|
برهان غليون يرثي انحلال الطوائف
فؤاد النمري
الحوار المتمدن-العدد: 4549 - 2014 / 8 / 20 - 14:03
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قبل أن أدلف إلى التعليق على مرثاة غليون يُستوجب مني التساؤل .. ما عسانا نقول في محاضر يهتبدنا محاضرة ثم لا يلبث أن يدير لنا ظهره ويمشي كما يفعل عدد من كتاب "الحوار المتمدن" إذ يطلبون من هيئة التحرير أن تمنع التعليق على مقالاتهم ؟ ـ كنا قد نبهنا التحرير إلى أنه لا يجوز منع الحوار في موقع اسمه " الحوار المتمدن "، وأكدنا أن المقالة حال نشرها لا تعود للكاتب ليرفض التعليق عليها، كما لا يجوز لهيئة التحرير أن تقوم بدور رقيب الصحافة (censorship) . الفكرة الأولى التي ترد إلى الأذهان، وربما الوحيدة في أحايين كثيرة، هي أن المحاضر يدرك أنه قد أتى بأفكار لا يوافق عليها الحضور وهو مع ذلك لا يرغب في مناقشتها معهم لأحد سببين أولهما هو ظنه أن الحضور أقل منه علماً وأنهم ليسوا في مستوى محاورته ولا يريد أن يشغل نفسه بضجيجهم ، وثانيهما هو معرفته المسبقة أنه قد أتي بما لا يؤتى به وعلى المتلقين أن يتلقوه دون اعتراض . ترتب علينا أن نشير إلى هذه المسألة غير الديموقراطية وغير المقبولة، ولأن السيد غليون إضطرنا إلى كتابة مقالة بكل أثقالها المعروفة بدل تعليق سريع على مرثاته بعد أن منع التعليق بطلب منه بالطبع . ثم ما دعانا إلى التعليق هلى مرثاة غليون المستغربة هو أن غليون نفسه ليس فقط عضواً بارزا في الإئتلاف الذي يقود انتفاضة الشعب السوري ضد طغمة الأسد بل كان أيضاً الرئيس الأول للمجلس الوطني الذي أنيط به قيادة الإنتفاضة .
كتب السيد غليون، الرئيس الأول للمجلس الوطني قائد الإنتفاضة، في موقع الحوار المتمدن يوم الجمعة في 15/8/014 تحت عنوان " المشرق بين تفكك الطوائف وانحلال الدول " يقول .. " أن المشكلة ليست في وجود الطوائف، أو بقائها، وإنما في انحلالها، وما عناه ذلك من حرمان الفرد من حد أدنى من الرعاية والتضامن والهوية واللحمة الاجتماعية التي كانت تقدمها له، وما خلفه من أنقاض وركام فكري وسياسي وبشري هو الذي يحيط بنا اليوم من كل جانب، ونرتطم به أنى توجهنا، ويعيقنا عن بناء مشاريعنا السياسية والثقافية والاجتماعية، ويفاقم التشوش والفوضى التي تقيد تفكيرنا ومسيرتنا " .
