|
هجرة الكفاءات العلمية المصرية .. نزيف اقتصادي مستمر ج1
محمود سعدى الوالى
الحوار المتمدن-العدد: 4559 - 2014 / 8 / 30 - 09:17
المحور:
الادارة و الاقتصاد
مقدمة يعتبرالمورد البشري أهم الموارد الإقتصادية على الإطلاق وهو الأرضية الصلبة التي تستند عليها كل عمليات التنمية المختلفة ، فكل إقتصاد يستمد قوته في الأساس من الكوادر البشرية التي لديه، ويمكننا أن نتأمل الفارق ببساطة بين دولة مثل مصر تمتلك العديد من الموارد الطبيعية والموقع الجغرافي الممتاز ولا تمتلك الموارد البشرية أو بالأحري لا تحسن إستخدام تلك الموارد البشرية المتاحة لديها ،وبين دولة مثل اليابان لا تمتلك من الموارد الطبيعية ما تمتلكه مصر ولكنها لديها موارد بشرية على أعلى المستويات من الكفاءة وتقوم بتوظيفها على أمثل وجه ،وبينما تصنف اليابان في مصاف الدولة المتقدمة نجد أن مصر والإقتصاد المصري يصنف كإقتصاد متخلف في بنيته الإقتصادية ،لذلك نجد أنه من الضروري الحفاظ على المورد البشري من الضياع حتى لا يعاني المجتمع المصري من نقص في حجم المهارات المعرفية ، بالصورة التي تؤثر سلباً على تطوره وبالتالي يفقد تدريجياً إستقلاليته الإقتصادية والسياسية والإجتماعية. وعندما لا تحسن مصر إستخدام الموارد البشرية المتاحة لديها فإن ذلك المورد البشري يلجأ إلى العديد من القرارت التي من بينها الهجرة بإختلاف نوعيتها وأهدافها ،ولا شك أن هجرة الكفاءات العلمية تعتبر أخطر أنواع الهجرة على الإقتصاد المصري، حيث أنه وإن كانت تعتبرأحد نتائج التخلف الإقتصادي والإجتماعي في مصر، الإ انها تعود لتلعب أحد أسباب التخلف الإقتصادي والإجتماعي لنجد أننا ندور في تلك الحلقة المفرغة للتخلف بحيث تزداد المشكلة تعقيداً بمرور الوقت . وفي دراستنا هذه سنتطرق إلى تعريف ظاهرة هجرة العقول ثم إلى هجرة العقول في الأدبيات الإقتصادية مروراً بواقع هجرة العقول المصرية والأسباب الخاصة بتلك الظاهرة في مصر لنختم دراستنا بالآثار السلبية لتلك الظاهرة على الإقتصاد المصري ومن ثم كيفية التغلب عليها.
أولاً : تعريف ظاهرة هجرة العقول أن مصطلح هجرة العقول (Brain Drain) يصف تحركات الأفراد ذوي المهارة العالية عبر حدود الدول وإستقرارهم خارج بلدانهم لفترة طويلة من الزمن ، ويعرف هؤلاء الأفراد ذوي المهارة العالية بأنهم الذين حصلوا على درجات علمية جامعية أو في طريقهم للحصول عليها في الوقت الحالي، أو الذين لديهم خبرة في مجال أكاديمي معين تعادل هذا المستوى التعليمي. وعموماً إن مصطلح هجرة العقول، أو نزيف العقول، أو هجرة الكفاءات، أو النقل العكسي للتكنولوجيا كلها تشير إلى معنى واحد هو هجرة العقول البشرية، وقد ظهر هذا المصطلح أول مرة عندما إستخدمه البريطانيون لوصف خسائرهم خلال السنوات الأخيرة من العلماء والمهندسين والأطباء بسبب الهجرة إلى خارج بريطانيا وخصوصاً إلى الولايات المتحدة الأمريكية وكندا. وقد جاء تعريف منظمة اليونسكو على أنه "نوع شاذ من أنواع التبادل العلمي بين الدول يتسم بالتدفق في اتجاه واحد ناحية الدول المتقدمة، أو ما يعرف بالنقل العكسي للتكنولوجيا"
ثانياً : هجرة العقول في الأدبيات الإقتصادية في الأدبيات الاقتصادية نجد أن ظاهرة هجرة العقول تم تناولها من خلال محورين ويتمثل المحور الأول في المدارس المفسرة لأسباب هجرة الكفاءات العلمية بينما يتمثل المحور الثاني في الأثار الاقتصادية لهجرة الكفاءات العلمية وفيما يلي نتناول كل محور بشيء من التفصيل .
