|
آيات شيطانية هدرت دم سلمان رشدي
آريين آمد
الحوار المتمدن-العدد: 4552 - 2014 / 8 / 23 - 12:50
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
عندما تواجدت في كامبردج لمدة يوم واحد في العام 2005 انتهزتها فرصة جميلة لشراء بعض الكتب النادرة فوقع اختياري ضمن ما وقع، على كتاب الآيات الشيطانية (The satanic verses) لسلمان رشدي، لكن صعوبة اللغة المستخدمة في السرد الروائي جعلني أعلن انسحابي وعجزي عن إكمال الكتاب، مع غصة بقيت عالقة في ذهني وقلبي. اعتقد بان الصدف الجميلة ما تزال باقية وثمة فرصة جديدة دوما للتعويض... الجمعة الماضية في شارع المتنبي وقعت عيني بالصدفة على كتاب يحمل عنوان (آيات شيطانية)/ سلمان رشدي.... كتمت فرحتي لأني سأعرف قريبا جدا السر الذي يحتويه هذا الكتاب والذي تسبب بإهدار دم كاتبه... وعليه قررت أن اقرأ الكتاب بعين الإمام الخميني لاقف عند الكلمة أو الجملة أو العبارة أو السطر أو الصفحة أو الفكرة التي تسببت بذلك. قررت أن اعرف أين ومتى ولماذا تم ذلك؟؟؟. ابتدأت رحلة الاكتشاف وكانت من شقين... شق يخص سلمان رشدي وشق يخص الإمام الخميني.. الشق الأول كشف ومنذ الصفحة الأولى قدرة سلمان رشدي في كتابة النص على طريقة جيمس جويس، فهو مبدع، وبارع في استخدام الكلمة والفكرة والرمز والتنقل بين الأزمنة والسرد السريالي لدرجة توقعت إن بإمكان سلمان رشدي أن يتكلم ولا يتوقف إلى ما لانهاية. فالحالة عنده أشبه بإناء مملوء يفيض الماء من جوانبه دون توقف.. بمعنى فيضان مستمر، لهذا اشتد فضولي لأعرف أين بالضبط قرر الإمام إيقاف هذا الفيضان المتدفق لان في استمراره خطر كبير ربما يفوق طوفان نوح. كيف تجرع الإمام الخميني قراءة الفصل الأول من الكتاب... وتحمل كل ذلك السرد السريالي لسلمان رشدي.. لأني اعتقد بأن القارئ يحتاج إلى تركيز من نوع خاص ليتواصل مع الكاتب... ولابد إن للإمام الخميني كان صبر طويل ليتحمل كل ما كان يقوله الكاتب... ويتابع انتقالاته المحبوكة بدقة بالغة. اعتقد إن المساس بالمقدس هو الذي افزع الإمام، فسلمان رشدي كان يتناول المقدس كأنه جزء من تراث عتيق يحتاج إلى إعادة النظر، والتفكير من جديد بكل المنظومة الفكرية الدينية. لنقرأ بعض العبارات ونسمح لأنفسنا تخيل حال الإمام (كان عظيم الجاهلية يضطجع على سجاد من الحرير قرب المنصة ومعه زوجته الفاتنة هند، ينهض أبو سنبل ويصيح بماهاوند: أهلا بك أيها الكاهن الحكيم، ويسمح لتلاميذ ماهاوند بالدخول إلى ذلك المكان للمرة الأولى. ويتكلم ماهاوند دون أن يفتح عينيه!!!! إن هذا تجمع للشعراء ولكنني لا ادعي إنني واحد منهم... فانا رسول الله وأنا استوحي كلامي من الواحد الأحد الذي هو اعلم من كل الذين يجتمعون هنا!!!! يبدأ الموجودون بالتملق وهم يتهامسون بأن ذلك المكان ليس دينيا، وان الحجاج إنما جاؤوا إلى هنا للتسلية والمتعة... ويصيح احدهم: اسكتوا هذا الرجل واطردوه من هنا، لكن أبو سنبل يسكت الجميع ويتوجه إلى ماهاوند قائلا: إذا كان ربك قد كلمك فعلا فلابد لجميع الناس أن يسمعوك.. وبعد لحظة من الصمت يبدأ ماهاوند بالتلاوة بصوت مرتفع: بسم الله الرحمن الرحيم. والنجم إذا هوى1/53ما ضل صاحبكم وما غوى2/53وما ينطق عن الهوى3/53إن هو إلا وحي يوحى4/53علمه شديد القوى5/53ذو مرة فاستوى6/53وهو بالأفق الأعلى7/53ثم دنا فتدلى8/53فكان قاب قوسين أو أدنى9/53فأوحى إلى عبده ما أوحى10/53ما كذب الفؤاد ما رأى11/53أفتمارونه على ما يرى12/53ولقد رآه نزلة أخرى13/53عند سدرة المنتهى14/53عندها جنة المأوى15/53إذ يغشى السدرة ما يغشى16/53ما زاغ البصر وما طغى17/53لقد رأى من آيات ربه الكبرى). ودون أن يبدو على ماهاوند أي شيء من التردد تابع التلاوة بصوت واضح مرتفع ( أفرأيتم اللات والعزى19/53ومناة الثالثة الأخرى) ... وعندما سمعت هند الآية الأولى هبت واقفة في حين إن عظيم الجاهلية قد سبقها إلى الوقوف، ويتابع ماهاوند تلاوته ( تلك الغرانيق الأولى...