أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - شاكر النابلسي - ثقوب في -الشورت- الديمقراطي الأردني















المزيد.....

ثقوب في -الشورت- الديمقراطي الأردني


شاكر النابلسي

الحوار المتمدن-العدد: 1283 - 2005 / 8 / 11 - 11:41
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


نغمات الديمقراطية في الأردن، كانت وما زالت، نغمات أحادية رتيبة، مثلها مثل نغمات "الربابة" البدوية الأردنية، ذات الوتر الواحد التي اشتهر بها الغناء الأردني القديم والحديث. بمعنى أن مسيرة الديمقراطية في الأردن، كانت كما تريدها الدولة، من جانب واحد، وليس كما يجب أن تكون. ومن هنا شبّهنا هذه الديمقراطية بـ "الشورت"، وربما بالشورت الساخن القصير جداً Hot Short ، الذي تلبسه البنات في الصيف على الشواطيء، لستر العورة فقط، وليس لحماية الجسم .

في الأردن، ومنذ 1923، ومن خلال أكثر من ثمانين حكومة، تمَّ تشكيلها منذ ذلك التاريخ حتى الآن؛ أي بواقع حكومة في كل عام تقريباً، بحيث أصبح نادي رؤوساء الحكومات بالأردن يضم عدداً أكبر من رؤساء الحكومات في بلد كبريطانيا أو فرنسا أو اليابان مثلاً منذ القرن التاسع عشر حتى الآن، لم يكن المواطن الأردني مشاركاً في اختيار هذه الحكومات ولم يكن مشاركاً في صرفها أيضاً. فتأتي الحكومة وتذهب دون ارادة الناس. ولذا، فشلت كل الحكومات تقريباً ما عدا الحكومات التي ترأسها وصفي التل، الذي حاول الإصلاح الاداري في نطاق ضيق، ولم يسعفه الزمن، حيث تم اغتياله في القاهرة 1970. ولم تفلح أية حكومة أردنية أخرى في محاربة الفساد الإداري والمالي المستشري في الدولة. كما لم تفلح أية حكومة أردنية في اقرار الديمقراطية، حيث كانت كل هذه الحكومات حكومات ملكية، وليست حكومات شعبية؛ أي أنها كانت غير منتخبة ولكنها مُعينة لأسباب سياسية محلية واقليمية محدودة. علماً بأن انتخاب رؤساء الحكومات من قبل الشعب، كان مطلباً شعبياً نادت به القوى السياسية والأحزاب الأردنية منذ زمن طويل. وكان آخر استطلاع للرأي أجرته جريـدة "الدستور" الأردنية (26/5/2005) واستفتت به 18059 مواطناً أردنياً تبين أن 96 ٪ ( 17466) من المستَفتين، قالوا بوجوب انتخاب رئيس الحكومة من الشعب مباشرة. في حين قال 3٪ (522) فقط بتعيينه. قال الفيلسوف السياسي توماس بين Paine (1737-1809) في كتابه الشهير (حقوق الانسان، 1791) : "الدستور سابق على الحكومة. الحكومة مخلوق دستوري. ودستور أية دولة لا تأتي به الحكومات. ولكن الشعب هو الذي يأتي بالحكومات الدستورية".

ونحن نعتقد أن الوقت قد حان الآن للشعب الأردني، بعد أن بلغ سن الرُشد السياسي، خلال نصف قرن مضى، أن ينتخب حكومته مباشرة بالاقتراع السري، حتى يكون هو المسؤول عن اختياره، وعن نجاح أو فشل هذه الحكومة، وليست أية جهة أخرى في الدولة كما كان الحال طيلة أكثر من نصف قرن مضى.



