|
نشأة وتطور الرأسمالية الطفيلية الاسلاموية في السودان.
تاج السر عثمان
الحوار المتمدن-العدد: 4555 - 2014 / 8 / 26 - 18:49
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ترجع جذور الرأسمالية الطفيلية الاسلاموية في السودان الي فترة الحكم المايوي ( 1969م- 1985م) التي تدهور فيها الانتاج الصناعي والزراعي بسبب تخفيض قيمة الجنية السوداني وارتفاع تكاليف الانتاج، وانتشر فيها الفساد، والنشاط الطفيلي غير المنتج مثل تجارة العملة وغيرها.
في هذه الفترة تراجعت الرأسمالية السودانية التقليدية التي نشأت بفضل مشاريع الادارة البريطانية في النصف الاول من القرن العشرين باقسامها المختلفة وبدرجات متفاوتة والتي تتلخص في الشركات الاجنبية والرأسمالية المحلية من اصل اجنبي ، والرأسمالية السودانية (آل ابو العلا، البربري، آل عبد المنعم،..الخ)، وخاصة بعد قرارات التاميم والمصادرة في عام 1970. ومن الجانب الآخر صعدت فئات جديدة من الرأسماليين من المدنيين والعسكريين المتعلمين واتسع حجم هذه الفئة في تلك الفترة، وكان من اهم مصادر تراكم هذه الفئة هي: - الدخول العالية والعمولات التي كانت تستحوذ عليها من خلال ادارتها للدولة. - دخول اعداد كبيرة من قيادات الخدمة المدنية والعسكرية، وخاصة الذين تم تسريحهم من الخدمة، الي ميدان الزراعة الآلية، وبالتالي حققوا ارباحا هائلة من هذه العملية. - التسهيلات التي كانت تتلقاها من البنوك التجارية لتمويل عملياتها التجارية ولتجارة السوق السوداء والعملات وبناء العقارات ودعم تجارة الصادر والوارد. - العائد السريع من النشاط الطفيلي(تخزين، سوق سوداء، تجارة العملة،السمسرة... الخ). ونلاحظ أن هذا النشاط اصبح هو الغالب في هذه الفترة ، وفي الوقت نفسه تراجعت الرأسمالية الوطنية المنتجة التي كانت تعمل في ميدان الانتاج الزراعي والصناعي نتيجة ارتفاع تكاليف مدخلات الانتاج ، وازمة الوقود والطاقة وانخفاض قيمة الجنية السوداني..الخ. وبالتالي سيطر النشاط الطفيلي الذي ارتبط بالثراء السريع علي مختلف اوجه الحياة الاقتصادية والاجتماعية ، وظهرت فئة السماسرة التي تعيش علي العمولات ووكلاء البنوك الاجنبية والاسلامية والشركات الاجنبية وروؤس الاموال البترولية وشركات النهب والفساد مثل شركة تراياد التي تحالفت مع مجموعة القصر. وفي المشاريع الزراعية المروية زاد تركز الثروة والغني والحواشات والتراكتورات وغير ذلك في ايدي اغنياء المزارعين وخاصة بعد ادخال نظام الحساب الفردي عام 1981 في مشروع الجزيرة( انظر: الحزب الشيوعي : ازمة مشروع الجزيرة ، دار الوسيلة، 1988). وفي الريف ازداد تركز الثروة في ايدي زعماء القبائل وكبار ملاك الاراضي نتيجة لارتباطاتهم بمؤسسات السلطة: اتحاد اشتراكي ، لجان تطوير القرى، مجالس الشعب الاقليمية..الخ. وسيطر هؤلاء علي رخص الاراضي الزراعية والمحلات التجارية وحققوا ثروات واموال صخمة من ذلك عن طريق العمولات والرشوة والفساد ..