|
هل توجد ثورة عربية؟
سعيد بودبوز
الحوار المتمدن-العدد: 4562 - 2014 / 9 / 2 - 19:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حين هرب زين العايدين بن علي من تونس، استبشرت هذه الشعوب خيراً، وظن الجميع بأن الأمة المغاربية والعربية قد عرفت أخيرا كيف تتخلص من الدكتاتوريات، وظن الجميع بأن هناك ثورة عربية مدنية حقيقية، فبدؤوا يطلقون عليها أسماءً بعضها قبلته أذواقنا إلى حين، وبعضها لم تقبله إطلاقا كشعار "ثورة الياسمين"، الذي لم يكن مناسبا ولا موفقا، وهذا ما سيتبين لنا لاحقا بوضوح، حتى وإن غابت عن بعضنا كثير من تفاصيل الواقع التونسي والظروف المأساوية التي أدت إلى انفجار المواطن التونسي تحت عنوان "البوعزيزي". أما الشعار الذي سوف يعمم الثورة التونسية على معظم البلاد العربية، فهو الشعار التاريخي "الربيع العربي"، وبإمكاننا القول أن هذا الشعار قد عمم الثورة فعلاً، أي حولها إلى "العمائم" بعد أن كادت تنجح في ثوبها المدني الشعبي الاجتماعي والانساني. وحين بلغ العنف ذروته في ليبيا، قلنا أنه لا يوجد في هذه الأمة جماعة أشد فتكا وتنكيلا من جماعة القذافي، ثم انتقلت إلى سوريا، ولم نكد نصرح بأن بشار الأسد بات متفوقا على القذافي في قتل شعبه حتى اندلع القتال بين الثوار أنفسهم، وظهر الجميع على حقيقته بعد أن اختفت الثورة المدنية من الشارع، وبدأ التناحر بين الجيش الحر الذي يحمل جينات الثورة المدنية، وجماعة داعش وما أدراك ما داعش. فمن هي داعش؟ إنها ببساطة القاع اللاشعوري للإنسان العربي المسلم، وهي ذروة الغضب التي تذكرنا بصلة القرابة البيولوجية بين الانسان والحيوان. لقد كان من الطبيعي ان تنشق داعش عن القاعدة، لأن كمية الأدرينالين التي تسري في دماء القاعدة لم تعد تكفي للتعامل مع مشهد الكراهية الجديد الذي دشنه الربيع العربي. ورغم كل ما عرفت به القاعدة من العنف، فمن الجدير أن نقول بأن داعش تفوقها في فن التعذيب والتنكيل واحتقار الإنسانية من خلال قطع الرؤوس والأطراف والتلاعب بالجثث، وتمكين الأطفال من المشاركة في طقوس القتل والبتر والسلخ الذي تمارسه في حق الجميع إلا أفراد جماعتها. غير أن هذا لا يعني أي تعاطف مع القاعدة، فلقد كانت جبهة النصرة في سوريا هي السبب في إحجام المجتمع الدولي عن دعم الجيش الحر، وأما حين اشتد سعار داعش هناك، فلم يكتف المجتمع الدولي بوقف الدعم، بل قرر أن يدخل في حرب مباشرة مع هذه الجماعات التي تشكل خطرا على البشرية. والآن، أصبح بإمكاننا التوكيد على أن الثورة غير موجودة في عالم العرب والمسلمين. فكل ما هناك باختصار هو صراع بين الجيوش والجماعات الإسلامية. لقد أتيحت لنا فرصة لإدراك هذه الحقيقة بعد أن شاهدنا الأقنعة تتساقط واحدا تلو الآخر في الشارع العربي، فلم يكن الحراك المدني إلا قناعا للجماعات الإسلامية التي سرعان ما انقضت على الحكم في تونس ومصر وليبيا حيث استهل المؤتمر الوطني مشروعه السياسي والإداري بالحديث عن تعدد الزوجات بدل الحديث عن المصالح العليا للبلد في ظل أحرج الظروف السياسية الانتقالية. وطبعا كان على وزارة الداخلية في المغرب أن تعلن عن فوز جماعة "العدالة والتنمية"، ما دام الخيار الثاني هو انهيار النظام وانقضاض جماعة "العدل والإحسان" على الحكم لتعلن عن خلافة بودشيشية لا تغيب الشمس عن الدماء التي ستتسبب في سفكها في هذا البلد. إن الشعوب العربية غير قادرة على الثورة كما يزعم البعض، لأن الثورة السياسية لا تأتي من فراغ، فلابد أن يسبقها ثورة ثقافية فكرية تنويرية، وهذا ما لم تعرفه الأمة العربية حتى الآن، فمازالت الكتب التي تحقق أعلى المبيعات هي كتب الدين مثل "صحيح البخاري" و"فتح الباري" و"رياض الصالحين" ...