1 - المدراس المفسرة لهجرة الكفاءات العلمية : يمكن تصنيف معظم تفسيرات ظاهرة هجرة الكفاءات العلمية في مدرستين وهما (المدرسة الفردية) و(مدرسة الإقتصاد السياسي ) وبالنسبة للمدرسة الفردية فهي تستمد أصولها الفكرية من التحليل الإقتصادي النيوكلاسيكي وتتناول تفسير ظاهرة هجرة الكفاءات من منظور الفرد حيث ترى أن الكفاءات هم أشخاص متميزون ولديهم طموح نحو الأفضل في الجوانب المهنية والفكرية والمعيشية وبما أن تلك الجوانب لا يمكن تحقيقها في البلدان المتخلفة فغالباً ما يلجاً هؤلاء إلى الهجرة إلى البلدان الأكثر تقدماً ، وبالتالي تجد أن الأسباب الرئيسية لهجرة الكفاءات العلمية تدول حول إنخفاض الدخل وتدني المستوى المعيشي وعدم توافر إمكانيات البحث العلمي وغياب حرية الرأي والتعبير في البلدان المتخلفة . أما بالنسبة لمدرسة الاقتصاد السياسي فإنها تذهب إلى أن السبب الرئيسي لهجرة الكفاءات العلمية مرتبط في الأساس بالإرتباط العضوي لبلدان العالم الثالث ببلدان العالم الرأسمالي الغربي في علاقة تخلف وتبعية على كافة المستويات الإجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية ويقوم هذا الارتباط العضوى، فيما يتعلق بهجرة الكفاءات، على ثلاث دعائم أساسية هي : - سوق دولية للكفاءات هى امتداد طبيعى، يحمل معه مزايا فردية ضخمة، لسوق العمل ببلدان الأصل. - خلقية المنافسة الفردية فى الإطار الرأسمالى المشوه السائد ببلدان العالم الثالث، والتى تدفع الفرد للسعى لتحقيق أعلى مستوى من الرفاه الخاص، مقاساً مادياً بصرف النظرعن الرفاه الجمعى. - نسق تعليم وتأهيل فى بلدان العالم الثالث، يمتد أيضاً إلى خارجها من خلال تقليد أنساق التعليم العالى لنظائرها فى البلدان الغربية المصنعة وعبر الابتعاث للدراسة فى الخارج، وينتج كفاءات من النوعية المطلوبة للسوق الدولى بدلاً من تلك التى تتواءم مع الاحتياجات الأساسية لبلدان الأصل. بما يعني أن يعمل التخلف والتبعية السياسية والاقتصادية لبلدان العالم الثالث على إزالة كافة العقبات أمام إنتقال الكفاءات العلمية إلى البلدان الرأسمالية الغربية (بلدان المركز) بما يؤدي في النهاية إلى ظهور شريحة خارجية لسوق العمل المحلي وتتمتع تلك الشريحة بمزايا عيشية ومهنية لا تتمتع بها غيرها في بلدن الأصل. وبالتالي تتكون السوق الدولية للكفاءات من مجمل هذه التقاطعات بين أسواق العمل فى بلدان الأصل والدول الرأسمالية الغربية المصنعة. بالإضافة إلى الدور التي تقوم به الشركات متعدية الجنسية التي تقوم بتقديم إغراءات لخيرة الكفاءات العلمية من البلدان المتخلفة وتعتبر هذه العملية طبيعية فى ظل التنظيم الرأسمالى للنشاط الاجتماعى- الاقتصادى للعالم فى ظل العولمة.
2 - الأثار الإقتصادية لهجرة الكفاءات العلمية : إختلف الإقتصاديين فيما بينهم بصورة كبيرة بشان الأثارالاقتصادية المترتبة على هجرة الكفاءات العلمية بالنسبة للبلد المُصدر فمنهم من رأى أنها ذات أثر إيجابي خاصة أنه غالباً ما يكون البلد المُصدر بلداً نامياً . حيث أن المجتمعات المتخلفة لا تستفيد من تلك الموارد بما يحقق في نهاية الأمر مصلحة هذه الكفاءات بالإضافة لمصلحة البشرية ككل ،حيث أن الكفاءات المهاجرة تنتقل إلى مجتمع أكثر تقدماً يوفر لها ظروف عمل ومعيشة أفضل مما يجعلها تساهم بدرجة أكبر في صنع المعرفة والتقدم الإنساني عما إذا بقيت في مواطنها. وبالنسبة للأثر السلبي لهجرة الكفاءات العلمية فقد ورد في دراسات الأمم المتحدة عبارة "النقل العكسي للتكنولوجيا" التي تستخدمها للدلالة على ان هجرة العقول هي عملية نقل للموارد الإنتاجية من الدول النامية إلى الدول المتقدمة. حيث أن هذه الموارد الإنتاجية تتمثل في الأفراد الذين حصلوا على المعرفة والمهارات من خلال الاستثمار في التعليم والتدريب ومختلف الأنشطة ذات العلاقة الوثيقة. وبهذا المعنى فإن الخسارة في رأس المال البشري تنطوي على خسارة في القدرات الفنية على الإبتكار وعلى توسيع نطاق المعرفة التكنولوجية والتطبيقية. ولإبراز