أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - عبدالحق فيكري الكوش - سياحة وأي سياحة من مراكش وفنادقها الى بريست الفرنسية وجهاتها















المزيد.....


سياحة وأي سياحة من مراكش وفنادقها الى بريست الفرنسية وجهاتها


عبدالحق فيكري الكوش

الحوار المتمدن-العدد: 4563 - 2014 / 9 / 3 - 01:21
المحور: الصحافة والاعلام
    



كانت الساعة تشير الى العاشرة صباحا من يومه السبت، نحن الآن – أقصدني وزوجتي- في فندق المنزه روايال موكادور بمدينة مراكش العاصمة السياحية للمملكة المغربية بعد حجز مسبق عن طريق الأنترنت بمدينة آسفي، وأقصد السادس عشر من شهر غشت بحرارته المفرطة وهناك استقبلتني العاملة بالفندق بابتسامة عريضة لكنها في تفاصيلها كانت خادعة وكاذبة وتستطيع بحدسك وتجربتك الكبيرة في الحياة أن تدرك ذلك بل وأن تخبر الشفاه والابتسامات وأصنافها... وخصوصا صنفا من الابتسامات الممزوجة بمعاملة تجارية غير مضمونة النتائج والعواقب أو تلك المصحوبة بتقديم خدمة في المجال التجاري، ولا يمكنك وأنت الكاتب أن تهزمك خبرتك في إدراك الابتسامات الطيبة والماكرة والقلقة والحزينة والصادقة والمميزة والشهية والمفعمة بالرغبة والتجارية والبنكية والفندقية وسواها...
هنيهة ستخبرني العاملة على التو أن الغرفة ستكون جاهزة على الساعة الثالثة، وفي نفس الوقت محافظة على نفس ابتسامتها المصطنعة التي طالت أكثر من الوقت المعتاد لأن تستغرقه أي ابتسامة صادقة، هذا رغم أنهم في دعايتهم في الأنترنت وعند الحجز يشهرون أن الغرفة رهن إشارة الزبون على الساعة الواحدة زوالا وليس الثالثة... وهو ما يعتبر بمثابة عقد قانوني له إلزاميته القانونية...
حينها قلت لا بأس أتوجه لتناول وجبة الافطار وللتخلص من تعب السفر قليلا، ولن يجدي التعليق والاحتجاج في شيء بحكم كثرة المنتظرين مثلي وإن كنت أختلف عنهم أني لي دم يغلي .. وفي نفس الوقت تلقفني عامل من عمال الفندق ليجر أمتعتي خلفه وليخربني أنه بالإمكان يحتفظ بأمتعتي في غرفة كتب عليها ما يفيد بأنها مخصصة لطلبات الحجز الالكتروني أو صيد الزبائن، وقلت لا بأس أيضا، أتركها في رعاية الله...
في المطعم البعيد عن غرفة الاستقبال كانت خدعة أخرى من ضمن مجموعة أخرى في انتظاري، وهي فاتورة الوجبة المسماة "إفطار"، وما قيمتها مئة وعشرون ودرهم لأجل كوب من الماء ممزوج بقليل من عصير البرتقال باسم عصير ليمون رفقة خبز جاف وزيتون فاسد وبيضة وقطع من حلوى هي مزيج من سكر ودقيق وتذوقها يجعلك تحدس أن من أعدها لا يشعر نحو البشر بأية مشاعر طيبة..
كان هذا يسمونه في هذا الفندق "وجبة إفطار" وللمقارنة فأنت تؤدي نفس الثمن في فندق من الدرجة الثالثة في فرنسا لكنك تحصل على حقوقك كاملة باعتبارك انسانا قبل أن تكون زبونا ولأن سلطة القانون تمنحك أن تتساوى والفندق أمام القضاء في حالة الاعتداء على حقوقك، لهذا فوجبة الإفطار منوعة وكاملة...
في فندقنا – أيها القارئ الكريم- كان الجميع يكشر عن أنيابه ومن الصعب وصفها أنها ابتسامات لأن تنشئتنا الاجتماعية تفتقد الى الابتسامة في جدول أعمال شفاهنا اليومية وفي تفاصيل أشياءنا يحضر العنف والتحقير وكأنما شفاهنا خلقت لهذا القبح اللفظي...