وان شفاعتهن لترتجى!!!!! وتعلو صرخات الاستحسان من أنصار الآلهة اللات في إرجاء المكان وفي اللحظة ذاتها تتوجه الأنظار إلى عظيم الجاهلية وقد وضع إبهامه على شحمتي أذنيه ويصيح الله اكبر.. وما يلبث بعد ذلك أن يسجد ضاغطا جبهته على ارض.. وكذلك هند لتقتدي به....ويستمر هذا الوصف ليعود ماهاوند لاحقا ويقف في مواجهة الأصنام الثلاثة ويعلن على الناس إلغاء الآيات التي أوحى إليه بها الشيطان.. ويصرخ بصوت مرتفع بآيات جديدة لتسجل بدلا منها في القرآن: ( ألكم الذكر وله الأنثى21/53تلك إذا قسمة ضيزى22/53إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى23/53أم للإنسان ما تمنى24/53فلله الآخرة والأولى25) .... اعتقد بان الإمام الخميني هنا تحديدا اتخذ قراره الذي سيؤدي إلى اختفاء سلمان رشدي من الحياة العامة... ذلك القرار الذي ليس بمقدور أي مرجع أن يقوم بإلغائه... وعليه أدعو الجميع لقراءة آيات شيطانية.. فهي رواية ستجعلك تعيش بين نقيضين عملاقين الإمام الخميني وسلمان رشدي ... فالكتاب يضم بين دفتيه العديد من الصور بطرق لا تخلو من النقد، لذلك فان أفضل وصف ينطبق على سلمان رشدي هو وصف العقل الحر... العقل الحداثوي الذي يتناول المقدس كما هو وليس كما يصوره لنا كهنة الدين... ففي جزئية مهمة تتعلق بسلمان الفارسي وعلاقته المركبة بنبي الإسلام يستذكر سلمان رشدي جانبا من تلك العلاقة بأسلوب روائي لا يتحمله العقل المدجن أو العقل الخامل وهو الوصف الذي ينطبق على عقل المسلم الدوغمائي... (اخبر سلمان الشاعر بعل بأن أتباع دين الخضوع (الإسلام) عندما وجدوا أنفسهم في واحة يثرب فقراء منقسمين، فقد راحوا يهاجمون قوافل الأغنياء من مدينة الجاهلية، ويسلبون بضائعهم)....لحد هذه النقطة لا اعتقد بان أي من المسلمين سيعترض على السرد المبسط للتاريخ، باعتباره حقيقة مسلمة بها... لكن بمجرد أن يبدأ لغة سلمان رشدي النقدية يحصل الانفصال... (لم يعترض ماهاوند على ذلك لان الغاية عنده تبرر الوسيلة) هذه الجملة الاعتراضية كفيلة بان تجعل امة بأكملها تنهض من سباتها الذي يستمر منذ أكثر من 1400 سنة... ويضيف (بعد ذلك وجد نفسه مضطرا لسن القوانين والتشريعات بحيث بالغ بذلك كثيرا فوضع القيود والقوانين التي تحدد حتى أتفه المسائل مثل، ماذا يفعل الإنسان إذا ضرط؟؟؟؟؟؟؟؟ أو أي يد يستخدم في تنظيف مؤخرته؟؟؟؟؟؟ بحيث لم يعد للإنسان أية حرية في أن يفعل أي شيء!!!!!!! فقد نزل الوحي محددا الكمية التي ينبغي للمؤمن أن يأكلها من الطعام وطريقة نومه!!!!! والأوضاع التي عليه أن يتبعها في ممارسة العلاقات الجنسية... ومع ذلك فان ماهاوند اخبر أتباعه إن اللواط والوضعيات الخلفية من الأمور المقبولة عند كبار الملائكة، وكذلك فان جبريل قد حدد الموضوعات التي يسمح للناس بتبادل الأحاديث حولها والأمور المحرم التعرض لها، وبلغ به الأمر إن حدد أجزاء الجسم التي يجوز حكها والأجزاء التي يمنع لمسها حتى لو تعرض الإنسان للجنون إذا لم يحكها)... هذا النوع من النقد يزعزع من الثقة بالمقدس ويسقط عنه هالة التقديس المصطنع...