هذه النقطة يلاحظ تقرير ال (UNCTAD) أن " النقل العكسي للتكنولوجيا " يشكل نقلاً من جانب واحد للموارد الإنتاجية التي تجسد التكنولوجيا في المهارات البشرية من الدول النامية، الأمر الذي ينطوي على آثار إقتصادية وسياسية واجتماعية سلبية خطيرة على هذه الدول. كما تشكل هذه الهجرة للأيدي العاملة الماهرة خسارة كبيرة للدول المصدرة لها وكسباً للدول المستقبلة لها .. بينما يرى رمزي ذكي أن الطبقة الحاكمة في البلدان المتخلفة لم تتمكن من الإستفادة من تلك الكفاءات العلمية وبالتالي فتحت لهم الباب على مصراعيه حتى يهاجرون إلى البلدان الرأسمالية الغربية المتقدمة وذلك تفادياً للدور الذي من الممكن أن تلعبه تلك الكفاءات في ظل تعرضها للضغوط لفترات طويلة والذي قد يشكل خطراً على مصالح تلك الطبقة الحاكمة خصوصاً في ظل تدهور الأجور وعدم التقدير الأدبي والمعنوي لتلك الكفاءات ، كما انه يرى أن "المشكلة الجوهرية في تلك الظاهرة لا تنحصر فقط في الموارد الضائعة التي أنفقت على إعداد هذه الكفاءات (وهي ليست هينه) بل في أن نزوح هذه الكفاءات ،وما تمثله من طاقات إنتاجية ممكنة ، إنما يؤخر التطور والإقتصادي والإجتماعي لهذه البلاد ،وهذه الكفاءات المهاجرة عن أوطانها تضم المهندسين والأطباء والمحاسبين وعلماء الإقتصاد والإجتماع وأساتذة الجامعات ومراكز البحث العلمي ورجال الإدارة العليا ،فضلاً عن العمال المهرة والفنيين في قطاعات الإنتاج المادي والخدمي. وطبقاً لبعض التقديرات يتبين أنه في عام 1980 كان بالدول الرأسمالية الصناعية حوالي سبعة ملايين ونصف من العمال المهرة والفنيين والخبراء الذين جاءوا من الدول المتخلفة . وأن الدول الرأسمالية المتقدمة تكسب على الأقل من كل عامل أو كفاءة مهاجرة إليها مبغاً يتراوح ما بين 9900 – 1560 دولار في السنة" بينما فيما يتعلق بالأثر الإيجابي لهجرة العقول، يلاحظ أن دراسة ( إسترلي ونياكرو) لم تجد أي تأثير سلبي لهجرة العقول على النمو الاقتصادي ولا على رصيد رأس المال البشري في أفريقيا. وتبرر الدراسة هذه النتيجة بأن التأثير السلبي لهجرة العقول على رصيد الدولة من المهارات يتم تعويضه من خلال زيادة الحافز لدى الأفراد الباقيين في أوطانهم لزيادة مهاراتهم ،بالإضافة إلى ذلك ووفقاً لتقديرات تلك الدراسة لغانا، فإن القيمة الحالية للتحويلات المالية تكفي وتفيض لتغطية تكاليف التعليم للفرد المهاجر ذي المهارة العالية. كما تشير تلك الدراسة إلى أن هجرة العقول تعد ظاهرة جيدة لأفريقيا حيث يمكنها التأثير إيجابيا ليس فقط في كمية رأس المال البشري بل في نوعيته أيضا، وذلك من خلال حفز الطلاب على بذل المزيد من الجهد لاكتساب المهارات التي تمكنهم من الهجرة. وعموماً نجد أن هناك شبه حسم في معظم الكتابات الإقتصادية على أن هناك خسائر كبيرة تتكبدها البلدان المُصدرة نتيجة ظاهرة هجرة العقول تفوق بكثير تلك المكاسب التي تعود عليها.
ثالثاً : واقع نزيف العقول المصرية عُرف المصري بتمسكه بأرضه ورفضه لفكرة الهجرة مهما كانت الظروف ،حيث لم تعرف مصر الهجرة إلى خارجها في العصور القديمة الإ في حالات نادرة جداً وإن كانت الهجرة الداخلية كبيرة إلى حد ما ، وكانت مرتبطه بفيضان النيل وجفافه في غالب الأمر ،الإ أن الهجرة الخارجية كانت نادرة وكانت تتمثل في إنتشار المصريين بشكل محدود في بلاد الشام ومنطقة طبرق في شرق ليبيا ،وذلك على الرغم أن المصريين من أوائل الشعوب التي عرفت ركوب البحر والسفر حول أفريقيا والشام وإلى العديد من البلدان الأخرى التي غزاها المصريين القدماء المتمثلة في تلك البقعة الشاسعة الممتدة بين غرب إفريقيا وإلى بلاد فارس ، وكذلك قيام المصريين بالتجارة مع الشعوب المجاورة لهم مثل التجارة مع بلاد بونت (الصومال حالياً) وكذلك التجارة مع (الفينيقين) بلاد الشام حالياً ،وبالتالي نجد أن المصريين وإن أقاموا علاقات مع بلدان أخري والتي إختلفت نوعيتها بين الإخضاع بالقوة عن طريق الغزو أو عن طريق التجارة والتعاون لم يعرفون الهجرة الإ في نطاق ضيق ، وقد ذهبت بعض الدراسات إلى أن المهاجرين خارج مصر في ذلك الحين كانوا في الأساس من الأجانب أي من غير المصريين والذين هاجرو عائدين إلى بلدانهم الأصليه أو إلى بلدان أخرى في أوقات الأزمات كهؤلاء الذين هاجرو إلى المغرب العربي وإلى بلاد الشام كما ذكرنا آنفاً .