وهنا في الفندق و حيثما مررت عمال يكشرون عن أنيابهم تحت زعم الابتسامة وأنت تعلم علم اليقين أن فيهم من لا يتلقى الحد الأدنى من الأجر، فكيف سيبتسم المسكين إذا لم يتم تسليطه عليك أنت الزبون..
آه نسيت، هناك أمام المطعم حيث تناولنا الإفطار كان خمسة أشخاص من بينهم عاملتين في استقبالنا وغير بعيد ثمة شخص على باب المطبخ - وداخل المطعم ذاته- يضع ربطة عنق مع شارب ولحية تؤثث الذقن هو أشبه بمن يمارس السياسة الخبيثة في بلدنا وكأنه كان في دعاية انتخابية، ولم يكن ينقصه غير دعوتنا للتصويت عليه وعلى برنامجه الفندقي الهادف.. وأما أنيابه القوية اللامعة فهي تشبه أنياب ذئب ولم تكن لابتسامته أي علاقة بشفتيه المفتوحتين ولا بأسنانه القوية القادرة على سحق العظام نفسها كما أتخيل ذلك... وكان من الصعب علي –كما قلت- التمييز بين الابتسامات الصادقة والمزيفة من على شفاه عاملات وعمال الفندق.. فمع مرور الوقت تتحول من زبون الى عدو يجب سلبه كل ما في جيبه، وتتحول من الانسان الذي يقصد المدينة "مراكش" للاستجمام والراحة أو مضطرا ومكرها الى فريسة في ظل غياب القانون والجهة المخولة بتلقي شكاياتك، فهنا في مراكش يستوي اللص وبعض المسؤولين... كما أنك وأنت ابن البلد تفهم ما خلف هذه الابتسامات الماكرة خصوصا في بعض فنادق مراكش ومطاعمها...
والتحقت بعدها بالمسبح للترفيه قليلا عن النفس أو على الأصح تبديد الوقت في انتظار الساعة الثالثة الموعودة ولاكتشاف ما يوجد بأحشاء هذا الفندق دون هذه الابتسامات الماكرة والمزيفة.. الفندق الذي سأقيم به مدة يومين لحسن الحظ، وهناك جلست على كرسي رفقة زوجتي.. أتأمل على الأقل من يسبح ومن يجلس ومن يتمدد.. وماذا يوجد في هذا العالم الغريب، خصوصا وأن التجربة علمتني أن المسبح هو علامة فارقة على ما يوجد داخل كل فندق... وتعرفون الكاتب هو بطبعه يتجسس على الأمكنة والوجوه والملامح وعلى التفاصيل الصغيرة.... يفتش بنهم في تاريخ الأشياء والوجوه والأمكنة... في الراهن منها وتفاصيلها الدقيقة والمملة....
أعلى الشقق الفندقية حيث تلصصت أول الأمر متجاهلا المسبح ومن فيه وبالضبط في نوافذها الخارجية كانت النساء قد وزعن ملابسهن الداخلية في نوافذ الغرف وفي أي مكان صالح لتعليق الثياب.. ونحن في الماضي لم نتعود على مثل هذا الأمر، وكنا نتسلق السطح للتلصص على ملابس الجارات الداخلية خصوصا العذراوات منهن بمقاساتها الصغيرة والمثيرة، ولم نكن نشاهد ملابس أمهاتنا الداخلية ولم نتعود على مشاهدتها في النوافذ في الشقق.. كان يعتبر الأمر عيبا وعارا وقلة حياء إشهارها حتى على حبل الغسيل زمن طفولتنا ... كانت أمهاتنا تعتبر الأمر جزء من حياتهن الحميمية مع أزوجهن ولا تقتسمنها حتى مع أطفالهن، وهو نفس الشيء الذي نجده في الغرب حيث يستحيل أن يتطاول ذكر على بيع ملابس داخلية للنساء وبالأحرى ان يلمسها أو يبصرها مشتتة على النوافذ في الفنادق والشقق السكنية بهذه الطريقة الفجة والوقحة...
هناك في المسبح الصغير الذي يقع بين مجموعة شاهقة من الشقق الفندقية ثمة عالم غريب لا تجانس فيه بين أشخاصه الذين يؤثثونه، يذهب الى درجة التناقض المطلق والى صدام حضاري يحدث داخل المسبح نفسه...
