|
وليمة لذئاب حرب الإرهاب
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 4561 - 2014 / 9 / 1 - 16:16
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
لم تعد حرب الإرهاب الدولية ، التي تضرب بوحشية ، في بلدان عربية في المشرق والمغرب ، وفي أوربا ، وأفريقيا , وشرق آسيا ، لم تعد مجهولة الترابط بين قياداتها ومسارح عمليا تها في مختلف القارات ، ولم تعد مجهولة النسب ، أو مجهولة الموجه والممول ، إن من موه سياسياً وإعلامياً ليغطي حقيقتها البشعة ، طوال السنوات الماضية ، لم يعد قادراً ، بعد أن تجلوزت حرب الإرهاب الحدود الدولية والأخلاقية ، وتفشت وحشيتها ، ورجعيتها ، وعنصريتها كالوباء ، لم يعد قادراً على متابعة التمويه . وبدأ نفاقاٌ ونخوفاً ، يحاول التنصل من علاقته بها ومن مسؤولية جرائمها . وانكشف المشهد الدولي والإقليمي مؤكداً ، على ان هذه الحرب هي حرب واحدة في مسارح متعددة ، وعلى أن صاحب المصلحة الرئيس والقائد الفعلي في هذه الحرب ، في مختلف ميادينها ، هو نفسه ، وأن الأهداف الكبرى المنشودة فيها هي أهدافه ، ومع استمرار هذه الحرب القذرة ، التي يتساقط فيها ملايين الضحايا ، وتدمر مدن ، وتهجر شعوب ، وتسحق حضارات ، وتباد أقليات ، وتدفع الشعوب الضعيفة إلى مقبرة التاريخ الجماعية ، تتجلى فيها حقيقة المخطط الامبريالي الجشع وغاياته القبيحة العليا ، لامتلاك العالم جغرافياً وبشرياً ومادياً .
هذه هي الحقيقة ، التي يجمع عليها كل ذوي العقول المنفتحة ، وكل المطلعين الموضوعيين ، وأغلب المتضررين من مفاعيلها المدمرة . فقط أصحاب المصلحة ، والمأجورين ، والأغبياء ، هم الذين يراوغون ولايصدقون . لاأحد يمتلك الجواب على سؤال : متى تتوقف الحرب , حتى سادة النظام الدولي السائد لايعرفون . فحسب قوانين التنافس كمحفز ومحرك لاقتصاد السوق ، بين الاحتكارات العملاقة ، والدول التي تمثلها ، للسيطرة على مصاردر الثروة ، والأسواق ، وانتزاع فائض القيمة من ناتج المجتمعات البشرية ، لن تتوقف ، إلاّ بانتهاء النظام القائم على التنافس والاستغلال ، الذي تولد طبيعته الحاجة للحروب العظمى والصغرى ، كلما دعت ازماته ضوروة إعادة تقاسم النفوذ والمصالح مع شركاء برهنوا على استحقاقهم رفع نسبة نصيبهم إلى مستوى جديد .
* * *
مع ازدياد وتوسع حقائق ومعطيات حرب الإرهاب الدولية ، يصبح من السذاجة ، تصور ، توقف هذه الحرب دون ربطها بأسبابها وأهدافها التي حركتها . وإذا سلمنا جدلاً بالرغبات البريئة ، فإن ذلك يعني ، أنه يمكن ، أن تتوقف مصانع اسلاح ، تلقائياً ، عن إنتاج آليات الحرب والقتل ، وأن تكف الآحتكارات اللئيمة الجشعة ، مجاناً ، عن التآمر والخداع وإثارة الحروب ، للاستحواذ على الثروات الطبيعية بالسلب أو بأبخس الأثمان ، وأن تتوقف قيادات أركان جيوش الدول العظمى ، إنسانياً ، عن التخطيط والتنفيذ ، لعمليات العدوان على الشعوب ، لفرض هيمنة السلطات السياسية في بلدانها على العالم . لكن للأسف لامكان للرغبات البريئة في عالم الطغاة .
