|
هل العلمانية دواء للصراع الطائفي؟
ضيا اسكندر
الحوار المتمدن-العدد: 4558 - 2014 / 8 / 29 - 02:18
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بدايةً، لا بدّ لي من الاعتراف بأنّ الذي حرّضني على كتابة هذا المقال حدثان هامّان؛ أوّلهما الانتشار الكاسح لـ "داعش" في ربوع العراق وسورية بشكلٍ متسارع والمجازر الرهيبة التي تقترفها. وثانيهما، ما ورد في الوثيقة التأسيسية التي صدرت عن جبهة التغيير والتحرير وما تضمّنته من تبنّي لمبدأ العلمانية. ولو أنه جاء عرضياً وفي السياق العام، إلا أنه يعدّ انعطافاً هاماً ينبغي تكريسه والدفاع عنه بجرأة وشجاعة. علماً أن أغلب القوى السياسية في سورية وأخصّ بالذكر منها الماركسية قد تجاهلته طويلاً. وإن كانت طرحته بعض الأحزاب الشيوعية في برامجها مؤخراً، فعلى استحياء ومداورة. ما هي العلمانية؟ بغض النظر عن اشتقاق كلمة (العلمانية) وجذورها ومنابتها، فإنه يمكن القول بأنها تضمن المساواة التامة في الحقوق والواجبات لكافة المواطنين، بغض النظر عن الجنس واللون والعرق والدين والانتماء السياسي والعشائري والقبلي.. وهي تضمن أيضاً فصل الدين عن الدولة وعن السياسة وعن العلم. ولا شك أن العلمانية مفهوم غربي كان لعصر النهضة والثورة الفرنسية التي أعقبت محاكم التفتيش، وصكوك الغفران وفساد الكنيسة وعقود من الحروب الدينية في غير مكان، كان لها دوراً أساسياً في دفع الغرب إلى التفكير في سبل الخروج من هذا المأزق التاريخي، وتوصّلوا إلى ضرورة فصل الدين عن الدولة، والبحث عن مفهوم السلطة التي يستمدّها الحكام من الشعب مباشرةً، فظهر مفهوم الديمقراطية والذي ترسّخ كممارسة سياسية حديثة منذ القرن التاسع عشر. قد يقول قائل بأن العلمانية مطلب للأقليات؛ والحقيقة أنه لا يمكن إنكار من أن العلمانية يمكن أن تمثّل في أحد وجوهها مطلباً للأقليات. ولكن العلمانية في حقيقتها فلسفة وآلية لتسوية العلاقات بين الطوائف المختلفة في الدين الواحد أيضاً. والعلمانية هي شرط لازم للديمقراطية، ومن العبث القول بنظام ديمقراطي لا علماني في دولة متعددة القوميات والأديان والطوائف. وعلمانية الدولة شرط لتحقيق المواطنة التي هي بدورها من أهم أركان الديمقراطية. هل الطائفية نتاج الاستعمار كما يحلو لدعاة "المؤامرة الخارجية" أن يصدّعوا رؤوسنا بها كلما ألمّ بالعرب مصيبة؟ أم أن الطائفية الكامنة في نفوسنا هي التي تشجّع الأجنبي لاستغلال أمراضنا والانقضاض علينا؟ إن التاريخ العربي الحافل بالحكايا عن غزوات الروم والفرنج والتتار يجيب على هذا السؤال. وهو مليء بالشواهد التي يستقوي أحد أطراف النزاع بالخارج للإجهاز على خصمه. ومن الطبيعي أن يستثمر الاستعمار عوراتنا ومشاكلنا وصراعاتنا التي امتدت عبر التاريخ. فالنزاع الإسلامي – الإسلامي، والعنف الطائفي، كان دائماً جزءاً من تاريخنا وليس اختراعاً من قوى أجنبية. لأن أصل النزاع الطائفي كان وسيبقى سياسياً طبقياً بامتياز ولكن قد يظهر بلبوسٍ ديني. لذلك يمكننا القول بأن العلمانية تعدّ بداية جيدة للتعايش السلمي بين مكوّنات المجتمع، وهي تليق بنا. لكنها ليست الحل السحري بمفرده للخلاص من التناحر المجتمعي، بل لا بدّ من أن يرافقه نهج اقتصادي سياسي جاذب للناس، يبعدهم عن الخيار السياسي الديني كملاذ أو خيار يواجه أوضاعاً مأساوية.. نهج يؤدي إلى نهوض وطني شامل يقضي من خلاله على الفقر والبطالة والجهل والتهميش، مع استهداف دائم لتحقيق أعلى معدلات للنمو مع أعمق عدالة اجتماعية. هل يكفي المناداة بالعلمانية من قبل بعض النخب ليتمّ تبنّيها اجتماعياً؟ بالتأكيد الجواب بالنفي، فهي تحتاج إلى إشاعة ثقافتها في أوساط المجتمع بدءاً من المدرسة وانتهاءً بالدستور، مع استخدام كافة أساليب التواصل والإقناع من تلفزة وإذاعة وصحافة وندوات.. لنشر ثقافة العلمانية، حتى تتمكن من النفوس وتصبح مطلباً جماهيرياً لا يمكن إلا الاستجابة له. لو استعرضنا أغلب الحروب، والأهلية منها على وجه الخصوص في دول العالم الثالث، لوجدنا أن الغرب كان حريصاً على تقديم وصفات "المحاصصة الطائفية" للدول المأزومة كحلول (لبنان، العراق..) ويسعى عامداً إلى تغييب مفهوم علمنة الدولة والمجتمع؟ تُرى، هل حصل ذلك عفو الخاطر، أم أنه يدرك عن خبث ومكر من خلال تجربته بأن العلمانية ستقود لا محالة إلى التقدم والتطور، وهذا ما لا يريده الغرب بالتأكيد. ويدرك أيضاً أن اللجوء إلى التحاصص الطائفي سيؤدي بالضرورة بهذه الدول إلى المزيد من التشرذم والتردّي والتنابذ والنكوص لإعادة إنتاج الحروب مجدداً؟ من هنا نجد إن من مصلحة الغرب الرأسمالي هي في بقاء شعوب المنطقة تتخبط بالنزاعات والعداوات والحروب الطائفية منها وغير الطائفية، ليبقى مستفرداً بقيادة العالم ويضمن استمرار نهبه لهذه الشعوب. أعتقد أنه وبعد هذه الأزمة الطاحنة، أصبح من غير المقبول أن نتحدث بهمس ومواربة عن قناعاتنا الفكرية، وعن أسباب تخلفنا وكيفية الخروج من واقعنا المزري إلى فضاء الحضارة الإنسانية، لنساهم مع غيرنا من القوى الخيّرة في ازدهار وإسعاد البشرية.
#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يحدثُ في سورية
-
في الباص
-
عذراً.. لن أترشّح!
-
فوق الموتة.. عصّة قبر!
-
وصيّة
-
الصورة
-
المرآة
-
السردين
-
العاشق
-
دقائق بلا حياء.. ولا خوف
-
القطط الضامرة
-
مشوار
-
روسيا تزداد تعملقاً
-
أوباما.. يا بالع الموس عالحدّين!
-
عالمكشوووف
-
S.M.S إلى الرفيق قدري جميل
-
خريف العمر
-
من تحت الدلف إلى تحت المزراب
-
البصلات المحروقة
-
غاز.. غاز!
المزيد.....
-
هكذا أعادت المقاومة الإسلامية الوحش الصهيوني الى حظيرته
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة-إيفن مناحم-بصلية
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تعلن استهداف مستوطنة كتسرين بصلية
...
-
المواجهات الطائفية تتجدد في شمال غربي باكستان بعد انهيار اله
...
-
الإمارات تشكر دولة ساعدتها على توقيف -قتلة الحاخام اليهودي-
...
-
أحمد التوفيق: وزير الأوقاف المغربي يثير الجدل بتصريح حول الإ
...
-
-حباد- حركة يهودية نشأت بروسيا البيضاء وتحولت إلى حركة عالمي
...
-
شاهد.. جنود إسرائيليون يسخرون من تقاليد مسيحية داخل كنيسة بل
...
-
-المغرب بلد علماني-.. تصريح لوزير الشؤون الإسلامية يثير جدلا
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف حيفا ومحيطها برشقة صاروخي
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|