زبناء الفندق مختلفو الجنسيات وأغلبهم من المغاربة أجهزوا على جميع الكراسي المنتشرة على حواشي المسبح ووضعوا عليها مناشفهم منذ أن ولجوا المسبح حتى يعودوا اليها في اليوم الموالي وتحولت الى ملكية خاصة مدة إقامتهم .. وهل هم أغبياء حتى يتركوها لغيرهم من القادمين الى الفندق للاستمتاع بالسباحة في هذا الحر...؟
تبا لهم... !
ومنهم من لا يسبح قط منذ جاء إلى الفندق وبما أنه وجد الآخرين فعلوا فقد قرر أ يفعل مثلهم وهو يحتل هذه الأرائك المعدة عمدا المخصصة لاستلقاء رواد المسبح واستمتاعهم بأشعة البحر نكاية بهم...
لا شيء هنا كان يدل على فندق، كانت الفوضى الخلاقة في عالم اختلف تفسير أشخاصه للأخلاق أو الحداثة والتمدن وهذا طبعا بحكم فراستك يبدو من خلال اختلاف ثيابهم... بل ذكرني مشهد بعضهن من النساء في المسبح بنساء القرية حين كن تقمن برمي قطع من ثيابهن التي لم تعد تصلح لشيء مثلما مناديلهن القديمة المسحوقة على شجرة السدر لمحاربة العين والسحر أو ما يسمونه "التابعة"... حدث هذا عندما كنت أرافقهم وأنا صغير السن...
في المسبح كانت سيدة مغربية تستحم بجلبابها ومنديلها وجواربها، كانت أما بدينة جدا وبما أنها لم تجد ما تنافس به سائحة أجنبية قد كشفت عن كل مفاتنها فقد قررت وهي ترمقها بعين حاسدة أن تتأمل قدميها التين أخرجتهما فيما بعد من حوض السباحة وحررتهما من الجوارب ولتضعهما قربها ولتجلس على حافة المسبح وكأنها تقول للسائحة: أنا أيضا أكشف عن قدمي.. ليس وحدك ممن تملك ما تصرح به.. !
أنا أيضا لدي قدمين لا تملكين مثلهما... !
في المسبح كان الأطفال يسبحون بعشوائية وجنون وعدوانية... في حين كانت طفلة مغربية تحمل كاميرا وتسجل كل شيء من حولها... وأما في الجهة الأخرى فكان هناك سائح أجنبي يتمدد على أريكة المسبح يضع مراهم كيماوية لجلده ويرش مضاد العرق ويدهن جسده بمرهم ليكتسب اللون البرونزي وربما لحمايته من الشمس وقربه سائحة تتمدد على أريكة وقد غادر ثدييها ثياب السباحة... في حين كانت صديقتها تتمدد على ظهرها...
في المسبح أيضا وفي اللحظة ذاتها كانت فتاة مغربية تضع منديلا أسودا وثيابا سوداء تشبه ثياب الغطاسين قررت أن تلتحق بقافلة السابحين والسابحات ولتهبط في المسبح على طريقة أصابع النشالين في الحافلات .. ورغم الحرارة المفرطة فهي كانت ترتدي هذه الثياب لقناعة دينية صرفة تعتقدها ربما.... لكن الخبير بالنفوس سيحدس أن ملامح وجهها تكشف عن قلق داخلي وعن عدم صفاء ووضوح ...
غادرت الفندق وعالم المسبح متوجها بعدها الى جامع الكتبيين واستقليت سيارة أجرة، وحكايات سيارات الأجرة في مراكش غريبة، ومن بين عشرة سيئين يوجد شخص طيب ونزيه والتسعة الباقون هم فقط يمارسون النصب ومن مجموع عشرين مرة أديت فيها أسعار مضاعفة .. حدث أن دفعت الثمن وفق ما يشير إليه العداد وأما الآخرون فلم يحدث أن شغلوا العداد قط .. ومنهم من كان يرفض فتح الباب لي لأني مغربي بدافع أن سيارته معطلة أو أنه أنهى عمله...
أشارت الساعة الى الثالثة زوالا ، كنت حينها قد عدت الى الفندق لاستلام المفتاح، لكن العدد الكبير من المنتظرين جعلني أخمن أني لن أحصل عليه رغم الحجز المسبق لمدة أسبوع ..
