8-12-2002
بعد يوم واحد من اعتذار الرئيس العراقي صدام حسين للشعب الكويتي على احتلاله لتلك البلاد وما حصل للشعب الكويتي من ويلات ودمار وعذاب, وبعد أن أتمت أمريكا تقريبا حشد وتجهيز جيوشها وأتباعها من الحلفاء الجدد وبعض القدامى منهم للانقضاض على العراق كانقضاض الوحش على فريسته, تخرج علينا دوائر الاستخبارات الغربية بتقارير فهلوية تخلط الحابل بالنابل, لكن هذا الخلط لم يأت من فراغ ولا من الصفر, فمشروع الحرب على العراق بقي بلا تغيير حتى بعدما اتخذت الأمم المتحدة قرارها الشهير 1441 ووافقت عليه القيادة العراقية و التزمت به, لكي ترد العدوان عن شعبها كما صرحت بعض القيادات الرسمية الحاكمة في العراق ولكي تحافظ على نفسها أيضا في ظل هجمة شرسة تتعرض لها. إلا أن أمريكا لازالت مصرة على نيتها احتلال البلد بالقوة وتغيير النظام أيضا بالقوة ولم تتوانى في قصف الأهداف العسكرية والأخرى المدنية في شمال وجنوب العراق, فقتلت وجرحت العشرات من المدنيين العراقيين دونما إدانة من قبل المعارضة العراقية التي لم تنبس بكلمة واحدة عن الاعتداءات الأمريكية والجرائم التي تحصل يوميا ضد شعب العراق الصابر في البصرة والموصل وباقي المدن والمواقع الأخرى. كان الأحرى بهم والأجدى لهم أن يقولوا ويعلنوا رأيهم بتلك الجرائم الأمريكية وبالتواجد الصهيوني في مناطق عراقية محددة وبمساعدة بعض الفئات المعارضة. ليس الأهم في كل ما يشهده العراق اليوم خطاب رئيسه, بل الأهم ما ينتظر الشعب العراقي من ويلات في حال نفذت أمريكا تهديداتها وبدأت الحرب على البلاد,من يضمن حياة المدنيين ومن يضمن تحييدهم وعدم تعرضهم للقصف الهمجي الذي عودتنا عليه أمريكا في كل حروبها, ثم إذا كان العراق فعلا يمتلك أسلحة نووية أو بيولوجية أو كيميائية , فمن سيضمن عدم تعرض تلك المخزونات للقصف الأمريكي الذي قد يتسبب في مآسي ومصائب من النوع الثقيل إذا أصيبت تلك المخازن من الأسلحة. والمتضرر الأول والوحيد من تلك الويلات سيكون المواطن العراقي الذي أصبح مثل كبش الفداء لكافة الأطراف المتصارعة, ثم جيران العراق من العرب والمسلمين. إن في حرب أمريكا ما هو أكبر من طموحات المعارضة المحلية الموالية لها أو الملتقية معها في هذه المرحلة, لأن الهدف الأمريكي أكبر من العراق وأكبر من الكويت, أنه الاستعمار العائد بثوب جديد وبحلة جديدة, ما عدا ذلك هراء ونفاق. لذا على الذين يعولون على حريتهم من النظام بسلاح وحرب أمريكا أن يفكروا بالمستقبل وبمصير شعبهم وبلادهم بعد الحرب هذا أن تبقى لهم ما يقولونه بعد نهاية الحرب.
أن خطاب الرئيس العراقي لم يأت بما هو جديد فعلا غير الاعتذار الخجول, كان خطابا اعتذاريا مع بعض العبارات التي يمكن اعتبارها تهديد ووعيد لمن تعتبرهم القيادة العراقية أعداء أو عملاء يتآمرون ضد العراق ومن ضمنهم الحكومة الكويتية والذين استقبلتهم ونسقت معهم وكذلك مؤتمر لندن القادم للمعارضة العراقية. باستثناء ذلك كان الخطاب تكرارا للغة عراقية رسمية معروفة وخلا مما هو تاريخي أو ما يجعلنا نقول بأنه خطاب تاريخي أو مصيري. لذا يجب عدم تضخيمه و إعطائه أكثر من حجمه.
لقد استغلت الاستخبارات الغربية وصول الأمور في الخليج والعراق إلى مرحلة حاسمة قد تكون شرارة الحرب فيها على وشك الاشتعال في كل ساعة قادمة, لتطلع علينا بتقارير عن الإرهاب الشيعي السني المشترك ورأس حربته المتمثل بتنظيمي القاعدة وحزب الله, من أجل أن توفر لأمريكا وإسرائيل الأعذار لجعل إيران ولبنان وسوريا أيضا أهدافا قادمة وممكنة للحرب التي ستبدأ من العراق ولن تنتهي هناك. وتترافق هذه التقارير الاستخبارية مع تهديدات أطلقها ضابط صهيوني يقول فيها إن لدى بلاده 400 رأس نووي سوف تكون كافية للرد على الإرهابيين وتدمير مكة والمدينة وقم.. وكان سبقه شارون لذلك قبل أيام فحذر من أن لبنان وقطاع غزة اصبحا مركزا لتنظيم القاعدة, وهذا ما نفاه لبنان الرسمي على لسان رؤسائه, وهذا أيضا ما فندته السلطة الفلسطينية باعتقالها شبكة تعمل لصالح إسرائيل مهمتها الإدعاء أنها من تنظيم القاعدة في فلسطين.