الخ، هذا اضافة لتزايد ثراء اغنياء المزارعين والرعاة أو ملاك الثروة الحيوانية نتيجة للتوسع في عملية تصدير الماشية خلال تلك الفترة. وفي هذه الفترة اتسعت فئة اصحاب العمل التي بلغ عددها عام 1981 م، (4847) ( دليل قسم احصاءات العمل بادارة القوى العاملة والاستخدام لعام 1981). وفي عام 1971 كان نصيب 1% من السكان 8% من الدخل القومي، و10% من السكان 23% من الدخل القومي. وفي عام 1985 ارتفعت تلك النسبة حيث قدرت ان 1% كان نصيبهم من الدخل القومي 16%، 10% من السكان كان نصيبهم 44% من الدخل القومي. اى أنه زاد تركز الثروة والغني وتعمقت الفوارق الطبقية، كما ارتفع معدل الاستهلاك الخاص حيث بلغت هذه النسبة للاستهلاك من الناتج القومي حوالي 82% خلال الفترة(1975/76- 1985). كما ظهرت انماط استهلاك وصرف بذخي استفزازى، كان حديث الناس في تلك الفترة: في الافراح والاتراح وبناء غابات الاسمنت.. الخ. وفي احصاء 1983 ، كان 3,% من سكان السودان يعيشون في فيلات وعمارات، بينما كان 36,6% يعيشون في منازل عادية متفاوتة، 61,4% يعيشون في قطاطى من القش والطين والشعر(احصاء 1983، ص 46). هكذا كانت الطبقة الرأسمالية الطفيلية تبدد الفائض الاقتصادي في صرف واستهلاك بذخي أو تهربه للخارج، علي سبيل المثال تم تقدير متوسط رأس المال الهارب في الفترة:78/1979 – 84/1985 ، ب 15 مليار دولار، وحسب د.علي عبد القادر: (ان القطاع المصرفي السوداني يقف متهما بتمويل عملية تهريب رأس المال من خلال تمويله لعمليات السوق السوداء للنقد الاجنبي ، ونلاحظ سريعا ، أن القطاع المصرفي مملوك للدولة بنسبة 60%!!)( د.علي عبد القادر علي: حول سياسات التصحيح وهروب رأس المال ، الكويت فبراير 1988).
2- الرأسمالية الطفيلية الاسلامية الفترة: 1989- 2007 في هذه الفترة هيمنت الفئات الغنية من طفيلية الجبهة الاسلامية علي مفاتيح الاقتصاد الوطني ، وتجمعت لدى هذه الفئة ثروات ضخمة ، ومن المهم ونحن نحلل هذه الفئة أن نتناولها في تطورها التاريخي باعتبارها احد روافد الرأسمالية السودانية التي نشأت وتطورت خلال سنوات نظام مايو ، ويشير د.حيدر طه في كتابه: الاخوان والعسكر (القاهرة 1993)، ص 55 ، الي: (أن الاخوان المسلمين يملكون حوالي 500 شركة، من كبيرة وصغيرة، في عام 1980 ، وتصل حجم روؤس اموالهم لاكثر من 500 مليون دولار متداولة بين هذه الشركات في الداخل). وترجع اصول اغلب قادة هذه الفئة أو اصحاب الثروات منها الي خريجي الجامعات والمدارس الثانوية ، والذين اسسوا تنظيم الاخوان المسلمين في اوائل الخمسينيات من القرن الماضي في جامعة الخرطوم والمدارس الثانوية وبقية المعاهد التعليمية ، وبعد التخرج عملوا في جهاز الدولة والخدمة المدنية . وبعد انقلاب 25/مايو/1969 ، تم تشريد بعض افرادها ، وهاجر بعضهم الي دول الخليج وولجوا ميدان العمل الاستثماري في التجارة، وتجارة العملات ، كما كدسوا الاموال التي كانت تصلهم وهم في المعارضة في الخارج ، كما اشتركوا في محاولات انقلابية مثل محاولة: انقلاب سبتمبر 1975، واحداث 2/يوليو/1976 ، كما هاجر بعضهم الي امريكا ودول الغرب الرأسمالي وتأهل بعضهم علميا في تلك البلدان(ماجستير، دكتوراة، ..