|
ليالي المنسيةمرواية/القسم الخامس/
تحسين كرمياني
الحوار المتمدن-العدد: 4562 - 2014 / 9 / 2 - 23:07
المحور:
الادب والفن
(3)
علاقتي بـ(خولة)لم تكلفن كثير وقت،ما أن وصلت المدرسة،قادماً متذمراً لاعناً القرار الذي ألزمني أن أكون مديراً لها. عانيت..توسلت. لم تفلح جهودي لإلغاء القرار التربوي الذي صدر بي،وصولي المنطقة غير مزاجي فجأة،وجدت نفسي بين عشرُ إناثٍ،فاتنات،متحررات. رؤيتهن جعلتني أشكر صاحب القرار الذي نفاني من صخب بلدتي،بعدما كلت له أكيال لعنات. استقبلوني بود،أنزلت حاجياتي،سرير منامي،حقيبتي،جلست بينهن،خجل قديم متذبذب يقتلني،وراح الحلم الكبير الذي صارعت كثيراً من أجله،يتحقق من غير تكلفة ومطاردات أو سهر،وكتابة الكثير من الكلمات الغزلية الفارغة في أوراق،قبل أن تتعرق وتتمزق في جيوب خيالي. حلم حب فتاة كان بوصلة حياتي الدائمة. ظل الحب أرق وقلق أكلا ليلي،نهشا فكري،كل فتاة حاولت استمالتها بنظرة خائفة أو ابتسامة جافة،واقفاً بدروب الطالبات،جائباً متاهات الأزقة،لم أجد ما يزيد من عزيمتي،أو بادرة تشجعني على مواصلة صيد واحدة تنتشلني من الغرق في مياه مراهقتي. أنني بين جبال لحمية متحررة،لحم..لحم يتحرك،يلتهب،عيون لا تخاف،لا تخجل،ملؤها دهشة،ثغور ظامئة،أجساد تنطق شهوات بـ لا خوف. واحدة من بينهن أكثر شعبية،(خولة)،فتاة سمراء،تتكلم كثيراً،شجاعة في نيل حصص رغباتها،تضحك كثيراً،صاحبة نكتة،روحها خفيفة،تفرض نفسها من غير تردد،قامت وجلبت لي قدح شاي،بدأت أذوّب السكر ببطء،خشية أن أفقد توازني وأقلبه. عيون قاتلة ترصدني. نده ثغر: ((أنت واحد منّا أستاذ)) شكرت صاحبة الصوت: ((أنا خادمكم المطيع)) قالت(خولة): ((لا تفكر بأي شيء أستاذ،نحن هنا عائلة واحدة)) دق جرس الدرس،خرجن إلاّ(خولة). (خولة)أفعى بيت،مسالمة،تحمل روح متدفقة بالعشق. جلست أمامي،كانت بشوشة،عروقها مستفزة،تحاول مساماتها تحرير بوادر ثورة لا سياسية،ثورة أخلاقية على ما يبدو،تعتمل داخلها،تنتظر فرصة ملغومة لتندلع. قلت لها: ((من أين أنت؟)) ((من بلدة المهابيل)) ((آه..أنك قاسية على بلدتك يا ست)) ((أنا قاسية على رجالنا)) ((لابد أنهم يعاكسونك كثيراً)) ((لو حصل هذا لكانت أجمل البلدات عندي)) ((لكنهم مسالمون وطيبون)) ((أرواحهم خبيثة،عقولهم غفلة)) ((أنت أدرى بشعاب بلدتك)) ((محض أجساد غبيّة،يقضون حياتهم بتفاهة،يتربعون صدور المقاهي،يتناوشون بعضهم بفاسد الكلمات، لا هم عاطفي يسكنهم،مخانيث،تفو عليهم)) ((حقاً أنها بلدة مقاهي)) ((قل بلدة ملاهي)) ((مهما يكن أنها جميلة،طالما أنتجت واحدة مثلك)) حفرتني بعينين متكلمتين..قالت: ((هل زرتها؟)) ((مرة واحدة)) ((وكيف رأيتها؟)) ((لو كنت أعلم أنكِ ساكنتها لما بارحتها؟)) ضحكت..ناحتاً عيني فيها،شاركتها فرحتها. قالت: ((لو كنت أعلم أنك زرتها لأمرت شقيقي أن يلقي القبض عليك بداعي السطو)) ((سطو!)) ((نعم..