طلبت مني العاملة الموجودة بقاعة الاستقبال أنه علي الانتظار لساعة إضافية أخرى، وهنا حتى لو وضعت أعصابك في الثلاجة فستشتعل غضبا من هذا النصب المقنع، لكن على من "ستتلو زابورك يا داوود" كما يقولون، وما أحوجني الى الراحة العاجلة بعد رحلة متعبة من آسفي مع كثرة الأمتعة وما أحوجني الى دوش ساخن خصوصا وأن الحرارة بلغت درجة قياسية في مدينة يخرق فيها القانون بدرجة قياسية الى درجة يفرض فيها كل شخص قانونه عليك .. وأيضا أنا على وشك سفر طويل نحو الحدود البريطانية الفرنسية منتصف الليلة القادمة ...
وبعد انتظار دام ساعة في غرفة الاستقبال، وبطريقة بغيضة مع ابتسامة سلمني عامل الاستقبال مفتاح الغرفة..
قلت، حسنا اذن سأسامحهم وتعرفون نحن المغاربة شعب متسامح الى درجة تفريطه في كرامته، تحت زعم التسامح...
ساعدني عامل في حمل أمتعتي التي سبق وتركتها في غرفة الحجز رفقة بعض العاملات ولحسن الحظ أني أقفلت حقائبي بمجموعة أقفال درء للخطر وسلمته عشرون درهما علي أتقي مفاجآتهم غير السارة طبعا..
الغرفة تقع في الطابق الأعلى والرقم يدل على أنه تم نفيي اليها إذ كانت تحمل الغرفة رقم 653 ، وبعد تمحيص وتمشيط للغرفة وبعد مغادرة العامل اكتشفت أن المرحاض معطل ويحتاج لإصلاح عاجل خصوصا وأن كمية الماء الضائعة تكفي لشراء آخر والدوش معطل والتلفزة أيضا خرساء والثلاجة أخرس منهما ..
آه نسيت حتى ورق المرحاض غير متوفر، والمناشف أيضا وقد اضطررت لاستعمال ملابسي لتنشيف جسدي...
وحتى المطبخ كان يخلو من كل شيء.. رغم أنه فندق شقق ومن المفروض أن يكون المطبخ مجهزا بالغاز والملاعق والصحون وابريق شاي .. وعلى ذكر هذا الأخير فبعد احتجاجي مساء يومه السبت مساء وصباح يومه الأحد.. فقد قرروا أن يحضروه لي رفقة صحون ولكن دون وجود غاز في الشقة، في مزحة ثقيلة وغير مستساغة...
وحكاية الإبريق تبقى هي الأهم – أيها القارئ الكريم في هذا السرد الأدبي- إذ أنه غير صالح للاستعمال رغم أنه لامع خارجيا لكنه صدأ من الداخل وحتى من تكن له مشاعر كراهية لن يحدث أن تقتله بهذه الطريقة ...
اقتنعت أنه لا جدوى من الاحتجاج، وأن عملية نصب موسعة تطال مجموعة من الزبناء، باسم تقديم خدمة فندقية...
وقررت الاحتفاظ في حقيبتي بهذا الابريق لأسافر به الى أوربا واعتبرته بمثابة رمز يعبر عن صدأ جماجمنا نحن في هذا الجنوب التعيس.. وكأن جماجمنا هي ذاتها هذه الأباريق الصدئة...
اليوم الموالي كانت الساعة تشير الى الثانية صباحا، حررت شكاية قبل مغادرتي الفندق وسلمتها لعامل هناك الذي تضامن معي ظاهريا وليقلني باص الفندق الى المطار بتوصية من عامل آخر وذلك في مقابل مئة درهم ...
داخل المطار كنا على موعد مع ثلاثة حواجز أمنية، شرطي على الباب يدقق في الجواز والاستمارة التي كان مطلوبا مني ملأها، ثم بعدها فريق من الأمنيين على بعد عشرة أمتار، ليفتشني شرطي من أخمص قدمي وحتى هامة رأسي وكان أقرب الى التحرش الجنسي منه الى تفتيش، ولم أستحمل أن يضغط بيديه على ثديي ولا طريقة تفتيشه المهينة والحاطة بالكرامة الانسانية .. ثم حدث أن حملق طويلا في هاتفي الخلوي الذي طلب مني إخراجه من جيبي دون أن أفهم أسرار هذا الحملقة الغريبة.. ثم كان الحاجز الأمني الثاني الذي كان أقرب إلى التحقيق والاستنطاق الأمني من تفتيش روتيني..