الإ أنه في عصر العولمة ومع سهولة التحرك بين أقطار العالم ومع ضغوط الحياة لجأ المصريين إلى الهجرة ،ولا شك أن من بين هؤلاء المهاجرين كان هناك الكثير من الكفاءات العلمية. ويمكننا أن نُبين موقف الدولة المصرية من ظاهرة الهجرة منذ ثورة يوليو 1952 حيث تباين ذلك الموقف بين ثلاثة مواقف متتابعة بدأت بالتقييد مروراً بالتنظيم ثم إلى التشجيع المطلق وفيما يلي سنقوم بشرح كل مرحلة من المراحل المختلفة :
1 – مرحلة التقييد (1954 – 1967) هي المرحلة التي قامت فيها الدولة بالعمل على التقييد السياسي للهجرة ، ووفقاً لإعتبارات التنظيم من جانب الدولة فقد قامت الدولة بترتيب عملية الهجرة المؤقتة وفقاً للعلاقات السياسية في المنطقة ، وقد إتخذت الهجرة المؤقتة في هذه الفترة صورتين وهما : أ – الهجرة الدائمة وكانت تتمثل في هجرة قطاعات محدودة من المصريين إلى البلدان الغربية المتقدمة (الولايات المتحدة – أستراليا – كندا ودول أوروبا الغربية) وإتسمت تلك الهجرة بعديد من القيود المفروضة عليها وذلك بسبب أنه كان هناك العديد من الجهات المنوط بها تنظسم عملية الهجرة بالإضافة إلى التعنت في الشروط الخاصة بعملية الهجرة وكانت الهجرة في تلك المرحلة تنحصر بين العلماء والمثقفين ورجال الأعمال وبصورة محدودة جداً. ب – الهجرة المؤقتة وتمثلت في إعارة بعض الموظفين المصريين في البلدان العربية والإفريقية بهدف تدعيم التواجد المصري في تلك الدول والعمل على توثيق الصلة بين مصر وجيرانها. 2 – مرحلة التنظيم المحدود (1967 – 1973) بدأت تلك الفترة في البداية بالعمل على تخفيف قيود الهجرة بالتدريج ،ولكن في نهاية تلك الفترة بدأت الدولة بتشجيع عمليات الهجرة بصورة مطلقة بما فيها هجرة الكفاءات العلمية ، حيث أقر مجلس الوزراء في نوفمبر عام 1970 تيسير هجرة الفنيين من حملة المؤهلات العليا والكفاءات العلمية ، ليعلن عن بدء شكل جديد من أشكال الهجرة هو شكل عشوائي لا يفرق بين هجرة الكفاءات العلمية ووهجرة العمالة ، كما أنه لم يكن هناك أي عمل على إيجاد قنوات إتصال مع المهاجرين من الكفاءات العلمية أو غيرهم. 3 – مرحلة التشجيع المطلق (1974- الآن) مع بداية إنتهاج الدولة المصرية لسياسة الإنفتاح الإقتصادي بعد حرب أكتوبر ،نظرت الدولة المصرية إلى الهجرة بجميع أنواعها على إنها كلها خير،وأنه لو أن هناك خسائر ناتجة عنها ستكون بالضرورة تلك الخسائر أقل بكثير من المكاسب التي ستعود على الإقتصاد المصري ،لذلك بدأت مصر رسمياً مرحلة التشجيع المطلق أو المرحلة التي يمكن أن نطلق عليها مرحلة التهجير،حيث صدق البرلمان فى عام 1975 على معاهدة تنظيم إنتقال العمالة إلى البلدان العربية ، وذلك لدفع العمالة المصرية إلى الدول الخليجية بعد الطفرة النفطية الأولي التي كانت نتيجة لحرب أكتوبر،وفي عام 1981 تم إنشاء وزارة مستقلة تختص بشئون الهجرة ،وتستمرالدولة المصرية في إتباع تلك السياسات حتى يومنا هذا. ومن الملاحظ أن مصر وفقاً للسياسات المتبعة والتي أشرنا لها سلفاً قد قامت بتشجيعه الهجرة (أي نوع من أنواع الهجرة) بما في ذلك هجرة العقول ،وبالتالي لم تجد في ذلك أي خسارة ،وعموماً أن الدول النامية لم تكن منتبهه إلى تلك النقطة ، ولم تنتبه لها الإ بعد إثارتها من قبل إنجلترا والدول المتقدمة التي ظهر فيها مصطلع نزيف العقول أو هجرة الأدمغة ،حيث أن معظم كودراها بدأو في الهجرة إلى كندا وأستراليا والولايات المتحدة ،وهنا فاقت مصر من غفلتها في تلك النقطة وعملت على كيفية إستعادة العقول أو وقف نزيف العقول ، هذا على مستوى الدراسات والأبحاث والندوات فقط ،حيث أنها فعلياً لم تقم بشيئاً مادياً لمواجهة تلك المشكلة .. حيث ما زال النزيف مستمر..