الخ، ومازالت النخبة الأكثر قراءة هي الجماعات الدينية، علينا أن نعترف بأن الأفراد المنتمين إلى الجماعات الدينية أكثر من غيرهم إقبالاً على القراءة، لكنهم طبعا لا يقرؤون الكتب التي من شأنها أن تفتح عقولهم، بل يقرؤون الكتب التي تغلق هذه العقول وإلى الأبد. فبينما ينزل الشباب العربي (غير الملتزم بالدين) نحو الحضيض والضياع الثقافي والفكري، نرى أن أفراد الجماعات الدينية حريصون على تثقيف أنفسهم بالثقافة الدينية، وما دامت الأمة على هذه الحال، فمن الطبيعي أن تحكمها الجماعات الإسلامية، لأنها ببساطة الأكثر ثقافة ووعيا ودراية ومكرا من غيرها، فكيف لشعب يتألف من حوالي 95 بالمئة من الأميين والجهلاء أن يحقق ثورة؟ لقد كاد الجميع أن يصدق بأن ما حصل في شوارع العرب هو ثورة مدنية يقودها الشباب من كل الشرائح الاجتماعية، ولكن عندما سقطت الأنظمة، عرفنا من هم السائقون؛ إنها الجماعات الدينية، أما غيرهم من الشباب الضائع، فلو استثنينا نخبا قليلة من المتعلمين والمثقفين الذين لا يمكن على أي حال أن يضاهوا الجماعات الدينية، فبإمكاننا القول بأن الباقي لم يكونوا ثوارا ولن يكونوا، فكل ما يجمعهم في الشوارع هو البحث عن الفرص السانحة للسلب والنهب أو إثارة الفوضى أو انسياقا مع السرب أو غير ذلك من الأهداف الشخصية المحضة، فلا داعي ليبالغ البعض في تلميع وجه الثائر العربي وكأنه بالفعل كان يعي ما يقول وما يفعل، فإذا رأيت الشارع العربي يتحرك، فاعلم أن وراءه واحدا من الاثنين لا ثالث لهما؛ إما وراءه جماعة دينية، وإما وراءه انقلاب عسكري. لأن الشعب العربي في معظم مكوناته عبارة عن قطعان يستخدمها الجيش أو الجماعات الدينية كما تشاء، ومن أجل الوصول إلى السلطة. انظروا الآن كيف يحاول الحوثي أن يوصل جماعته المتشيعة (التي انشقت عن المذهب الزيدي تقرباً إلى الممول الإيراني) إلى العرش في اليمن خلف قناع الثورة الشعبية. وانظروا إلى العراق، فرغم أن الطائفية هناك اتضحت منذ البداية، إلا أن الكثير من أبناء العشائر والشباب الضائع انضموا إلى ذلك الحراك الذي اتضح بعد قليل بأنه لم يكن إلا قناعا لداعش التي لا يختلف عاقلان عن وحشيتها المطلقة، ولا يختلفان عن كونها جماعة شريرة خرجت من قاع الجحيم. وفي المقابل، لم يكن المالكي إلى قناعا للجماعات الإسلامية الشيعية التي تحركها العمائم أكثر مما تحركها العقول، وهكذا يتأرجح العربي بين الجيش والجماعات الدينية. أما في المغرب، فرغم أن بلدنا يعج بالفساد والمفسدين، ورغم أن بعض المطالب الشعبية لم تتحقق، وأن بعضها مما نص عليه الدستور الجديد مازال على قيد المماطلة والمزايدات السياسية، مما يعني أن نظامنا السياسي مازال مرشحا للانهيار، فعلينا أن نتحلى بوعي عميق ونستفيد جيدا مما يحدث حولنا، فنحن ما زلنا إلى هذه اللحظة محظوظين. أنا لا أتحدث عن المسؤولين، بل أتحدث عن الشعب، لأنه هو الذي يدفع الثمن في كل الأحوال. علينا أن نكون واعين وحذرين حتى في