|
ثورات مصنوعة من خيوط واهية سريعة التمزق
تميم منصور
الحوار المتمدن-العدد: 4547 - 2014 / 8 / 18 - 21:42
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عندما كانت الانقلابات العسكرية هي الوسيلة الوحيدة المتبعة لتغيير انظمة الحكم في العديد من الاقطار العربية ، كنا نتابع رغم حداثة سننا الاغاني والاناشيد والبيانات الصادرة عن وسائل اعلام الانقلابين في هذه الاقطار ، لأننا من خلال هذه البيانات والاغاني كنا نقرأ الوجهة السياسية لهذه الانقلابات ونعتبر وقوعها عهداً جديداً سنتخلص من خلاله من الانظمة الفاسدة . فاذا لم تتضمن هذه البيانات ادانة للسياسة الامريكية وطوابير القوى المتذيلة بها ، ندرك بأن هذا الانقلاب هو مجرد من كل توجه قومي وطني اشتراكي ، لأنه ليس اكثر من صراع بين العسكريين والقوى السياسية الأخرى على السلطة . اما اذا كانت البيانات والاغاني قريبة من نبض ثورة تموز المجيدة في مصر وغير معادية لكتلة الدول الاشتراكية فهذا يعني بان نظاما عربيا جديدا سوف يضاف الى مجموعة الدول العربية الثورية المعادية للإمبريالية وحلفائها في المنطقة . هذه القراءة في سيناريوهات الانقلابات العسكرية عادت اليوم من جديد ولكن بزي سياسي واجتماعي مختلف أشبه بزي مصنوع من خيوط واهية سريعة التمزق ، خاصة بعد حدوث تحولات جوهرية في تغيير انظمة الحكم داخل العديد من الاقطار العربية ، فقد استبدلت الدبابات وطوابير العسكر التي كانت تطبق على العاصمة واذاعة البيان رقم واحد ، استبدلت بالحشود الجماهيرية التي اجبرت الحكام على التنحي عن عروشهم ، كما حدث في تونس وفي مصر زمن مبارك . لكن طابع الغوغائية والعفوية طغى على هذه الهبات الشعبية وابعدها عن مضمون الثورات الشعبية الحقيقية التي افرزت انظمة ثورية ، والسبب ان هذه الهبات الغاضبة لم يكن لها نهجاً ثابتاً او فكراً وطنياً اجتماعيا مدروساً ومنظما ً، لذلك من الصعب اضافتها الى سجلات الثورات الشعبية التي قامت في العديد من الدول في العالم ، كالثورة الشيوعية في روسيا ، أو الثورة الفيتنامية او الكوبية او الجزائرية ، ولا حتى ثورات ربيع الشعوب في اوروبا . نقاط الضعف في هذه الهبات الشعبية كون غالبية المشاركين فيها غير متمرسين بالسياسة وغير منظمين بحركات او احزاب متجذرة داخل طبقات الشعب المصري الكادحة ، احزاب ذات تطلعات ارستقراطية همها الوحيد المشاركة في السلطة ، غالبية هؤلاء الشباب لا يعرفون سوى ثقافة الوقوف بالطوابير تسيرهم فتاوى شيوخ الاغراء بالحواري وانهار العسل . كان من السهل ملء الفراغ السياسي الذي سببه سقوط قادة الانظمة في الاقطار المذكورة بعصابات دينية سياسية من الاخوان المسلمين وغيرهم ، لأن هذه العصابات تعتبر الأطر الوحيدة تقريباً التي تملك فكراً سياسياً منظماً رغم كونه غريبا عن هذا العصر ، هذا ما حدث في كل من تونس ومصر وليبيا ، لكنه فشل في سوريا ولبنان ، بسبب وقوف الشعبين السوري واللبناني في وجه هذا الفكر الفئوي الظلامي . لم يصمد نظام الحكم الذي جاء عقب