان الأستاذ جلال طالباني أم غيره, من قبل الجمعية الوطنية العراقية وبالاتفاق بين القوى السياسية العراقية, رئيساً للدولة العراقية الجديدة. إلا أن الغريب والملفت جداً للنظر أن السيد سماحة اعتبر هذا الاتفاق بمثابة انتقام غربي موجه ضد العرب!, وكأن الأستاذ طالباني عدو الشعب العراقي, وأنه مخلب قط بيد الغرب موجه ضد العرب! كم هو بائس وشيطاني مثل هذا التفكير الذي اعتمده السماحة في هذا المقال والذي يهدف إلى إثارة العراقيين العرب والعرب من غير العراقيين ضد العلاقة الطبيعية التي يفترض أن تنشأ في العراق وأن يتمتع كل مواطن فيه بالمساواة في الحقوق والواجبات بغض النظر عن قوميته ودينه ومذهبه أو فكره. علينا نحن العرب أن نتأدب في التعامل مع الشعوب الأخرى التي تعيش معنا ونعيش معها في بلد واحد هو العراق أو المغرب أو الجزائر أو السودان, وإذا ما عجزنا عن تأديب أنفسنا وتغيير عقولنا, عندها يضطر الآخرون أو الزمن إلى تأديبنا, وأملي أن لا يحصل ذلك وان نساعد أنفسنا على الخروج من المحنة الفكرية أو محنة العقل العربي الراهنة التي يعاني منها العرب القوميون الأقحاح بشكل خاص.
يبدو لي أن السيد سماحة تتلذذ كثيراً بالحديث عن الأقليات القومية, كما يرد ذلك مراراً وتكراراً في مقالته. أما في العراق فالحديث يجري عن مكونات الشعب العراقي بكل قومياته وإحداها هي العربية والثانية هي الكردية والثالثة هي التركمانية والرابعة هي الكلد آشورية سريانية, ولها جميعاً حقوقها المتساوية بغض النظر عن حجمها, فالشعوب متساوية في حقوقها, ولا فرق بين عربي أو أعجمي إلا بما يقدمه لوطنه من عمل نافع, وعلينا نحن العرب أن نعتاد على ذلك, وإلا استمر فينا ما نعانيه من فقدان التوازن الذي تسببت به ممارسات الذهنية القومية الشوفينية للحكام العرب والتي مارسها قبل ذاك صدام حسين ومن وقف إلى جانبه وساعده في سياساته في العراق والتي قادت إلى أوخم العواقب. وإذا كان الإنسان العراقي ينسى الكثير من الإساءات, ولكنه لن ينسى بأي حال عقد المؤتمر القومي العربي في بغداد في عام 2000 وتأييد الدكتاتور في سياساته في الداخل وعلى الصعيد العربي في وقت كان الشعب العراقي يسحق تحت أقدام الدكتاتورية وتحت وطأة الجوع والحرمان والبؤس الحقيقي.
لنتحاور مع السيد جوزيف سماحة حول ما سجله من مطالب يقول أن القيادة الكردستانية تطرحها في حوارها الدائر مع بقية القوى السياسية العراقية. ماذا يريد الكرد؟ يسجل السيد في مقاله الأنف الذكر على الكرد ما يلي:
"يريد الأكراد اختيار اسم للجمهورية الجديدة ينص على الفدرالية، ويريدون التحكّم بموقع الشريعة في إلهام القوانين، ويريدون النص على قوميتهم التكوينية للبلد، ويريدون لغتهم لغة رسمية لا لغة وطنية فحسب، ويرفضون أي نص على الانتماء العربي، ويصرون على تعديل حدود الإقليم لتشمل كركوك وبعض الموصل، ويطالبون بحصة في الثروات الطبيعية على قاعدة التعديل الحدودي، ولا يرتاحون إلى وحدة البلد إلا إذا كانت اختياراً، ويلوّحون بالحق في ازدواجية الجنسية وضرورة تمثيلهم في البعثات الدبلوماسية كفريق "مستقل".