كما يعني ، أن دعاء أصحاب النوايا الحسنة ، لله وملائكته ، أن يعم السلام على الأرذض خوفاً من الله ، أو نتيجة صحوة ضمير ، لاينفع بشيء . إذ لايوجد أي إله في النظام الرأسمالي ، سوى الرأسمال ، ولايجد مكان للمشاعر النبيلة ، وإنما توجد معادلات اقتصاد السوق الشبيهة بمعادلات عالم الغاب المتوحشة . ولذلك لايمكن للشعوب ، أن تستسلم للأقدار الاستعمارية الكونية ، وأن تعتبر الخضوع لشروطها أمر لابد منه . فليس لمطامع ومظالم سادة الاحتكارات الدولية حدود . بل إن نهب الشعوب المستضعفة سيزداد مع تواتر الأزمات الرأسمالية . واللعب بحياة الشعوب ، لتشغيل مصانع الأسلحة لن يتوقف . وآلية الفرز الاجتماعي الطبقي ستكون أكثر عمقاً واتساعاً ، حيث ستؤدي إلى دفع مليارات متزايدة من البشر إلى تحت خط الفقر ، وإلى مكابدة الجوع والعطش وأوبئة الموت الشامل .
* * *
قادة الاستعمار الجديد الكبار ، الذين خططوا للهيمنة على العالم ، كانوا يدركون أن رأس جسر هذه الهيمنة ، هو السيطرة على الشرق الأوسط ، بمختلف تنوعاته ، العربية ، والتركية ، والإيرانية ، وفي السيطرة على شمال أفريقيا ببعديه العربي والأفريقي . وذلك لما تحتويه هذه المناطق على مخزون هائل من الطاقة ، زائد طموح إيران النووي ،,ولما تضمه من مواقع جيو سياسية هامة ، المتمثلة بمضيق جبل طارق ، وباب المندب ، وقناة السويس ، ومضيق هرمز . ولتحقيق هذه الهيمنة ، وضعوا كافة التنوعات التاريخية ، الدينية ، والقومية ، والمذهبية ، وكافة حساسيتها الموروثة والراهنة ، كعوامل مساعدة في إنجاح ما يخططون . وما اتضح حتى الآن ، في التنفيذ العملي لهذا المخطط ، أن المستعمرين الجدد ، لم يكن يهمهم بشيء ، الخسائر المادية والبشرية والروحية ، التي ستلحق بشعوب البلدان المستهدفة ، وإنما يبدو ، مما هو قد وقع .. ويقع .. ومن المتوقع أن يقع .. من خسائر ، كان مطلوباً ، لإفراغ هذه ابلدان من معظم المقومات المادية والبشرية ، التي تساعدها على مقاومة الهجوم على كياناتها ووجودها .
إن قراءة موضوضوعية ، لما ألحق ، أو سيلحق ، بلدان شمال أفريقيا والشرق الأوسط ، من خسائر مباشرة وغير مباشرة ، ولاسيما في العراق وسوريا وليبيا ، منذ أن وضع مخطط الهيمنة قيد التنفذ حتى الآن ، وإلى أجل غير معروف ، تؤكد على أن ذلك ، ليس مجرد نتائج عادية لاحتجاجات محلية ، أو لمجريات حرب تقليدية ، وإنما هو أمر مخطط ، ومتعمد الوقوع ، بل ، وبأبشع وأقذر الوسائل . وذلك باستخدام الخونة ، والمعارضات المحلية الانتهازية في مخطط الاسقاط الشامل للدولة . وباستقدام تنظيمات إرهابية وإجرامية من مختلف مناطق العالم ، وكأنها وليمة ذئاب لافتراس غنيمة مستباحة . ومن الجدير ذكره ، أن " داعش " لوحده في سوريا فقط يضم خمسين ألف مسلح معظمهم من الأجانب ، وكذلك الحال في التنظيمات الإرهابية الأخرى ، وبمنح التمويل والتسليح الأقوى للتيارات الدينية التكفيرية الهيستيرية ، لتمارس دور تدمير الكيانات الوطنية ، بذريعة إقامة دولة " الخلافة " للإجهاز على نهائياً على أية مشاريع نهضة وطنية وقومية .
