علي باقر خيرالله
الحوار المتمدن-العدد: 4559 - 2014 / 8 / 30 - 09:01
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
((ثورية الجماهير))
أن الصفة الغالبة على الجماهير هي سرعة التصديق والسذاجة وهي قابلة للتحريض لأبسط الاشياء , فأي شيء يلامس شغاف اللاوعي فيها أو المفردات التي ترسخت كصورة سيئة في مخيلتها على مر العصور والأحداث , كما تكون الجماهير سريعة الغضب والهيجان وهي آلة تحويل الأقوال إلى أفعال مباشرة سيئة كانت أم نبيلة وهنا يلعب الدور التاريخي والديني لعبته الأكبر فمثلاً المتدينون جداً سريعو الهيجان لكلمة ألحاد والعسكريين سريعو الغضب من كلمة شغب أو عصيان وهذه الافكار التي تكونت في باطن اللاوعي لدى الفرد لم تتكون خلال فترة قصيرة بل تكونت بمئات السنين إلى أن ترسخت تلك الافكار كأنها الافكار الصحيحة الوحيدة وبهذا فأن أكبر الحتميات لدى الجماهير هي التعصب اياً كان نوعة وصفتة , وللأسف الشديد فأن ثورات الجماهير على الغالب تكون هدامة لكل شيء يتعلق بالمحرض على الثورة وبهذا فهي تهدم الحضارة التي بنيت على جثث اقرانهم وتضيع القيمة الفعلية للثورة اما بعد الثورة في مرحلة انعزال الفرد عن الجمهور يستعيد الفرد وعية ويعود لمعارضة ما فعلتة الثورة التي شارك فيها وطالما بشر ودافع عنها وعن قيمتها .
وبهذا يتكون لدينا أستنتاج أن الشيء الوحيد للعودة الى الوعي هما التجربة والفشل فالجمهور الذي ينادي ويغني ويحتفل بأول سنوات الدكتاتور يكون في حالة لاوعي جماعي فيضحي الجمهور بنفسة لأجل صعود نجم هذا الدكتاتور وبعد التجربة وفشل الديكتاتور في توفير المصلحة الشخصية لافراد الجمهور يهيج الجمهور من جديد ويسقط هذا الدكتاتور مهما طالت مدة خضوعة ولامبالاتة وصبرة , فالجمهور رغم هيجانة المستمر يكون أحياناً صبور أكثر مما يجب فيصبح صبرة ذلة ومهانة يرى من خلالها الامل بالاصلاح , فأذا الجماهير دائما تتندم على مافعلتة في مرحلة اللاوعي وبهذا فهي تحن ثم تعود الى الماضي وبهذا فقد ضيعت على نفسها التقدم والثورة وهذا هو الدليل على أن الجماهير بربرية في طباعها لاتتراجع الا اذا هُزِمَت وذُلَت وقصيرة النظر فهي تفكر في لحظة الحماسة والتحريض فقط ولاتفكر في مابعد الحماس لانها تكون كالمنومة مغناطيسيا يفعل الموجة فيها مايشاء ومتى يشاء وهم يباركون كل شيء يلزمة تحقيق هدف التحريض ونأخذ مثلاً الثورة المصرية فهي ثورة ثم ثورة , والعودة الى ماقبل الثورة الاولى وهي أكثر الامثلة وضوحاً على التجربة والفشل فهي ثورة قامت للمطالبة بالحرية والليبرالية والدهشة أتت عند تنصيب "محمد مرسي" وهو مرشح أكثر الاحزاب الدينية وضوحاً وهم "الاخوان المسلمين" وبعد عام واحد فقط لاأكثر خُلِعَ مرسي مره أخرى بثورة ثانية ثم أُنتخِبَ "المشير عبدالفتاح السيسي" رئيساً للدولة بمجموع أصوات 96% والسيسي هو رجل عسكري كان وزيراً للدفاع ومشهور بصرامتة وقوتة ثم نتعود ونتذكر أن أهم أسباب قيام الثورة الاولى هي عسكرة الدولة! , من هذا المثال نسنتنتج أن الجمهور في حالة اللاوعي يمكنة بكل سهولة التحول من النقيض الى النقيض بفترة قريبة جداً وأنة بعد التجربة والفشل سيعود الى ماكان علية قبل التجربة وهذا الشيء يوثر على تغيير أنواع الحكم بشكل كبير فالنظام الديكتاتوري هو منظومة تفرض نفسها وآرائها على الجمهور وكل التغيرات في ساحة الجمهور تكون المنظومة هذه هي سببها أو هي المؤثر الاكبر على الاحداث أما النظام الديمقراطي مثلاً فهو كما يطلقون علية "حكم الشعب بواسطة الشعب لاجل الشعب" والشعب يمثل الجماهير هنا , وتكون الجماهير هي المتحكم بالاحداث وهذا مجرد أفتراض محض أذ أن الجماهير بعد الدكتاتورية سوف تعمل على جعل الاشخاص المنتخبين من قبلهم دكتاتوريين تلقائياً لانهم لم يفيقوا بعد من الجمهرة الديكتاتورية والطاعة العمياء وبهذا فأن النظام الديمقراطي في المرحلة الانتقالية من الديكتاتورية الى الديمقراطية سوف يصنع 100 ديكتاتور على سبيل المثال وهذا مرتبط مدى وعي الجمهور وتقبلة .