الخ)، وعمل بعضهم في النشاط التجاري في يوغندا وبعض بلدان شرق افريقيا ، واكتسبوا خبرات وتجارب في المهجر والعمل المعارض في الخارج. وبعد المصالحة الوطنية 1977 عادوا للسودان وشاركوا في مؤسسات وحكومات نظام النميري (مجلس الوزراء ، الاتحاد الاشتراكي ، مجلس الشعب..الخ)، وتوسعوا في ميدان العمل التجاري والاستثماري واسهموا في ادارة البنوك الاسلامية وشركات التامين الاسلامية ومؤسسات الاستثمار الاسلامية ، كما تغير اسم التنظيم تبعا لتطور الحياة السياسية ، واتخذ اسم الاخوان المسلمين في الخمسينيات من القرن الماضي ، وجبهة الميثاق الاسلامي بعد ثورة اكتوبر 1964 ، والجبهة القومية الاسلامية منذ اواخر النظام المايوي ، ثم المؤتمر الوطني الذي انشطر في عام 1999 الي وطني وشعبي. لقد كانت مؤسسات وبنوك وشركات التنظيم هي التي مولت كل نشاطاته وصرفه الكبير خلال فترة الديمقراطية الثالثة (الانتخابات، شراء الاصوات ، ..الخ)، وكانت تلك المؤسسات وراء تخزين قوت الناس في مجاعة: 1983/1984 ، كما تغلغلوا وسط الجيش باسم دعم القوات المسلحة ومحاربة الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة جون قرنق والطابور الخامس، خلال فترة الديمقراطية الثالثة حتى نفذوا انقلاب يونيو 1989 بالتحالف مع مليشيات الجبهة الاسلامية بعد تكوين الحكومة الموسعة والاقتراب من الحل السلمي لمشكلة الجنوب بعد اتفاق الميرغني – قرنق عام 1989. وبعد انقلاب يونيو 1989 ، تضاعفت ثروات هذه الفئة ، ويمكن تلخيص اهم مصادر التراكم الرأسمالي لهذه الفئة في الآتي: أ- نهب اصول القطاع العام عن طريق البيع أو الايجار أو المنح باسعار بخسة لاغنياء الجبهة أو لمنظماتها أو الاقمار التابعة لها ، والتي كونت اكثر من 600 شركة تجارية تابعة لها ولمؤسساتها. ب- اصدار قانون النظام المصرفي في العام 1991 م والذي مكن لتجار الجبهة ولمؤسساتها من الهيمنة علي قمم الاقتصاد الوطني وامتصاص الفائض مما ادي الي فقدان الثقة في النظام المصرفي ، اضافة لاجراءات تبديل العملة وتحميل المودعين التكلفة بخصم 2% من ارصدتهم وحجز 20% من كل رصيد يزيد عن 100 ألف جنية امتدت اكثر من عام وانتهاك قانون واعراف سرية النظام المصرفي وكشف القدرات المالية لكبار رجال الاعمال امام تجار الجبهة الاسلامية( دورة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني، أغسطس 2001). ت- التسهيلات والرخص التجارية من وزارة التجارة والبنوك التجارية والاعفاء من الضرائب . ث- الاستيلاء علي شركات التوزيع الاساسية وتمليكها لتجار وشركات الجبهة الاسلامية. ج- المضاربة في العقارات والاراضي والاستثمار في مشاريع الزراعة الآلية والثروة الحيوانية واستيلاء شركات ومؤسسات الجبهة الاسلامية علي مؤسسات تسويق الماشية. ح- من مصادر التراكم الرأسمالي لهذه الفئة ايضا عائدات البترول والذهب. خ- من الامثلة للنهب : طريق الانقاذ الغربي الذي وصل قمة النهب . وافقار المزارعين عن طريق نظام السلم والضرائب والجبايات التي لم يعرفها الشعب السوداني الا في العهد التركي. د- من مصادر التراكم والدعم لهذه الفئة رأس المال الاسلامي العالمي الذي دخل البلاد في التسعينيات من القرن الماضي والذي قدرته بعض المصادر ب 6 مليار دولار واسهم في دعم النظام ومؤسساته الاقتصادية والمالية. ذ- وتضيف د.