احمد عبدول
الحوار المتمدن-العدد: 4557 - 2014 / 8 / 28 - 22:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يظن اغلب العراقيين ان مشاكلهم السياسية والاجتماعية انما تتوقف على هذه الشخصية السياسية او تلك ممن يتصدى لمنصب رئيس الوزراء ,وتلك لعمري نظرة ضيقة لا تدل على افق واسع او دراية بطبيعة الشخصية العراقية وتاريخ تلك الشخصية على المستويين السياسي والاجتماعي .ان الذي يقلب صفحات تاريخ العراق منذ عهد التاسيس 1921 على اقل تقدير يجد ان عهد التاسيس الاول كان قد شهد تشكيل عشرات الوزارات التي تصدت فيها شخصيات من شتى المشارب والثقافات والقوميات ,لكن الامر كان في النهاية يحسم للفوضى العارمة او الثورة او الانقلاب المسلح . لقد بقي الكثير من العراقيين متمسكين بامل اسقاط الحكم الملكي آنذاك ,حتى اذا ما سقط الحكم الملكي واستلم الزعيم مهامه الرسمية ترشحت الى السطح مشاكل جمة اعادت الجميع الى مربع التخوين والتهوين والطعن والسباب ,حتى وصل الامر بالزعيم الى ان يزج اقرب انصاره ومريديه داخل اقبية السجون المظلمة .
ان مشكلة العراقيين لا يمكن اختزالها بترشح هذا الوزير او ذاك المسؤول كما هو موجود في سائر بلدان العالم ,وذلك لان العراق بموقعه الجغرافي المتميز وثرواته الهائلة على ما هو عليه من ضعف وتفكك في بنيته السياسية والاجتماعية , والتي جعلت منه منطقة جذب للتدخلات الاقليمية والدولية على امتداد تاريخه الطويل , اضافة الى طبيعة الشخصية العراقية والتي يتم توصيفها من قبل الكثير من المختصين بعلم الاجتماع على انها شخصية صراعية متقلبة المزاج .ولا شك ان هكذا نمط من الشخصيات يصبح من الصعوبة بمكان ان ينقاد او يستقيم لرمز وطني او قائد سياسي ,وتاريخ العراقيين حافل بمماحكاتهم ومشاكساتهم وثوراتهم وتقلباتهم بوجه الحكام برهم وفاجرهم .
ماتزال نظرة الكثير من العراقيين لهذه الشخصية او تلك ,نظرة عاطفية متسرعة لا تقوم على اسس موضوعية وواقعية رصينة ,حيث يتبع الكثير منهم مبدأ (حب وحجي واكره وحجي )ذلك المبدأ الذي جعل العراقيين من اكثر الناس خلافا واختلافا حول من يتصدى لمسؤولية الحكم والقيادة ,فالحاكم في نظر الكثير منا اما ان يكون من اصحاب اليمين او ان يكون من اصحاب الشمال اذا صح التعبير , الكثير منا لا يحتمل فهم ان الحاكم انسان يجوز عليه ما يجوز على غيره من خلل وخطأ وسهو وقصور ..لقد حفلت السنوات الاربع الاخيرة عموما والاشهر التي تلت الانتخابات للعام 2014 ,تجاذبات حادة وتشضيات واضحة بين مختلف الشرائح الاجتماعية حول شخصية مثل شخصية رئيس الوزراء السيد نوري المالكي . ان الشخصية السياسية التي تنقسم من حولها الجماهير ذلك الانقسام الحاد كالذي شهدنا مع شخصية السيد نوري المالكي يدل على انه كان شخصية ذات ابعاد مؤثرة شجعت بشكل واخر على ان يسميه انصاره ومحبيهه بمختار العصر ,وان ينعته اعداؤه ومبغضيهه بالهالكي .
لا احد شك او يقلل مما قدمه المالكي ,لاسيما في دورته الرئاسية الاولى حينما استلم مهامه في العام 2006 في ظل تواجد اكثر من 150 الف جندي اميركي مع تدهور خطيرعلى الصعيد الامني ,حيث الهجمات الارهابية الشرسة المتزامنة مع اختراق سياسي داخلي , الا ان المالكي وعلى الرغم من سوداوية المشهد السياسي العراقي استطاع ان ينهض بالكثير من المهام والملفات الوطنية الملحة ,فقد كان له الدور الكبير في جولات التراخيص لشركات النفط العالمية واستثمار حقول الغاز وزيادة معدلات تصدير النفط العراقي اضافة الى رفع مستوى رواتب موظفي الدولة ناهيك عن تصديه للمليشيات الشيعية في الجنوب , بما يسمى بصولة الفرسان ,واصراره على توقيع اعدام المجرم صدام بعدما كانت هنلك ضغوط دولية واقليمية على تخفيف الحكم و لاكتفاء بالسجن المؤ بد.