سطو غير مسلح على بنات البلدة)) ((ليت كنت حرامي بنات على أن أكون معلماً في منفى)) ((وجودنا هنا جعل المنفى منتجعاً)) ((حقاً..نسيت هذا الجانب الحيوي من العزلة)) (هل ما زلت تسطو على البنات؟)) ((وهل توجد بنات جاهزات لأسطو عليهن؟!)) ((ليت رأيتك في زيارتك لأمرت أخي بسجنك)) ((على ما يبد أنه في موقعٍ مهم)) ((ضابط شرطة)) ((آه..في المرة القادمة سأكرر زيارتي لبلدتك كي أسجن فيها بناء على رغبتك)) صمت. دخلت المستخدمة تحمل قدح ماء. قالت: ((أستاذ غرفتك جاهزة)) ((حسناً بعد الدوام سأرتب أشيائي)) قالت(خولة): ((أستاذ،أنا سأرتب غرفتك،أنت مرهق من السفر)) ((حسناً لن يأخذ منّا ذلك وقتاً)) خرجنا. في الزاوية الشمالية لبناية المدرسة غرفة منفردة،وجدت أشيائي متراكمة،بدأت(خولة)بسحب السرير،قرب كوة بمثابة شباك أوقفت السرير،كنت مرتبكاً،عروقي تكاد تتمزق،أنظر إلى فتاة تعمل من أجلي،كانت ترمقني بنظرات خلسة،فيها معاني بدأت تتضح. قلت لها: ((الكوة ستمرر الهواء البارد)) ((هنا أحسن أستاذ)) ((لكنني لا أحبذ البرد)) ((هذا المكان يليق بك،أنه مكان مريح،على أقل تقدير يسمح لي أن أراقبك من خلال هذه الكوة)) ((يبدو أنك سرقتِ مهنة أخيك)) ((سميها هكذا)) ((ولم تراقبيننِ؟)) ((مجرد رغبة،هل تمانع؟)) ((من غير سبب!)) ((حقيقة يجب أن أقولها من غير لف ولا دوران،بدأت في التو أخاف عليك أستاذ)) ((هذه أوّل مرة أسمع مثل هذا الكلام)) ((تلك هي الحقيقة)) ((أهي رغبة أم هناك أشياء يجب التحوط لها؟)) ((ربما الاثنان معاً)) ((حسناً..أرجو أن يكون خوفك ناجم عن رغبة شخصيّة)) نظرت إليّ،رصدت وثوقي من كلامي من خلال نظراتي،والبسمة التي طفرت من بين شفتي. ((حقيقة..أنا أخاف عليك من كل شيء موجود هنا)) ((هل يأتون إلى هنا؟)) ((لم يحصل أنهم جاءوا)) ((خلال الاجتماعات الحزبية،كنّا نسمع التعليمات الواردة،أنهم يتسللون إلى بلداتنا بشتى الطرق ولهم أذناب تعمل لصالحهم)) ((أخي كان يضحك من تلك التعليمات،كونهم يدخلونهم في إنذار ويحرمونهم من النزول إلى البيوت)) ((هل كان حقاً يضحك؟)) ((أرجو المعذرة هو لم يضحك بل أنا أقول هذه الكلمة)) أصفرَّ وجهها،وجدتها تبحلق بـ عينين تجمدتا،نما خوفها من كلمة(يضحك)،كلمة كانت كافية لشنقها وشنق أخيها بتهمة التهجم أو السخرية من تعليمات السلطة الحاكمة. ((لا أفهمك يا ست،لا تهتمي،مجرد كلام خارج نطاق الواقع)) ((حقيقة أستاذ..أريد حمايتك)) ((لم لا تتركين موضوع الحماية علي،أنا من يحميكن من أي طارئ)) ((لا تذهب بعيداً أستاذ نحن هنا في مأمن تام)) ((مجرد مزحة)) ((لكنني لن أمزح)) ((حسناً كما تشائين)) نظراتها..بسمتها..الموقف..كل شيء يعمل على تهيئة أرضية لرغبة خجولة،دافع شجعني أن أتحرك، صرت قربها،كانت منهمكة بـ فتح حقيبتي،مررت يدي وأوقفتها،يدي مسكت يدها،أطرقت برأسها،لم تدافع عن حرمتها،وجدتها أرض عطشى،دولة بلا حكومة،تنتظر مستعمر يغتصبها،وأنا غيم حابل بالماء،لم تصرخ..