|
القوميون والشمولية
عبدالله خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 4552 - 2014 / 8 / 23 - 10:36
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم يستطع العربُ المعاصرون أن يشكلوا برجوازيةً صناعية تقومُ بإعادةِ النظر في المجتمعات التقليدية. وفي الزمنِ الراهن حدثت تحولاتٌ كبيرة، وأمكن لفئاتٍ وسطى أن ترتفعَ مداخيلها، لكن المسافة بين هذه المداخيل وبرجوازيات صناعية مؤثرة في الحياة السياسية مسألة بعيدة. لقد كان ظهورُ الأفكارِ القومية المصاحبةِ عادةً للنهوض الرأسمالي الديمقراطي تجلى بصورٍ أكبر بعد الحرب العالمية الثانية، وكانت فترةُ ما بعد الحرب العالمية الأولى هي الفترة التي ازدهرتْ فيها الأفكارُ الوطنية الليبرالية في مصر وسوريا والعراق وغيرها من الدول العربية الكبيرة. وقد انكسرتْ موجةُ الأفكار الوطنية الليبرالية، وخاصة بعد صعود الفاشيات في ألمانيا وغيرها، وكان هذا الانكسارُ يعني هدم الأفكار الإنسانية والديمقراطية، وصعود موجة الفكر المتوحش، وقد أدتْ مذابحُ الحرب العالمية الثانية إلى أن تتعاظم هذه الموجة في كلا المعسكرين اللذين ظهرا بعد الحرب العالمية الثانية. ومن هنا اصطبغت الموجةُ القومية العربية بالعناصر الدكتاتورية المختلفة، وتأثرتْ الحركاتُ المسماة (اشتراكية) و(شيوعية) و(قومية) بمناخ الصراع الضاري وبالعنف، وغدت الأنظمةُ القومية والوطنية أنظمةً شرسةً في التعامل مع الشعوب. إن الفئات الوسطى، وخاصة أصحاب المصانع والشركات الكبرى ابتعدوا عن السياسة أو أيدوا الحكومات السائدة، بينما الفئات الأصغر أيدت الحركات الشمولية المختلفة. يعبرُ ذلك عن عدم قدرةِ الفئات الوسطى والصغيرة على تكوينِ رساميل حرة بدون مظلة دكتاتورية، ويؤججهُ الخوفُ القديم الراسخ منذ الخلافة من سيطرة الحكومات على المال العام وتأميمه أو سرقته، وكلاهما شكل واحد هو عدم قدرة الناس الميسورين على إنشاء مصانع وشركات مستقلة عن الدول وهيمناتها. من هنا، فإن كل أشكال الوعي من قومية وماركسية وإسلامية عاشت على الشمولية، وُوجهتْ الاقتصادياتُ لتضخمِ الدول وتقزيم الإنسان، وهو ما أدى إلى شحوبِ الوعي وضعف الدراسات الفكرية وتقزم الشخصية العربية، ويُلاحظ ذلك في الأدب القديم بسيطرةِ السحرة والعفاريت وعجز الإنسان وفي الأدب الحديث خاصة في الراويات التي امتلأت بالسجون وتعذيب الفرد العربي والصراعات السياسية الدموية. والقوميةُ كشكلٍ سياسي وكإطارٍ لدولةٍ عصريةٍ هي تجمعُ الناسِ على أهدافٍ مشتركة، لجعلِ هذه العينة من البشر ترتقي وتزيل عوامل التخلف، لكن القومية أُخذت بقهرٍ وتعصبٍ وعنفٍ يرفضُ أي تنوع فيها. وإذا حدثَ قبولٌ للقوى الأخرى فهو قبولٌ شكلي، وما تلبثُ صياغاتُ التحالفِ أن تُلغى أو تظلُ شكليةً وتظلُ الدكتاتوريةُ على شكلِ رأسماليةٍ حكومية مهيمنة. بعضُ المَلكيات العربيةِ لم تقم بإنشاءِ رأسماليةٍ حكومية كبرى، ربما لغيابِ الموارد الضخمة، فأدى ذلك