عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4558 - 2014 / 8 / 29 - 22:53
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
قلوب وعقول
يقول الله تعالى{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ }البقرة:189،يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ)البقرة:217،{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ}البقرة 219،والآيات كثيرة كلها تبني علاقة بينية مرادها توضح إجابات الرسول من خلال الرسالة على أسئلة الإنسان فهو ملزم بأن يجيب من خلال الرسالة ومن روحها وما أوحي له دون تدخل أو زيادة.
كانت الناس تسأل والرسل تجيب وفق ما أوحى الله أو علمهم ما لم نعلم لأنهم يمارسون التبليغ, والتبليغ هو إيصال معلومة على الوجه الصحيح, لم يكن الرسل أصحاب اجتهاد ولم يأمرهم الله بأن يجتهدوا في مورد الرسالة, نعم قد أباح لهم أن يعيشوا إنسانيتهم في حدود كونهم بشرا مثلنا, أما في مورد الرسالة فلا أذن بالاجتهاد, لذا جاءت الرسالات من آدم حتى النذير البشير بخط واحد ومنهج واحد دون تفرعات في الأصول وتجزيئات في الفروع أنها رسالة بيضاء من غير سوء.
في عصر الرسالة كان الناس لا زالوا في جاهلية ولم تصل الرسالة كامله لهم بالوجه الذي يريد الله ولم يكن الكادر القادر على نقلها بالكم والكيف المناسب لذا كانت العودة دوما للرسول صل الله عليه واله وسلم وللخلص والمقربين من الأتباع, ومن لم يستطيع الإجابة يشد الرحال للمدينة ليسأل قبل أن يجيب خوفا من أن يقع السائل في خطأ في التـأويل أو التعبير أو التفسير في الحكم, لذا كانت الفتيا محصورة في إيراد الدليل من القرآن الكريم ببساطة, لم يقل أحد هذا الرأي مني والله أعلم.
عند توسع حدود الدولة والمجتمع الإسلامي لم تتغير القواعد بالرغم من افتراق الأمة عن رسولها ولكن منهج التبليغ بقي واحدا فكان الأتباع أنفسهم يدورون على بعض لطلب الدليل حتى تترسخ اليقينية في عقولهم فيعطوا الجواب الذي لا مفر من ان يكون موافقا للرسالة ولروحها, ولو كلفهم ذلك الحبو على الثلج أو تقطع الأسباب, كان الله يعيش في قلوبهم, حتى أطلت الأنا المتضخمة برأسها في نفوس البعض ممن لم يكن الدين همهم ولا الرسالة مقصدهم كانوا للحياة وترفها ونعيمها يسلمون.
لقد تحولت الفتيا من عمل مقصود لوجه الله تعالى إلى مهنة وعند البعض إلى تجارة تفرغوا لها وأنشأوا لها المؤسسات المتخصصة ليس حبا بالتفقه ولكن لأهداف عده منها تكوين قاعدة فكرية وحزبية قادرة على مواجهة الخصوم ومهيأ ومعبأ نفسيا بالأدوات الفكرية والمنهج المنظم, ومن أجل تمتين أسباب التحزب وتقويه الشعور بالخروج عن الأخر من خلال تأطير الفكر الحزبي وتمييزه عن أطار الرسالة وإن سلبها عنوة من مضمونها الصحيح, وأخيرا كان الطرف الأخر أن يعد العدة نفسها ويستخدم السلاح ذاته للحافظ على وجوده وبين هذا وذاك ضاعت الرسالة بين المتفقهين الجدد{يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً}المائدة41.
القواعد العقلية البسيطة تقول أن الأخذ من الواحد الصافي الغير مختلط يكون صافيا واحدا مثله, فمن يشرب من عين النبع يشربه دوما كما هو وليس كما يشرب من هو في المصب حيث تنتهي المياه في جريانها محملة بكل ما تلاقي في طريقها, الأخذ عن الله ورسوله لا بد أن يكون دوما واحدا بالنتيجة, ولا يمكن ان نتصور تغير في النهايات التي تصل لها المأخذ مهما تعددت وتنوعت وتقادمت, فأمر الله واحد وشأنه واحد وحكمه واحد وحلاله وحرامه واحد, فكيف نتصور تعدد الاجتهادات.