عدد العقول المصرية المهاجرة : أولاً ينبغي أن نشير في بداية الأمر أن هناك عجز شديد في الإحصائيات المتعلقة بهجرة العقول البشرية المصرية ، ولذلك قررنا أن نقوم بالعمل على الإستفادة من الأبحاث السابقة والإحصائيات المتوفرة قدر الإمكان . نجد أن معظم المهاجرين المصريين يتواجدون في السعودية وليبيا ثم الولايات المتحدة ، ومع التسليم أن العدد الإجمالي للمهاجرين المصريين لا يعكس العدد الخاص بهجرة الكفاءات العلمية ، الإ بعد تحديد نسبة الكفاءات العلمية المهاجرة من إجمالي عدد المهاجرين ، ومع العلم بأن إجمالي عدد المصرين المهاجرين عام 2006 كان يقدر ب 4 مليون و 800 ألف تقريباً . بالإضافة إلى أن نسبة الكفاءات العلمية المهاجرة تتراوح بين 40 و 60 بالمئة من إجمالي عدد المهاجرين مصنفين وفقاً للحالة التعليمية وذلك وفقاً لإحدى الدراسات ، فإنه يتضح لنا ارتفاع مستوى تعليم نسبة كبيرة من المهاجرين المصريين (حوالي نصف المهاجرين تقريباً ) مما يؤكد فكرة إستنزاف العقول المصرية . وطبقاً للإحصائيات السابقة فإن المهاجرين المصرين حتى عام 2006 والبالغ عددهم حوالي 4 مليون و800 ألف تقريباً فإننا نتوقع أن يكون عدد الكفاءات العلمية المهاجرة من مصر حوالي 2 مليون و400 الف تقريباً. بينما تعكس البيانات الواردة في تقرير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عام 2003 (والتي تعتبر بيانات دقيقة إلى حد كبير) أن إجمالي الكفاءات المصرية المهاجرة يقدر بنحو 824000 كفاءة علمية وبلغ حجم هجرة الكفاءة خلال عام 2003 فقط حوالي 2500 عالم تقريباً . و تتضمن تلك الإحصائية العديد من الفئات فى مهن وتخصصات مختلفة وبدرجات إتقان مختلفة لتخصصاتهم .كما يتضح أن نسبة كبيرة المهاجرين من الكفاءات العلمية يعملون في تخصصات دقيقة ونادرة في مصر ، فتجدهم يعملون فى أهم التخصصات الحرجة والإستراتيجية مثل الجراحات الدقيقة ، والطب النووى ، والعلاج بالإشعاع ، والهندسة الالكترونية والميكروالكترونية ، والهندسة النووية ، وعلوم الليزر، وتكنولوجيا الأنسجة والفيزياء النووية ، وعلوم الفضاء ، والميكروبيولوجيا ، والهندسة الوراثية وكذلك في العلوم الإنسانية كإقتصاديات السوق والعلاقات الدولية وعلم الإجتماع والعلوم السياسية . لنجد أنه وفقاً للإحصائيات السابقة ينحصرعدد الكفاءات المصرية المهاجرة بين 824ألف كفاءة علمية وبين 2 مليون و400 ألف كفاءة علمية . وبالنظر إلى الإحصائية القائلة بأن عدد الكفاءات 824 ألف كفاءة علمية مهاجرة نجد أنها كانت عام 2003 بينما الدراسة القائلة بأن عددهم يبلغ 2 مليون و400 ألف كانت عام 2013 وتم إحتساب العدد نسبة إلى إحصائية عدد المهاجرين المصرين ككل عام 2006، وللأسف لم تُفصح الإحصائية الأولى الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء عام 2003 عن المعيار الذي تم على أساسه تصنيف الكفاءات العلمية وهل هو التعليم فقط أم أنه التعليم والمناصب الرفيعة التي يعملون بها في الخارج وإن كانت قد إتخذت التعليم كمعيار فهي لم تُبين درجة هذا التعليم وهل هو التعليم العالى أم أنهم من حملة الماجستير والدكتوراه ، بينما إعتمدت الدراسة الثانية (أميرة عمارة 2013)على معيار التعليم العالي فقط حيث ذهبت إلى أن نصف المهاجرين إلى الخارج هم من حملة المؤهلات العليا والذين يبلغ عددهم حوالي 2 مليون و400 ألف تقريباً. وسواء أختلف المعيار أو الإحصاء الخاص بالكفاءات العلية فلا شك إننا أمام مُشكلة كبيرة تتمثل أولاً في ضخامة ذلك العدد في الحالتين وضخامة التكاليف التي تكبدتها الدولة لتعليم تلك الكفاءات وثانياً تتمثل في ضعف الإحصائيات الرسمية المتعلقة بهذا النوع من الهجرة ،بما يعكس عدم إهتمام الدولة بذلك النزيف الإقتصادي!! وبالنسبة للتوزيع النسبي للمهاجرين وفقاً للمجموعات العلمية الرئيسية فإننا نجد أن معظم المهاجرين من الكفاءات العلمية من المتخصصين في العلوم الإنسانية بفروعها المختلفة من علم إجتماع وعلوم سياسية وإقتصادية وعلم النفس وغيرها ، حيث بلغت نسبتهم 49% من إجمالي الكفاءات العلمية المهاجرة ، بينما تأتي العلوم الهندسية بعدها بنسبة 24% كإجمالي لكافة المهاجرين من الكفاءات العلمية المتخصصة في التخصصات الهندسية ، ثم التخصصات الطبية بنسبة 17% ، ثم بعد ذلك العلوم الزراعية والعلوم الأساسية بنسبة 5% لكلٍ منهما. أما بالنسبة للتوزيع النسبي للكفاءات المصرية