أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - خلدون النبواني - المتوحش














المزيد.....

المتوحش


خلدون النبواني

الحوار المتمدن-العدد: 4561 - 2014 / 9 / 1 - 05:36
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


للألفاظ التي نستخدمها يومياً سياقات ودلالات نفسية وتاريخية لا يُفكّرُ فيها تقريباً إلا العالم والفيلسوف اللذين ظلا طفلين مُتسائلين مُتعجّبين مُستغربين من أبسط القضايا التي رأى الآخرون بها عادة. كان التُّفّاح يسقطُ دائماً لكن نيوتن لم يرَ في ذلك الأمر شيئاً اعتيادياً بل عجيباً وغريباً فكان السؤال الأهم ربما في تاريخ العلم والوعي: لماذا سقطت التفاحة للأسفل ولم ترتفع للأعلى؟!! هذا السؤال الغبيّ بالنسبة للكثيرين قلب تاريخ العلم والوعي البشري في علاقة الإنسان بالكون.
أعود لفكرة المفردات اليومية العادية التي قد تكشف ربما شيئاً عن ذلك التاريخ الطويل الذي قاد الإنسان من حالته الحيوانية إلى الحالة الإنسانية المدنية. نقول مثلاً وبشكلٍ عفويّ إذا ما اصطدمنا بشخص في الشارع مثلاً :"عفواً". لعل الدلالة النفسية الصريحة قديماً والمُتنكرة بالأدب حديثاً هو أننا نطلبُ العفو والصُفح من هذا الشخص الذي احتككنا به ونحن لا نقصد العنف فنرجوه أن يُسامحنا على ما فعلنا وألا ينتقم منا أو يُنكِّل بنا. لا شك أن الدلالة القديمة لكلمة عفواً القادمة من "العفو" لا تحمل اليوم ذلك المعنى للتوسل والارتجاف والخوف من الانتقام بل تندرج اليوم بين عبارات التهذيب التي قد لا يؤدي اللجوء إليها إلى العنف فإن اصطدمت بشخص ولم تطلب منه العفو قد يؤدي ذلك إلى الاشتباك الجسدي أو اللفظي. تظل عبارات التهذيب برأيي إذن طريقة مدنيّة لتفادي الصراع. الأمر لا يقتصر على اللغة العربية فبالفرنسية نقول pardon وهي تماماً كلمة العفو وكذلك بالانجليزية نقول نفس الكلمة للاعتذار فنبادر مباشرة بطلب العفو بالقول pardon بل لعل الانجليزية تكشف عن أسلوب التوسل والاسترحام بشكل أكثر رُعباً من العربية والفرنسية فقد نقول للاعتذار: I beg your pardon وكلمة beg هنا فيها توسل وتضرع صريح و"جبان" في طلب الرحمة. إنها طريقة قديمة تلبس اليوم لبوس الاتيكيت العصري لكنها تختزن في ذاتها بنظري وحشية الإنسان القديمة وعلاقاته القائمة على العبودية والعدائية.
كلمة بسيطة من أشهر كلمات العالم هي كلمة شُكراً بالفرنسية merci. إن المعنى الأصلي القديم لهذه الكلمة هو الرحمة أو طلب الرحمة ومن هنا جاءت عبارة sans merci اي بلا رحمة ولا شفقة مع أن الكثير من الفرنسيين يتحدثون بها دون أن يعوا الكامن القديم للكلمة. وهذا الأصل اللاتيني للكلمة يأخذ معنى معاصر لم يتغير لكلمة merci (الرحمة بالفرنسية) فتقال mercy ومعظمنا يعرف الفيلم المشوق لريتشارد جيرNo mercy. عندما يقول فرنسيّ معاصر كلمة merci فهو يعني بها الشُّكر ولكنها تختزن في دلالاتها طلب الرحمة. كأن يسألك شخص هل تطلب شيئاً فترجوه الرحمة وعدم الأذية فقط. إتيكيت اليوم هو كلمات التوسل القديمة لطلب العفو والسماح وعدم الأذية. إنها وسيلة لفظية كلامية لمنع الاحتكاك الجسديّ العنيف برأيي.
تتجلى مفردات الإتيكيت في اللغات الأوروبية أكثر منها في العربية ولعل هذا يعود إلى أن المجتمعات الغربية قد طورّت من طرق المحاطبة اللفظية ومدّنتها فصارت أقل عُنفاً منّا وهي تتجنبه قدر الإمكان. إنها، وبمعنى آخر، تكثر (باللاوعي اليوم دون شك) من عبارات المجاملة لتجُّب العنف.
يقولون بالفرنسية bon appétit وهو ما يمكن أن نترجمه بالعربية الفصحى بشهية طيبة. هذه العبارة تتردد على كل مائدة فرنسية وعلى كل الوجبات ولعلها أكثر استخداماً من نظيرتها الإنجليزيةenjoy your meal. تتصارع الحيوانات فيما بينها على الطرائد فقد تستولي الضباع على فريسة اصطادها فهد مثلاً بل إن سرقة الصيد موجودة وبقوة عند أفراد النوع الحيوانيّ الواحد وهذا الأمر كثير الحدوث عند الحيوانات والطيور الخ. تأكل الحيوانات فريستها بسرعة كي لا تُسرق منها أو يأتيها من يُشاركها بها. وبمعنى آخر تأكل الحيوانات فريستها بخوف وترقب وقلق وهي لا تستمتع بها ولا تكون شهيتها مفتوحة للأكل. المُجتّرات ـ وهي مُعرّضة لخطر الافتراس ـ طوّرت آلية تخزين العُشب في جوفها ثم اجتراره ما أن تشعر نفسها بعيدة عن الخطر. الإنسان ليس من المُجترّات ولا شك أنه وكأي حيوان آخر يحتاج لتكون شهيته مفتوحة على الأكل إلى أن يشعر بالطمأنينة من أن أحداً لن يسرق منه طعامه أو وجبته أو إلى ما هنالك. لذا أعتقد أنه يتم تطمين ذاكرته الوحشية القادمة مما قبل التاريخ بعبارة bon appétit أو enjoy your meal وهي عبارة تقول ولا تقول: اطمئن لن أسرق منك طعامك وإن أحداً لن يسرقه منك فاطمئن أيها الحيوان المتوحش العتيق وكل هنيئاً مريئاً.
يحاول الإنسان أن يرتقي بإنسانيته أكثر فأكثر في بعض المجتمعات فينمي التواصل كأسلوب للتفاهم والمصالحة بينما يعود بعض البشر إلى عصور ما قبل التمدّن بل وإلى عصور الديناصورات المتوحشة فيقطعوا الرؤوس ويشربوا الدماء. لا يوجد حيوانٌ قاتل ومتوحشٌ لأبناء جنسه ونوعه قدر الإنسان وهذه هي مهزلة التاريخ البشري...