* * *
لم يجر التطبيق العملي لحرب الإرهاب الدولية دفعة واحدة ، مثل اجتياحات المغول والتتار ، وإنما قسم إلى مرحلتين . المرحلة الأولى ، كانت لتوزيع الأسماء والأنساب للمجموعات المسلحة ، واعتبارها .. ثورة .. معارضة .. حمالة حقوق إنسان وديمقراطية . حيث اعتبر مايقوم به المسلحون المرتبطون علناً بالدول الرجعية والاستعمارية ، من آثام وجرائم وتدمير ولصوصية ، هو فعل ثوري مقدس .. ونشاط المعارضة المتحالفة مع أعداء الوطن نضال مشروع . وقد مرت سوريا واليمن ومصر وليبيا في هذه المرحلة ، واستغرقت سنوات قبل أن تظهر الأمور على حقيقتها وتسمى بأسمائها .
أما المرحلة الثانية ، فكانت لتوزيع الأدوار في العدوان الإرهابي على الشعوب والتعامل معها . حيث تشتبك مجموعات مسلحة متفرقة من قوى أمن الأنظمة ـ وتطاول عدداً من المحتجين وتحرق مقرات ومراكز خدمية وتطالب بإسقاط النظام . ثم تأتي اميركا وحلفاؤها بذريعة حماية ضحايا القمع للتدخل في الشؤون الداخلية وإصدار الإملاءات ، وتشجع على إسقاط النظام .. أو تترك البلد تحت الابتزاز ، من خلال تبرير عبث الإرهاب بمقدرات البلاد . ثم ما لبثت هذه الحرب في مرحلتها الثانية ، أن انكشفت . لاسيما في ليبيا . إذ من سوء حظ الليبيين ، أن تمارس اللعبة بمرحلتيها الأولى والثانية في تزامن متسارع ، فانضم " حلف الأطلسي " إلى " الثورة " لإنجاز مخطط لإسقاط النظام واستلاب السيادة الليبية ، وذبح معمرالقذافي . أما في العراق ، فقد استخمت أميركا وحلفاؤها المرحلة الثانية مباشرة ، باسم إنقاذ العراق من حكامه ، ثم يأتون الآن لانقاذه ممن أرسلوهم هم لإرهاب العراق المتمثلون ب " داعش " للقيام بابتزازه وإعادة احتلاله .
الجديد الآن ، هو إدراك صانعي الإرهاب الدولي ن أن الشكل الذي طبقت فيه الحرب الإرهابية ، لم يحظ بالاحتضان الشعبي ، الذي كان مأمولاً ، عبر خديعة .. أن الإرهاب جلاب الديمقراطية .. وأن حلف الأطلسي نصير للحرية . . ولم يتحقق التغيير المستقر المطلوب في أي بلد استباحها الإرهاب . إن الذي تحقق هو ، أن التيارات الآسلامية المتطرفة المرفوضة من معظم الشعب ، قد قفزت عبر ألاعيب انتخابية إلى السلطة ، في تونس ، ومصر ن وليبيا ، كما تحقق وهو الأهم ند، التدمير المروع .. والقتل البشع .. وانتشار الفكر الديني الدموي المتخلف ، ما أدى إلى نفور شعبي واسع من هذه الحرب ، وإلى تحول في الاصطفافات السياسية بصورة معاكسة لمخططات الحرب وأهدافها ، وإلى خسارات هامة في مجال الحواضن الشعبية للمسلحين ـ التي كان معولاً عليها أن تكون احتياطاً لاينضب للتنظيمات الإرهابية . الجديد أيضاً ، هو انتقال أولي المر في حرب الإرهاب الدولية ، إلى دخول مسرح العمليات مباشرة ، " كمقذ " !!؟ .. من شطط الإرهابيين في هذه الحرب ، وطرح المرحلة الثالثة في الحرب على حساب الشعوب المنكوبة بالإرهاب وعلى حساب بعض التنظيمات معاً ، لفرض الهيمنة العاجلة على البلدان التي ستنطلي عليها الخديعة الجديدة .