فاطمة بابكر: (الخدمات الصحية والتعلمية التي اصبحت احد مصادر التراكم الرأسمالي في السودان بعد نظام الانقاذ 1989) (د.فاطمة بابكر: الرأسمالية السودانية: أطليعة للتنمية؟ ، الطبعة العربية 2006، ص 23). والشاهد أن هذه المصادر جاءت نتيجة للنهب الاقتصادي والقمع السياسي ، وعاشت تلك الفئة في ترف وبددت الفائض الاقتصادي في صرف بذخي أو في تحويله للخارج. ومن الجانب الآخر تدهورت اوضاع الفئات الشعبية نتيجة للفقر والبؤس والضنك، وانتشرت الرشوة والفساد في المجتمع وغير ذلك من التحلل الخلقي الذي فرضه نظام الجبهة الاقتصادي والاجتماعي. وخلاصة القول أنه رغم المتغيرات في تركيب الرأسمالية السودانية في هذه الفترة ورغم زيادة وزن العناصر المتعلمة وسطها، الا أنها فشلت في قيادة النهضة الصناعية والزراعية والاجتماعية والثقافية ، بل حتى في ادني مستوياتها البورجوازية مثل: قيام دولة المؤسسات وحكم القانون واحترام حقوق الانسان وحرياته الاساسية، ورفع مستويات المعيشية وترقية خدمات التعليم والصحة ودعمها، ودعم خدمات الكهرباء والمياه، وتوفير البنيات الاساسية اللازمة للنهضة والتطور حتي اصبح السودان في ذيل قائمة الدول الاكثر تخلفا في العالم ، رغم امكانياته وموارده الاقتصادية والزراعية والحيوانية والبترولية والمعدنية. مما يتطلب قيادة طبقية جديدة تعبر عن الطبقة العاملة والكادحين، تنجز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية.
#تاج_السر_عثمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ماهي الأسباب الأساسية للتخلف في السودان؟
-
واقع القبيلة والقومية والامة والطبقات في السودان.
-
الذكري 68 لتأسيس الحزب الشيوعي السوداني
-
الايديولوجيا ومتغيرات العصر.
-
كيف تناول الحزب الشيوعي السوداني قضية استغلال الدين في السيا
...
-
موقع التصوف في الفكر الفلسفي العربي الاسلامي ( الحلقة الأخير
...
-
موقع التصوف في الفكر الفلسفي العربي الاسلامي(3).
-
موقع التصوف في الفكر الفلسفي العربي الاسلامي (2).
-
موقع التصوف في الفكر العربي الاسلامي
-
كيف تناول الحزب الشيوعي السوداني قضية المرأة؟
-
كيف تناولت الماركسية قضية المرأة؟
-
عزيزاتي واعزائي كتاب وقراء الحوار المتمدن.
-
رسالة الي قراء الحوار المتمدن - شكر وتقدير
-
تاج السر عثمان - عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوداني -
...
-
تعقيب علي د. سلمان محمد احمد سلمان: موقف الحزب الشيوعي السود
...
-
يسألونك عن البديل لزيادة الاسعار؟
-
الزيادات في الاسعار .. مزيد من افقار وارهاق الجماهير
-
لا للتدخل الامريكي في سوريا
-
تفاقم أزمة النظام والدعوة الي الحوار
-
الاحداث في مصر: العنف والارهاب مصيره الي زوال
المزيد.....
-
المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح
...
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|