|
إسرائيل ، غزّة ، العراق و الإمبريالية : المشكل الحقيقي والمصالح الحقيقيّة للشعوب
شادي الشماوي
الحوار المتمدن-العدد: 4563 - 2014 / 9 / 3 - 01:14
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
كتب الصحفي الأنجليزي روبار فيسك فى المدّة الأخيرة أنّ الناس إن أرادوا أن " يتفحّصوا " المسائل الكامنة " وراء الحرب الإسرائيليّة / الفلسطينية " مثلما نصح بذلك جون كيري سكرتير الدولة لدى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية باراك أوباما ، ينبغى عليهم أن يتسأءلوا لماذا يوجد الفلسطينيّون فى غزّة . و الإجابة ليست ما يدور فى ذهن كيري . ثلثا سكّان غزّة لاجئون . لقد أجبرت القوّأت الإسرائيليّة الفلسطينيين على التوجّه إلى غزّة لأنّها كانت خارج إطار الأرض التى كانت تريدها فى 1948 . حينها أخرج الجيش الصهيوني بعنف 90 بالمائة من السكّان العرب ليفسح المجال إلى ما صار إسرائيل تلك السنة . وحطّمت منازل الفلسطينيين و جُلب مستعمرون يهود من الخارج لإعمار المدن الجديدة المشيّدة على الخراب . ثمّ إستولت إسرائيل على غزّة سنة 1967 ، وفى البداية سعت لملئها بمزيد من المستعمرين اليهود و تاليا حوّلتها إلى سجن . و الآن تجوّع إسرائيل السجناء و تطلق النار عليهم – بإسم حماية مدن جنوب إسرائيل مثل عسقلان و سداروت وهي المدن الأصليّة للكثير من سكّان غزّة . " المسألة الكامنة " هنا هي لماذا تسلّح الولايات المتحدة و حكومات غربيّة أخرى و تموّل إسرائيل وسياسيّا تدعمها و حتى ترسل لها المزيد من المستعمرين؟ لماذا يصرّحون بأنّ قوّتهم العسكريّة ستقف دوما إلى جانب إسرائيل و " حقّها فى الدفاع عن نفسها " رغم خلافات مناسباتيّة بينهم ؟ لأنّ ما يدافعون عنه هو الثكنة العسكريّة الرئيسيّة التى تعوّل عليها الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط ، كأسا من أسس السيطرة الإمبريالية على المنطقة و شعوبها . و ما يسمّى ب" اللوبي اليهودي " ليس هو ما يدفع الولايات المتحدة نحو دعم إسرائيل إذ هو يساعد على خلق رأي عام لا أكثر لتبرير ذلك . فالدور الضروري لأسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة هو السبب الجوهري للعدوان الصهيوني الذى لا ينتهى ،وعنفه المفتخر به و غروره الذى لا حدود له. " المسألة الكامنة " الأساسيّة هي الإضطهاد . هذه وجهة النظر التى منها يجب على أساسها أن نقيّم حماس . لا يمكن دعم حماس لأنّها لا تمثّل تحريرا من الإضطهاد . فبرنامجها الإجتماعي و الإيديولوجي برنامج رجعي و مناهض لمصالح الغالبيّة العظمى من الفلسطينيين و شعوب العالم . و تقف حماس من أجل نظرة ظلاميّة و حكم ديني و إخضاع النساء . و بدلا من أن نظلّ مكتوفي الأيدي أو يشلّنا هذا التعقيد ، فإن غهما صحيحا للمسائل الكامنة يتعيّن أن يجعل من الممكن بصفة لا تقاوم القيام بحركة سياسيّة ، لا سيما فى معارضة العدوان الإسرائيلي الذى لا يمكن أبدا و مهما كانت الظروف أن يبرّر على أنّه " دفاع عن النفس " . مع فهم أنّ الصهيونيةّ ليست عنصريّة و حسب و إنّما هي أداة أساسيّة بيد الإمبريالية ، يمكن أن نفضح الأيادي الأمريكيّة و الأوروبيّة التى تسند دولة إسرائيل القائمة على التطهير العرقي و التى تسمح لهؤلاء المجرمين بإرتكاب مجازر فى حقّ فلسطينيين عُزّل مرارا و تكرارا ، سواء كانوا أطفالا أم شبابا يقتلون فى المسيرات فى الضفّة الغربيّة أم أسر بأكملها يقضى عليها فى غزّة . و إضافة إلى ذلك ، بهذا الفهم ، ينبغى أن نساند مطلب رفع الحصار عن غزّة – وهو مطلب عام للشعب الفلسطيني – كمسألة عدالة و تضامن أساسيين مع سكّان غزّة و جميع الفلسطينيين. " المسألة الكامنة " فى العراق ، مواصلة لذات المنهج ، هي أيضا الإمبريالية . كيف لأوباما أن يتحدّث عن تقديم " مساعدة إنسانية " لليزيديين و الأكراد أو أيّ شخص آخر فى حين أنّ الولايات المتحدة هي التى جعلت ممكنة الكارثة الإنسانيّة فى غزّة ( حتى لا نذكر أفغانستان و ليبيا و الهايتي و كلّ مكان تدخّلت فيه الولايات المتحدة ) ؟ إنّ الحصار الأمريكي و إلقاء القنابل و الغزو و الإحتلال خلقوا وضعا فوضويّا فى العراق ، و الآن يودّ أوباما و أشباهه فى إنجلترا و فرنسا إلقاء مزيد من القنابل و مزيد نهب العراق . يجب إيقاف هذا . أمّا بالنسبة للإنقسامات الدينيّة و الأثنيّة فى العراق التى يدّعى الغربيّون بأنّها تتطلّب تدخّلهم ، منذ زمن إتّفاقيّة سايكس - بيكو خلال الحرب العالميّة الأولى عندما تقاسمت فرنسا وبريطانيا العظمى المنطقة بينهما ، قدّم الإمبرياليّون أفضل ما لديهم لتركيز نظم إستعماريّة وشبه إستعماريّة تقوم على الإنقسامات الأثنيّة والدينيّة فى فلسطين و لبنان و سوريا و العراق ،متحالفين مع نخب رجعية فى الحكم ، إلى يومنا هذا . و ظهور الأصوليّة الإسلامية إفراز لتظافر عدّة عوامل منها التغيّرات الإقتصاديّة و الإجتماعيّة الناجمة عن عولمة الإقتصاد الإمبريالي ، و القرف من النفاق و الإفرس الأخلاقي خلف القيم التى يشجّع عليها الإمبرياليّون الغربيّون و خدمهم و المحتالون المحلّيون ، و عدم قدرة الحركات القوميّة العربيّة الماضية على القطع الصريح مع السوق الإمبريالية العالمية ، و التشويه الذى يعلمه غالبيّة الناس للثورتين الروسيّة و الصينيّة ، والسنوات التى قضتها الولايات المتحدة و قوى أخرى فى دعم المجموعات الإسلاميّة خدمة لمصالحها المباشرة الخاصّة ( مثل المساندة السلبيّة و أحيانا الإيجابيّة التى قدّمتها المخابرات الإسرائيليّة لحماس فى لمواجهة حركة التحرّر الوطني العلمانيّة فى فلسطين ). و فى حين أنّ التيّارات الإسلامية خرجت عن السيطرة و غدت نشاطاتها تمثّل مشكلا حقيقيّا لهذه القوى اليوم ، فإنّ إنتشار تأثير الأصوليّة الإسلامية فى صفوف المضطهَدين يمثّل أيضا مشكلا من وجهة نظر تحرير شعوب الشرق الأوسط و العالم . ما يطلق عليه الدولة الإسلامية ( داعش ) آفة نكب بها الشعبين العراقي و السوري و كلّ من يحاجج خلاف ذلك عليه أن يشرح كيف أنّ قطع الرؤوس لفرض الإرهاب الديني و التطهير العرقي و الحكم البطرياركي / النظام الأبوي يمكن أن يوحّد شعوب الشرق الأوسط فى قتال الأعداء الحقيقيين . و فى نفس الوقت ، قد قضى الإمبرياليّون بأسلحتهم المتطوّرة جدّا تقنيّا على أعداد مضاعفة من البشر أكثر من أي شخص آخر يحمل سيفا ، هذا بالرغم من خطابهم " الديمقراطي " و " المتحضّر " الذى يستخدمونه لتبرير جرائمهم . و هذا الوضع مثال بالغ الدلالة عن حقيقة أساسية هي : الأصوليّة الإسلامية والإمبريالية الغربيّة يخوضان معركة حقيقيّة ، لكن مساندة أيّا منهما تنتهى بنا إلى مساندة كليهما . يجب أن نفضح القوى الإمبريالية و نظامها الذى هو مصدر المشكل و نبنى مقاومة لمزيد تدخّلاتها الدامية التى ساهمت مساهمة كبرى فى إيصال الشرق الأوسط إلى حيث هو اليوم ،و يجب كذلك فضح الأصوليّة الإسلامية ( والحكم الديني عامة ) ، التى لم تكن لتملك تلك القوّة التى تملك الآن فى العالم لولا سير النظام الإمبريالي و جرائمه . و من المهمّ بصفة عامة أن يخوض الناس فى الوقائع ليفهموا الوضع كما هوحقّا ، و الذين لديهم بعض الفهم يتوجّب عليهم التحرّك بطريقة واسعة لإبلاغ رؤيتهم للجماهير و تحريكها على نحو واسع ليصبحوا نقطة وحدة للمقاومة و مصدر أمل فى وضع يكون خلاف ذلك مظلم . وزيادة على ذلك ، الناس فى حاجة أكيدة جدّا إلى رفع رايات الثورة فى معارضة كلّ من الإمبريالية و القوى الدينيّة التى لا تبحث إلاّ عن إدخال تعديلات على النظام الإضطهادي العالمي لصالحها و لصالح نظرتها إلى العالم و لا تهدف إلى تغييره تغييرا تحريريّا . إنّ بروز حركات حقيقيّة و حيوية و نامية مصمّمة على أفطاحة بالنظام القديم وبناء سلطة دولة جديدة ، و نظرة جديدة لمجتمعات تحريريّة تماما و جديدة جذريّا حيث يرغب الناس فى كلّ مكان العيش فيها ، قد يمكّن من الشروع فى إفتكاك المبادرة من أعداء الشعوب. / .