الهبات الشعبية طويلاً ، ففي تونس انقلبت المجموعات الاصولية التي سرقت الثورة بقيادة الاخوان المسلمون على بعضها البعض فقد ارتد سحر هؤلاء الاخوان الذين شجعوا ودعوا للجهاد في سوريا عليهم ، واصبحوا اليوم يحاربون التكفيرين الذين اعدوهم لتدمير سوريا ، اما في مصر فقد رفضت غالبية القوى الشعبية حكم الاخوان المسلمون وعادوا للشوارع من جديد منتظرين نظاماً ثورياً حقيقياً قادراً على اعادة مصر لذاتها ، كي تأخذ دورها الريادي في قيادة هذه الأمة بعد ان انحرفت عن مساراتها الثورية بفضل اموال النفط الخليجية . بعد سقوط حكم الاخوان في مصر انتظر الجميع ولادة مصر جديدة تواجه التحديات من خلال ترميم كتلة عدم الانحياز واقامة كتلة عربية وطنية تقدمية تساهم في تطهير الشرق الاوسط من دنس النفوذ الامريكي الصهيوني الفئوي وتتصدى لكل مخططات الرجعية العربية ، حليفة لمحور المقاومة بكافة اطرها السياسية والاجتماعية . لكن افرازات الثورة الثانية التي حررت مصر من كابوس الاخوان المسلمين افرزت اطاراً اخوانياً آخر بقيادة السيسي ، فالإخوان بقيادة مرسي عادوا وربطوا مصر بقاطرة امريكا وتركيا ، اما اخوان السيسي فعادوا وربطوها بقاطرة السعودية وامريكا والامارات واسرائيل ، القاسم المشترك بين الاخوانيين هو استمرار العداء لمحور المقاومة الذي يضم ايران وسوريا وحزب الله . لقد كشف العدوان الاسرائيلي على غزة المعدن الحقيقي للقيادة الجديدة في مصر بقيادة السيسي ، لأن ممارسات وردود فعل هذه القيادة اتجاه العدوان مطابقة تماما لما كانت عليه زمن حكومة مبارك وحكومة مرسي ، هذا يؤكد بان مصر لم تعد تؤمن باي شيء اسمه اجماع قومي ، ولم تملك اية استراتيجية لدعم الشعب الفلسطيني من اجل نيل حريته واقامة دولته لا على المدى القريب ولا على المدى البعيد . الرأي والموقف الوحيد الذي اتفقا عليه الوفدان الفلسطيني والاسرائيلي المشاركان في مفاوضات تثبيت وقف اطلاق النار هو عدم نزاهة رئيس الوفد المصري في هذه المفاوضات ، فقد اعترف محللون اسرائيليون في القناة العاشرة بان مصر غير معنية بان تحصل المقاومة في غزة على أي مكسب سياسي خلال هذه المفاوضات نكاية بحركة حماس ، وهذا هو العار بحد ذاته ، كذلك فان احد اعضاء الوفد الفلسطيني المفاوض اتهم رئيس الوفد المصري بالمماطلة وعدم الجدية واتهمه بانه يقوم بتسويف وتشويه مطالب الوفد الفلسطيني كي تعتبرها اسرائيل مستحيلة ولا تستجيب لها ، مما جعل البعض يشكك بان مصر طرفا في العدوان بطريقتها الخاصة . ازاء هذه السياسة الضبابية المصرية اتجاه العدوان واصرارها على التذيل وراء امريكا ورؤوس الرجعية في السعودية ودول الخليج الاخرى لا بد من طرح سؤال للقوى الناصرية وللعديد من رموز الفكر الناصري خاصة المفكر محمد حسنين هيكل الذين قادوا حملة السيسي الانتخابية واعتبروه منقذ مصر والعروبة حتى ان هيكل وصفه برجل المرحلة وفضله عن رجل المهمات وصاحب الباع الطويل في الناصرية وفي الشارع المصري " حمدين صباحي " . نسأل اين انتم اليوم من هذا التخبط وسياسة الزحف على البطون للسير في فلك اكثر الانظمة تخلفا واستبدادا ودعما للأرهاب وهي السعودية ؟؟ لماذا ملأ هيكل فمه بمياه النيل حتى لا يصرخ في وجه النظام الذي ساعده بالوصول الى السلطة لأن هذا النظام لم يصدر بيانا واحدا يدين من خلاله موقف امريكا وحلفائها الذين دعموا العدوان الذي اودى بحياة ما يقارب 600 طفل فلسطيني عدا عن الشباب والنساء والشيوخ والتدمير الكامل ، ماذا يقول هيكل وصحبه وهم يشاهدون تجاهل الاعلام المصري للجرائم الاسرائيلية في قطاع غزة . ومن مهازل المقارنة اكدت صحيفة " اسرائيل اليوم " بان روح العداء الذي تبديه العديد من القنوات الفضائية المصرية للمقاومة الفلسطينية تفوق في حقدها وبذاءتها وبث روح العداء الذي تبثه القنوات الاسرائيلية ؟ هل اصبح هيكل هو الآخر يؤمن كما آمن من قبله عمر سليمان واحمد نظيف وابو الغيط بان المقاومة الفلسطينية تسعى لإقامة دولة فلسطينية في شمال سيناء ؟؟ ان احلام هيكل وتحليلاته كانت وستبقى كالسراب ، بعيدة عن الواقع ، وحان الوقت للاعتراف بانها اوقعت المصريين خاصة والعرب عامة في مطبات واثبتت بانه يوجد للسياسة كهنتها وسحرتها وهيكل احد هؤلاء الكهنة والسحرة الذين لم نعد نعرف
#تميم_منصور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كذبة اسمها العروبة
-
بين تموز لبنان وتموز غزة السفاح واحد
-
صراع المصالح فوق الجسد الفلسطيني
-
ماركات احتلالية خاصة بالصهيونية
-
النقد البناء كسكين الجراح الذي يجرح ليشفي
-
لكل زمن وموقف دايتون جديد
-
قلة الشغل تعلم مفكر النيتو التطريز
-
عندما يبكي السجان دموع النفاق
-
في انتظار طيور سنونو جديدة قادمة الى اسرائيل
-
بين أنصار المخلوع وانصار المعزول حبل من مسد
-
النقد هو الجانب الآخر للحقيقة
-
قاطرة المفاوضات تبحث عن سكة حديد واضحة
-
تركيا واسرائيل توأم سيامي في قهر الشعوب
-
مصالحة نتنياهو اردوغان سكاكين جديدة فوق الجسد الفلسطيني
-
في حكومة نتنياهو تعددت الضفادع والنقيق واحد
-
طقع حكي بماركة صهيونية
-
اليمين الاسرائيلي يريد انتفاضة ثالثة
-
لكل قديس نزوة
-
الجيش خاسر إن لم يربح الحرب والمقاومة رابحة إن لم تخسرها
-
الازمات تلد الهمم
المزيد.....
-
ماذا نعرف عن صاروخ -أوريشنيك- الذي استخدمته روسيا لأول مرة ف
...
-
زنازين في الطريق إلى القصر الرئاسي بالسنغال
-
-خطوة مهمة-.. بايدن يشيد باتفاق كوب29
-
الأمن الأردني يعلن مقتل مطلق النار في منطقة الرابية بعمان
-
ارتفاع ضحايا الغارات الإسرائيلية على لبنان وإطلاق مسيّرة بات
...
-
إغلاق الطرق المؤدية للسفارة الإسرائيلية بعمّان بعد إطلاق نار
...
-
قمة المناخ -كوب29-.. اتفاق بـ 300 مليار دولار وسط انتقادات
-
دوي طلقات قرب سفارة إسرائيل في عمان.. والأمن الأردني يطوق مح
...
-
كوب 29.. التوصل إلى اتفاق بقيمة 300 مليار دولار لمواجهة تداع
...
-
-كوب 29-.. تخصيص 300 مليار دولار سنويا للدول الفقيرة لمواجهة
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|