تأوهت: ((لنترك هذا الأمر إلى وقت آخر،أخشى أن ترانا واحدة)) فقدت صلتي بالحياة،وجدت طريدة أسقطت نفسها في شباكي من غير إغراء أو إغواء،وجدت نفسي فوقها على السرير،وتحول العالم من حولنا إلى فحيح وشهقات. رنين جرس الدرس،يشبه رنين الجحيم،دائماً يصدح أوان الرغبة،ويميت وهج اللحظات الجميلة. دفعتني بود،وخرجت بهدوء. بقيت في غرفتي،خائفاً أترقب،استحياء تام يتلبسني،أثم كبير تكفلت بحمله. باقة هواجس شيطانية وحفنة ظنون ملتبسة تغزوني. ((ماذا عملت؟))لساني يقرعني،((ماذا لو اتخذت أجراء عدوانياً ضدك يا حبيب؟))لا يمتلك عقلي جواباً، ((ماذا سيكون موقفك يا سعادة المدير؟))..مائتاً صرفت هلوساتي. نهضت..رتبت هندامي،فقدت كل إشكاليات الخجل والخوف في لحظة تحد. عدت إلى الإدارة. (خولة)عادية،لا شيء يميزها،ليس هناك ما يستحق التفكير به،كـأن لم يحصل الذي حصل. لحظتها مات قلقي. وسارت أيامنا التالية كلها روتين. (4)
مع منتصف الليل(خولة)تتسلل إلى غرفتي. حواراتنا دافئة،ننثر عواطف تلاقحت سريعاً على دقائق الظلام،نندمج في قتالٍ جسدي وحشي. عند منتصف الليل،العالم كله غارق في نومه،الكلاب تكون قد خمدت من هول النباح بوجه المجهول،تتسلل(خولة)تحمل بالون شهوتها،لم يعد هناك وقتاً استهلاليا،لم نعد نحتاج إلى وقت نروِّض فيها عواطفنا كي تندمج وتتلاقح. تدخل..تلقي بنفسها عليَّ ونصير في زورق الفرح مجنونين. ليالي تمضي..حبنا يتفجر. ذات ليلة تجمدت عيوننا في الظلام،شبح يقف في عتبة الباب،شبح جاء ينصت،أو يشتهي كما عرفنا فيما بعد. موقف لا يحتمل. روّضت(خولة)مخاوفي: ((سميرة..نسميها المفلفلة،تشتهي وتستحي)) ((ستفضحنا)) ((لا تخف..أنها محترقة لـ حضن فحل)) ((قلبي ينخلع،لا أعرف ماذا أقول!)) ((دعني أجلبها لتشاركنا ليلنا)) نهضت(خولة)بكامل عريها. لم أصطد كلمة من الحوار المتشابك في الخارج،بدأت كلاب الليل برشق نباحات مكتومة،من بعيد عواءات ذئاب أو بنات آوى تحاول تشويه رخاء الليل بالصخب أو بالغزل. شبحان دخلا. قالت(خولة): ((أستاذ حبيب..تفاهم معها)) لبست وخرجت(خولة). شبح واقف،سبحت في بركة خجل. مسكتها وقدتها إلى السرير. قلت: ((أرجو أن لا أتجاوز على شخصكِ الرقيق)) قالت بعبرة تخنقها: ((أنا إنسانة تعيسة)) ((بالعكس،أنت فتاة حالمة)) ((لكنني غير محظوظة)) ((بالعكس أنت محظوظة،أنا لم أحتمل جمالك،كنت أخاف أن أتجاوز عليك ولو بنظرة)) ((لكنك كنت تهرب من نظراتي)) ((لا تسمينه هروباً،بل احترام واجب يليق بك،خفت أن تفسري نظراتي على أنها صبيانية)) ((بالعكس..العيون الي تمطرنا بالنظرات تشعرنا بالربيع والنسيم والمطر)) ((آه..سوف أحرر بروقي ورعودي ومطري على ربوعك يا ست)) صمت. حررت آهة طويلة،ضوّعت بدفء وصرخة رغبة مكبوتة،تشجعت أن أمد أناملي وألامس أناملها،شعرت باختلاجات ورعشات تنمو فيها،تسارع نبض قلبها،وراحت تزفر بـ غير انتظام. وجدت نفسي ملتهبة،لم أعد أعرف كيف اقتحمت أسوارها المجهولة. التحمنا. حرائق تشتبك بحرائق..