لكن في مطار بريست فحدث أن كانت الأمور مختلفة وبسيطة، المواطن الفرنسي يعبر بكل حرية يسلم جوازه ويكتفي الجمركي بالتأكد بأن الصورة داخل الجواز هي نفسها للشخص الواقف أمامه يحدث هذا بسرعة ، في حين أن المكتب الثاني هو مخصص لجميع من يحمل جواز السفر ولا يستغرق الأمر غير ثلاثين ثانية ليتم التأكد من صحة الفيزا وتسجيل اسم صاحب الجواز ودون تفتيش مهين.. وتم كل شيء بسرعة وباحترام ...
ولحسن الحظ أن الشركة الأجنبية التي حجزت منها تذكرة الطائرة ذهابا وإيابا احترمت بالدقيقة والثانية موعد الإقلاع كما أن الطائرة كانت حديثة وتتوفر فيها المواصفات الدولية المطلوبة، وخدماتها ذات جودة عالية..
في الطائرة تلك التي هي طبعا في ملكية شركة بريطانية كانت لي رغبة جامحة في أن أقفز وكأني تخلصت من عبئ كبير... فهنا في السماء سيطرت علي أحاسيس مختلفة وأنا بين السحب التي امتلأ شعرها شيبا وبلغت من الشيخوخة مرحلة متقدمة... هنا في هذا المكان لا حاجة للكائن بكتب مقدسة ولأي نبي ولا أي رسول... الطريق الى الله واضحة مادام الكائن قد امتلك القدرة على الحضور هنا وبهذه الطريقة المثيرة التي تكشف قدرة الانسان الغربي على فهم صحيح للقرآن من خلال العمل بالأسباب والمسببات، فالأدعية والصلوات لا تكفي دون استعمال للعقل ودون تدبر وتفكر... السماء تخلو من الايدلوجيا والطوائف والأحزاب والنظريات... السماء لا تطرف فيها ولا متطرفين ولا جماعات تزعم أنه تمثل الله وأنها وصية على البشر ، ولا أحد هنا يمتلك الحقيقة من المسافرين...
أخبرتنا الشركة عبر مكبرات الصوت أن مدة الرحلة ساعتين ونصف بين مراكش ومدينة بريست التي تقع أقصى شمال فرنسا وهو التوقيت الدقيق الذي قطعته الطائرة فعلا...
في المطار الفرنسي كانت المرأة مستقبلتي مبتسمة، ويتعلق الأمر هنا بعاملة شركة كراء السيارات وهنا يصبح الانسان في هذا المكان أجمل وأروع ويشعر بآدميته المفقودة..
وعندما تكتري سيارة متواضعة عبر الأنترنت لأنه في هذا العالم يستحيل أن تتنقل بوسائلك البدائية.. تكتشف أن الشركة ربحها الأساسي هو زبونها وليس جيوبه فقط وعندما تستدرجك الى الحديث تفهم أنك قادم من عالم آخر وتستحق الأفضل، تمنحك سيارة أخرى بنفس الثمن الذي حجزت به، وهو ثمن لن تعثر عليه في المغرب لمثل هذه السيارة الألمانية الصنع، وتمت الاجراءات بسرعة وسلمتني المفتاح ثم أرشدتني الى مكان السيارة دون ان تتحرك من مكانها وتمنت لي إقامة سعيدة...
غادرت بريست بعد أن وضعت امتعتي في السيارة الرابضة بموقف السيارات وشددت الرحال نحو سانت ميشيل (كوت دارمور) التي تبعد بحوالي مئة كيلومتر عن مدينة بريست ..
