نصير العتابي
الحوار المتمدن-العدد: 4561 - 2014 / 9 / 1 - 14:40
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
اوراق اوباما الطائفية ومستقبل العملية السياسية في العراق
يستمر اوباما بالحديث عن الشأن العراقي وبالذات عن دور امريكا بمساعدة العراق في حربه ضد داعش وباقي عناوين الارهاب , ويكرر في كل مرة الاشارة الى مجموعة امور اهمها :
1- الجيش العراقي غير قادر على دحر داعش وباقي الارهابين
2- التدخل في العراق يحتاج الى قرار من الكونجرس الامريكي
3- الحكومة العراقية لم تتعامل بصورة جيدة مع السنة مما دفع بالسنة لمعارضة هذه الحكومة وهم اليوم غير ما كانوا عليه في عام 2006 و2007
4- هزيمة الارهاب لا تتم بالجهد العسكري وحده بل بعمل سياسي الى جانب العمل العسكري
5- امريكا قادرة على دحر الارهاب في العراق لكن لا يمكنها ان تبقى الى الابد , لأنها اذا هزمت الارهاب وخرجت من العراق سيعود الارهاب اليه ثانية
6- اجتثاث البعث تسبب بحرمان الاف العراقيين من فرص العمل
يبدو ان اوباما متأثر جد بما ينقل له من معلومات من قبل اطراف سياسية عراقية وايضاً ما كان يطلبه منه سفراء ومسؤولون عرب من دعم للطائفة السنية في العراق التي سوقها الاعلام العربي والغربي على انهم مهمشون , السؤال المهم ما الذي يريد ان يقوله او ماذا يريد ان يفعل ؟
من خلال متابعتي لخطابات اوباما خلال شهر لم اجده يخرج عن هذه الرؤيا بل انه يجترها دائما ويعيد بتا بطريقة ببغاوية ومن يسمعه فكأنه يسمع دواعش البرلمان العراقي وارهابيّ فنادق عمان , وهذا يمكن ان يفهم بان رئيس اكبر دولة يحاول تهيأة الرأي الامريكي والعراقي والعالمي الى عملية جديدة ربما تتمثل بعودة الامريكان الى العراق واستقرارهم لانجاز مهمة اعادة رسم حدود الشرق الاوسط , على قاعدة تقسيم المقسم , ما يهمنا في الشأن العراقي فاوباما وفريقه السياسي يسعيان لإعادة ترتيب اوضاع البيت العراقي , وفق معادلة حكم جديدة لا يكون فيها للشيعة وهم الاغلبية الدور الذي قاموا به بعد التاسع من نيسان 2003 , لانهم حسب قول اوباما قد اضاعوا الفرصة , نعم الواقع العراقي يعكس فشل القادة السياسيين الشيعة في ادارة البلاد وانجرارهم الى فخاخ نصبت لهم من قبل امريكا فوقعوا فيها دون ان يلتفتوا الى المخطط الامريكي , فأمريكا التي وجدت نفسها تحت ضغوط المرجعية الدينية الداعية الى اجراء الانتخابات والى كتابة دستور الزاماً لهم بديمقراطيتهم التي زعموا أنهم جاؤوا بها الى العراق كبديل لنظام حكم شمولي هم من صنعه وسلطه على رقاب الشعب العراقي , فكانت الادارة الامريكية مرغمة على الانصياع لتلك الضغوط وجرت انتخابات الجمعية الوطنية في عام 2004 وحصل الائتلاف الشيعي على المركز الاول ( القائمة 169 ) وحقق مجتمعا على اعلى الاصوات وبنسبة مقاعد تزيد على 57 % من مقاعد الجمعية المئتين والخمس والسبعين مقعداً , وشكل الحكومة وكتب الدستور العراقي بإملاءات امريكية ملبية لرغبات الاكراد , وكان الموقف الشيعي مؤيدا دون الالتفات الى خطورة بعض فقراته التي تؤسس الى حالة صراع مفتوحة , فاذا كانت فقرات الدستور في القسم الاول منه والمتضمنة للحقوق والحريات العامة واحدة من اسمى النصوص الدستورية على مستوى الدول العربية والاسلامية فان فقرات توزيع الثروات وصلاحيات المركز والاقاليم , وشكل النظام السياسي كانت في حقيقتها الغام يمكن لأي مكون ان يفجرها في اي وقت يشاء , وما حصل في العراق وما يحصل في حقيقته نتاج