المتميزة ( علماء ) فى البلدان الأجنبية المتقدمة المستقبله لها حتى عام 2003 فإنها كانت كما وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عام 2003 حيث جاءت الولايات المتحدة الأمريكية على رأس القائمة بنسبة38.6%، وتلتها كندا بنسبة 13% ثم إيطاليا بنسبة 10.9% ثم أستراليا بنسبة 8.5% ثم اليونان بنسبة 7.3% ثم هولندا بنسبة 4.9%. ونلاحظ أن تلك الإحصائية لا تشمل تلك الكفاءات العلمية الموجوده خارج مصر وتعمل في الدول العربية من أساتذة جامعات وأطباء ومهندسين ومحاسبين وبالتالي وفقاً للمعيار الخاص بهجرة العقول البشرية كان يجب تضمينهم ضمن الإحصائيات التي تصدر في هذا الصدد. وبالنسبة للطريقة الرئيسية لهجرة العقول المصرية نجد أن الطلاب فى الجامعات الغربية من أهم القنوات الرئيسية لهجرة الكفاءات العربية عموماً والمصرية خصوصاً إلى البلدان الغربية لاسيما المبعوثين الذين ترسلهم الجامعات والمراكز البحثية ولا يعود هؤلاء إلى بلدانهم الأصلية . وتعد مصر من أكثر الدول العربية معاناة من هذه المشكلة حيث قدر عدد من تخلف من مبعوثيها فى العودة إليها منذ بداية الستينيات وحتى مطلع عام 1975 بحوالى 940 مبعوثا بنسبة 12% من مجموع المبعوثين خلال تلك الفترة تركز معظمهم فى أمريكا وكندا وفرنسا وبريطانيا ،وكانوا من المتخصصين فى الهندسة والطب والأبحاث الزراعية . وخلال الفترة من 1970 إلى 1980 لم يعد إلى مصر 70% من مبعوثيها فى الولايات المتحدة ،وبالتالي نلاحظ أن البعثات والتي كانت تهدف في الأساس إلى إعداد كوادر علمية يمكن التعويل عليها في عمليات التنمية المختلفة للقطاعات الإقتصادية ،لم يتم الإستفادة منها بل أصبحت تشكل خسائر إقتصادية ،حيث يتم توفير الموارد المالية من أجل تأهيل كوادر بشرية أكثر كفاءة وتقوم تلك الكوادر بالهجرة والعمل لصالح دول أخرى بما يشكل إستنزاف ذو طابع مزدوج للموارد البشرية والموارد المالية معاً.
رابعاً : أسباب ودوافع هجرة العقول المصرية يمكننا التعرف على أسباب ودوافع هجرة العقول بالنظرإلى عوامل الجذب وعوامل الطرد حيث تكون عوامل الطرد متعلقة بالدولة المصرية بينما تكون عوامل الجذب متعلقة بالدول المُستقبلة للكفاءات .
الأسباب المتعلقة بعامل الطرد (العوامل المحلية أو الداخلية): 1 - العوامل الإجتماعية والثقافية : يوجد في المجتمع المصري العديد من العوامل الإجتماعية والثقافية الطاردة ، فمثلاً عدم إحترام الوقت و عدم إحترام القانون وقواعد المرور تجعل من الصعب على المصري المغترب الذي عاش في دولاً تقدس الوقت والقانون والإلتزام أن يعود إلى مصر ويتكيف بسهولة مع الوضع الحالى للمجتمع المصري ،بالإضافة إلى أن هناك العديد من العوامل الأخرى،حيث أصبح من اليسير على الشباب المصري في الوقت الحالي التعرف على أوضاع العرض والطلب في سوق العمل العالمي ، وبالتالي تلك الحدود التي كانت مفروضه على الشباب بتحقيق حلمه في الداخل لم تعد موجودة بالصورة التي كانت عليها في السابق ،كما أن سيادة العادات والتقاليد في المجتمعات المتخلفة مثل تلك العادات والتقاليد المتعلقة الزواج في مصر على سبيل المثال ،والتي تؤدي إلى تكبيل الشباب بالعديد من القيود والضغط عليهم بمطالب لا تتناسب مع أوضاعم الإقتصادية لها أسباب تجعلهم يفكرون ويسعود جدياً للهجرة والهروب من تلك الضغوط المجتمعة ، بالإضافة إلى وجود تفرقة واضحة بين خريجي الجامعات الوطنية وخريجي الجامعات الأجنبية في سوق العمل (عقدة الخواجة) تدفع الشباب القادر على الدراسة في الخارج ،وبالتالي يذهب الشباب للدراسة في الخارج ولا يعودون، كما أن المجتمع ينظر نظرة متواضعه إلى بعض أصحاب المهن المختلفة خاصة الحرفيين والمهنيين اذ أن القيم الحضارية الموروثة والخاطئة لبعض المجتمعات المتخلفة كالمجتمع المصري لا تميل إلى تقدير ذلك النوع من الفنيين والمهنيين ، وهناك أيضاً تعدد لصور التفرقة ضد الكفاءات العلمية على أساس الدين أو الوضع المادي و الإجتماعي فهناك العديد من الكفاءات العلمية القبطية التي هاجرت من مصر لأنها شعرت بالإضطهاد وإن كانت الدولة لا تقوم بالتمييز بين المواطنين،الإ أننا يجب أن نعترف أن هناك في المورث الشعبي الشرقي التعصب الديني عند الشعوب، بالإضافة إلى أن الإنتماء العائلي أو الطبقي الذي نستطيع أن نلتمسه بقوة في المؤسسات المصرية حيث تجد العديد من أبناء العائلة الواحدة يعملون داخل مؤسسات بعينها.