عندما يختار الشعب الكردي الفيدرالية, ويقر العرب عيشهم في إطار العراق الفيدرالي, (إذ من حق العرب رفض العيش مع العرب وبالتالي من حقهم أيضاً إعلان الاستقلال في وادي الرافدين عن العراق الموحد الراهن), أي ضمن الفيدرالية العراقية الديمقراطية, فلماذا لا يثبت ذلك في اسم الجمهورية, وهل هي بدعة أم أنها مستخدمة في الكثير من دول العالم؟ وما المانع في ذلك؟ أنه التعبير السليم عن الواقع الذي يرتضيه العرب والكرد وبقية القوميات.
ولم يا سيدي الفاضل تريد أن تثبت الشريعة الإسلامية في الدستور وفق هواك لا هوى الكرد, في وقت ليست للمسلمين شريعة موحدة بل شرائع كثيرة ومتنوعة ومتباينة في أحكامها, ألا يكفي أن يقال بأن الإسلام أحد مصادر التشريع في العراق؟ وهو ما اتفقت عليه الأطراف في قانون إدارة الدولة المؤقت. هل أصبح السيد سماحة مسلماً أكثر من المسلمين, أم تحول إلى دين الإسلام كما فعل قبل ذاك السيد ميشيل عفلق وغيره؟ قائمة التحالف الكردستاني, ومعها الكثير من القوى الديمقراطية العربية وغير العربية, تدعو إلى إقامة دولة اتحادية ديمقراطية ولا تدعو إلى دولة دينية أو مذهبية, وهي ترفض سيطرة الدولة على الدين, كما حصل في زمن صدام حسين أو سيطرة الدين على الدولة كما هو حاصل في إيران. إنها تريد دولة يجري فيها احترام كل الأديان والمذاهب والاتجاهات الفكرية والسياسية, وأنا معها في ذلك.
ولا أدري, لِمَ لا ينص على القومية الكردية في الدستور العراقي؟ وما العيب في ذلك؟ أفليس العراق جمهورية العرب والكرد والقوميات الأخرى منذ عقود؟ وهل في هذا ما يخالف الواقع أم أن السيد سماحة يرى بأن الكرد هم عرب الجبال, ولكنه لا يصرح به رغم اعترافه بحرمان الكرد من حقوقهم في إقامة دولتهم المستقلة؟ إنه, كما يبدو لي, هو الداء الذي يعاني منه البعض الكثير من العرب القوميين ولا يجدون له دواءً شافياً.
ولا أفهم, لِمَ لا تكون اللغة الكردية رسمية كما هي اللغة العربية في العراق؟ ولِمَ يضطر الكرد على تعلم اللغة العربية ولا يتعلم العرب اللغة الكردية؟ أليس في تعلم لغة جديدة إغناء للإنسان العراقي؟ فتعلم لغة شعب تعيش معه وتتعامل معه يومياً بلغته وبلغتك في آن واحد هو ليس رذيلة بل فضيلة.
والعراق يا سيد سماحة عربي وكردي في آن واحد, فلم تريد النص على أن العراق عربي فقط, أوليس العراق كرديً أيضاً؟ لا أفهم هذا المنطق المعوج! العراق بقسمه العربي جزء من الأرض العربية والعرب جزء من الأمة العربية, أما الكرد فهم جزء من الأمة الكردية, والتركمان جزء من الأمة التركية والكلد آشور سريان جزء من أمة موحدة أيضاً. والأرض الكردستانية جزء من كردستان الموزعة بين الدول التي أشرت إليها سابقاً. علينا أن نعترف بحقائق الأمور فهي صخور صلدة تكسر رؤوس من لا يريد الاعتراف بها, كما يقول المثل الإنكليزي.