أما عن علاقة الوحي بمحمد (ماهاوند) فيخبرنا سلمان رشدي وعلى لسان سلمان الفارسي أشياء طريفة للغاية لكنها تحقق الصدمة فالوعي الساكن لا يتحرك إلا من خلال الصدمة والرعب. ( الوحي كان ينزل دائما بإجابات عن الأسئلة الملحة التي كان يطرحها المؤمنون، وفي الوقت المناسب الذي غالبا ما يكون اليوم ذاته الذي طرحت فيه الأسئلة!!!!!!!!!!!. )... ولان سلمان عينه ماهاوند كاتبا للوحي لكونه متعلما فانه كان كثيرا ما يكتب ما يشاء ويعدل في ما يقوله له ماهاوند ويأمره بكتابته!!!!!!!!!. هنا يشخص سلمان رشدي بان الوحي كان طوع إشارة ماهاوند، وماهاوند كان لا يتذكر كل ما يقوله له الوحي. (لقد اختبرته في بادئ الأمر بتحريفات ضئيلة الشأن، فإذا قال لي السميع العليم، كتبت السميع الحكيم، فانتبهت إلى انه لم يكن يلاحظ تلك التحريفات عندما أعيد عليه ما كتبت!!!!! مما شجعني على تحريفات أهم وأكثر خطرا، فكانت كلماتي تختلط مع تلك التي يمليها علي ماهاوند على إنها منزلة!!!!!!فأي وحي هذا؟؟؟؟!!!!!! فعندما أملى علية مرة أخرى كلمة النصارى فكتبت اليهود!!!!أعدت عليه ما كتبت فأومأ بالموافقة وشكرني بكل تهذيب!!!!! ولهذا كله فقد اكتشفت إنني إنما أؤمن بكذبة كبيرة.... وهنا اعتقد بان المنظومة الفكرية كلها تنهار بضربة واحدة. لم يرتاب ماهاوند بما كان يفعله سلمان الفارسي لان يثرب كانت عرضة لهجمات الجاهلية... ويبدي سلمان الفارسي غضبه وأسفه لان الوحي لم يذكر بطولته في إنقاذ يثرب في معركة الخندق.. سلمان ناقم على الوحي. (الوحي لم ينزل بعبارة ثناء واحدة تخصني) ....
هذا الوحي الذي تغافل عن عبقرية سلمان الفارسي ومشورته العسكرية التي لا تقدر بثمن !!!! نراه لا ينسى أهل يثرب الذي فقد العديد من رجاله ليوصي الرجال بالزواج من اكبر عدد من النساء والأرامل ( ولكم كان كبير الملائكة واقعيا بهذا التشريع)... فالوحي أباح لهم الزواج من أربع نساء ولكم اسعد ذلك التشريع سكان يثرب. هل اخطأ الإمام الخميني بهدر دم سلمان رشدي؟؟؟؟ هل اخطأ سلمان رشدي في تناوله للمقدس في رواية تبعث في النفس متعة من نوع خاص؟؟؟ مع من تجد نفسك الآن .... مع فتوى الإمام فتكون مكلفا شرعا بقتل سلمان رشدي، أم مع سلمان رشدي، باعتبار إن الموروث الثقافي كله بحاجة إلى إعادة النظر قبل أن يلفظنا التاريخ إلى خارج الزمن يوم لا ينفع فيه الندم.
#آريين_آمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحرب ... يا للغباء
-
داعش في نينوى أسئلة وحلول
-
المهمة المستحيلة لفرانكشتاين في بغداد
-
العراقيون بدون وسيط
-
التفكير خارج الصندوق
-
- التحولات في دول الربيع العربي قد تكون الأصعب والأطول في ال
...
-
استخدام القوة في عمليات المعلومات الكيمياوي السوري أنموذجا
-
هل تقرأ امريكا ما يكتبه المثقفون العراقيون؟؟؟
-
حتى انت ياهادي جلو مرعي؟؟؟؟؟
-
احمد القبانجي لم تزده ظلمات السجن الا القاً
-
احمد القبانجي... إشارات لم تلتقط جيدا
-
العقلانية في الشعائر والطقوس محاضرة للمفكر احمد القبانجي في
...
-
المنهج الهيرمنيوطيقي للمثقفين محاضرة للمفكر احمد القبانجي في
...
-
كيف نعرف الدين الحق؟؟؟؟ محاضرة للمفكر احمد القبانجي في 2/11/
...
-
اعرف نفسك محاضرة للمفكر احمد القبانجي في 20/10/2012
-
العقلانية في الفقه محاضرة للمفكر احمد القبانجي
-
العقلانية في الاخلاق محاضرة للمفكر احمد القبانجي
-
العقلانية في عصر الحداثة محاضرة للمفكر احمد القبانجي
-
الاسير
-
ليس لاقدام تعودت الهرب ان تصمد مجددا
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|