بالمناسبة سبق و حجزت هناك شقة عبر الأنترنت في هذه المنطقة السياحية أي عن طريق المشاهدة الافتراضية ووقعت العقد عبر رسالة الكترونية وبعد أسبوع أرسلت رسالة ورقية لصاحب الشقة أمضيت عليها كانت عبارة عن عقد كتبته بخط يدي رفقة شيك وأرسلتها له وبعد شهر عادت إلي الرسالة وقد وقع فيها صاحب الشقة .. دونما حاجة لمصلحة التصديق على الإمضاءات فالناس تجاوزت هذه الآليات البيروقراطية للإدارة وحل محلها حسن الثقة أساس العلاقة التجارية بل وأساس العلاقات الانسانية...
شخص تجهله وتجهل حتى إن كانت فعلا هذه الشقة ملك له، تراسله وترسل له الشيك ويوقع العقد الذي أرسلته بقلم حبر الى جانب توقيعك ويصبح العقد قانونيا ...
واستطعت بسهولة الوصول الى المكان ولأجد في استقبالي سيدة البيت التي سلمتني مفاتيحه حتى دون أن تطلب مني بطاقة التعريف ولا حتى اسمي ولا عقد الزواج ولا حتى العقد الذي وقعته وبالمناسبة سبق وضيعته في المغرب ..
مفاجئة أخرى هنا كانت في انتظاري، فالشقة تقع في منطقة سياحية تقصدها الطبقة الميسورة قليلا والأثرياء والمتقاعدين من ذوي الدخل المتوسط والمرتفع ..
سيسألني القارئ الكريم وما نوع المفاجئة اذن وما علاقة الفندق السابق بالشقة الحالية؟
وسأجيب ان ثمن الفندق المذكور في مراكش هو أربعمائة وخمسون درهم علما ان الفندق يشهر انه يخفض الأثمنة بناقص مئتي وخمسون درهم أي أن الثمن الحقيقي هو سبعمائة درهم يوميا وهو نفس ثمن الشقة في منطقة سياحية فرنسية دولية مع أن البون شاسع جدا والشقة المكتراة في سان ميشيل مساحتها خمسمائة متر مربع نصفها حديقة بها أجمل الورود والأزهار وحمام ودوش ومطبخ مجهز بأدق التفاصيل وتطل على شاطئ ممتد ونظيف ورائع.. ومن حولك منازل كلها تتوفر على حدائق ولا حواجز بينها ولا حيطان غير حواجز طبيعية هي نباتات زينة في أوج إزهارها...

على الساعة السادسة والنصف أعددت الشاي بالابريق الذي سرقته من الفندق الذي استعملت مجموعة مواد لإزالة الصدأ منه دون أن أنجح، مع العلم أنه يوجد مرآب بالشقة توجد فيه آلة الغسيل وفحم ومجمر كبير وجميع اللوازم التقنية التي تحتاجها ... ولأنهم في بلدك يشجعونك على السرقة ولأني لم أجد ما أنتقم به من هذه العصابة هو أن أسرقها أي شيء ولم يكن هذا الإبريق غير هويتي، رغم أنه صدأ...
لقد فكرت في سرقة أشياء كثيرة مثلا ، الثريا .. لكني عدلت .. لا حاجة لي لأن أسرق ما في السقف رغم أنه يغري بالسرقة..
وأذكر يومه الثلاثاء استيقظنا متأخرين وتناولنا وجبة الفطور على عجل لنتمكن من جلب اللحم من سوق ممتاز قبل منتصف النهار لأن كل شيء هنا خاضع للوقت والجزار يتوقف عن البيع بمجرد ما تطرق الساعة الثانية عشرة زوالا ...
لكن هيهات، فكثرة الطرق الفرعية والتي لا تختلف في صيانتها عن الطريق الرئيسية خدعتنا لنظل الطريق، ولنلتحق متأخرين بالسوق، ولنعثر بعد مشقة من الطريق المؤدية نحو السوق وعلى اللحم المفقود ولكن لم نعثر على الجزار لأنه لا يعود للعمل الا بعد الثانية زوالا..
الجو كان باردا جدا وربيعي حينا مع نسمة برد قارس، وعصره هذا اليوم كنت جالسا رفقة زوجتي على طاولة تشرف على البحر رفقة كوبين من قهوة معطرة جلبتها من المغرب، كان مذاقها سحري وله اثره في النفس عصر هذا الثلاثاء..