أما بصدد كركوك فقد اتفقت القوى السياسية العراقية على أن تجري عملية تطبيع الأوضاع فيها على ما كانت عليه قبل بدء سياسة التعريب والتهجير القسري العنصرية التي مارسها حكم صدام حسين في هذه المدينة وغير من التقسيم الإداري لها. ويمكن العودة في هذا الصدد إلى التقسيم الإداري للعراق في عام 1962. وبعدها يمكن إجراء الاستفتاء الضروري ويتقرر مصير كركوك في ضوء ذلك. كما أن مناطق الموصل معروفة بعربيتها وكرديتها, ففيها مناطق عربية وأخرى كردية, كما توجد مناطق فيها التركمان أو الكلد اشور سريان حيث ترتبط بعضها بالموصل العربية وبعضها بالموصل الكردية. ويمكن حسمها وفق آليات سلمية في إطار الدولة الديمقراطية الاتحادية, ولكن بعيداً عن الرؤية الشوفينية لأي من الطرفين.
أليس من حق الشعب الكردي والقوميات الأخرى وكذا العرب أن يطالبوا بحقوقهم في ثروات البلد الذي يعيشون فيه؟ هل قدر لك أن درست كيف تم توزيع الثروات والموارد الخاصة بالتنمية بين مناطق العراق المختلفة على امتداد وجود الدولة العراقية, ولكن بشكل خاص في فترة البعثيين والقوميين؟ لو كنت قد اطلعت على ذلك لأدركت مدى صواب المطالبة بتوزيع الثروة بصورة عقلانية بين الفيدرالية الكردستانية وبقية مناطق العراق وحق المحافظات في ذلك أيضاً. ويمكن الاتفاق على صيغة مناسبة في هذا الصدد كأن يؤخذ النفوس وفي ضوئه يتم توزيع الثروة بين سكان العراق لا على أساس أخذ كل فرد حصته مالاً, بل من خلال توزيع تلك الموارد على أساس الأقاليم, ثم يجري استخدامها في ميزانيتي التنمية والاعتيادية وفي محاربة التخلف والبطالة والفقر ...الخ.
ألا يفترض في الإنسان أن يجد الراحة في بلده, ألا يفترض به أن يعرف حقوقه وحدودها وواجباته وحدودها, فِلمَ هذا الانزعاج من مطالبة الكرد بأن يعترف لهم بحقهم في اختيار الفيدرالية, أي حقهم في تقرير مصيرهم. وإذا ما كان الحكم عادلاً وديمقراطياً سليماً, هل ستجد من يريد غير ذلك في العراق الديمقراطي الاتحادي المنشود؟ عليك أن تجهد نفسك بالتساؤل لماذا تريد الحرية وحقك في الاختيار ولا تريده لغيرك يا سيدي الفاضل؟ العراق اعترف بازدواجية الجنسية, وهي ليست للكرد فقط بل لغيرهم أيضاً, وماذا في ذلك؟ لقد تعامل الحكام من البعثيين والقوميين العرب مع الجنسية بصورة عنصرية وقحة, إذ هُجّر في فترة قصيرة مئات الألوف من الناس الطيبين من العرب والكرد بحجة التبعية الفارسية, وهم كرد وعرب قطعاً ولم يكونوا فرساً بأي حال. وبالمناسبة ليس الكرد وحدهم يطالبون بذلك بل كثرة من العرب,, بل الأكثرية العربية في العراق فانتبه إلى ذلك ليس كل العرب يرفضون الجنسية المزدوجة. من الغرابة بمكان أن يقول بأن الكرد يطالبون بتمثيلهم في البعثات الدبلوماسية. إنه أمر وارد وممارس حالياً. ولكن ما يطالب به الكرد هو أن يكون لاتحادية كردستان الحق في أن توقع اتفاقيات اقتصادية وتجارية ومالية وسياحية وغيرها مع البلدان الأخرى, وهذا معمول به في الدول الاتحادية, ومنها ألمانيا الاتحادية, ويمكن في هذا الصدد الاتفاق على أسس معينة في مثل هذه العلاقات الدولية, وليس في ذلك أي ضير, والحوار الديمقراطي وحده يوصل إلى نتائج نافعة للعراق كله. ويفترض من حيث المبدأ أن يكون التمثيل الدبلوماسي موحداً. إن الحوار يبدأ بمطالب مختلفة ولكنه ينتهي بمساومات معقولة لصالح الأطراف التي تريد العيش بأمن وسلام وديمقراطية, وهو ما يسعى الشعب إلى تحقيقه في العراق.
