|
جدلية الأخلاق ، الجنس والنضال المشروع ..
قاسم حسن محاجنة
مترجم ومدرب شخصي ، كاتب وشاعر أحيانا
الحوار المتمدن-العدد: 4552 - 2014 / 8 / 23 - 11:15
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
جدلية الأخلاق ، الجنس والنضال المشروع .. عادت الشاعرة مليكة مزان إلى تصدر الصفحات الأولى ، بعد إعلانها وعبر الفيسبوك ، بأنها "جاهدت " جنسيا ، مع مناضل أمازيغي ، رفضت الإفصاح عن إسمه ، بهدف تحفيزه على الإستمرار في خطه النضالي الذي أختاره لنفسه ، من أجل أبناء شعبه . وقد كانت تعقيبات القراء غاضبة ، وأتهمت الشاعرة بأنها زانية ، عاهرة وسافلة ، مع تفاوت في الشدة التعبيرية . وسواء كان هذا الخبر صادقا أو ملفقا ، كما قالت بعض الأطراف العالمة ببواطن الأمور ، فقد فرضت الشاعرة على جمهور متابعي أخبارها ، أن يتحاوروا في مشروعية ممارسة الجنس مع شريك أيديولوجي ، لتحقيق أهداف سياسية وايديولوجية . ناهيك عن أن أُسلوبها الإستفزازي لمشاعر "جماهير " واسعة ترى في الإستعانة بالجسد الأنثوي وتحديدا ممارسة الجنس خارج المؤسسة التقليدية ، سقوطا أخلاقيا ذريعا ، هذا الأسلوب الاستفزازي زاد من "جماهيريتها " وعدد مُتابعيها على ما أظن ..!! ولعل هذا ما سعت إليه منذ البداية ، الإنتشار الواسع لها ولأفكارها خاصة ، وللقضية الأمازيغية على وجه العموم . لكنها ، ودون أن تقصد ذلك ، على ما أعتقد ، قد وضعت على المحك سؤالا جدليا ، حول مشروعية ألوسائل ألنضالية ..!! وأيُها يجوز إستعماله ، من أجل الوصول إلى الأهداف المنشودة ؟؟ وبداية ، ردود الأفعال على "تصريحات " مليكة مزان ، تُعطي مصداقية لنظرية فرويد والتي تفترض بأن الجنس هو المُحرّك للنشاط الإنساني ، لكن هذه المصداقية تنطبق على الشعوب العربية والإسلامية فقط . فقد سبق لكبار من الباحثين ومن تلامذة فرويد من نقدوا نظريته ، بينما قسم أخر رأى في تقنية التحليل النفسي ، مضيعة للوقت ، إن لم تكن هذه التقنية سببا في "تأزم " الوضع النفسي لمن جربها !! ما علينا ، لقد أتى الدعم لنظرية فرويد ، من "ثقافة " لم يكن يتوقع ولا في "أحلامه " أن تدعمه ..!! وبالعودة إلى الوسائل النضالية المشروعة ، ألا تكون الثورة المُسلحة ، والتي تعني فيما تعنيه تصفية للخصم جسديا ، أي قتله ، فهل يُصبحُ القتل من أجل هدف سام ، مشروعا ، أخلاقيا ؟؟ بينما القتل بحد ذاته ، هو فعل مذموم ..!! أنصار سياسة "ألغاية تُبرر الوسيلة " ، يستعملون كل الوسائل في "حربهم " من أجل تحقيق أهدافهم ، ويُلبسونها (أي ، أفعالهم الإجرامية ) ، عباءة الأخلاق . فسياسات الإستعمار ، قديمه وحديثه ، هي "أفعال أخلاقية " في "جوهرها " ، ولو تضمنت القتل ، السلب ، النهب ، الإستبداد وحتى الإبادة الجماعية . ثم أليست الحروب الدينية ومن وجهة نظر "مُشعليها " وجنودها ، حربا "أخلاقية " ؟ لإعلاء كلمة "الحق والعدل " ؟؟ فالأخلاق إذن هي التزييف وعمليات التجميل التي يقوم بها القوي والمُنتصر ، لأفعاله "اللاأخلاقية " ، من وجهة نظر الضعيف والمهزوم !! نعم ، الأخلاق نسبية وليست مُطلقة ، لكن ألا توجد معايير أخلاقية شبه موضوعية ، يتم التحاكم إليها ، وقت الحاجة ؟؟!! وبالعودة إلى تطوع الشاعرة ، فقد قام زميلنا المُهذب ،شه مال عادل سليم ، بتوجيه رسالة مُهذبة للشاعرة مُرحبا بها ، ومستعرضا أمامها كل ألوان قوس قزح النضال الكردي ضد الفاشية البعثية وحتى يومنا هذا ، وذكر منها المُساعدة في التعليم ، العلاج وحمل السلاح في وجه الغاصب ،ولم يكن الجنس من بين ما ذكره الزميل !! ولنعد إلى "إعتراف " مليكة "بجهادها الجنسي ، المزعوم أو الحقيقي مع مناضل أمازيغي ، فلم يجرؤ أحد من المُعلقين ،على الخبر في الصحف ، على لوم هذا المُناضل ، أو "شتمه " بأقذع الألفاظ ، كما شتموا مليكة . لماذا يا ترى ؟؟ فيجوز للمُناضل الذكر ، ما لا يجوز للمناضلة الأُنثى ، يجوز له ، وفي إستراحة المُحارب ، أن "يستمتع " بجسد أُنثى ، ولا ضير في ذلك ..!! ولأننا نعرف بأن المُناضل هو إنسان ، أولا وأخيرا ، ولهُ حاجات نفسية وجسدية ، ولا بد من وسيلة لإشباعها .. لكن هذا الجانب الإنساني مجهول في "أدبيات " النضال والكفاح المُسلح ضد أنظمة الطُغيان ..!! ثم ألا يدل ذلك على أن هذا "المُناضل " ،أستمر في نضاله أو إزداد عزما على النضال ، بعد أن حصل على "محفز " جسدي !! ألم يكن مُقتنعا بمصداقية نضاله قبل حصوله على "المُحفز " ؟؟ يتحرج الجميع من "خلط " الجنس بالنضال لأنه "يُشّوهُ " العمل النضالي ، ولأن الجنس هو "طابو " ، وتتعامل معه الثقافة الذكورية بإزدراء ، رغم أنه حاجة أساسية بشرية وحيوانية .. والثقافة التي ترى في تسليع جسد الأُنثى ، لتُثير غرائز الذكر ، هي نفس الثقافة التي تزدري الأُنثى التي "تستعمل " نفس الجسد ، من أجل شراء الخبز وإطعام الأفواه الجائعة ، أو تضع جسدها في خدمة "قضية ثورية " .. وأنا أرى بأن المُشكلة ليست في "الجنس " ، وإنما في الثقافة التي تتعامل مع جسد الأُنثى ووظائفه ، بما فيها الوظيفة الجنسية ، بمعايير مُختلفة ، فهو "صالح " لتسويق البضائع وجني الأرباح مثلا ، وهو "شر " ، إذا تم "بيعه " لكل راغب مقابل نزر يسير !! وهذه ثقافة ذكورية ، ينضوي تحت لوائها الجميع ، دون فرق في لون ، دين أو عرق ... وفقط عندما يُصبح جسدَ الأُنثى ملكية خاصة بها ، وليس ملكية جماعية ، وحينما يعود الجنس إلى وظائفه الأولية الفردية ، الحيوانية والإنسانية ، وهذه الوظائف هي حفظ النوع والمُتعة المُتبادلة القائمة على قبول طرفي المُعادلة (ألذكر والأُنثى ) ، سيختفي الإنشغال العام بجسد الأُنثى وبالجنس ، وسيتحولُ إلى شأن خاص بين إثنين ، وبينهما فقط ...!! وفي كلتا حالتي "جهاد النكاح " العلماني ، والديني ، فهما وجهان لعملة واحدة ، وهي توظيف جسد الأنثى كسلاح من أجل تحقيق أهداف سياسية .. وليس من أجل أهداف نضالية . فالحرب ضد تسليع جسد الأُنثى وتحريره ، هي نضال مشروع ، لا يقل في أهميته عن تحرير الأرض .. وإلى حينه ، سيبقى الجنس موتيفا مركزيا في ثقافة العرب والمُسلمين ..
#قاسم_حسن_محاجنة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سميح القاسم لم يكن شاعرا وحسب ..!!
-
-جهاد النكاح- العلماني : مُكايدة نمطية ..!!
-
-الإضطراب -المطلوب عربيا ، للسير على طريق التقدم ..!!
-
دول كرتونية وشعوب حُنجورية ..إلا داعش..!!
-
Dissociative identity disorderتعدد ألشخصيات
-
النيكروفيليا والفتاوى -ألمُختَلّة - .
-
العالم شنتون وألقاضي ألشرعي ..!!
-
زووفيليا : ما لا يجوز في نكاح البهيمة ..!!
-
الأزهر يتمترس بداعش : خلّي بالك من ميزو ..!!
-
طليعة بلا أمل ..؟!
-
ما بين الحُلم الطوباوي والحُلم الواقعي ..
-
إضاءة على مقال الزميلة ليندا كبرييل : مُتلازمة ستوكهولم وأهد
...
-
ألناسخ والمنسوخ وما بينهما ..
-
ألرد الأريب على تساؤلات سامي لبيب...
-
مكاسب ألحرب ..!!
-
ألمشاعر وسياسة ألقوة ..!!
-
تابوهات وطابوهات : حوار عن الحوار في الحوار ..!!
-
بعد زوال حماس ..!!
-
الألم النفسي : قراءة للحالة ألعربية الإنتحارية (3)
-
ألحرب وألأخلاق
المزيد.....
-
أمسكت مضرب بيسبول واندفعت لإنقاذه.. كاميرا ترصد ردة فعل طفلة
...
-
إسرائيل ترسل عسكريين كبار ورؤساء أجهزة الاستخبارات لمحادثات
...
-
الدفاع الروسية تنشر لقطات لعملية أسر عسكريين من -لواء النخبة
...
-
فيروس جدري القرود -الإمبوكس-: حالة طوارئ صحية في أفريقيا ودع
...
-
بشير الحجيمي.. المحلل السياسي العراقي أمام القضاء بسبب كلامه
...
-
عاملُ نظافة جزائري يُشعل المنصات ووسائلَ الإعلام بعد عثوره ع
...
-
رافضة المساس بوضع الأماكن المقدسة.. برلين تدين زيارة بن غفير
...
-
رباعية دفع روسية جديدة تظهر في منتدى -الجيش-2024-
-
بيلاوسوف يبحث مع وزير دفاع بوركينا فاسو آفاق التعاون العسكري
...
-
بالفيديو.. لحظة قصف الجيش الإسرائيلي شبانا في مدينة طوباس
المزيد.....
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
-
فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال
...
/ إدريس ولد القابلة
-
المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب
...
/ حسام الدين فياض
-
القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا
...
/ حسام الدين فياض
-
فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل
/ محمد عبد الكريم يوسف
المزيد.....
|