ويترافق هذا التصعيد الصهيوني مع آخر مستجدات الحرب على العرب والمسلمين والتي تسميها أمريكا الحرب على الإرهاب والإرهابيين, ففي خبر جديد نبأتنا إحدى صحف بريطانيا العظمى نقلا عن المخابرات الغربية ببدء تحالف إرهابي سني شيعي يجمع بين حزب الله في لبنان وتنظيم القاعدة بقيادة الشيخ أسامة بن لادن. وأبدت الصحيفة رأيها بالتحالف المذكور فاعتبرته قد بدء يتضح ويتجلى بعد عملية مومباسا الأخيرة في كينيا حيث تم الهجوم على بعض الإسرائيليين في فندق يملكه إسرائيلي على شاطئ المدينة السياحية الأهم في كينيا. و معلوم أن العملية المذكورة ترافقت مع محاولة إسقاط طائرة ركاب إسرائيلية كانت في طريقها من كينيا إلى تل أبيب. لكن الصاروخان اللذان أطلقا على الطائرة لم يصيبا الهدف. وتبين فيما بعد أنهما صاروخا سام 7 من النوع الذي يحمل على الكتف ويتم إطلاقه على الطائرات من أي مكان نتيجة سهولة حمله و سرعة التحرك به ومن ثم إخفائه إذا تطلبت الظروف ذلك.
وقالت الصحيفة المذكورة نقلا عن مصادر الاستخبارات الغربية المزعومة بأن نفس أنواع هذه الصواريخ يستعملها حزب الله في جنوب لبنان, وأن نفس الأسلوب الذي استخدم في الهجوم على فندق براديس في مومباسا الكينية كان استخدم من قبل الحزب في الهجوم على مقر المارينز الأمريكي في بيروت سنة 1983حيث قتل في الهجوم المذكور 255 جنديا أمريكا دفعة واحدة وبقي منفذ العملية مجهول الهوية حتى يومنا هذا, وعرف فيما بعد أن أسمه أبو ساطع. أضاف المصدر بأن أول محطة أذاعت نبأ الهجوم في مومباسا كانت محطة المنار التابعة لحزب الله. ومن أجل تعزيز تلك التهمة وإلصاقها بالتحالف " الإرهابي " الجديد السني الشيعي,أفادت تلك المعلومات بأن عماد مغنية أحد أهم المطلوبين لأمريكا منذ زمن وهو أحد قادة حزب الله الأمنيين, كان قد التقى مع الشيخ أسامة بن لادن في السودان عندما زارها في السنوات 1995 و1996 و1997, كما تدعي تلك المصادر أن التنسيق بين الطرفين اصبح واقعا عمليا حيث أرسلت القاعدة عشرة من رجالها إلى منطقة البقاع اللبنانية ليكونوا ضباط اتصال للتنظيم مع حزب الله. هذه الأكاذيب السخيفة ليست أكثر من خزعبلات جاءت بها الدعاية الأمريكية والغربية الموجهة ضد المنطقة العربية وضد منظمة حزب الله بالتحديد لدورها الهام والطليعي في مواجهة الهجمة الأمريكية الصهيونية على الأمة العربية. فحزب الله حزب جماهيري برلماني يتبنى خيار المقاومة ويمارسه بشكل مميز,ويحظى هذا الحزب الذي استطاع هزيمة الاحتلال في جنوب لبنان بشعبية واسعة تخطت حدود لبنان لتصل إلى كافة الدول العربية والإسلامية. حتى أن شعبية الحزب المقاوم وصلت إلى المهاجرين العرب والمسلمين في كافة أنحاء المعمورة. ويعتبر دوره الحالي دورا طليعيا في دعم الانتفاضة الفلسطينية والمقاومة الشعبية المشتعلة في الضفة الغربية وقطاع غزة. أما فيما يخص تنظيم القاعدة فأن تواجده في لبنان شبه معدوم لكنه من غير المخفي تعاطف بعض المجموعات الإسلامية الصغيرة مع ذاك التنظيم, مثل عصبة الأنصار ومجموعة الضنية ويعض الجماعات الأخرى الصغيرة, بالإضافة للأفراد الذين يتعاطفون مع كل من يقف ضد أمريكا وإسرائيل بغض النظر عمن كان أو من هو. وهذا مرده إلى الانحياز الأمريكي السافر والموقف الوقح للأدارة الأمريكية من كافة القضايا المتعلقة بالصراع العربي الصهيوني. كما انه ليس غريبا على أحد الموقف العربي الشعبي الذي يكن كل الكره لأمريكا بسبب حصارها الظالم واعتداءاتها المستمرة على شعب العراق وكيلها بمكيالين فيما يخص المواقف والتعامل مع الموضوعين العراقي والفلسطيني. وليس من المعقول مطالبة الشعوب العربية الوقوف مع أمريكا ضد العراق, فهذه الشعوب تنظر لأمريكا نظرتها لإسرائيل ولن تكون حتما في موقع التحالف معهما بل في الموقع الذي يوجههما, ووقوف الشعوب العربية والإسلامية ضد أمريكا لا يعني وقوفها مع النظام الحاكم في العراق وضد المعارضة الوطنية العراقية الشريفة, بل هو وقوف العربي والمسلم مع شقيقه العراقي في بلده الذي يتعرض لهجوم أمريكي صهيوني يستهدفه