الا ان مثل هذا الامر لا يعني ان السيد المالكي لم يكن بدون اخطاء تذكر , فذلك امر لا مناص منه كما بينا ,ولعل ابرز اخطاء المالكي هو عدم حفاظه على ما يسمى بشعرة معاوية مع مختلف الفرقاء السياسين لا سيما خلال الاربع سنوات الاخيرة من رئاسته على الرغم من ان هؤلاء الفرقاء لم يكونوا بالشركاء الحقيقين بقدر ماكانوا طلاب مغانم ومكاسب سياسية وحزبية وفئوية ,كذلك فمن اخطائه الجسيمة اصراره على الترشح لولاية ثالثة على الرغم من اعترافه بان الجميع يعيقه عن الحركة ويثنيه عن احراز ادنى مستويات الاصلاح السياسي والعمراني والاجتماعي ,اما اكبر اخطاء المالكي واعظمها فهي مطالبته بتشكيل حكومة الاغلبية السياسية في بلد ما يزال يحبو في طريق الديمقراطية التوافقية التي تتطلب المزيد من الوقت والجهد والثقة المتبادلة للحيلولة دون انفراط عقد التجربة السياسية الناشئة في البلاد .
صحيح ان التوافقية في صيغتها العراقية تتخللها الكثير من العيوب والمساؤى لكن هذا الامر لا يجعلنا نتصل منها بهذه السهولة لكي ينطبق علينا من يستجير بالرمضاء من النار .
ان ما جرى مع السيد المالكي غداة فوزه باعلى الاصوات حيث صوتت له الجماهير باكثر من 700021 الف صوت بينما حازت قائمته (دولة القانون ) على اربعة ملائيين صوت وكان هو مرشحها الاوحد ,الا ان وضع المالكي الحرج وسط كتل وتيارات واحزاب من داخل التحالف الشيعي ومن خارجه والتي وقفت بالضد من حظوظه في الحصول على ولاية ثالثة اضافة الى عدم التائييد الاميركي ناهيك عن دفع المرجعية الدينية باتجاه عملية التغيير, كل تلك العوامل اجتمعت لضرورة تنحي المالكي وانسحابه لمصلحة اخر من حزبه وكتلته (الدعوة ).
لقد وصف الكاتب العراقي عبدالخالق حسين عملية الالتفاف على احقية المالكي بدورة ثالثة بالحيلة الشرعية التي حاكت خيوطها مكونات التحالف الشيعي بضغط خارجي وداخلي وبالتنسيق مع سائر القوى , ولا شك ان الكاتب يقصد ما يقوله فالماكي قد تم الالتفاف عليه عن طريق حيلة لكنها شرعية كما يوصفها الكاتب ويقصد بالحيلة الشرعية التي تكون للضرورة القصوى , اما كاتب تلك السطور فانه يوصف عملية تنحي المالكي بانها انقلاب سياسي لا بد منه , نعم انه انقلاب لكنه انقلاب له ما يبرره سياسيا وامنيا واجتماعيا . لم يكن بمقدور المالكي ان يواصل العمل السياسي بمعزل عن سائر الكتل والاحزاب وهذه بديهية من البديهيات , الا انه اصر اصرارا غريبا على التمسك بكرسي الوزارة وكان الاجدر به ان يحسبها بشكل صحيح منذ البدء , الا ان المالكي سيبقى حالة عالقة بذاكرة الجماهير ,لما لعبه من دور محوري وهو يشغل منصب رئيس الوزراء لثمان سنوات خلت .
ان رجل بمواصفات الماكي والذي وصفه (جيمس جيفري )نائب مستشار الامن القومي الاميركي ومن ثم سفير اوباما في بغداد بقوله (ان المالكي عنيد ومقاتل ) اضافة الى ما يتمتع به من تواضع ونزاهة وحرص وكراهية للتبعية لاي دولة كانت ,جعل منه شخصية ذات كارزما تذكرنا بالكارزما التي حصل عليها الزعيم الراحل (قاسم ) ابان خمسينيات القرن المنصرم .
لم يكن المالكي قويا بحزبه لكنه كان قويا بجديته وحديته في التصدي لجملة من المهام والمسؤوليات التي صادفته خلال مدة ثمان سنوات ,اضافة الى مصدر قوته والذي تمثل بقواعده الجماهيرية التي دفعت به الى الحصول على ولاية ثالثة لولا ظروف وعوامل وضغوط حالت دون ذلك .لم ولن يكون حصول العراقيين على شخصية على غرار المالكي بالامر الهين والبسيط على مستوى المستقبل القريب والمتوسط,فقد كان يمتلك مقومات رجل المرحلة الحرجة والذي لو ساندته سائر القوى والاحزاب لكان قد حملهم على بناء حكومة عراقية وطنية متماسكة تنطوي على جانب من التفرد والمركزية في اصدار القرارات .
#احمد_عبدول (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