كنا عدنا للتو من التسوق ، وبهذه المناسبة لابد من التذكير أن كل شيء بإمكانك ان تشتريه من السوق آليا بمن فيها دعوات الحضور للأنشطة الترفيهية، كل شيء هنا لا يخضع للصدفة بل هو صناعة اقتصادية، ولا شيء ينظم من المال العام فهناك شركات تتنافس على صناعة الترفيه وعلى الربح...
شاطئ سانت ميشيل عصره هذا اليوم كان نظيفا ورائعا رغم رطوبة الجو .. وعدد قليل من المرتادين رفقة كلابهم ... شيخ يمسك بزوجته وقد بلغ منهما الكبر مبلغه..
والنظافة هي جزء من الحضارة والتمدن وهو واجب على المواطن قبل أن تكون من حقوقه... ويستحيل أن تعثر على منديل أنف على الشواطئ الممتدة على مئات الكيلومترات ...
كانت هذه أيها القارئ الكريم لحظات فارقة بين عالمين، ولأن الكاتب يهتم بالتفاصيل فقد حاولت بأمانة نقل هذه التفاصيل إليك خالية من أحكام القيمة...
وأترك كامل الحكم إليك...



#عبدالحق_فيكري_الكوش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إلى روح الجميل ياسين: نعتذر لروحك صديقي إذا نحن طلبة القانون ...
- سأصدق أن صديقتي -الراهبة- انتحرت
- محاولة لفهم ورصد الظاهرة الأعرابية عند ابن خلدون، العدو الأو ...
- المكتب الشريف للفوسفاط والتنمية الاجتماعية والبيئية بآسفي: ح ...
- محاولة لمقاربة نزاع الصحراء تاريخيا منذ القرن العاشر الهجري
- الطبيعة القانونية للمسألة السورية في وسائل الإعلام المختلفة
- قراءة في نص -شهرزاد- للشاعرة الناشئة -هاجر سعيد-، أزمة الولا ...
- الصورة النمطية للإنسان المسلم في الصحافة والمؤلفات الأجنبية: ...
- وثائق الاعتذار في محراب قلب الحبيبة-الى الحبيبة هجر-(02)
- وثائق الاعتذار – في محراب قلب الحبيبة – هاجر.
- بلبل الأمداح النبوية في بيروت والمشرق العربي، عبد الغني الكو ...
- العذراءالزهراء الكوش متصوفة استثنائية في المغرب والعالم الإس ...
- آل الكوش: قصة عائلة تأرجحت بين جرائم دولة الاحتلال والانتداب ...
- الإعجاز الثوري في الثورة التونسية: اقتصاد في الزمن، وواقعية ...
- 1912-2012 م – المغرب: من صدمة الحماية الفرنسية إلى تعايش الش ...
- صناعة -المحنة- في المغرب: «امتحان الزوايا» إلى «امتحان المثق ...
- الصحافي رشيد نيني والعنزة وجاليليو
- طقوسية بويا عمر وطقوسية النظام: الذهنية المشتركة وأزمة عقل ا ...
- الإسلام والحرية والإنسان ، ثالوث الحلول في العالم العربي
- المخزن و ميكيافليلية الحلقة وحكمة الأميين


المزيد.....




- مشهد يحبس الأنفاس.. مغامر يتسلق جدارًا صخريًا حادًا بسويسرا ...
- وسط التصعيد الأوكراني والتحذير من الرد الروسي.. ترامب يختار ...
- انخفاض أعدادها ينذر بالخطر.. الزرافة في قائمة الأنواع مهددة ...
- هوكستين في تل أبيب.. هل بات وقف إطلاق النار قريبا في لبنان؟ ...
- حرس الحدود السعودي يحبط محاولة تهريب نحو طن حشيش و103 أطنان ...
- زاخاروفا: الغرب يريد تصعيد النزاع على جثث الأوكرانيين
- صاروخ روسي يدمر جسرا عائما للقوات الأوكرانية على محور كراسني ...
- عشرات القتلى في قصف إسرائيلي -عنيف- على شمال غزة، ووزير الدف ...
- الشيوخ الأمريكي يرفض بأغلبية ساحقة وقف مبيعات أسلحة لإسرائيل ...
- غلق أشهر مطعم في مصر


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - عبدالحق فيكري الكوش - سياحة وأي سياحة من مراكش وفنادقها الى بريست الفرنسية وجهاتها