*****************************
حوار مع السيد جوزيف سماحة حول العرب والقضية الكردية
الحلقة الثانية 2-2
نشر السيد جوزيف سماحة في جريدة السفير اللبنانية بتاريخ 9/8/2005 مقالاً بعنوان "الشعب الكردي والطوائف العربية". وفيما يلي مواصلة مناقشة بعض ما جاء في هذا المقال.
يتحدث السيد جوزيف سماحة عن ال?يشمر?ة ويرى أنها يفترض أن لا تكون جزءاً من القوات المسلحة العراقية. ولكن لا يقول لماذا؟
لقد تشكلت قوات ال?يشمر?ة منذ ما يزيد عن 40 عاماً لمواجهة اعتداءات قوات الحكومة المركزية في بغداد على شعب كردستان ومحاربة طموحات هذا الشعب في أن تكون له حقوقه المتساوية مع بقية المواطنات والمواطنين العراقيين. لقد تمكنت هذه القوات إفشال الكثير من المخططات الرجعية التي استهدفت الشعب الكردي والحركة الديمقراطية العراقية. وخلال العقود الأربعة أو الثمانية المنصرمة لم تنشأ الثقة المطلوبة بين الشعب الكردي والحكومات العراقية المتعاقبة, ولهذا لا بد من أن يكون لهذا الشعب من يدافع عنه أولاً, وعندما تتعزز الثقة ويتخلص العراق من نفوذ وتأثير العنصريين والشوفينيين من السياسيين, يمكن عندها أن تندمج هذه القوات بالقوات المسلحة العراقية, وعندها يمكن أن تستخدم في سائر أرجاء العراق كقوة عراقية موحدة ثانياً. ولكن استعادة الثقة أولاً وقبل كل شيء. ولكن مقال السيد جوزيف سماحة لا يوحي بالثقة أبداً, ولا يسمح للكرد بأن يثقوا به وبأمثاله من الكتاب, إذ لو تسنى له, وأقولها بكل صراحة, أو لأمثال القوميين الشوفينيين العرب استعادة الحكم في العراق, وقد كانوا على رأس السلطة وخاضوا الحروب المهلكة وارتكبوا الجرائم البشعة في حينها, لبدأوا حرباً جديدة ضد الشعب الكردي بحجة حماية وحدة التراب العراقي ووحدة الوطن, ...الخ.
ليس الشعب الكردي, أو قل ليس الشعب العراقي ككل, هو الذي جلب القوات الأجنبية إلى العراق, بل سياسات الدكتاتور الأرعن, المستبد بأمره, هو وحزبه كانا سبب كل مصائب الشعب العراقي منذ أربعة عقود تقريباً. والكرد لا يريدون استمرار وجود القوات الأجنبية في العراق, بل يريدون رحيلها كما يريد ذلك العرب والتركمان والكلد أشور, ولكن عليهم قبل ذاك أن ينتهوا من إقامة مؤسساتهم المدنية والعسكرية, وأن ينهوا الإرهاب الدموي الذي تسميه القوى القومية وهيئة علماء المسلمين بالمقاومة الشريفة, وهي قوى تمارس العدوان ضد الشعب كل الشعب. سياسات صدام حسين هي التي تسببت بالاحتلال وليست قوى المعارضة العراقية, حتى من أيد الحرب للخلاص من هذا الطاغية الذي أذاق الشعب العراقي مر العذاب والموت والجوع والحرمان والبؤس والخراب النفسي الذي يعاني منه اليوم.
