|
خمس سنوات من حكم محمد السادس ومسؤولية اليسار المغربي
عبد المومن الشباري
الحوار المتمدن-العدد: 1286 - 2005 / 8 / 14 - 10:22
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
اقترنت خمس سنوات من حكم محمد السادس، الذي انطلق منذ صيف 1999، بتداول خطاب، وتيمات سياسية، تشير في دلالتها، إلى أن هناك تحولاً سياسياً كبيراً قد حصل في المغرب.
كما عرفت هذه الفترة من العهد الجديد، تقييمات سياسية متباينة تصل أحيانا إلى حد التعارض مع كل المهتمين بوضع المغرب. وإذا كانت فترة الخمس سنوات غير كافية من الناحية الزمنية، لتقييم وتحديد المرتكزات والقواعد الأساسية لنظام الحكم في المغرب، فإنها في نفس الوقت، تسعفنا على الأقل على تحديد الملامح العامة والموجهة للتدبير السياسي خلال هذه المرحلة، وآفاقها المستقبلية على المدى المنظور.
الشروط السياسية العامة المرافقة لانتقال الحكم
لقد ورث ملك المغرب الجديد محمد السادس ، مغرباً منهاراً أو يكاد، على مختلف الأصعدة والمستويات.
موازاة مع هذه الأزمة البنيوية الشاملة التي كان يعيش على إيقاعها المغرب، دشن الملك الحسن الثاني قبل وفاته، مرحلة سياسية جديدة، بعد أن أدرك أن القواعد الأساسية التي أطرت النسق السياسي المغربي طيلة فترة حكمه، قد استنفذت إمكانياتها، على إثر التحولات والمتغيرات الدولية والجهوية والوطنية، وبات من الضروري إطلاق دينامية سياسية جديدة تفتح أفقاً جديداً لضمان استمرارية النظام السياسي القائم، وتوفير شروط سياسية لانتقال سلمي وهادئ للحكم بعد وفاته. ولقد تجسدت هاته السياسة في إشراك وإدماج المعارضة في الحكم، في إطار تناوب ممنوح، سيما وأن النهج الأمني الذي شكل مرتكزا أساسيا في تسيير شؤون البلاد على امتداد أربعة عقود من حكم الملك الحسن الثاني، جعل المغرب معرضاً لهزات اجتماعية، وانفلاتاتٍ قد تعصف بالدولة والمجتمع في الآن نفسه.
فعلى ضوء هذا الوضع العام، كيف تعاطى الملك الجديد للمغرب مع هذا الموروث؟ وماهي الآفاق السياسية التي طرحها لتجاوز الوضع القديم، وإرساء أسس بناء عهد جديد؟ وما موقع اليسار المغربي ومسؤوليته إزاء هذا الوضع؟
أظهر الملك الجديد محمد السادس أكثر من مؤشر يسير في اتجاه تغيير الوضع، محاولا أن يجعل من حكمه حكماً متميزاً عن حكم أبيه. فاتخذ بعض الإجراءات لحل بعض المشاكل التي ظلت عالقة في مرحلة الحسن الثاني، وسيلة للف النخب السياسية والمدنية والدينية حوله، وقوَّتْ من آمال قطاع عريض من مختلف فئات الشعب في التغيير، ويمكن أن نميز مرحلة الخمس سنوات من حكم محمد السادس إلى مرحلتين مختلفتين، لكنهما متداخلتين، يصعب الفصل بينهما، للمخاض الذي كان يعيش عليه النظام السياسي، والتردد الذي رافق العديد من المبادرات السياسية التي طرحت.
مرحلة الانفتاح السياسي العام والبحث عن المشروعية السياسية
لقد استفاد الملك محمد السادس من وضعية الحصر السياسي "Blocage Politique" التي كان يعيش عليها المغرب في عهد الحسن الثاني. وانخرط في التسريع من وتيرة بعض الإصلاحات التي شكلت دوما إحدى انتظارات النخب السياسية المغربية، والتي تدخل كذلك في صلب اهتمامات المجتمع بشقيه السياسي والمدني. ولقد غطت هذه الإصلاحات الفترة الزمنية الممتدة من صيف 1999 إلى ربيع سنة 2000.