أنين يصطدم بأنين..لهاث يشرخ الظلام المتحمس لسترنا. (سميرة)محترقة أكثر مما كنت،تتلوى وهي تشد وترخي نفسها،تصك أسنانها،كأنها تشكو من ألم الطلق، تحاول نهش جسدي بلسان حار،بأظفارها رسمت على خدي خرائط مراهقة إيروتيكية تأجلت لأسباب (وظيفية)،تعضني بأسنان شبه كافرة،بلسان مسنن كمحراث تحرث بشراهة براءة وجهي. بدأت أذكي نيرانها،أنقر على أمكنتها الحساسة بنقرات تصاعد من إيقاع الرغبة،كنت أشعر بمحراث يحرث جسدي،لسانها جائع،أظفارها بربرية،تشجعت أن أضغط عنيفاً على موطن الشهوات(برمودتها). وقت الحب قصير. لوّث ديك هدأة الليل بصيحة عميقة. مرتبكة ارتدت ثوبها. حائراً بقيت ساقطاً في الوجوم. بسرعة البرق ذابت في الظلام المتحلل.
(5)
كيف سارت أموري؟ لم حدث كل ذلك؟ أسئلة تواصل تمزيق ذاكرتي،ها أنا في فراش بائس،لا أملك سوى ذاكرة من حريق،أيامي تمشي كـ سلحفاة حبلى أو هرمة،لم أعد أمتلك رغبة في العيش،العالم خارج غرفتي يحترق،وأحترق أنا بأوراق ذاكرتي،أشياء ثمينة فقدتها،فقدت مسالك الحياة،لم أعد سوى جسد مليء بأوبئة تشل حركتي،ليس لي سوى ألبوم مواقف حافل بقصص لا تمحى،تؤنسني،تطرد من حولي ملل الحياة ورتابتها،كلما يداهمني هاجس(الجلطة)افتح صفحة من صفحات عمري،أعيد حرارة اللحظات الراسخة،تلك الوباءات التي شكّلت حاضري. كلما أبدأ برحلة نحو تلك الأيام،إلى ليالي المنسيّة،أجد سفينة متهيئة لنقلي،ظلّت حاضرة تواصل منحي جواز الحرية والإبحار نحو الأعماق المتوهجة بـ لآلئ مسرات عشتها وعاشتني. يوم شبابي. يوم حلمت أنني تخرجت من معهد المعلمين،شاب تحمس للحياة القادمة،أحمل على عاتقي أن أكون إنساناً يريد بناء الحياة،جملة خطابات فارغة كانت تقتحم أعماقنا صباح كل(خميس)،تصعد فينا نيران القتل والتدمير،تمنحنا أجنحة خيالية لنطير على العالم بأسره،لنغير كل ما هو ضد لطبيعة حياتنا،كلمات منمقة محشوّة ببطولات(سوبرمانية)تطلقه ألسنة المعلمين: ((كل العالم خطأ،الكل ينافي الإنسانية إلاّ نحن،لنا موارد تكفينا لبلورة وطننا وبناءها من جديد وفق المبادئ الخلاّقة والفكر النيّر لرمزنا المفدى وحزبنا القائد،نحن أمّة خلقنا لندير العالم،ألسنا صاحب أوّل شريعة وأوّل مسلّة قانونية وأوّل ساعة رملية،وأمة وسط،ومهبط الأنبياء؟!)) هكذا ينفخون نيران المجد الضائع كجرعات تعزيمية لتنشئة مواطن صالح يمشي على سكة النظام،يرددون دائماً شريعة طينية قد أنسجمت لإنسان ما قبل العقلانية،إنسان الكهوف والغابات،إنسان لم يكن بحاجة لأسرار الحياة الكبرى كي يتمكن أن يعيش،تلك المسلّة،وضعها كما يقول أحد أصحابي(حمار الروابي)،ما تزال تميمة وطنية تتباهى بها كل سلطة غاصبة. يبغون إنساناً بليداً،فاتحاً عينيه على طول الخط،حاملاً سيف الانتقام. فيما بعد أو بالأحرى الآن بعد مخاضات تعسفية،توصلت إلى قناعة تامة،أنّ السياسة عالم خائس،من تسيّس تسوس،فالسياسي هو لا كائن،قد تكون كلمتي بحقه تحمل شيئاً من البلادة،لكن الأزمنة أثبتت أنهم كلاب غادرة لا تصلح لرعي الرعية،قال(أرسطو)قولته المعتبرة فيهم: ((السياسي..