القاعدة الفقهية التي يعتمدها المسلمون دوما (لا اجتهاد في مورد النص) متفق عليها ولكن ماذا بعد النص ما بعد روح النص, لقد خرق الكثيرون حتى هذه القاعدة الناقصة التي يجب ان تكون لا اجتهاد في أمر الله ورسوله, نحن لا ندعو لتعطيل العقل البشري في التعامل مع مستجدات الحياة ولا حتى مع الفهم للرسالة وكيفية تطويعها ونقلها للإنسان لتصل إلى هدفها والغائية منها, ولكن يجب ان يكون التعقل الاجتهادي محسوب على قاعدة الوصول الأفضل والأسلم لمقاصد الرسالة دون أن نسقط الهوى والميل ومستحقات الأنا على أمر الله وحكمه.
لقد تحزب الناس بناءا على اجتهادات فرقت الواحد وشظت وحدة الرسالة ولم تتفق في مراد الله وهو الواحد, فأصبحت الأمه أمام فرقتين, السنة والجماعة, وما عداهم من بقية الأمة بناءا على تأويلات فاسدة واجتهادات أرادت الانجرار إلى شخصنة الدين, لم يقف التفقه والاجتهاد والفتوى في وجه التفرق والتمزق بل كان رائدا لها وأداة قذرة بيد الأحزاب, وحتى هاتين الفرقتين تشظت إلى فرق والفرق إلى فريقات والفريقات إلى فروقات حتى وصل الأمر إلى التدخل في جزئيات الجزئيات الدقيقة التي لم تكن في يوم من الأيام من موارد الفقه ومهامه.
في القول المنسوب للنبي صل الله عليه وأله وسلم( ستفترق امتي على ثلاث وسبعون فرقة كلها هالكة إلا ما انا عليه) تأكيد على أن الأختلاف في عرض الرسالة مرده تزاحمات الأنا وليس نتيجة عقلية لتناقضات بين الرسالة والوجود ولا هي جهد عقلي إنساني طبيعي, فالعقل الطبيعي يفترض التسليم بما هو خير مطلق و الخير المطلق هو ما قاله الرسول (ص) (ما عليه أنا ),فهل استدلت الأمه على ما هو عليه, بل أمعنت في الأختلاف واوغلت بعنف في مدار الطائفية والتحزب وصارت هذه الأمة التي أخرجها الله للناس كخير الأمم أكثرها بؤسا وشقاء وظلما وجاهلية, لقد قتل أهل الفتيا والفقه المأجور الرسالة وأباحوا للظلم والطغيان والجبروت الأنوي أن يسيطر على الساحة الإسلامية لمجرد انه صار موظفا ومنتسبا لمدرسة الحزب الفلاني ومنهج الطائفة الفلانية, لا يهمه إن ظلت الأمة بفتواه أو سفكت دماء المسلمين من وراء كلمة ساقها وقبض ثمنها إنها العقول الفاسدة.
لم يخاطب الله الناس من وراء جدار بل ظهر لهم جليا في عقولهم وفي القلوب التي في الصدور فقال{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ }الشرح1,هذا الشرح هو المحل الطبيعي لتواجد نور الله وضياءه الذي يستنير به الإنسان فلولا هذا النور والضياء لعاش في ظلام الجهل والجهالة الأبدية فسرى النور من القلوب للعقول ليجعلها الله المحل الرئيسي بينه وبين عالم الوجود المادي وحاجاته لذا كان العتاب دوما لأهل العقول{وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}العنكبوت35, فمن يملك العقل المستنار بما انشرحت به القلوب هم وحدهم الذين يمكنهم نقل الرسالة وتأويل الأحكام وهؤلاء مخصوصون ومتخصص لهم المجال{هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ }آل عمران7.
لقد جزم الله في القول القاطع أن هذا التخصيص والتخصص في استدراك معاني المنزل في كتاب الله لا يدركه إلا أولي الألباب وليس خريجوا الأزهر ولا طلبة الحوزات ولا مريدي الطريقة ,فقط هم أولي الألباب وحدهم الذين يدركون ويذكرون ما يريد الله فهل كل من تصدى في التأريخ لأمر الفتيا والفقه هم من أولي الألباب أو من يفتي في الصباح فتيا وفي المساء أخرى لا تشبه أختها ويقول هذا ما وفقني الله له, كيف يكذب على الله بادعاء التوفيق وأين دليله على هذا وهو يصول ويجول من غير قلب منشرح ولا عقل أضاء بنور الله ونفسى قد خشيت سخط الله وغضبه ويقول وفقني الله لهذا, أنها الشيطنة والكذب ليس إلا.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