أغرب ما في هذا الإفتراض الجهول والذي يفتقد لكل معاني العلوم السياسية ـ وغليون أستاذ فيها ـ هو أن يفترض مثل هذا الإفتراض الجهول مواطن سوري، أكان مشاركاً في الانتفاضة أم لم يكن، خليك عن أنه القائد الأول للإنتفاضة . المفهوم العام بين المراقبين والمحللين هو أن الإنتفاضة السورية قامت بصورة عامة بسبب تهميش أهل السنة والجماعة لصالح العلويين من أهل الشيعة . ذات الشيء يجري في العراق وكذلك في لبنان، فلماذا يفترض غليون العكس تماماً في سوريا ؛ ولماذا هناك مشكلة في انحلال الطوائف " وما يخلفه من أنقاض وركام فكري وسياسي وبشري " كما يدعي !؟ وهكذا فمن يقرأ غليون هنا سيظن أن الإئتلاف لم ينجح حتى اليوم في إقامة دولة تطيح بطغمة الأسد لأن السوريين فقدوا طوائفهم وهو ما اسندعى فقدانهم التضامن والهوية واللحمة الإجتماعية !! كيف يجوز لغليون أن ينكر أي رابط يربط بين جنود وفصائل الجيش الحر أو جنود وفصائل المنظمات الأخرى التي تبذل دماً غزيراً في حربها على عصابة الأسد ؟ لماذا ينتفض الشعب السوري للقضاء على عصابة الأسد طالما أنه بوصف غليون مجرد " أنقاض وركام فكري وسياسي وبشري " ؟ كيف لغليون أن يأتلف في إئتلاف يستخدم " أنقاض وركام فكري وسياسي وبشري " للإطاحة بعصابة الأسد ؟ إلا يعني ذلك أن غليون وهو أول رئيس لأول مجلس وطني يقود الإنتفاضة يقرر فشل الإنتفاضة مسبقاً !؟ ولئن كان هذا هو رأي غليون فلماذا هو حتى اليوم لم يطوِ راياته الثورية وينسحب من الإنتفاضة الفاشلة برأيه !؟ الأستاذ الدكتور برهان غليون مجاز في الفلسفة لكنه مع ذلك يدرس العلوم السياسية في جامعة مرموقة هي جامعة السوربون في باريس . ولأن الفلسفة لا علاقة لها بالسياسة أو بعلم الإجتماع السياسي المشتبك مع علم الإقتصاد اشتباكاً شاملاً لذلك تجد الأستاذ غليون يعطي رأياً في غاية الغرابة فيما يخص الدولة إذ يقول .. " شريحة او نخبة من المجتمع متحررة من رهاناتها الطائفية والمذهبية والعشائرية ومتماهية مع الدولة بوصفها التعبير عن الفضاء العام والمصالح العمومية " . لم تكن الدولة يوماً فضاءً عاماً فالمجتمع يتشكل على شكل الدولة . تتحدد طبيعة الدولة قبل أن تتحدد طبيعة المجتمع . الثورة التي تطيح بالمجتمع القديم تلد الدولة أول ما تلد ولا تلد مجتمعا جديداً منتظما ليشكل دولته على صورته ومثاله . دولة لينين الإشتراكية تشكلت في روسيا القيصرية في نوفمبر 1917 لكنها لم تقرر تطبيق الإشتراكية إلا في العام 1921 ولم تبدأ في تطبيقها فعلياً قبل العام 1928 أي بعد أحد عشر عاماً من قيام الدولة الاشتراكية . الدولة البورجوازية قامت أصلاً في فرنسا قبل تشريع كل القوانين البورجوازية وشروط الإقتصاد البورجوازي . الإئتلاف السوري هو أيضاً لا يمكنه إقامة دولة المواطنة الحرة الديموقراطية التي يدعو إليها في سوريا قبل أن يطيح بدولة عصابة الأسد ويشكل دولته الخاصة به . الدولة تشكل المجتمع وفق شكلها وهي لذلك لم تكن يوماً فضاءً عاماً . وما يزيد غرابةً في استغرابنا هو إدعاء غليون أن " شريحة او نخبة من المجتمع متحررة من رهاناتها الطائفية والمذهبية والعشائرية ومتماهية مع الدولة " تتطوع لإشغال