هو العدو الوحيد للحقيقة)) السياسة مستنقع الكواسج والتماسيح،السياسة بتقديري بيت الرذيلة،كل سياسي هو مفترس متربص بالحياة الجميلة،إن أخفق في تطويع الحياة لصالحه،ينخرط في نباح طويل بوجه كل نور،السياسة عندما تتدخل في شؤون الحياة،عندما تحاول تصهير المجتمع في بوتقة واحدة،لتسيّر الناس على أهداف شوفينية، راديكالية،تحاول تقليمهم كما تقلم الأشجار،تتدخل في ملبسهم ومطعمهم،تغدو حوض تطهير،كما يقول أبو الاشتراكية،الملعون(لينين): ((لا أخلاقية في السياسة،هناك فقط نفعية)) السياسة مكناسة أمّا تكنس الرعية نحو النعيم وأمّا تسوقهم نحو الجحيم،ويعتمد ذلك على اليد التي تحملها. والقوّة الدافعة لها،غالباً ما تختبئ وراء كواليس معقدة،تزق سموم الفناء لتحقيق غاياتها الشيطانية. كل سياسي جندي أبليس عليه اللعنة. كنت بدافع الغرور والظهور أتحرك كالمكوك،فتى نشط،متباهياً بزي مهندم،لامع،يثير السخط أكثر مما يجذب الانتباه،رصدتني أعين السلطة الساهرة،شاب من شباب المرحلة الثورية،مؤهل لحمل الراية في رقعة جافة،سيحييها ويجعلها يانعة تثمر فرساناً وقرابين تطيل من عمر الحزب. السياسة لها عيون متحفزة،ترصد الـ حمير المتعافية لحمل ونقل وترويج بضاعتها. من غير تأخير،أصدروا قرارهم الظالم بحقي،خلته ضريبة عملي المتواصل بتفانٍ وإخلاص،رغم صدور قرار وزاري،يلزم كل(حديث التخرج)العمل في مدارس القرى والأرياف لثلاث سنوات قبل نقله إلى مدارس المدن. قالوا لي: ((رفيق حبيب..لا يوجد لدينا في الوقت الحالي،من يحمل مواصفاتك الوطنية العالية،لكسب تلك الشرائح القروية إلى الحزب وتثقيفهم،كي يغدوا مشاريع تضحية من أجل توحيد وإحياء الأمة المفككة تحت رسالة خالدة،وإعادة مجد زهوها البائد على أيدينا،اليلاد أجبرت على الحرب،علينا أن نحافظ على بيان الداخل كي يكون بنياننا الخارجي متيناً بوجه العدو القادم لإلغائنا)) ((أريد الخدمة هنا،أنا مرتاح مع التنظيمات الطلابية)) ((رفيق حبيب..نفذ وأسكت؟)) يائساً،متذمراً،جرجرت نفسي،لم أنم تلك الليلة،خرجت إلى الشوارع،الرفاق مكهربون بالخوفنناحتون رؤوسهم وأعينهم في الفضاء،أنهم يبحثون عن المجهول الحائم في الفضاء،كلهم يتوقع أن الحرب آتٍ من السماء،أسلحتهم حرة،أفكارهم جبانة. أجوب متاهات الليل،أبحث عن كوّة تلقيني في غياهب العدم،قبل أن أشعر بلا قيمتي في الحياة. صباح المسافر يأتي سريعاً. علي أن أشد الرحال إلى متاهات الجبال،إلى عالم غير مكتشف،ربما ناسه وحوش لم تكتوِ بعد بنار الواقعية الجديدة،لم تعرف أن الحياة قريباً عنهم مدججة بسموم الحرب،وضعت في بالي أنني سأعاني طويلاً لخلق فواصل محبة وألفة بيننا،لابد أنهم سيتهمونني بالجذف والجنون لو طرحت عليهم أفكار المرحلة الجديدة في حياة البلاد،ربما سيجدون أن السياسة دين جديد هابط عليهم،تجبرهم ترك دين آباءهم والخضوع لرجلٍ ضرورة يمتلك الكثير من وسائل الإقناع والإمتاع. طريق متعرج،يخترق الجبال والوديان..