الى التنوع والديمقراطية النسبية فيما بعد. لكن الوعي القومي ربما تغلغل حتى في هذه الملكيات وأثرَّ على بعض المثقفين والمنظمات، كذلك كانت بعضُ الجمهوريات تقوم بنشر أفكار الشمولية والتأثير بأموالها وسلاحها في البلدان المجاورة وتخويفها وإغرائها، ولهذا فإن الوعيَّ القومي الشمولي تمكن من فرض نفسه على بعض المثقفين وبعض الجماعات السياسية كإرادة لفئة صغيرة في بلد وعجزَ أن يكون وعياً قومياً أو وطنياً، أي يلتزم بالخطط العامة للتطور المقترح من قبل الطبقات كافة. لقد أصبح لبعض الجمهوريات يد طولى في الإفساد السياسي وإغراء السياسيين المنتفخين بجنون العظمة والانتهازيين من أجل إبقاء الوعي القومي العربي في جموده الفكري وعدم نموه عبر النقد والتحليل والمراجعة. بل إن هذه الأشكال المدعية بالنضال والقومية وما أشبه ذلك تحولت إلى عرائس مسرحية تبصم على بيانات مسبقة وتؤيد أعمالاً شائنة وتسكتُ عن اعتقالات واضطهاد واسع للناس في الدول العربية الشقيقة، فتآكل الوعي القومي النقدي على المستويين الوطني والقومي. إن انهيارَ هذه الأشكال السياسية المرتبطة تاريخياً بالقومية العربية وموجاتها هو انهيارٌ لرأسماليةِ الدولة الشمولية في البلد المعني، وعجزها عن التنمية الشاملة (العادلة) للشعب، وتحولها الى تنمية فئة وجيوب خاصة، وبالتالي إلى تنمية لجماعة من طائفة مخصوصة حتى تهالكت المعاني القوميةُ وعجز الوعيُّ عن اكتشاف الواقع العربي وقراءته وتحليله كأبنيةٍ اجتماعيةٍ تاريخية. القوميون المتحولون للطوائف لهم علاقة بسيرورة التدهور الديمقراطي في كل بلد جمهوري زعم القومية، كما هو الأمر في الشيوعية والمذهبيات الراهنة، فإيقافُ عجلةِ الفكرِ النقدي في ضروب الوعي كافةِ، ومداهنات السلطات المختلفة في كل المراحل التاريخية، يقودُ إلى تكييفهِ للقوى الراهنة والاستفادة منها. وهذا الذي لا يمكن أن يستمر، والبؤرة هنا هي أشكال المُلكيات الاقتصادية الكبيرة وقدرتها على التحرر والتعاون مع القوى المنتجة، ورفض سيطرة شكل واحد من الملكية والأفكار السياسية لتعود الأفكار القومية والإسلامية والوطنية والماركسية إلى الاغتناء المتشرك والمراجعة لتطوير كل بلد والأمة بتنوعها.
#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تقطع الوعي البحريني
-
داعش ليس أسطورة
-
أين التجار؟ عاشت الليبرالية!
-
نساءٌ مريضات في العصر النفطي
-
انتهازيةٌ نموذجيةٌ
-
تصاعدُ الفاشية فكرياً في إيران
-
الشعبُ والجيشُ معاً
-
اليسارُ المتكلس
-
تخلف الشعوب جذر الاستبداد
-
التفاعل مع العصر
-
تجريبٌ مستمرٌ
-
انعطاف علماني جذري
-
تحولات أفغانستان
-
ثقافة الخرافة والتعصب
-
اليهودية وإنتاج العنصرية (2)
-
اليهودية وإنتاج العنصرية (1)
-
صراعُ الحداثة يتوسع!
-
النساء في ظل الدكتاتورية الذكورية
-
لا عقل في الواقع العربي
-
نضال النساء البحرينيات ضعيفٌ ومحدود
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|