فأحدث انفتاحاً سياسياً نسبياً، أعاد من خلاله المغرب الرسمي تصالحه مع منطقة الشمال، التي ظلت تحت طائلة التهميش والإقصاء الممنهجين منذ نهاية عقد الخمسينات، وخاصة منطقة الريف، وأبدى الحكم نوعاً من الاهتمام التنموي بالمنطقة، كما تبنى الملك قضايا كانت ولازالت من القضايا التي تدخل في الاهتمامات الاستراتيجية لقوى اليسار المغربي. وتم احتضان القضايا الاجتماعية الأكثر التصاقا بالمعاش اليومي لعموم المواطنين، والتخفيض من السن القانوني للناخبين وتحديده في 18 سنة، لفسح المجال للمشاركة السياسية أمام الشباب، يضاف إلى ذلك عمليات تطهير اداري واغلاق بعض ملفات حقوق الانسان.
كل هذه الاجراءات جعلت الملك رائدا في إطلاق المبادرات الإصلاحية، وأبرز المؤسسة الملكية كقاطرة لعملية التغيير، الشيء الذي ترتب عليه شيوع الكثير من الغموض والتخبط السياسيين لدى الأحزاب الديمقراطية، والنخب السياسية وجعلت المخزن يكسب رهان المشروعية السياسية التي مكنته من تحقيق شبه إجماع سياسي حوله. الشيء الذي أهله لإطلاق دينامية سياسية جديدة شكلت المرحلة الثانية من العهد الجديد، وهي مرحلة تركيز السلطة، وضبط المجتمع.
مرحلة تركيز السلطة وسياسة الضبط الأمني
المرحلة السابقة ترتبت عنها صيرورة اتجهت إلى مأسسة العهد الجديد وتجديد البناء المؤسساتي لمختلف البنى السياسية، والقانونية، الإدارية والتشريعية لتحديد مضمون المفهوم الجديد للسلطة، بحيث طرحت العديد من مشاريع القوانين (قانون الأحزاب، قانون الحريات العامة، مدونة الشغل، مدونة الأسرة، قانون الإرهاب..)، كما تم إحداث العديد من المؤسسات غير الدستورية، تعد حكومة فعلية في الظل، تشتغل بالمال العام، وتعمل خارج مسؤولية الحكومة والوزير الأول (التعليم/ حقوق الإنسان "هيئة الإنصاف والمصالحة" ديوان المظالم/ قضايا المرأة/ القضية الأمازيغية) ترتبط مباشرة بالمؤسسة الملكية، وغير خاضعة للمراقبة سواء التنفيذية أو التشريعية.
وإذا ما أضفنا الصلاحيات الاقتصادية الضخمة المتعلقة بالاستثمار التي منحت للولاة، وهي صلاحيات تفوق بكثير الصلاحيات الوزارية، ولكون الولاة هم ممثلو الملك في الأقاليم وفق الأحكام الدستورية، فإننا نصل إلى الحكم المطلق الذي تمارسه المؤسسة الملكية، و مفهوم الملكية التنفيذية.
ولقد اتسمت هذه المرحلة والتي لازالت ممتدة إلى الآن، بالعمل الحثيث للدولة لاسترجاع هيبتها، حيث تعرضت الحركات النضالية للحركات الاجتماعية لقمع شرس، والمحاكمات، وتم منع 3 صحف دفعة واحدة (الصحيفة، le journal، Demain) ومتابعة العديد من الصحفيين، وعمق من تضييق واقع الحريات، قانون الإرهاب، وتداعيات أحداث 16 مايو الإرهابية بالدارالبيضاء، وعودة الأساليب البوليسية التي عرفها المغرب في السابق كالاختطافات والتعذيب وكل الممارسة المهينة والماسة بالكرامة. كما أشار إلى ذلك التقرير الأخير لمنظمة العفو الدولية المتعلق بمركز الاعتقال تمارة التابع لجهاز (الديستي).