فضاء الدولة كي تقوم الدولة بخدمة المصالح العامة !! كيف لامرئٍ ذي نصيب من العلم والثقافة ولو بحدودهما الدنيا يدعي بمثل ما ادعى به أستاذ العلوم السياسية في جامعة السوربون في باريس الدكتور برهان غليون وهو أن الدولة تتحدد ماهيتها قبل أن يتحدد أصحاب هذه الدولة والقابضون على السلطة فيها . لئن كان الدكتور غليون يعلم أن أحداً يحدد ماهية الدولة سلفاً غير الله فليتفضل علينا بالإفصاح عنه ! ولئن كان الدكتور غليون يعلم أن وظيفة الدولة غير الحفاظ على النظام القائم فليتفضل علينا بالإفصاح عن ذلك ! ولئن كان الدكتور غليون يعلم أن النظام القائم الذي تحرسه الدولة وتحافظ علية هو نظام يقوم على خدمة المصالح العامة للأمة فلتقضل علينا لتأكيد ذلك ! لم يحدث في التاريخ أن قامت دولة تخدم مصالح الأمة كما يدعي الدكتور غليون فوظيفة الدولة وطبيعتها تحددهما أدوات الإنتاج وحدود كفاءتها في الإنتاج وحيث أن هذه الأدوات وقوى الإنتاج لا تستطيع إنتاج ما يكفي لإشباع احتياجات الأمة كاملة فيترتب عندئذٍ أن تقوم الدولة بحراسة قصور قوى الإنتاج عن إشباع احتياجات الأمة وإرغام المحرومين على القبول بالفقر والحرمان . وهكذا فإن وظيفة الدولة العامة هي استخدام قوى القمع في حراسة امتيازات الطبقة الحاكمة التي تملك بصورة عامة الإنتاج القومي وأدوات الإنتاج . ما من دولة قامت أو ستقوم في التاريخ وخدمت أو ستخدم المصالح العامة إذ أن وظيفتها تتحدد بما يخدم مصالح الطبقة المهيمنة على الإنتاج وأدوات الإنتاج . لم يظهر عبر التاريخ أي دولة إلا وكانت دولة طبقية تخدم طبقة بعينها ولا تخدم مصالح الأمة . حتى الدولة الإشتراكية فهي لا تخدم المصالح العامة أي مصالح الجميع حيث تتركز وظيفتها في خدمة طبقة العمال وتشديد الخناق على طبقة البورجوازية الوضيعة . المصالح العامة لمجموع الأمة تتأمن فقط في الحياة الشيوعية حيث لا دولة حينذاك .
ما حمل السيد غليون إلى افتراضات لا مكان لها في الواقع هو إفتراضة أن الإنسان حيثما كان في الدول المنحلة قد أحرق كل هوياته وليس هويته الطائفية فقط الأمر الذي شكل للنخبة التي احتفظت بهويتها الطائفية وغير الطائفية، كما تشي افتراضات غليون، حائطا ترتطم به أنّى توجهت . قد يحرق الإنسان كل هوياته الملونة غير أن هوية واحدة بعينها لا يستطيع حرقها قبل أن يتوفى وهي هويته الطبقية ؛ كيف يحصّل الإنسان أسباب حياته ذلك يحدد هويته الطبقية التي يدافع عنها طالما أنها توفر له أسباب الحياة . العصابات التي اختطفت الدولة في بلدانها حال انهيار طبقة البورجوازية الدينامية التي قادت حركة التحرر الوطني نتيجة لتراجع الثورة الاشتراكية العالمية، مثل عصابة الأسد في سوريا وعصابة بومدين في الجزائر وعصابة القذافي في ليبيا وعصابة صدام حسين في العراق وغيرها، وغيرها ..، هذه العصابات لا تنتمي لأي طبقة من طبقات المجتمع ؛ لقد أحرقت هويتها الطبقية ولذلك تراها عارية من كل مشروع اجتماعي تنموي ؛ كذلك هو حكم العصابة . وعليه كان الربيع العربي هو نهوض مختلف الطبقات في المجتمع دون استثناء في انتفاضة تطيح بالعصابات الحاكمة المغرّبة عن المجتمع ومنها عصابة الأسد .
