محمد خضير سلطان
الحوار المتمدن-العدد: 1286 - 2005 / 8 / 14 - 10:02
المحور:
الصحافة والاعلام
اوجه كتابتي حول الحدث الثقافي العراقي الجديد / القديم ودور الوسائل الاعلامية في التعبير عن كيانها من جهة والتعبير عن الثقافة العراقية من جهة اخرى ، اوجهها من خلال مخاطبة افتراضية لشخصين مهمين – أي انني اعتقد بأنهما يسمعان - فضلا عن ، انني أكن لهما بالغ التقدير .
الاول ، الاعلامي المعروف والمستشار الثقافي في رئاسة الجمهورية ومسؤول المنبر الثقافي العراقي الاستاذ جلال الماشطة ، والثاني رئيس الهيئة العراقية للاعلام والارسال وعضو مجلس الامناء في شبكة الاعلام العراقية والناشط السياسي والاعلامي الاستاذ عبد الحليم الرهيمي .
وتشمل هذه المخاطبة من جانب آخر الاشخاص الاخرين في شبكة الاعلام العراقية ودار الشؤون الثقافية ودار الصباح من الذين القت بهم رياح المحاصصة على شواطئنا الاعلامية والثقافية وتطلعاتنا الجديدة، وبالرغم من ذلك فقد جمع البعض منهم بين مزية الاختيار من هذه الجهة او تلك وأمتياز الكفاءة في ادارة الاعمال ولكن الاسوأ ان البعض , تلقي به رياح المحاصصة وهو عديم الكفاءة فيصبح وبالاً على الاثنين معاً ، لقد اعطوه منصباً وعنواناً يليق به حسب اعتقاد افراد من جهات معينة ولكنه لايقدم شيئاً يليق بمنصبه وعنوانه ، ولعل الشارع العراقي الآن يرى ، ان عدم الجمع بين الاختيار و الكفاءة , يعني اثبات الوجه السلبي للمحاصصة ويكشف عن ( حوسمة ) لالاف الدولارات ما دام الامر مرتهناً بعمليات تشكل عليا مستمرة ، والتصيد النفعي لايضيّع مثل تلك الستراتيجية في تفكيره ، بل سوف يجد فرقاً كثيرة من النفعيين لاضفاء حيوية وشرعية على وجود الافراد ، عديمي الكفاءة .
من الذي يقف بوجه هؤلاء حتى لو اقتضت ضرورة التوافق السياسية ان تلقي بهم على رأس المؤسسة الثقافية والاعلامية ، من بوسعه ان يفرض عليهم الرؤية الثقافية والاعلامية ، حتى لو هبطوا بمظلة التوافق السياسي .
لاشك ان من الصعب ، ان يدركوا ذلك داخل مؤسساتهم ، ومن السهل ان يستشرسوا حين يقرأون شيئاً ضدهم وكأن الطبيعة منحتهم هذا الحق المطلق وينظرون اليه بما يتجسد في مجاميع النفعيين الذين يحيطون بهم .
* * *
يأتي اختياري اسلوب المخاطبة المباشرة ، الافتراضية للزميلين جلال الماشطة وعبد الحليم الرهيمي ، بسبب ظاهرة رافقت نمو المشهد العراقي الراهن، وهي الاطباق وعدم الاصغاء واعطاء ( الاذن الطرشاء) كما يقول المثل العراقي ، في حالة من اللامبالاة المطلقة تحت مظلة الاوضاع الحالية – وأقصد ما يخص الشأن الثقافي والاعلامي – وما يترتب في السياق من فقدان للوضوح والدقة وعدم التمييز بين الوضوح والدقة ، وغياب للشفافية بالرغم من الزعم بها ووجود المحسوبية والوصولية بالرغم من ادعاء الديمقراطية جهاراً ، اما مبدأ تغليب الكفاءة في تعيين الاعلاميين ، يثير الضحك ويناسب فقط كلمات المسؤولين في الندوات وتدبيج المقالات الافتتاحية ، والحق ان قسماً من الكفوئين نالوا مكانهم شبه المناسب ، ويرجع هذا التماثل لوجود اصدقاء واقارب لهم في المؤسسة الاعلامية والثقافية وحين يفقد هؤلاء الاصدقاء والاقارب مواقعهم ، تهتز قليلاً حتى المناصب الصغيرة للمنتسبين .
لماذا ... ؟
لان السياق الاداري وطبيعة المؤسسات الحالية ، يفرضان مثل تلك الاعاقة، مدير الاعلام للوزير السابق ، لايصلح مديرا لاعلام الوزير اللاحق على سبيل المثال .
لماذا ..؟
لان المؤسسات الجديدة مرتبطة آلياً بعمليات تشكل سياسية عليا مستمرة على مستوى الافراد ،فيجعل من الصعب التوقف امام العصف الدائم لتبدل الافراد ومكافحة الفساد المالي والاداري الناجم عن الوضع الهش لهذا التشكل .. عندئذ ، هل من المستحيل ابداء رؤية ثقافية واعلامية اساسية لعراقنا الجديد ، تتخطى البطء في الدقة والوضوح وتبت في ( مشروع) ستراتيجية ثقافية واعلامية ، خالية من التعميم والجاهزية لاية مناسبة ، وإلا سوف نطوي عدتنا ونحزم سكوتنا وندخل في ظلامية التيئيس ونجعل البعض يسرق جهدنا ووقتنا علانية وننتظر ما تسفر عنه العملية السياسية لكي تستقر اوضاع الثقافة والاعلام .