ولقد توج هذا المنهج بالتناوب المخزني الممنوح ضدا على منطق الأغلبية داخل البرلمان، بحيث تم منح التقنوقراط رئاسة الحكومة، وحقائب وزارية هامة بعد أن عرفت الانتخابات الأولى في عهد محمد السادس تزويراً وتلاعباً بالإرادة الحرة للناخبين. مما أشار على العودة القوية إلى أساليب العهد القديم، المتمثلة في تركيز السلطة، واعتماد سياسة الضبط للمجتمع، بما يساهم في إقرار التوازنات السياسية كما تريدها الدولة.
وبهذا يكون العهد الجديد في المغرب قد قام بتغييرات شكيلة لم ترق إلى مستوى الإمساك بعمق الأزمة السياسية الهيكلية جعل تلك التغييرات لا تشكل قطيعة سياسية مع العهد السابق، بل تأتي في إطار الاستمرارية، الشيء الذي جعل المغرب يظل يراوح مكانه أن نحصر مظاهر الاستمرار للعهد السابق في التجليات التالية:
1- لم يطرأ أي تغيير على مفهوم السلطة السياسية في المغرب .
2- لازالت كل الاستشارات الشعبية التي عرفها المغرب، في العهد الجديد عرضة للتزوير مع ما ترتب عنها من ردة سياسية في تعيين الحكومة ضد الأغلبية البرلمانية، وعودة التقنوقراط إلى الحكم كما كان في السابق.
3- استمرار نفس معايير التعيين في الوظائف العليا في البلاد، بالاعتماد على الزبونية والمحسوبية والقرابة الدموية والقبلية في إطار ضبط التوازنات بمنطق التقليدانية.
4- العودة القوية للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان كما هو الشأن في السابق عقب أحداث 16 ماي الإرهابية بالدارالبيضاء، وسن قانون الإرهاب الذي ضيق من مساحات الحريات.
5- العمل على جعل دور الأحزاب السياسية ينحصر في العمل على ربط التواصل الدائم بين الملكية والمواطنين وتهميش كل القوى الممانعة (أحزاب تجمع اليسار الديمقراطي..) والتدخل في الشأن الحزبي بالتعيين ضد إرادة الأحزاب إزاء هذه التطورات التي عرفها المغرب خلال هاته الخمس سنوات من العهد الجديد. ما موقع اليسار المغربي ومسؤوليته في ذلك؟
اليسار بين الاندماج في النسق السياسي والانغلاق على الذات
إذا كانت المؤسسة الملكية في ظل العهد الجديد قد أعادت هيكلة المشهد السياسي وفق منظورها، فإن لليسار المغربي مسؤولية سياسية لما حصل في المغرب، ولما آلت إليه الوضعية السياسية بشكل عام. لأن التركيز على المؤسسة الملكية فقط سوف يجعلنا نتجاهل، أن هذه المؤسسة تتحرك في محيط تتفاعل داخله العديد من المؤسسات العاملة داخل المجتمع ومن مختلف المواقع، سواء السياسية، كالأحزاب والحكومة والبرلمان وغيرها من الجهات، فهؤلاء الفاعلون هم جزء من هذه المرحلة، ولا يمكن أن يستقيم تقييم أي مؤسسة من تلك المؤسسات بمعزل عن بعضها البعض بما في ذلك المعارضة السياسية.