ويطرح السؤا نفسة , لماذا جمهور الثورة لايملك القوة الكافية لتنصيب الحاكم بعد الثورة بنفس الاسلوب ونفس الثورة؟ -ج:في حالة الثورة يجتمع الافراد ببعضهم فيكونون جمهوراً فيشكلون قوة ضاربة لانهم بحالة اللاوعيوالتحريض والانفعال والاندفاع نحو التغيير أما بعد الثورة فهم منفصلون فيبدأ الفرد بالعودة للتفكير بالمصلحة الردية والفئوية بما يخدم مصالحة الذاتية وبهذا يفقد الجمهورقوتة القادرة على تغيير مجرى الاحداث .
((قادة الجماهير))
ان الذي دعانا الى انشاء مصطلح قائد الجمهور ودراستة وتحليلة هي تلك الطاعة العمياء الغريبة لؤلئك القادة من قبل جماهيرهم والقبول والخضوع المطلق لاي قرار من ذلك القائد , ومن هذة الحالة التي وصل اليها الجمهور يتضح لنا أن قادة الجماهير هم علماء نفس بالفطرة يمتلكون بعض المميزات التي تؤهلهم لاقناع الجماهير لكنهم علماء نفس محليون وهذا يتجلى في كل الملوك والاباطرة الذين حاولوا توسيع رقعة سلطتهم ولانهم علماء نفس محليون فقد أنتشو بما حققوة على جمهورهم المحلي وضنوا أن بأمكانهم أقناع جميع الجماهير الباقية أذا ماحاولوا التوسع فلم يفكروا بالفوارق الطبقية والفكرية والدينية في الجماهير الاخرى لذا صدموا ووقعوا في شباك خطأهم.
صفات قادة الجماهير
-1-
أن الصفة الاكثر وضوحاً لدى قادة الجماهير أنهم ليسوا بتلك المكانة العلمية والثقافية المفردة فيهم فقط وحتى المثقفين وذوي العلمية منهم فيوجد من يفوقهم علمية وذكاء بالالاف بل بالملايين لكن قادة الجماهير هم رجال ممارسة أكثر مما هم أكاديميون أو أكتسبوا التأييد لمكانة علمية أو أنجاز ثقافي , معضم القادة هم نابعون من الجمهور نفسة تكونت لديهم خبرة قيادة الجمهور على مر سنين طوال أو متابعة دقيقة وواعية لما يريدة الجمهور وعادةاً الممارسة والخبرة تتفوق على الاكاديمية أو المكانة الرسمية فنصف عضماء التاريخ هم أناس فاشلون في حياتهم الدراسية او الاجتماعية ولكنهم أستطاعوا بالممارسة أن يكون لهم جمهواً يمتد لقرون بعد موتهم وهذه القيادة التي تميز بها رجال الممارسة عن الارستقراطيين او الاكاديميين أو أصحاب الاماكن المرموقة لان الجمهور نظر لة نظرة الابن وأحس ألجمهور أن قائدة منه والية , فمهما كانت المجتمعات راقية فأن الطبقة المتوسطة او البسيطة هم الغالبية العظمى أما طبقة رأس الهرم كما تسمى هي قلة ولهذا فقد كان رجال الممارسة جديرين بأن يمثلوا أراء الجمهور من وجهة نظر الغالبية لأعتقادهم بأنهم رجال أحسوا بالمعاناة مثلهم أو يدركون مايحتاج الية الجمهور لانهم أفراد منهم , ومن الجدير بالذكر أن الارستقراطيين نفسهم أدركوا هذا الشيء لهذا فنحن نلاحظ في العصور الحديثة وعند سطوع نجم الديمقراطية الانتخابية أصبح الارستقراطيون ينزلون الى الجماهير تاركين برجهم العاجي ويحاولون أيهام الجمهور بأنهم أفراد منهم يحسون بمعاناتهم وتطلعاتهم وقد نجحت خدعتهم بعض الشيء .