#شادي_الشماوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مقدّمة كتاب - الأساسي من خطابات بوب أفاكيان و كتاباته - / ال
...
-
الحزب الشيوعي النيبالي – الماوي ( الجديد ) و مفترق الطرق الذ
...
-
الحزب الشيوعي النيبالي – الماوي ( الجديد ) و مفترق الطرق الذ
...
-
إعادة صياغة برنامج الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي – اللين
...
-
حول - القوّة المحرّكة للفوضى - و ديناميكية التغيير ...النضال
...
-
نظرة على الخلافات بين الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي – ال
...
-
هل يجب أن نجرّم المهاجرين أم يجب أن نساندهم ؟
-
هذا النظام الرأسمالي – الإمبريالي العالمي المجرم يحطّم كوكبن
...
-
مقدّمة كتاب : مقال - ضد الأفاكيانية - و الردود عليه / الماوي
...
-
خلافات عميقة بين الحزبين الماويين الأفغاني و الإيراني - الفص
...
-
النساء فى مواجهة النظام الأبوي الذى ولّى عهده : الرأسمالية –
...
-
8 مارس 2014 : لنناقش هذه المقولات لبوب أفاكيان رئيس الحزب ال
...
-
إيران : الذكرى 32 لإنتفاضة آمول – - لقد أثبت التاريخ منهم عم
...
-
إيران : الذكرى 32 لإنتفاضة آمول – - لقد أثبت التاريخ من هم ع
...
-
مصر و تونس و الإنتفاضات العربية : كيف وصلت إلى طريق مسدود و
...
-
مصر و تونس و الإنتفاضات العربية : كيف وصلت إلى طريق مسدود و
...
-
أساليب التفكير و أساليب العمل - الفصل 22 من - مقتطفات من أقو
...
-
فهارس كتب شادي الشماوي- ( الماوية : نظرية و ممارسة - من العد
...
-
طريق إفتكاك السلطة فى إيران - برنامج الحزب الشيوعي الإيراني
...
-
عن بعض أمراض المجتمع - برنامج الحزب الشيوعي الإيراني ( المار
...
المزيد.....
-
النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 589
-
تحليل - فرنسا: عندما يستخدم رئيس الوزراء فرانسوا بيرو أطروحا
...
-
برقية تضامن ودعم إلى الرفاق في الحزب الشيوعي الكوبي.
-
إلى الرفيق العزيز نجم الدين الخريط ومن خلالك إلى كل مناضلات
...
-
المحافظون الألمان يسعون لكسب دعم اليمين المتطرف في البرلمان
...
-
استأنفت نيابة العبور على قرار إخلاء سبيل عمال شركة “تي أند س
...
-
استمرار إضراب عمال “سيراميك اينوفا” لليوم السابع
-
جنح مستأنف الخانكةترفض استئناف النيابة وتؤيد قرار إخلاء سبيل
...
-
إخلاء سبيل شباب وأطفال المطرية في قضية “حادث الاستثمار”
-
إضراب عمال “النساجون الشرقيون”
المزيد.....
-
الذكرى 106 لاغتيال روزا لوكسمبورغ روزا لوكسمبورغ: مناضلة ثور
...
/ فرانسوا فيركامن
-
التحولات التكتونية في العلاقات العالمية تثير انفجارات بركاني
...
/ خورخي مارتن
-
آلان وودز: الفن والمجتمع والثورة
/ آلان وودز
-
اللاعقلانية الجديدة - بقلم المفكر الماركسي: جون بلامي فوستر.
...
/ بندر نوري
-
نهاية الهيمنة الغربية؟ في الطريق نحو نظام عالمي جديد
/ حامد فضل الله
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
المزيد.....
|