قراءة ومقاربة الفساد الذي ينخر بلدنا، فنحن نمر بوقت حرج وخطير جدا، ولا يتوهمن أحد بأن تفكيك النظام الحالي سيقضي على ما نعاني منه من فساد. فما أن ينهار هذا النظام حتى تنقض علينا الجماعات الإرهابية لتنتقم منا وتصادر كل ما حققناه منذ الاستقلال حتى الآن، وسوف تعيدنا إلى العصور الوسطى كما أعادت غيرنا. للأسف يبدو أن بلدنا يشارف الحضيض في قطاع التعليم، وقد كان على الدولة أن تعمل أقصى ما تستطيع في هذا القطاع بالخصوص، لأن المواطن المتعلم يمكن التفاهم معه بسهولة، ويمكن إقناعه بأبعاد الزلزال الديني والسياسي والأخلاقي الذي مازالت أمواجه الارتدادية تهددنا، أما الجاهل الذي لم تتح له الدولة أن يفكر بعقله، فسوف يفكر ببطنه، ولهذا نرى آلافا مؤلفة من جهلائنا ينضمون إلى الجماعات الإرهابية مثل القاعدة، والجماعات المتوحشة مثل داعش، هذا إن كان هناك مثيل لداعش في تاريخ هذا الكوكب. إن الشعب الذي يغلب فيه العضل على العقل، يجب أن تحكمه القوة، وهذه القوة إما أن تكون عسكرية أو دينية، لأن الشعب العضلي في الواقع مازال قاصراً. لقد كادت الشعوب الغربية أن تصدق بأن العرب أخيرا قد بلغوا سن الرشد، وبات بإمكانهم أن يثوروا ضد حكامهم، حتى كدنا نلاحظ ملامح الاحترام في عيون وتصرفات هؤلاء نحو الانسان العربي، لكن ذلك سرعان ما تحول إلى احتقار، بل إلى اشمئزاز، عندما تبين للجميع بأن هذه الثورات يقف وراءها رجال الدين والجماعات الدينية، وأن هؤلاء مازالوا يحتاجون إلى سنين طويلة كي يثوروا بمنطق المجتمع المدني. لقد شعرنا بواجب العزاء عندما رأينا حشودا من إخواننا الشيعة يلبسون لباس الحرب مباشرة بعد فتوى السيستاني ! وكأن خطر داعش أيضا يتطلب فتوى دينية، أي أن هذا النوع من البشر لم يكتف بإلغاء العقل من أجل العمامة فحسب، بل ألغى حتى حواسه الخمس، ولهذا نرى أن هؤلاء لم يقاتلوا جيوش الحلف الأطلسي حينما اجتاح العراق، ولعمري أنه لو أفتى السيستاني بعدم مقاومة داعش لسلم هؤلاء رؤوسهم للبغدادي دون قتال !. فماذا تنتظر من عربي كهذا؟ هل تتوقع منه أن يشعل ثورة؟. لقد أصابتني دهشة في ذروة ما كان يسمى بالربيع العربي، حيث وجدت شيوخ القبائل يتحكمون في أبناء قبائلهم أو عشائرهم كما يشاؤون، وتماما كما يفعل الرعاة بقطعانهم، بل علينا أن نعترف بأن الانسان العربي أحيانا أشد غباء حتى من الخروف، فمن المستبعد أن يقدم خروف على الانتحار بمجرد إشارة من راعيه، أما الشباب العرب فهم ينتحرون بالمئات امتثالا لرغبات زعيم الجماعة أو مفتي كذا. إن الأمة التي تستنجد بأهل القبور يمكن اعتبارها في حكم الأموات، وما أكثر من يستنجد بالقبور بين العرب والمسلمين. https://www.facebook.com/Saidbz
#سعيد_بودبوز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-مذاهب وشوارب- (قصة قصيرة جدا)
-
بين زمانية النهار ومكانية النهر
-
سوءة حظه (ق.ق.ج)
-
الإياب السردي في -مرايا- سعيد رضواني
-
الضحك عقوبة!
-
الصَّمْتُ الذي عَبَرَ اللغةَ
-
لا (2)
-
لا
-
يوسف إدريس: بين انصهار الثقافة وانفجار الغريزة
-
حكمة نيتشه بين الجبل والعقل (1)
-
حوار مع الشاعرة لطيفة الشابي
-
الماء والحكاية في -أحلام تمد أصابعها-
-
بين الجنس الأدبي والجنس الآدمي (تحليل عنوان -أحلام تمد أصابع
...
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|