الدستور ليس كتاباً سماوياً مقدساً


هذا يدلُّ على أن الدستور الأردني، الذي يمنح الملك حق تعيين رئيس الوزراء واقالته متى شاء، والذي وُضع في 8/1/1952 ؛ أي قبل أكثر من نصف قرن من القرن الماضي، وأعطى الملك سلطة مطلقة، من ضمنها صلاحية تعيين رئيس الوزراء واقالته، بحاجة إلى تعديل في هذه المادة ومواد أخرى، كنا قد أشرنا إليها في مقالينا: (ما هي الثورة الملكية التي يحتاجهـا الأردن الآن؟ 31/7/2004)، و (طريق الثورة الملكية الأردنية، 6/8/2004) بحيث يصبح الحكم في الأردن ملكياً دستورياً، كما هو في بريطانيا وبعض الدول الاسكندنافية الديمقراطية الحقيقية، وليس ملكياً مطلقاً كما هو الآن في الأردن، وكما هو في معظم الدول العربية الملكية.

فالدستور ليس كتاباً مقدساً مُنـزلاً من السماء. الدستور هو من الشعب وإلى الشعب ويحكم بالشعب. قال جون مارشال (1755- 1835) رجل القانون الأمريكي : "الشعب هو الذي يضع الدستور، وهو الذي يلغيه. فالدستور مخلوق شعبي، يحيا ويموت بإرادة الشعب". وما من دستور شهدته الإنسانية إلا تمّت عليه تعديلات، وأضيفت اليه ملحقاتAmendments لأن الدستور مرآة الحياة، ولا بُدَّ أن يعكس الحياة التي يمثلها. والحياة تتغير وتتبدل، ولا بُدَّ للدستور أن يجاري هذا التغير والتبدل.

والكتب السماوية ذاتها، كان فيها نسخٌ وتبديلٌ وإبطالٌ لبعض الأحكام، بما يتناسب والعصر الذي جاءت فيه. ولو أن الوحي السماوي بقي مستمراً إلى الآن، لوجدنا أن معظم التشريعات التي وردت في الكتب السماوية لمجتمع كان قائماً قبل قرون طويلة، ولقيم كانت سائدة قبل مئات السنين، قد نُسخت واستُبدلت بتشريعات تتماشى وحياتنا الآن. فما من تشريع سماوي قط، جاء في الكتب المقدسة، وقيل بأنه عابر للتاريخ، وصالح لكل زمان ومكان وإنس وجان. وما انقطاع الوحي السماوي طيلة القرون الماضية، إلا لحكمة، تتمثل في اعطاء الانسان الفرصة الكافية، لكي يضع قوانينه ونظامه بنفسه، بعد أن بلغ الانسان سنَّ الرُشد، كما قال المفكر الإسلامي السوري جودت سعيد (التغيير مفهومه وطرائقه، 1998).



لا يمكن لرجل أن يلبس ملابس طفولته


قال توماس جيفرسون (1743-1820) الرئيس الأمريكي الثالث، وأحد المؤسسين الأوائل للجمهورية، في رسالة بعث بها إلى صموئيل كيرشيفال Kercheval في عام 1816 :

"بعض الناس، ينظرون إلى الدساتير نظرات نفاق. ويعتقدون بأن الدساتير هي العهد وهي الميثاق. وأنها بذلك مقدسة، لا تُمسُّ ولا تُجسُّ. ومثل هؤلاء يُنسبون إلى عصر سابق من الحكمة، وليس إلى البشرية الحاضرة. ويفترضون أن ما وضعوه من دساتير، هو فوق التغيير والتعديل. وأنا بالضرورة لست رجل قانون، لأقول أو أقوم بتغييرات متتابعة في القوانين والدساتير. ولكني أعتقد بأن القوانين والدساتير يجب أن تصاحب جنباً إلى جنب تقدم العقل البشري. فتغيير القوانين والدساتير واجب، كلما تطور العقل البشري، وزاد تنويره، وتكشفت الحقائق، وتغيرت السلوكيات والآراء والقيم. فلا يمكن للرجل أن يلبس ملابس طفولته. كما لا يمكن لمجتمع متحضر الآن، أن يخضع لحكم الأسلاف.



