يونس السبائك
الحوار المتمدن-العدد: 4551 - 2014 / 8 / 22 - 14:04
المحور:
المجتمع المدني
كثيرا ما لبثنا نسمع اليوم من داخل الأوساط الثقافية والعلمية حديثا حول موضوع ، شهد بل ولا زال يشهد حراك تواصلي ذي طابع مجتمعي بامتياز، خاصة في البلدان المتخلفة أو السائرة في طريق النمو ، بعدما أدركت بأن الداء يحتاج حتما إلى دواء لا إلى مسكن يهدئ من رَوُعِ الاوجاع ساعة ليبدأ الألم مرة ثانية لساعات طوال ، كيف لا وهو موضوع يخص المجال العلمي المعرفي ومنه الإنساني فمتى كان مستوى التعليم راقيا إلا وكانت حياة الإنسان بكل تجلياتها سواء الفكرية أو الإجتماعية ، أو الثقافي بل وحتى الإقتصادية ، والعكس صحيح دائما بالنسبة لتدني مستوى التعليم أو ركاكته ، ومن ثمة كان التعليم هو الأساس المحوري والمفصلي في المجتمع وفي أجهزته المختلفة ، فهو المحرك الأول والأخير في المجتمع ، لأن " كل حضارة إلا ويقاس مدى تقدمها بمعيار التفلسف فيها " ، منه كان لشيوع التفلسف أثرا في النمط المجتمعي الذي يتبوؤه ، لربما كان ما قاله ديكارت في هذا الصدد يوازي ما نطمح إليه كنخب مثقفة تعي وجودها الفكري أولا كما تعي الغير في علاقته بالحقل المعرفي والوجودي على حد سواء ، فالبلدان المتقدمة ك و.م.أ لم تصل إلى ماهي عليه إلا بوعها بأهمية التعليم وبكونه يمثل خطرا يهدد إستقرار ركائز الدولة (الإقتصاد ، المجتمع ، الثقافة ، الرياضة...) في حالة غط الطرف عنه ، وللأسف كان هذا الخيار الثاني هو الرسمي في أغلب بلدان العالم الثالث ولنأخذ المغرب نموذجا حيا في هذا السياق ، حيث مجال العلم المعرفة والبحث العلمي هو آخر شيء يُفَكَّرُ فيه ، وله ، لأنه بكل بساطة بلد لا يزال يعيش في ظل الأنماط التقليدية الكلاسيكية بل ولعلنا لا نغالي إن قلنا بأن جل المستويات والجوانب المرتبطة بالمغرب كدولة وكبرنامج سياسي توحي بشيء واحد هو أنها لازالت تعيش على وقع التفكير القرو وسطوي ، ما معناه أنه لم نصل بعد حتى إلى زمن الحداثة والتحديث ، لازلنا تحت سطوة أناس مَعْلُومُون ، أو بلغة الفيلسوف الفرنسي سارتر هُم الجَحيم ، والتاريخ يحتفظ بذلك ، فمنذ 1956م وأصحاب القرار يقومون بإصلاحات (مجال التعليم) تلو الأخرى ، وحتى غُضُون 2014م النتيجة هي الخواء ، فلا جديد يذكر سوى الإهتزازات المتكررة وناقوس الخطر الذي يَرِنُّ كلما سَنَحَت له الفرصة بذلك ، وهي نتيجة لم تكن بِمَحْضِ الصُّدْفَة بل كَانَت عن وعي تَام ومَسْبوق وإرادة وإختيار، إنها نتيجة مَدْرُوسَة ومُسَطَّرَة ، أَصْبَحت أَحَد أركان المنظومة السياسية ، مَا دَامَ أَنَّ هَدفُها الأول هو جَعْل المجتمع كَكُل في سُبَات دائم وعميق ، بِوَعْي أو بِدُونِ وَعي يَقْبَعُ في ظُلُمات الجهل واللامعرفة ، لا قدرة له على تجاوز مَحَطَّة معلومة أَوْ سَقْف محدد ، لا لشيء إلا لأنه أَعَدُّوهُ بِذَريعَة المُعْتقَد وبِلغَة الدِّين حَرامًا ومَكروهًا وبِدعَة ، وبلسان الفقهاء من المحارم ، وبلغة العبيد جْلَسْ وَ تْكَمَّشْ مَتَبْقَاشْ تْفَلْسَفْ عْلِينَا ، وما إلى غير ذلك من الخلفيات الإيديولوجية الوَاهِيَّة ، التي حاولت ولا زالت الجماعة المُتَأَسْلِمَةِ السياسية الرِّجْعيَّة صَاحِبة العَفارِيت ، التي قَصَّت عَن الشّارِب وعَفَت عن اللِّحْيَة بدَعْوَى العَمَل بمُقتضَى ديني إسلامي ،هُمْ في الحقيقة أَوَّلُ مُناهِضِيه جملة وتفصيلا . .
وعودة إلى الموضوع الذي ظل حكرا على مجتمع تخبط ولا زال يتخبط في ويلات أزمة الموت والموت هنا ليس بمعناه الشائع كما يعرفه الجميع بل أقصد به الموت التاريخي كما أسماه المفكر المغربي عبد الله العروي ؛ إنه عجز وتعطل على مستوى البنية الفكرية ؛إنه اختفاء للعقل على حد تعبير هوركهايمر ، إن الأمر مرتبط على ما يبدوا بمسألة الوعي والنضج الفكري ، ففي الغرب إنتصار للعقل ومنه إنتصار للإنسان والفكر والفلسفة والمعرفة ، في مقابل الثقافة والمجتمع العربي (المغرب) ، فإن تشبعه بالإيديولوجيات الواهية والخلفيات الدينية والخرافية جعلته ينقص من شأن العقل ومن صلاحياته وبالتالي تضاؤل العلم والمعرفة ، وربما كان هذا حدا فاصلا بين ما وصل إليه الفكر الغربي من إزدهار ، وما يتخبط في مجتمعنا من وصاية كان هو نفسه مسؤول عنها ، بَعِيدِينَ كل البعد عن معرفة ذواتنا بأنفسنا " إعرف نفسك بنفسك" ، وفي خضم هذا الطرح الإشكالي نتساءل عن مدى وعينا بخطورة وضعيتنا التي لا تكاد تنزاح عن التراث والتقليد ، حتى أصبحنا نعتقد أن التراث والتقليد أساس التقدم ومفتاح الإزدهار ؟ أَلَسْنَا عالة على الدول المتقدمة ؟ أَلَسْنَا في حاجة إلى ساعات إضافية في الدعم والتقوية حتى يتسنى لنا معرفة أن جل ما نراه في الساحة السياسية ليس إلا سيناريوهات وأدوار يلعبها أشخاص يحترفون المسرح والتمثيل ؟ ألسنا في حاجة ماسة إلى منهج يزيح عنا رداء الزيف و الإيديولوجيا ؟ و إلا فما تعنيه لنا تلك التحولات التي كانت أساسا لما تتربع عليه الدول المتقدمة ؟ حقيقة أننا نملك قبة للبرلمان، كما نملك وزارات، كما نملك جامعات، لكن السؤال الذي يبقى مفتوحا ومطروحا هو هل نتوفر على الأشخاص المناسبين في هذه الأمكنة المناسبة ؟؟
إهداء خاص لكل من يشاركنا نفس الإحساس ويقاسمني نفس الشعور وكل من ينادي بشعار(قرا ..أوزيد تعلم) بقلم :يونس السبائك
#يونس_السبائك (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