#خلدون_النبواني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مع الأكراد ضد الأكراد في تأسيس دولتهم
- تأمل في العلاقة الإشكالية بين القانونية والشرعية في الديمقرا ...
- حوار فيسبوكي حول الإيمان والإلحاد
- ثورة الاتصالات وتفكك بنية العائلة التقليدية
- ثمانية أسباب تبرّر تأجيل أوباما لموعد ضربته العسكرية
- قراءة في الأزمنة الدرويشية:
- خلدون النبواني - فيلسوف ومفكر - في حوار مفتوح مع القارئات وا ...
- حافظ الأسد الميّت الحيّ أو الحيّ الميِّت
- ما بين أخلاق العبيد وأخلاق الأحرار:
- النص الأدبفلسفيّ
- كهف أفلاطون والتعصب للهوية وللمعتقدات:
- من المعلم الدكتاتور إلى الأستاذ الديمقراطي
- لماذا تتعاطف قطاعات واسعة من اليسار التونسي مع نظام الأسد؟
- مَنْ كَتب حكاية: ذات القبعة الحمراء المعروفة عندنا بقصة ليلى ...
- كيوبيد الأحول
- برهان غليون كما أعرفه رداً على سعدي يوسف
- المقدمة غير الضروريّة
- من محادثة ليلية على الفيس بوك
- من شهادة حمار نجا من المجزرة
- كي لا تتقمص الضحية دور جلادها: الثورة السوريّة ومخاطر انزلاق ...


المزيد.....




- شاهد لحظة قصف مقاتلات إسرائيلية ضاحية بيروت.. وحزب الله يضرب ...
- خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
- وساطة مهدّدة ومعركة ملتهبة..هوكستين يُلوّح بالانسحاب ومصير ا ...
- جامعة قازان الروسية تفتتح فرعا لها في الإمارات العربية
- زالوجني يقضي على حلم زيلينسكي
- كيف ستكون سياسة ترامب شرق الأوسطية في ولايته الثانية؟
- مراسلتنا: تواصل الاشتباكات في جنوب لبنان
- ابتكار عدسة فريدة لأكثر أنواع الصرع انتشارا
- مقتل مرتزق فنلندي سادس في صفوف قوات كييف (صورة)
- جنرال أمريكي: -الصينيون هنا. الحرب العالمية الثالثة بدأت-!


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - خلدون النبواني - المتوحش