لهذا فمسؤولية اليسار المغربي ثابتة فيما آلت إليه الوضعية السياسية العامة بالبلاد، لكنه في نفس الوقت لا يمكننا الحديث عن اليسار كوحدة متجانسة تحمل نفس الرؤية والتقدير السياسيين للتطورات التي شهدتها البلاد خلال خمس سنوات من العهد الجديد، حيث حدث نوع من الارتباك السياسي إزاء التحول الذي عرفه المغرب على مستوى أعلى هرم في السلطة وساد نوع من الغموض في تقدير الاحتمالات المفترضة التي قد يعرفها المشهد السياسي. ولم يجعل من الرغبة المعلنة للتغيير من طرف الملك الجديد إمكانية للدفع بها إلى حدودها القصوى، بحيث ظل اليسار الحكومي تابعاً للمبادرات السياسية المفترضة، من دون أن تكون له القدرة والفعل السياسيين ومن موقع الحكومة التأثير في مجريات الحياة السياسية العامة. بل ساهم ومن موقع الحكومة في تصريف الكثير من تلك القرارات ووفر لها المسوغات السياسية والديماغوجية، بحيث أذعن اليسار الحكومي لأخطر القرارات المتعلقة بالتناوب الذي جعل منه مرتكزاً أساسياً في استراتيجيته السياسية، بحيث لم يتجاوز موقفه من هذه الردة السياسية، موقف التحفظ على الرغم من خروج تعيين حكومة من المنهجية الديمقراطية حسب تعبيره.
وكان لإذعانه هذا تأثير كبير على وضعه التنظيمي والسياسي، وقد خرج منهكاً من تجربة علق عليها آمالا كبرى، للخروج بالمغرب من وضعية الأزمة البنيوية العامة التي تتخبط فيها. أما اليسار الجذري بمختلف أطيافه السياسية وإن كان قد أدرك محدودية الإصلاحات المعلنة في ظل العهد الجديد، وظل متمسكا بأولوية الإصلاحات الدستورية، كمدخل لكل إصلاح سياسي، وضرورة محاربة كل أشكال الفساد الإداري والاقتصادي والسياسي، فإنه مع ذلك لم يكن يتوفر له ولم يعمل ومن موقعه الجماهيري، على خلق قوة جماهيرية وسياسية لفرض شروط تغيير حقيقي يطال كل البنى المجتمعية. بحيث ظل منغلقاً على ذاته، و غير فاعل لتغيير موازين القوى داخل المجتمع، وظل حبيس ردود فعل سياسية غير منتجة، ولا مؤثرة في التطور السياسي للبلاد.
لقد شكل التغيير الذي طال أعلى هرم في السلطة لحظة سياسية حاسمة إما في اتجاه تغيير سياسي حقيقي، أو الإبقاء على جوهر النظام السياسي لكن بمظاهر وفاعلين جدد. إن دهاء النظام السياسي وقدرته على التكيف مع المتغيرات الظرفية، وكذا التردد والغموض السياسيين الذي ساد قوى اليسار رجح من الخيار الثاني، وأتاح فرصة لتغيير شكلي في إطار استمرارية للخيارات الجوهرية لسلطة النظام السياسي في المغرب، ووضع اليسار على عتبة مرحلة بلا أفق وبدون عنوان.
#عبد_المومن_الشباري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إعادة البناء السياسي والتنظيمي لتجربة - إلى الأمام-: التجديد
...
المزيد.....
-
رصد طائرات مسيرة مجهولة تحلق فوق 3 قواعد جوية أمريكية في بري
...
-
جوزيب بوريل يحذر بأن لبنان -بات على شفير الانهيار-
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
لحظة هروب الجنود والمسافرين من محطة قطارات في تل أبيب إثر هج
...
-
لحظة إصابة مبنى في بيتاح تكفا شرق تل أبيب بصاروخ قادم من لبن
...
-
قلق غربي بعد قرار إيران تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة
-
كيف تؤثر القهوة على أمعائك؟
-
أحلام الطفل عزام.. عندما تسرق الحرب الطفولة بين صواريخ اليمن
...
-
شاهد.. أطول وأقصر امرأتين في العالم تجتمعان في لندن بضيافة -
...
-
-عملية شنيعة-.. نتانياهو يعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي في
...
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|