وتلك سذاجة بالرغم من كل الاسباب المنطقية ، لان المؤسسات الثقافية والاعلامية حينذاك ، لم يعد بوسعها النهوض بعدما تلقت ضربات كثيرة واختلطت اكثر من لحظة قرون وسيطة بائدة وظلامية على هدم البذور الثقافية الحديثة في العراق التي ترسخت في العالم المعاصر ومن الممكن ان تظل في مركبات التربة العراقية وتكمن الى عقود آخرى لاحقة من ان تصل الى الحياة على سطح الارض ، واذا كان ذلك من مسؤولية الجمعية الوطنية فالحق ان الجمعية الوطنية وحسب طبيعة بنائها التركيبي والتكويني الذي يكرس ثقافة المكونات العراقية ، لاتستطيع ان تمنح رؤية لاتمتلكها والاحرى بالمثقف العراقي المعاصر ، ان يعمل على توصيل هذه الرؤية بجوهرها الثقافي المعاصر الى الجمعية الوطنية لكي يستطيع بعدها ان يطالب بالتخطيط الثقافي والاعلامي . وفي هذا المجال اعددت دراسة متواضعة عن ثقافة المكونات والدوائر الصغيرة التي لاتستطيع الجمعية الوطنية ، ان تفوق مجموع مكوناتها حتى تأتي المبادرة الجدية من قبل المثقف العراقي .
* * *
اذن كيف نقدم على البدء بالمشروع الثقافي والاعلامي العراقي من خلال تقديم رؤية اساسية قائمة في الانظمة الداخلية للمنظمات والهيئات الثقافية والاعلامية ؟
كيف نستطيع بعد ما يربو على الثلاثة اعوام من سقوط النظام الديكتاتوري، ان نؤكد المبدأ الاساسي لفصل الثقافة والاعلام عن الحكومة ودمجها بالمجتمع والدولة ؟
ان مؤسستين على سبيل المثال في الثقافة والاعلام ، هما دار الشؤون الثقافية العامة وجريدة الصباح لايمتلكان الرؤية الثقافية والاعلامية التي تحدد حدث الثقافة العراقية من اتصالية الاعلام .
دار الشؤون الثقافية ، منشغلة بترميم هيا كلها من الداخل وتطمين جهازها الاداري والمالي وإدامة الاهتمام الثقافي النمطي في اقامة الندوات وطبع الكتب التي تعبر عن نشاط وحيوية المطبعة اكثر من حيوية النشاط الذهني العراقي .
وكان من المفترض ان يرتقي نشاط دار الشؤون الثقافية الى اعلى ، بسبب ان هذه المؤسسة لم يشملها التخريب والنهب اثناء سقوط النظام واستطاع العاملون ان يحافظوا على جميع ممتلكاتها من الهدر والضياع وذات الامر ينطبق على جريدة الصباح التي شرعت بالعمل بممتلكات الدولة مما وفر جانباً مهماً في النجاح والانتشار الا ان الصحيفة غدت بعد اقالة الاستاذ محمد عبد الجبار مجالا اعلامياً رحباً لنشاطات المكاتب الاعلامية لرئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء ونافست الصحف الناطقة بلسان هذه المكاتب دون ان تاخذ في الحسبان عملية استقلالها عن الحكومة وطبيعة ارتباطها بالدولة ومن المفارقة ان السيد رئيس التحرير الجديد, قد اجاب على كتابتي السابقة حول الامر بشكل غير مباشر , في ندوة باتحاد ادباء العراق, اجابة ملتبسة, مؤكدا ان الصباح, ليست وحدها من يفعل ذلك, فالصحف الاخرى, تنشر صور الجعفري والطالباني,دون ان يدري بانه اثبت الاتهام على نفسه.
أذن ، هاتان المؤسستان ، لاتحتاجان الى افراد بقدر حاجتهما الماسة الى رؤية ثقافية واعلامية ، يعملان بموجبها جدياً دون مخاوف تفرضها شبكة او هيئة اعلامية وليس من الطبيعي السكوت عن هذا الوضع وليس من المهم ان يصلح الاستاذ جمعة الحلفي او الاستاذ ماجد اسد لهذه المؤسسة او تلك قدر ما يعملان سوية على هدي ستراتيجية مجدية تؤمن الاسس الاستقرائية للمادة الخام في الثقافة العراقية وطرائق استخدام الاعلام منها .
اذا لم نعقد العزم على بناء اتصال اعلامنا وحدثنا الثقافي ، لا نكون بمستوى الحدث ( الدم العراقي النافر) واذا لم نكن كذلك ,ِ فكفانا صخباً حول الدور السييء لاعلام الاخرين ، ومن المؤسف ان يغدو اعلامنا وحدثنا الثقافي جزء من مجريات الوقائع ، فيسقط في انعدام التعبير عنها ويفقد ذاتيته ومزاياه في المسار الاعلامي المستقل كحدث مضاف الى وعي الوقائع .
#محمد_خضير_سلطان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