2 - العوامل السياسية : تتمثل العوامل السياسية الطاردة للكفاءات في غياب الديموقراطية وتزايد القمع وإنتهاكات حقوق الإنسان والفساد السياسي وعدم إحترام وتقدير الكفاءات العلمية والسياسية من قبل النظام الحاكم حيث يلجأ النظام السياسي الحاكم إلى العنف والقمع بالقوة وتفضيله للحلول الامنية على السياسية ،بالإضافة إلى غياب الديموقراطية حيث فُرضت العديد من القيود على الأبحاث العلمية عن طريق تحديد نوعية البحوث العلمية التي يتم التعامل معها خدمة لرؤيتة السياسية ، بمما أدى إلى شعور العديد من الباحثين والأكاديميين بالخوف من التطرق إلى بعض الموضوعات أو معالجة بعض الظواهر أو الخروج بنتائج بشأن إحدى المشكلات تؤدي إلى غضب النظام الحاكم ،كما أدى تغلغل النظام وسيطرته على كافة مؤسسات الدولة عن طريق تنصيب قيادات لتلك المؤسسات بمعايير الولاء للنظام وليس وفقاً لمعايير الكفاءة بل على العكس فقد يتم التنكيل بالمعارضين من العلماء والمفكرين والكفاءات عن طريق التشويه حيناً والتلفيق حيناً أو تعرضهم للضرب والتعذيب ،مما دفع الكثير من الكفاءات العلمية المصرية إلى الهجرة الخارج بحثاً عن العدالة وعن فرصة أفضل من الناحية المعيشية والتقديرية. 3 - العوامل الإقتصادية : تتمثل أبرز العوامل الاقتصادية الدافعة لهجرة الكفاءات المصرية الى الدول الرأسمالية الغربية المتقدمة ، في إنتشار الفقر وإنخفاض مستويات المعيشة من جهة والبطالة من جهة أخرى ،وذلك بسبب إرتفاع النمو السكاني بصورة لا تتناسب مع التوسع في النشاط الإقتصادي بالإضافة إلى غياب العدالة في توزيع الدخل. وعموماً ليست المشكلة في النمو السكاني كما يحاول المسئولين دائماً تبرير فشلهم بتلك الحجة ،إنما المشكلة الحقيقية في كيفية الإستفادة وتوظيف الموارد البشرية وإعدادها بصورة صحيحة عن طريق تحقيق توازن بين النمو الإقتصادي والنمو السكاني ، بالإضافة إلى العدالة في توزيع نتائج النمو الإقتصادي على المجتمع. وقد وصلت معدلات البطالة في مصر عام 2014 إلى 13.6 % ومن الممكن أن تزيد هذه النسبة سنوياً بسبب الزيادة السكانية بصورة أكبر من التوسع في النشاط الإقتصادي ،وتكمن الخطورة أكثر في معدلات البطالة بين الشباب من حملة المؤهلات الدراسية والمتعلمين والتي تبلغ36.4%عام 2014 وفقاً للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء ،وهو ما يزيد من تعقيد المشكلة حيث نجد أن ذلك يدفع الشباب للتفكير في الهجرة. كما لا يمكننا أن نتجاهل البطالة المقنعة المنتشرة بصورة كبيرة في مصر وذاك الدور الذي تلعبة في التأثير على عامل الهجرة عن طريق إلحاق العلماء والكوادر الشبابية بأعمال لا تتلاءم مع خبراتهم وتخصصاتهم ،وتفشى الإجراءات الروتينية فى أعمالهم بما يؤدي لضعف انتاجيتهم ورواتبهم وبالتالي دفعهم للبحث عن فرص بالخارج. وبالنسبة للفقر وإنخفاض مستوى المعيشة بسبب قلة العائد المادى لمختلف الكفاءات العلمية المصرية ،فإننا نجدأن تلك الكفاءات تنشأ في خلل بيئى معيشى حيث تصنف مصر حسب دليل الفقر البشرى ضمن مجموعة الدول المتوسطة . ووفقا لهذا الدليل فإن حوالى 3.10% من السكان لا يتوقع لهم أن يعيشوا حتى سن الأربعين. ويزيد معدل الأمية للقراءة والكتابة عن 44% ، ويحرم 13% من السكان من الحصول على المياه المأمونة ، و1% على الخدمات الصحية و12% على الصرف الصحى . ويعيش تحت خط الفقر 23.3% من السكان . و يبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلى الأجمالى بمصر 2748 دولار سنوي دونما اعتبار للفروق الحادة فى توزيع الدخل. و تندرج أغلب الكفاءات تحت ظل أصحاب الدخول الثابتة ما يجعل من إرتفاع معدلات التضخم بصورة أكبر من الزيادة في الدخل النقدي أحد العوامل الطاردة للكفاءات العلمية ،فبالرغم من زيادة معدلات الأجور الثابتة والمتغيرة خلال الفترة 1988 وحتى الأن بما يقارب 70% فإن معدلات زيادة المتوسط العام لأسعار المعيشة فى الحضر قد سجلت زيادة تقدر بنحو 352% ،بما يعني إنخفاض الدخل الحقيقي لتلك الكفاءات بما يؤثر سلباً على مستوى معيشتهم مما يدفعم للهجرة. كما يعتبر قلة حجم الانفاق على البحث العلمى فى مصر من أكبر الأسباب الدافعة للهجرة مما ينتج عن ذلك من ضعف الرواتب والأجور بالنسبة للباحثين والكفاءات العلمية بالإضافة إلى ضعف الإمكانيات والتجهيزات التقنية التي تساعدهم على إنجاز أعمالهم وإبتكارتهم ،فمثلا نجد في مصر أن حجم انفاقها على البحث العلمى كان عام 2009 ما نسبته 0.21% من الناتج المحلي الإجمالي ،وتأتي هذه النسبة دون المتوسط العالمي البالغ حوالي %1.7 ، وهي منخفضة أيضًا عن نسب الإنفاق المسجلة في دول مثل فنلاند(%3.8) واليابان ( %3.4 ) وكوريا .(% 3.2 ) والصين ( 1.4%) وإسرائيل (4.27%).