ما حمل السيد غليون إلى مثل هذه المقاربة الجهولة والفجة للإنتفاضة في سوريا هو استعصاء الإطاحة بالأسد رغم تقوق الشعب السوري بالتضحية بمئات ألوف الشهداء من غير الوصول إلى النتيجة المرجوة . مقاربتي للموضوع تختلف تماماً عن مقاربة غليون وتتمثل بانتفاضة الشعب الجزائري في التسعينيات وقد فشلت في الإطاحة بحكم الجنرالات شركاء المقبور بومدين بعد تقديمها أكثر من ثلاثمائة ألف شهيد . المخابرات السوفياتية (KGB) كانت قد كلفت بومدين (1964) في الجزائر والأسد (1970) في سوريا بالإنقلاب عسكرياً على القادة الاشتراكيين في ذينك البلدين والقضاء على الثورة الاشتراكية المتعاظمة فيهما والقمع الشديد للحريات، وقد قاما بوظيفتهما بحرفية عالية، ربما بتوجيهات المخابرات السوفياتية . ما كان الأسد الصغير ليصمد كل هذا الصمود إلا بدعم قوي من روسيا وليس لفقدان قوى الإنتفاضة لطائفيتها . الشعب السوري بمختلف طبقاته وطوائفه يواجه اليوم روسيا المخابراتية العظمى وايران الملالي القتلة ومعهما شيعة العراق وشيعة لبنان ؛ تهدمت سوريا على رأس شعبها دون أن يفقد الشعب روحه الثورية وبسالته القتالية وهو ما يثير الإعجاب والدهشة، لكن غليون قائد الإنتفاضة الأول بدلاً عن ذلك يتجرأ على وصفة بالركام البشري فاقد الهوية ويشكل سداً يرتطم به غليون كلما همّ بالتقدم !! المخابرات الروسية تؤمل أن ينهزم الشعب السوري كما كان الشعب الجزائري قد انهزم في التسعينات لكن ذلك أمل الرجعيين الأغبياء حيث لم يكن ربيع في التسعينيات . لئن كانت الولايات المتحدة لا تقوم بواجباتها الدولية لأنها تخشى مواجهة روسيا في سوريا فالشعب السوري الأعزل إلا من الإيمان بحقوقه الديموقراطية لا يخشى من مواجهة روسيا وإيران ومعهما عصابات شيعية من العراق وعصابة حزب الله . لن تنهزم انتفاضة الشعب السوري كما كانت قد انهزمت انتفاضة الشعب الجزائري وستنتصر ولو بعد تقديم ثلاثمائة ألف أخرى من الشهداء . الهوية المعمدة بالدم التي يجترحها الشعب السوري ليس بقوتها هوية أخرى سوى هوية أبطال ستالينغراد .
#فؤاد_النمري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رسالة مفتوحة إلى سعد الحريري
-
الماركسية والخارجون على القانون (تابع 5)
-
الماركسية والخارجون على القانون (تابع 4)
-
الماركسية والخارجون على القانون (تابع 3)
-
الماركسية والخارجون على القانون (تابع 2)
-
الماركسية والخارجون على القانون (تابع)
-
الماركسية والخارجون على القانون
-
الماركسية هي دستور الحياة وناموسها
-
ماو تسي تونغ صمت دهراً ونطق كفراً (3/3)
-
ماوتسي تونغ صمت دهراً ونطق كفراً (2/3)
-
ماوتسي تونغ صمت دهراً ونطق كفراً (1/3)
-
الديموقراطية السوفياتية المثلى
-
السياسيون لا يُستشفَون
-
الحزب الشيوعي يخون الثورة مرة واحدة فقط
-
تفاقم المديونية إنّما هو إنعكاس لانحطاط المجتمع حتى الإنهيار
-
إلى الرفيق عبد الرزاق عيد
-
ماذا وراء تهرؤ النقود حتى الإنهيار
-
الوطنية هي الملاذ الأخير للأوغاد
-
حصن الماركسية الحصين (4)
-
حصن الماركسية الحصين (3)
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|