غريب هذا الرجل المدعو جوزيف سماحة! حكومات مصر والأردن وقطر وغيرها تقيم أفضل العلاقات مع إسرائيل وتتحاور وتتبادل النشاط الاقتصادي والتجاري والزيارات يومياً. في حين أن الكرد لا علاقة لهم بإسرائيل ولا توجد سفارة لإسرائيل في كردستان أو في العراق, ولا يوجد تبادل اقتصادي وتجاري أو زيارات متبادلة, ومع ذلك يتهم السيد سماحة الكرد بقوله: يعتبرون أن العداء لإسرائيل مفروض عليهم ومستورد. إن تجربة العقود الخمسة المنصرمة تؤكد بما لا يقبل الشك بأن العداء لإسرائيل الذي تشبثت به القوى القومية العربية قد أدى في واقع الحال إلى مزيد من اقتطاع الأراضي العربية لصالح إسرائيل حتى أصبح لإسرائيل الآن 78 % من أراضي فلسطين في عام 1947 و22 % فقط للدولة الفلسطينية المزمع إقامتها في الضفة الغربية وقطاع غزة, في حين كان قرار التقسيم غير ذلك تماماً. والشعارات القومية الرنانة والطنانة ألحقت بالشعب الفلسطيني المزيد من الضحايا والآلام, ومع ذلك فهؤلاء الناس لم يتخلوا عن شعاراتهم المطروحة للمزايدة التي لم تعد تنفع. والآن يريد السيد سماحة أن يفرض صيغة معينة على الكرد وهم الذين لم يقيموا أي علاقة سياسية أو اقتصادية مع إسرائيل. إن ازدواجية المعايير هي المشكلة التي تعاني منها جمهرة كبيرة من القوميين العرب. عليكم يا سادة أن تجدوا لغة أخرى للحديث مع الشعب الكردي ومع الشعب العراقي عموماً, إذ لم تعد شعاراتكم القديمة نافعة, ومنها شعار رمي إسرائيل بالبحر, إذ أخشى أن يرمى العرب كلهم خارج فلسطين أن تواصلت سياساتكم المتعجرفة والفارغة بهذه الصورة. للشعب الفلسطيني حقوق ثابتة عليه النضال من أجلها, على عاتقنا تقع مسؤولية دعم هذا النضال, ولكن علينا أن لا نزايد على نضاله وشعاراته. لا أشك بأن جميع الدول العربية, ومنها العراق, ستقيم علاقات دبلوماسية اعتيادية مع إسرائيل في مستقبل غير بعيد, كما هو حال مصر والأردن, علماً بأن العراق ما يزال يعتبر في حالة حرب مع إسرائيل في ضوء حرب عام 1948, والتي يفترض أن تنتهي. ولهذا سوف لن تجبر كردستان على إقامة مثل هذه العلاقات مع إسرائيل, إذ أن العراق هو الذي سيقيمها, لا لرغبتي في ذلك, بل لأن هذا هو الطريق الذي سلكته الدول العربية وهو طريق لم يعد خاطئاً, ولم تعد الحروب هي الطريق للوصول إلى الحقوق.