تغيّر الشعب، فلماذا لا يتغيّر دستوره؟


فكيف نطلب من الشعب الأردني الآن الذي أصبح شعباً يمتلك قدراً من الرُشد والحكمة، أن يرتدي الملابس التي كان يرتديها وهو ما زال طفلاً في 1952؟

الشعب الأردني الذي وُضع له الدستور في 1952 ، هو غيره الآن في مطلع القرن الحادي والعشرين على كافة المستويات التعليمية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، وإن كان بحاجة إلى مزيد كثير من التطور الاجتماعي، والتخلّي عن قيم القبيلة (جرائم الشرف مثالاً لا حصراً، التي اضطرت الحكومة الأردنية إلى حماية خمسين من الإناث الضحايا المحتملين، بوضعهن في سجون الدولة، خوفاً من انتقام الأهالي بقتلهن) (وزير الداخلية الأردني عوني يرفاس، "القدس العربي"، 29/6/2005) التي لم تعد تتماشى ومنطق العصر الذي يعيش فيه الأردن الآن.



موجبات تغيير الدستور



1- في عام 1952، كان عدد سكان الأردن لا يتجاوز المليون نسمة، والآن عددهم يتجاوز الأربعة ملايين بمعنى أن هناك ثلاثة ملايين مواطن ليس لهم رأي في الدستور القائم الآن.

2- وفي عام 1952 ، كانت نسبة الأمية في الأردن تتعدى 70 ٪ بين الذكور. وتتعدى 90 ٪ بين الإناث. واليوم انخفضت هذه النسبة إلى أقل من 20٪ بين الذكور، وأقل من 30٪ بين الإناث. وانتشرت المدارس والجامعات والصحف ووسائل الإعلام، التي لم نكن نحلم بها في 1952.

3- وفي عام 1952، كان الأردن ما زال في مرحلة البداوة المتأخرة اجتماعياً، وهو الآن في مرحلة متوسطة بين البداوة والحضرية، ولما يصل بعد إلى المرحلة الحضرية الكاملة .

4- وفي 1952، كان الأردن سياسياً، يضمُّ الضفة الغربية الفلسطينية منذ 1950 ، وانتهى هذا الوضع عام 1967 بعد حرب حزيران وخسران الأردن للضفة الغربية. وأصبح الأردن هو شرق النهر فقط.

5- وفي عام 1952، كان في الأردن قواعد عسكرية بريطانية منذ 1921. وفي 1957 تخلّص الأردن من هذه القواعد بإلغاء المعاهدة الأردنية – البريطانية، واستبدالها بمعاهدة عربية بين الأردن وسوريا ومصر والسعودية، ولكنها للأسف الشديد، لم تجلب للأردن غير الخراب، حيث وعدت الأردن بدفع العشرة ملايين جنية استرليني سنوياً بدلاً من المعونة البريطانية، ولم تفِ الدول العربية بهذا الوعد، ما عدا السعودية (سليمان الموسى، أعلام من الأردن، ص83).

وهناك عدة عوامل، من شأنها أن تدلنا على أن الشعب الأردني قد اختلف وتغيّر، خلال النصف قرن الماضي، وانه يستحق الآن أن يُنظر بدستوره من أجل أن يسترد الشعب بعض حقوقه الدستورية، وعلى رأسها انتخاب رئيس الوزراء بدلاً من تعيينه.



إما حكومة عشائرية، أو لا ثقة!



حكومة عدنان بدران التي تشكلت بعد 5/4/2005 ، مثال واضح وصارخ لضرورة تعديل الدستور الأردني. وخاصة المادة 35 من الدستور الحالي، التي تُقصّر "الشورت" الديمقراطي الأردني، وذلك باعطاء الملك حق تكليف من يشاء بتشكيل الحكومة، واقالة الحكومة متى شاء كذلك. فحكومة الأكاديمي عدنان بدران المُعيّنة وليست المُنتخبة، كباقي أكثر من ثمانين حكومة سابقة في تاريخ الأردن، ظلت تراوح مكانها، دون ثقة من البرلمان، بعد أربعة أشهر من بدء تشكيلها، واضطرت لتعديل وتغيير ثمانية وزراء حسب طلب مجلس الأمة الأردني العشائري، لكي تحظى بالثقة المطلوبة. وبما أن مجلس الأمة الأردني مجلس عشائري وليس مجلساً حزبياً، فقد طلب من الحكومة أن تُدخل في عضويتها وزراء من مناطق لم تكن متمثلةً في التشكيلة الأولى التي تمت، بغضِّ النظر عن خبرتهم العلمية والإدارية والفنية .