اشكالية السلطة في بلد متعدد الطوائف والقوميات استحوذت فيه طائفة معينة الحكم لمدة تجاوزت الثمانين عاماً همشت وسلبت باقي المكونات حقوقها في المشاركة في صنع القرار السياسي وادارة البلاد واضطهدتها , فاصبح حال البلاد بعد سقوط النظام السابق الذي هو امتداد انظمة الحكم في الدولة العراقية الحديثة التي قامت وفق اتفاقية النقيب برسي كوكس , حال صراع وعدم ثقة بين القوى السياسية التي تدعي تمثيل مكونات المجتمع العراقي , واذا كانت الطائفية في ظل انظمة الحكم المتعاقبة على حكم الدولة العراقية طائفة سياسية فإنها في ظل النظام الحالي تحولت بإرادة آثمة لقوى الاحتلال والمتعاونين معهم الى طائفية مجتمعية , حتى غدا المركب الطائفي هو الأرحب والاسرع في تحقيق المكاسب السياسية لكتل واحزاب سياسية لا تملك مشروعاً وطنياً لقيادة البلاد ولا تملك عمقاً جماهيرياً في اوساط الامة , فهي في اغلبها تجمعات افراد مضطهدين فروا الى خارج البلاد اجتمعوا على رؤيا واحدة هي العمل على اسقاط من نظام حكم البعث في العراق , مما جعلهم وسيلة من وسائل الضغط وان كانت غير مؤثرة التي استخدمتها الدول المعادية لصدام ونظام حكمه , عدا استثناءات قليلة كانت تمثلها احزاب سياسية نشأت وتطورت في داخل العراق وعملت من اجل تطبيق ايديولوجياتها على الارض العراقية , وواجهت انظمة الحكم المتعاقبة في العراق القائمة على اساس حكم الطائفة الواحدة ,
وقد ساهم الامريكان بصورة مباشرة في رسم سيناريو الطائفية والارهاب في العراق عبر وسائل متعددة , ومارس السفيران الامريكيان نغر بونتي وخليل زاده ادواراً مهمة في تنفيذ السيناريو الامريكي في العراق فالأول جاء بالفوضى غير الخلاقة وما نجم عنها من تدمير البنى التحتية و نشر الفوضى في مختلف انحاء البلاد والقضاء على كيان الدولة ومؤسساتها وبالذات الامنية والعسكرية , فيما قام الثاني بدور مباشر في نشر الارهاب والتأسيس لإمارات الحرب بمسميات عشائرية واخرى بمسميات فصائل مقاومة وفصائل عسكرية معارضة للنظام الجديد مدعومة امريكياً وصنع امراء حرب ينفذون المشروع الامريكي ودعمهم ماليا وعسكريا وسياسيا , لقد نجح الامريكان في تكريس اجواء عدائية بين مكونات الشعب العراقية من خلال نظام المحاصصة التي صفق له سياسيو الصدفة الذين اصبحوا في غفلة من الزمن قادة للبلاد وساسة للعباد, فجرت النكبات وتسارعت خطوات الطوائف العراقية للتقوقع على الذات والانسلاخ عن الحالة الوطنية التي تميز بها المجتمع العراقي طيلة عمر الدولة العراقية الحديثة عدا الفاصلة الزمنية التي عرفت بالحصار الاقتصادي الذي عبر عن اسوء وجه للإدارة الامريكية في محاربتها للشعوب , واصبح البلد نتيجة الشحن الطائفي التي كانت تمارسه كتل وشخصيات سياسية وبمباركة امريكا ودفع كل دول الاقليم والجوار العراقي على حافات انزلاق خطيرة نحو هاوية الاقتتال الطائفي , و ما كان للسيناريو الامريكي ان ينجح لو لا وجود عوامل التفاعل لدى القواعد الشعبية لمكونات المجتمع العراقي مع الاطروحة الطائفية التي جاءت بها امريكا والناتجة من تراكمات الماضي الاقصائية المقترنة بأبشع صور الجور والقتل والالغاء , في نفوس تلك القواعد التي كانت تكتم غلواء امتهانها والازدراء بها كطائفة ومنعها حتى من ممارسة ابسط شعائرها وقسرها على الاقرار بتخلف ورجعية معتقدات, تلك القواعد أو حتى التنازل عنها , تحت ارهاب الاضطهاد السلطوي لنظام حكم الاستبداد والفردية المقيتة لصدام وحزبه .