(التراكتور)يرقص ويخضني كقربة خض اللبن. شغلت عيني وفكري بملامح أمكنة غير مأهولة،عالم يابس،لا شيء سوى تراب متراكم،تهب دفقات الرياح،ترفع رفوف من التراب،تلولبها على هيئة أسطوانات غبارية تتعامد مرتفعة نحو فضاء كالح،ترافقها موسيقى زمهريرية كأنها زئير أسود جائعة،أو حشرجات ـ بلغمية ـ جراء مروق رياح عاصفة عبر تجاويف وأخاديد أسطوانات معدنية،لم أجد أثراً لنبات يوحي بأن الحياة ممكنة،إلاّ أشواك وعاقول،نباتات صحراوية تعيش بطريقة استثنائية،لم أجد شجرة واحدة تمنح الراحة للنفس المؤرقة. قلبي ينقبض ولساني سراً يلعن من ألقاني خارج حديقة حلمي. بعد مرور ساعة وواحد وأربعين دقيقة كما قال سائق(التراكتور)،من الشارع العام وحتى القرية،مضافاً إليها ساعة ونصف الساعة من بلدتي(جلبلاء)،وجدت نفسي في قرية بيوتها متناثرة،داخل مدرسة طينية بلا سياج،غرف متقابلة،في الجهة الشمالية قاعة طويلة لنوم الكادر التعليمي،خمس غرف متلاصقة للدروس،غرفتان صغيرتان متلاصقتان في جهة الشرق،غرفة لدورة المياه،وغرفة فيها خزّانات الماء. منظر الإناث العشر شرّد من ذهني تلك الثورة التذمرية التي تنامت فيَّ قبل وصولي. كان ليلي تفكير وأرق،أخرج إلى فضاء المدرسة المترامي،من تلك القاعة حيث الإناث راقدات،أسمع عزف متشابك لأنوف تشخر،قبل أن أجد نفسي واقفاً أتأمل السواد،لا شيء يتضح،تتفاعل رغبتي وتتفاقم حيرتي، قبل أن أكتشف الموت من أجل لحظة سعادة مطلب وراحة،عندها أندفع نحو سرير منفرد،تحت النافذة،سرير(خولة)،أسقط عليها وأدخل معترك الشرور.
#تحسين_كرمياني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ليالي المنسية/رواية/القسم الرابع/
-
ليالي المنسية/رواية/القسم الثالث/
-
ليالي المنسية/رواية/القسم الأوّل/(منعت في الأردن من قبل الرق
...
-
ليالي المنسية/ القسم اثاني
-
أولاد اليهودية(رواية)10
-
أولاد اليهودية(رواية)9
-
أولاد اليهودية(رواية)8
-
أولاد اليهودية(رواية)7
-
أولاد اليهودية(رواية)6
-
أولاد اليهودية(رواية)4
-
أولاد اليهودية(رواية)3
-
أولاد اليهودية(رواية)2 /حازت على المرتبة الثانية/في مؤسسة ال
...
-
أولاد اليهودية(رواية)1
-
قضية فرحان/قصة قصيرة/
-
المسكين مخلوف /قصة قصيرة/
-
مزبلة الرؤوس البشرية/قصة قصيرة/
-
حدث في ليلة مأزومة/قصة قصيرة/
-
في أزمنة ليست سحيقة//قصة قصيرة//
-
ليسوا رجالاً..(قصة قصيرة)
-
بعد رحيله..جائزة محي الدين زنكنة للمسرح
المزيد.....
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
-
فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م
...
-
ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي
...
-
القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|