وقد تم توظيف مجلس الأمن الدولي ، لتغطية المرحلة الثالثة ، تحت الفصل السابع ، بزعم التخلص من داعش وجبهة النصرة . وبحركة سياسية فورية قامت أميركا بجولة مشاورات مع الدول المعنية بالحرب ، وبدون تفويض من الأمم المتحدة ، أعلنت عزمها على توجيه ضربات جوية لداعش والنصرة في سوريا كما شرعت منذ أسابيع تفعل في العراق .
لقد بدأت مرحلة جديدة من حرب الإرهاب الدولية ، بتدويل التعامل معها عبرمجلس الأمن تحت الفصل السابع ، وتبذل أميركا قصارى جهدها ، لدعوة ذئاب العالم مرة أخرى لتشكيل تحاف دولي مطاوع لها تحت عنوان محاربة الإرهاب ، حسب مفاهيمها هي عن الإرهاب ، وفي أي أمكنة وأوقات تحددها هي لحركة هذا التحالف ، في كل الأحوال ، ليس كل ماتنطوي عليه هذه المرحلة مبشرأً . وليس كل ما تضمنه القرار ( 2170 ) مطمئناً . وليس كل ما يحمله جون كيري له صلة بمقتضيات قرار مجلس الأمن الحرفية ، أو برغبات الشعوب العربية المقاومة للإرهاب .. الطامحة إلى التحرر من الإرهاب ،، والعيش بأمان وسلام وكرامة وحرية .
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مع غزة .. أم مع .. تل أبيب ؟ ..
-
السؤال المستحق في اللحظة العربية الراهنة
-
متطلبات مواجهة الإرهاب الدولي
-
أنا والحرية والحوار المتمدن
-
أنا مقاوم من غزة
-
غزة تستحق الحياة والحرية
-
غزة لاتذرف الدموع .. إنها تقاتل .
-
المؤامرة والقرار التاريخي الشجاع
-
السمت .. وساعة الحقيقة
-
خديعة حرب الإرهاب بالوكالة
-
الإرهاب ودوره في السياسة الدولية
-
ما بين حرب حزيران وحرب الإرهاب
-
دفاعاً عن شرعية الشعب
-
الانتخابات وحرب التوازن والتنازل - إلى المهجرين ضحايا منجم
...
-
حلب تحت حصار الموت عطشاً
-
من أجل سوريا جديدة .. وديمقراطية جديدة
-
أول أيار والإرهاب والحرب
-
الصرخة
-
هل فشل أردوغان ؟
-
ما وراء جبال كسب
المزيد.....
-
النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 583
-
تشيليك: إسرائيل كانت تستثمر في حزب العمال الكردستاني وتعوّل
...
-
في الذكرى الرابعة عشرة لاندلاع الثورة التونسية: ما أشبه اليو
...
-
التصريح الصحفي للجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد خل
...
-
السلطات المحلية بأكادير تواصل تضييقها وحصارها على النهج الدي
...
-
الصين.. تنفيذ حكم الإعدام بحق مسؤول رفيع سابق في الحزب الشيو
...
-
بابا نويل الفقراء: مبادرة إنسانية في ضواحي بوينس آيرس
-
محاولة لفرض التطبيع.. الأحزاب الشيوعية العربية تدين العدوان
...
-
المحرر السياسي لطريق الشعب: توجهات مثيرة للقلق
-
القتل الجماعي من أجل -حماية البيئة-: ما هي الفاشية البيئية؟
...
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|