العوامل التعليمية : يمكننا أن نقول أن أبرز العوامل التعليمية المتسببة في الهجرة في مصر تتمثل في عقم النظام التعليمي المصري الذي يعتمد على التلقين والحفظ أكثر من إعتماده على الفهم والنقد على عكس نظام التعليم في الدول الرأسمالية الغربية المتقدمة الذي يقوم بتدريس مادة البحث العلمي منذ السنوات الأولى من الدراسة لتشجيع وتدريب الطلاب على البحث العلمي منذ نعومة أظافرهم ،بالإضافة إلى أن الجامعات المصرية لا تقوم بدورها الأساسي في المشاركة الفعالة في عمليات التنمية عن طريق إنتاجها من البحث العلمي حيث ينصب معظم تركيز الجامعات المصرية على التدريس والتعليم ،على عكس ما هو سائد في الدول الرأسمالية الغربية المتقدمة ،حيث تلعب جامعتها بإنتاجها العلمي والفكري دوراً كبيراً في عمليات التنمية الشاملة .
العوامل المتعلقة بالجذب (العوامل الخارجية) : 1 - الإستقرار السياسي والمناخ الديموقراطي الذي يكفل حرية الفكر والتعبير بالإضافة إلى ارتفاع مستوى المعيشة وقلة معدلات البطالة وتقديرالمجتمعات المتقدمة للعلم والعلماء بما يبث شعوراً ايجابياً لدى الكفاءات العلمية بإمكانية تحقيق ذاتها وطموحاتها العلمية ،وبالتالي يعمل كل ذلك على توفير الأجواء الملائمة لتطوير الكفاءات. 2 - توفر إمكانيات البحث العلمي والأجواء العلمية في المجتمعات الصناعية المتقدمة والعمل على زيادة عدد الباحثين في مختلف العلوم وإتاحة الفرص لأصحاب الخبرات في مجال البحث العلمي و التجارب التي تثبت كفاءاتهم و تطورها من جهة و تفتح أمامهم آفاقاً جديدة أوسع و أكثر عطاءً . 3 - إنخفاض عدد الكفاءات العلمية في الدول المتقدمة بسبب انخفاض نسب الولادة مما يجعلها تبحث عن عقول و كفاءات أجنبية ،و تقدم لها الإغراءات المادية لملء هذا الفراغ . 4 – تتبنى الدول المتقدمة سياسات مخططة ومدروسة بدقة لإجتذاب أصحاب الكفاءات من الدول النامية فعلى سبيل المثال ،أصدر الكونجرس الأمريكي قراراً بزيادة تصريحات الحصول على الإقامة للخريجين الأجانب في مجالات التكنولوجيا المتطورة من 90 ألفاً في السنة إلى 150 ألفاً ثم إلى 210 ألف. 5 – توفر فرص العمل الجيدة من ناحية مناخ العمل و الأجور المرتفعة التي توفر مستوي معيشي وضمانات إجتماعية ممتازة ،بما يشكل إغراء قوي للكفاءات العلمية المصرية .
هنا ينتهي الجزء الأول من دراستنا وسيتم نشر الجزء الثاني لاحقاً والذي يغطى الآثارالإقتصادية لهجرة الكفاءات العلمية المصرية وكيفية التخلص من الآثار السلبية لتلك الظاهرة.
#محمود_سعدى_الوالى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
محمد مرسى بين -الهمس الصينى- و-همس مكتب الإرشاد-
المزيد.....
-
اتهامات أميركية لمجموعة أداني الهندية بالرشوة تفقدها 27 مليا
...
-
تونس.. توقف بطاقات -UnionPay- الصادرة عن بنك -غازبروم- الروس
...
-
مصر.. بيان رسمي حول أزمة سفينة -التغويز- وتأثيرها محليا
-
القنصل الأميركي لدى أربيل: العلاقات الأميركية العراقية توجه
...
-
قفزة مفاجئة في سعر الذهب الان.. تحديث غير متوقع
-
أزمة قطاع العقارات في إسرائيل تنعكس على القطاع المصرفي
-
دوام عمل كامل من 32 ساعة أسبوعيًا.. إنتاجية وحياة شخصية واجت
...
-
أوروبا والصين تقتربان من اتفاق بشأن رسوم واردات السيارات الك
...
-
موديز ترفع التصنيف الائتماني للسعودية بفضل جهود تنويع الاقتص
...
-
ماسك: الولايات المتحدة تتحرك بسرعة نحو الإفلاس
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|