أرى ضرورة مصارحة السيد جوزيف سماحة بشأن العراق والطوائف التي يتحدث عنها. العراق مكون من حيث المبدأ من قوميات عديدة, وفيه العديد من الأديان والمذاهب والاتجاهات الفكرية والسياسية. وأن أول من مارس الشوفينية القومية والمذهبية السياسية أو الطائفية كانت الحكومات المركزية في بغداد. فقد اضطهدت الكرد ولم تستجب لما تقرر في عصبة الأمم في عامي 1925 و1926 بشأن الشعب الكردي والقوميات الأخرى أولاً, كما مارست التمييز ضد أتباع الأديان الأخرى, سواء في التوزير الحكومي أم في الوظائف أم في الكلية العسكرية وكلية الأركان والقوات المسلحة عموماً أو في السلك الدبلوماسي أو في البعثات الدراسية, ثم مارست بشكل أشد التمييز المذهبي إزاء الشيعة على امتداد عقود. وحكومة قاسم هي الوحيدة التي أرادت إلغاء كل ذلك ولم تنجح. ليس الشعب العراقي من كان يحس بالطائفية والطوائف بل القوميون العرب, ومنهم البعثيون, الشوفينيون الذين سعوا بشتى السبل إلى اتهام العرب الشيعة "بالشعوبية", هذه الأسطوانة المكررة السيئة الصيت, وعمقوا ذلك عند مجيئهم إلى السلطة السياسية في انقلاب شباط الدموي1963 حتى سقوط نظام البعث في 2003. وهم الذين هجروا أكثر من نصف مليون إنسان عربي وكردي فيلي إلى إيران بحجة التبعية لإيران. ولقد عمقت هذه السياسات إشكاليات كبيرة بسبب عمليات الأنفال وحلب?ة وبسبب المقابر الجماعية التي دفن فيها الكرد, بمن فيهم الكرد الفيلية, والعرب الشيعة والكثير من قوى المعارضة العراقية للنظام الدموي المخلوع ومن مختل الأحزاب السياسية. واليوم ابتلى العراق بأحزاب مذهبية طائفية شيعية وسنية التي تريد تعميق الصراع الطائفي في العراق للوصول إلى أهدافها التي تلحق أضراراً فادحة بالعراق. ويساهم القوميون العرب الشوفينيون بتعميق الصراع في العراق بتأييدهم المستمر لقوى الإرهاب وتشجيعهم على العمليات العسكرية المعادية لمصالح الشعب العراقي بحجة مقاومة الاحتلال.
الكرد شعب ونحن شعب ولسنا طوائف, فالدين والمذهب لله والوطن للجميع, وجمهرة من القوميين العرب هي التي عملت على تقسيم الشعب العربي في العراق إلى طوائف متناحرة. لنتذكر حكم العقيد عبد السلام عارف, هذا الطائفي المهووس الذي أساء إلى الشعب العراقي كثيراً وكل الذين حكموا معه من القوميين الطائفيين أيضاً, ومنهم جمهرة من العسكريين التي تقف اليوم إلى جانب الإرهاب وتهدد الشعب بالإرهابيين.
الكرد الذين يطالبون بحقوقهم اليوم هم سند للقوى الديمقراطية العراقية ولكن ليسوا سنداً للقوى القومية الشوفينية التي ذبحتهم من الوريد على الوريد, ليسوا سنداً لمن شن عليهم الحرب في 1963 و1964 و1966 و1969 و1975 وسنوات الثمانينيات والأنفال وحلب?ة في عام 1988 وأحداث عام 1991. هذا ما ينبغي للقوميين أن يدركوه تماماً. ولكن الكرد هم إلى جانب وحدة العراق بحدوده الراهنة, هم إلى جانب دولة ديمقراطية حديثة وليس دولة دينية طائفية, هم إلى جانب الفيدرالية الكردستانية واللامركزية في حكم المحافظات .. الخ.
إن المستقبل الواعد للكرد وللعرب ولبقية القوميات في العراق يمر عبر الأسس التالية:
• إقامة حكم ديمقراطي في العراق يعتمد حقوق الإنسان في الحكم ومنها الحرية الفردية والمساواة التامة بين المواطنين والفصل بين السلطات الثلاث وفصل الدين عن الدولة والمساواة بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات ..الخ ورفض التمييز القومي والديني والمذهبي والفكري والسياسي ومعاقبة الذين ينشرون الكراهية والحقد بين القوميات المتعددة في العراق ....الخ.
• الاعتراف للشعب الكردي بحقه في تقرير مصيره بنفسه, بما في ذلك اختياره الفيدرالية في إطار الجمهورية العراقية الاتحادية.
• الاعتراف للقوميات الأخرى بحقوقها الثقافية والإدارية وتثبيت ذلك ف يالدستور على صعيد العراق وعلى صعيد الاتحادية الكردستانية.
• الحفاظ على الثروة الوطنية, وخاصة النفط, بيد المجتمع واستخدامه لصالحه أيضاً.