إذن، الحكومة كانت مشلولة طوال هذه المدة، بانتظار أن يرضى عن تشكيلها شيوخ العشائر الممثلين في مجلس الأمة الأردني. وهو ما يشير بوضوح الى أن الأردن الذي يُستقبل مسؤولوه بحفاوة بالغة في الغرب، ويُشار له في الإعلام الغربي، وخاصة الأمريكي، بأنه بلد ديمقراطي علماني وحداثي، هو أبعد ما يكون عن الديمقراطية المنشودة، وأبعد ما يكون عن الحداثة السياسية المُبتغاة.

الأردن منذ أكثر من نصف القرن، ومنذ الاستقلال عام 1946، كان وما زال بلداً عشائرياً، تحكمه قيمُ القبيلة والعشيرة التي لم تستطع الأحزاب السياسية في الماضي والحاضر أن تحتل مكانها. وقد ساعد القيم العشائرية الاجتماعية والسياسية على الاستمرار، بل على الاستقواء أكثر فأكثر عوامل عدة، سوف نتحدث عنها في مقال قادم.



#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا لم يُفتِ أحد بقتل ابن لادن حتى الآن؟
- الدستور العراقي ومسؤولية الليبراليين
- وباء الديكتاتوريات يلتهم المليارات
- كيف سيثأر العرب لقتلاهم؟
- كفى ضحكاً على ذقون الفلسطينيين
- العرب وصمت القبور !
- هل يريد الأصوليون حقاً قتل القمني، ولماذا؟
- سيّد القمني: بئس المفكر الجبان أنت!
- الليبراليون الجُدد أبناء المستقبل
- ذوقوا عذاب الإرهاب الذي كنتم به تستضيفون
- هل دُودَنا مِن خَلِّنا، أَمْ مِن خَلِّ الآخرين؟!
- -الإخوان الموحدون-، بدلاً من -الإخوان المسلمين-
- هل ستبقى المرأةُ السعوديةُ مُكرّسةً للعَلَف والخَلَف فقط؟!
- -الزلفيون- والمسألة النسوية السعودية
- لماذا العفيف الأخضر ضرورة الآن؟
- هل سيأتي الإخوان المسلمون بالطوفان الأكبر؟
- هل سيدخل الإخوان المسلمون القفص الذهبي؟
- كيف كانت الأصولية عائقاً سياسياً للعرب؟
- هل بقي ببيروت مكانٌ لقبر آخر؟
- حصاد التوغّل الأمريكي في الشرق الأوسط


المزيد.....




- مزارع يجد نفسه بمواجهة نمر سيبيري عدائي.. شاهد مصيره وما فعل ...
- متأثرا وحابسا دموعه.. السيسي يرد على نصيحة -هون على نفسك- بح ...
- الدفاع الروسية تعلن حصيلة جديدة لخسائر قوات كييف على أطراف م ...
- السيسي يطلب نصيحة من متحدث الجيش المصري
- مذكرات الجنائية الدولية: -حضيض أخلاقي لإسرائيل- – هآرتس
- فرض طوق أمني حول السفارة الأمريكية في لندن والشرطة تنفذ تفجي ...
- الكرملين: رسالة بوتين للغرب الليلة الماضية مفادها أن أي قرار ...
- لندن وباريس تتعهدان بمواصلة دعم أوكرانيا رغم ضربة -أوريشنيك- ...
- -الذعر- يخيم على الصفحات الأولى للصحف الغربية
- بيان تضامني: من أجل إطلاق سراح الناشط إسماعيل الغزاوي


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - شاكر النابلسي - ثقوب في -الشورت- الديمقراطي الأردني