وعكس كل التوقعات والتحليلات التي تنظر الى قادة الجماهير على أنهم ذو قدرات عالية فنحن نقول أن رجال الممارسة-قادة الجماهير- قدراتهم بسيطة للغاية ولكنهم يعرفون جيداً مايرضي الجماهير ومايجعلها خاضعة لهم فرجال الممارسة بعيدين كل البعد عن التجديد والمنطقية فهم يعتمدون على التأكيد والتكرار لاقناع الجمهور فيكون تأكيدهم دون دليل والتكراد دون حاجة هذا كما نحن نحللة ونراة بمنظور علمي , اما الجمهور الذي يكون بحالة اللاوعي فهو بحاجة الى التأكيد لكي يصدق نفسة ويتأكد انة على حق والجمهور هنا غير قادر على التحليل بمنطقية اما التكرار فهو يستخدم من قبل القادة لشيئين الاول ليظهروا لجمهورهم بأنهم ثابتون على آرائهم ومواقفهم لاتتغير والثاني فهم كم يقول "للذين لم يسمعوا ماقلت المرة السابقة سأسمعهم اليوم رأيي من جديد".
والقادة يملكون قدرة تميزهم عن غيرهم وهي القدرة على تبرير الفشل بطرق واساليب غريبة وعجيبة وان اصل هذة القدرة ليس القدرة بنفسها وحد معناها وانما التخطيط قبل الفشل فمعظم رجال الممارسة-القادة ان لم اقل جميعهم يضعون خطة قبل الاقدام على شيء والغريب انهم لايضعون تخطيط لما بعد النجاح بل يضعون تخطيط لما بعد الفشل فقط فتكون تبريراتهم بعد الفشل هي ثمرة تخطيط طويل وليس كما نرى بأنها وليدة اللحظة , وهم بذلك كباقي البشر يسعون لتبرير أخطائهم ولكنهم بخلاف البشر يخططون للفشل قبل وقوعة .
مما سبق من صفات للقادة نرى بأنهم رغم التأكيد والتكرار خطباء ماهرين جداً بنظر جمهورهم واقصد هنا بالخطباء الماهرين ليس كما يعرف المصطلح بان الخطيب رجل فصيح اللسان ذو لغة غنية بالتعبيرات والتشبيهات بل اقصد انهم خطباء ماهرين يقولون ماينتظر الجمهور ان يسمعة ويعفون تمام المعرفة كيف يعزفون على الاوتار الحساسة لدى الجمهور.
-2-
يتميز قادة الجماهير بالهيئة والهيبة والارادة القوية , فهيأتهم دائماً تدل على مكانتهم المرموقة والمميزة ومن الطريف أن أوضح الامثلة هو مثل عراقي "أبن الوزير يتباهى بقاطة وأبني يتباهى برباطة" فهذا المثل يوضح مدى التباين بين الجمهور وقادتة من حيث الهيئة مع أن التطور الذي حصل في التكنلوجيا قد أزال الكثير من الفوارق في الهيئة العامة للناس فقد أصبح الجميع تقريباً يمتلكون نفس الهيئة الخارجية أعلى رجل في القيادة او السلطة ألا أن هذا التطور كما ألغى جانب من الفوارق في الهيئة العامة للقادة فقد ميز وطور نواحي أخرى ومن أمثلتها بما يعرف اليوم بـ"مواكب المسؤلين" أو مايسمى "رتل" ورغم وجود هذا التميز في الماضي أيضاً الا أنها لم تصل لهذا التميز الذي نشهدة الان , أما الهيبة فلا دخل لقائد الجمهور بها ألا قليلاً وتكون مرتبطة بالجمهور وآرائه والجمهور بطبيعتة يعظم صغائر الامور لجعلها عظيمة أو "يجعل من الكبة قبة" كما قال الوردي , فيكفي مثلاً لقائد الجمهور أن يشدد العقاب على ((شخص واحد)) معارض لة لترى الجمهور أختلق المئات من الاحاديث عن مافعلة بهذا المعارض ويظهرون مدى قوة وقساوة القائد وفعل كذا وسوف يفعل كذا ان فعل أحد مثلة , ومايميز الهيبة أنها ربما تستمر حتى بعد موت القائد نفسة ومن دلائلها وأوضحها هيبة المتنبي لدى أجيال الشعراء منذ مات وحتى اليوم وسوف تستمر مدة غير قصيرة مستقبلاً , فحتى الان لم يقل شاعر واحد أني أكثر شاعرية من المتنبي ليس لانة أقل شاعرية منة بل لأن ردة فعل الجمهور تجاهه سوف تكون قاسية جداً بسبب الهيبة التي يملكها المتنبي لدى الجمهور ! .
#علي_باقر_خيرالله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