• العمل من أجل استعادة الاستقلال والسيادة الوطنية وإنهاء الوجود الأجنبي في العراق بعد إقامة المؤسسات المدنية والعسكرية والقضاء على قوى الإرهاب الدموي.
وأملي هو أن يدرك الأخوة العرب في العراق وفي كل الدول العربية بأن العصر الذي نعيش فيه يرفض الهيمنة والتسلط والفكر العنصري أو الشوفيني, وأن عيشنا نحن العرب مع بقية الأقوام في العراق, وهم الكرد والتركمان والكلد أشور, يفترض أن يستند إلى رؤية عقلانية واقعية وإنسانية تعتمد المبادئ التي أشرت إليها في أعلاه.

12/8/2005 كاظم حبيب



#كاظم_حبيب (هاشتاغ)       Kadhim_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار مع ملاحظات السيد طلال شاكر في مقاله رأي وتساؤلات
- هل الزميل الدكتور شاكر النابلسي على حق حين تساءل: لماذا لم ي ...
- المصالحة الوطنية هدف الشعب, ولكن وفق أي أسس؟
- لكي لا تتشظى وحدتكم ولكي لا تخسروا قضيتكم أيها الأخوة الكرد ...
- مشاعر القلق والخشية من المساومة سيدة الموقف والإشاعات في الس ...
- هل حكومة الجعفري المؤقتة تؤدي مهماتها بشكل معقول؟
- هل بدأ موعد قطف ثمار -الفوز الساحق!-, هل بدأ الشعب يعيش عواق ...
- مشروع للحوار الديمقراطي بين أفراد وجماعات المجتمع المدني الع ...
- حوار هادئ مع سخونة أراء السيد الدكتور الشكر?ي!هل اليساريون ي ...
- هل هناك تغييرات فعلية جارية في فكر وممارسات الأحزاب الشيوعية ...
- رسالة مفتوحة إلى آية الله العظمى السيد علي السيستاني!
- من هو المسؤول: الضحية أم الجلاد؟
- الجامعة العربية المفتوحة في الدانمرك: واقع متطور وآفاق واعدة
- من أجل مواجهة إرهاب الإسلاميين المتطرفين في العالم في ضوء أح ...
- هل الأخوة الكرد بحاجة إلى صدمة لينتبهوا إلى ما يجري في وسطهم ...
- لا وألف لا للتعذيب, سواء أكان لي أم لأعدائي!
- هل طرأت تغيير ات فعلية على فكر وممارسات القوى القومية العربي ...
- العراق والتعذيب الجاري في المعتقلات العراقية الراهنة!
- هل من بديل عن شعار -الدين لله والوطن للجميع- في العراق؟
- القوى القومية والموقف من قضايا الشعب الأساسية في العراق


المزيد.....




- الكرملين يكشف السبب وراء إطلاق الصاروخ الباليستي الجديد على ...
- روسيا تقصف أوكرانيا بصاروخ MIRV لأول مرة.. تحذير -نووي- لأمر ...
- هل تجاوز بوعلام صنصال الخطوط الحمر للجزائر؟
- الشرطة البرازيلية توجه اتهاما من -العيار الثقيل- ضد جايير بو ...
- دوار الحركة: ما هي أسبابه؟ وكيف يمكن علاجه؟
- الناتو يبحث قصف روسيا لأوكرانيا بصاروخ فرط صوتي قادر على حمل ...
- عرض جوي مذهل أثناء حفل افتتاح معرض للأسلحة في كوريا الشمالية ...
- إخلاء مطار بريطاني بعد ساعات من العثور على -طرد مشبوه- خارج ...
- ما مواصفات الأسلاف السوفيتية لصاروخ -أوريشنيك- الباليستي الر ...
- خطأ شائع في محلات الحلاقة قد يصيب الرجال بعدوى فطرية


المزيد.....

- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر
- محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي ... / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - كاظم حبيب - حوار مع السيد جوزيف سماحة حول العرب والقضية الكردية