و بين صراع المكونات ( السياسية ) على السلطة والسعي نحو تحقيق المنافع الذاتية في ظل نظام انتشر فيه الفساد بكل صوره , اطلت علينا بوجه اخر فتنة الصراع بين كتل واحزاب المكون الشيعي على السلطة مما خلق ظروفاً مثالية لتمرير المخطط الامريكي الساعي لتقسيم العراق واستنزاف ثرواته اولا ومن ثم الانقضاض على باقي الشرق بعدما نجحت امريكا بدرجة او اخرى في تحطيم قدرات وامكانات سوريا وجيشيها , حيث يريد المخطط الامريكي اخراج سوريا والعراق كطرفين مهمين من معادلة الصراع في الشرق الاوسط بعد ما حيّدت مصر وجيشها , لتتفرغ بصورة كافية لتصفية الملف الايراني بالطريقة التي تراها مناسبة والتي تتطلب ضغطا امريكيا شديدا لا يمكن لأوباما ان يحققه دون ان تكون القوات الامريكية في داخل الاراضي العراقية . نعم اضاع الشيعة الفرصة لانهم لم يحسنوا التعامل مع اللعبة السياسية ولم يدركوا حقيقة خطيرة ومهمة إن الغرب الاستكباري بكل مفاهيمه الاستعمارية والفكر التوراتي الصهيوني المهيمن على القرار السياسي الغربي والامريكي تحديداً لا يسمح بان تكون في العراق هيمنة شيعية في بلد شهدت ارضه اول سبي لليهود واقام فيه علي عليه السلام اول دولة خلافة اسلامية , واذل شعبه الاعزل عنجهية الامبراطورية الانكليزية ولم يعترف شعبه ولا حكوماته بالكيان الصهيوني ودولته في فلسطين المحتلة, ولم تتوقف قوافل شهدائه على مر تاريخه السياسي , لان النبوءة التوراتية تشير الى أن نهاية الدولة العبرية ستكون نهايتها على ايدي شيعة مهدي الامة عليه السلام , فاذا كانت العوامل الموضوعية التي اوجدتها امريكا وحلفاؤها وفي مقدمتها الارهاب وانعاش النزعة الطائفية تهدف الى الالتفاف حول استمرار عملية ديمقراطية مشوهة تتنج دائما حكومة يقودها الشيعة لانهم الاغلبية , فان عوامل ذاتية هي الاخرى ساهمت في مساعدة امريكا ودول محور العداء للعراق وشيعته بالذات في اتخاذ خطوات واسعة من اجل تقويض حكم الاغلبية والعمل لإعادة العمل بمحتوى اتفاقية بيرسي كوكس – النقيب لكن هذه المرة بصياغة امريكية غربية ومساهمة ودعم عربي واقليمي , لقد اضاع سياسيو الصدفة الشيعيون حقوق الطائفة ومستحقاتها لانهم لم يمثلوا غير مصالحهم ولم يسعوا الا تحقيق المكاسب الذاتية والحزبية الضيقة وانشغلوا في محاربة بعضهم فخلافات تمتد لخمسة وثلاثين عاماً بين فصيلين في المعارضة العراقية الشيعية في بلد مَهجر استمرت بينهم وهم في الحكم فلا تجربة الماضي حررتهم من عقدة الخلاف ولا تجربة الحكم اسعفتهم واصلحت ذات بينهم ولم تنجح تجربة حكم استمرت لأكثر من عشر سنوات نجحت في تقديم انموذج سياسي شيعي يملك رؤى قيادة الدولة , فبين خلافات الامس وصراعات اليوم ضاعت مصالح الطائفة وظلت دماء ابنائها تنزف وصار الشيعة في بلدهم بين مضيع ومهجر ومقتول , مما فسح الطريق واسعة لقيام امريكا بتحريك ادوات اللعبة واغراق العراق في صراع في حقيقة دوافعه اكاذيب التهميش ووسائله دمى الاسلام الامريكي المتصف بصفة الارهاب والتطرف . فإلى اين تريد امريكا الديمقراطية إن تذهب بالمنطقة , وهل ستنجح في اعادة رسم خارطة الشرق الاوسط بما يخدم مشروعها الشرير الذي يهدف لضمان امن الكيان الاسرائيلي والاستحواذ على ثروات هلال الغاز ومصادر الطاقة الهائلة في روسيا وايران والعراق وسوريا وسواحل البحر المتوسط , اسئلة ستجيب عنها احداث الاشهر القادمة .
نصير العتابي
كاتب وصحفي عراقي
#نصير_العتابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