أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - نضال الربضي - بوح في جدليات – 6 – ارتدي ثيابك َ لقد تأخرنا.















المزيد.....

بوح في جدليات – 6 – ارتدي ثيابك َ لقد تأخرنا.


نضال الربضي

الحوار المتمدن-العدد: 4547 - 2014 / 8 / 18 - 02:39
المحور: حقوق الانسان
    


بوح في جدليات – 6 – ارتدي ثيابك َ لقد تأخرنا.

نهض من النوم ِ برأس ثقيل و جسم ٍ مُنهك، لم يعد الشرب ُ يعفيه ِ من الشعور ِ بالوحدة ِ و الضعف، و أصبح يفكر في الموت كثيرا ً و يتمناه أكثر من أي وقت ٍ مضى. مضت عشر ُ سنوات ٍ منذ أن توفت زوجته و غدا يقينه أنها قد انتهت يثير أفكارا ً متضاربة ً في نفسه فلم يكن يدرك أنها تحتل من نفسه هذه المساحة و أنه متعلق ٌ بها لهذه الدرجة، و عندما ألح عليه شعوره الجنسي و جاء ببائعة هوى إلى البيت لم يطق منظرها و هي تدخل الغرفة لتستلقي على الفراش مكان زوجته الراحلة، وأحس بالألم، و الخوف، و الخجل، و الغضب، و الرغبة في البكاء في نفس الوقت، فناولها ما اتفقا عليه و طلب إليها أن تغادر بأدب شديد دون أن يلمسها وسط ذهولها.

التقط سماعة الهاتف و طلب الرقم فجاء صوت مُحدِّثه من الطرف الآخر:
- ألو، مستشفى "المحطة الأخيرة"، كيف يمكنني مساعدتك؟
- عفوا ً أبحث ُ عن استشارة ٍ بخصوص إنهاء حياتي.

- بالتأكيد، سأحولك إلى قسم الراحة الأخيرة.
- شكرا ً لك.

- أنا الدكتورة نِعمة، أهلا ً بك، يمكنك أن تتحدث معي، تفضل.
- أريد أن أنهي حياتي، ماذا علي أن أفعل؟

- يوفر المستشفى عندنا طرقا ً كثيرة للاختيار، فمثلا ً لدينا خيارات لمن يحبون أن يرتاحوا بهدوء، بينما البعض يفضل أن يذهب بصخب، و هناك أيضا ً خيارات ٌ خاصة.
- خيارات خاصة؟ ماذا تشمل؟

- البعض يفضل أن يذهب و هو يعذب بعض الحيوانات أو يقوم بجلد متطوعين، و آخرون يودون أن يُجلدوا و هم يرتاحون ، و نحن نقدم هذه الخدمة مرة واحدة في الأسبوع و لدينا حجز مسبق و الجدول ملئ لشهرين، لذا إذا رغبت يجب أن ....
- لا داعي، أفضل نهاية ً هادئة.

- في هذه الحالة، أوصي لك بالسيانيد، يسبقه إبرة مخدرة حتى لا تشعر بالألم، سيسري مفعول المخدر في ثوانٍ ثم سنقوم بوضع قرص ٍ صغير بين أسنانك و نضغطهما فيسري السم في جسدك في الحال دون أن تحس. يستغرق الموضوع بأكمله أقل من دقيقة.
- يبدو هذا الخيار جيداً.

- كيف تريد التعامل مع جسدك بعد موتك؟ دفن ٌ أم حرق؟
- أرجو حرقة بالكامل و وضع رماده في زجاجة، هل تستطيعون إرسالها لولدي؟

- بالتأكيد سيدي، اترك لنا العنوان و سنقوم بإيصالها حسب طلبك.
- نعم نعم هذا جيد، متى يمكنني الحضور؟

- تفضل في الغد في الساعة العاشرة ِ صباحا ً، علينا أن نقوم بتعبئة بعض النماذج القانونية، و سيمضي كل شئ ٍ على ما يرام.
- شكرا ً لكِ.

أغلق السماعة ثم دخل َ إلى الحمام، خُيِّل َ إليه أن الدوش يبصقُ عليه الماء، و زاد شعوره من انحناء رأسه، و ألم ِجسده المترهل. خرج و استلقى على الكنبة كما هو دون ثياب، مُبتلا ً، ساهما ً، ثم نهض َ و فتح َ الشباك فدخلت نسمة ُ هواء ٍ من البلكونة اقشعر َ لها بدنه فعاد فاستلقى مجددا ً على الكنبة.

في اليوم التالي ذهب َ إلى المستشفى حسب الموعد، تحدَّث إلى الطبيبة نعمة و استكمل الإجراءات القانونية، كان القانون يقضي بوجوب مرور شهر ٍ كامل بين توقيع النماذج و تنفيذ عملية ِ الموت، لكي يُترك المجال للتراجع و مراجعة الذات. أحس أنه يريد أن ينتقم من الحياة و من الدنيا و من جسده الضعيف و من كل شئ، فاستباح َ كل شئ، هاتف أحد أصدقائة القدماء و طلب منه جرعات من المخدرات أتاه بها، و تعاطياها، ثم خرج و أتى ببائعة هوى ضاجعاها سويا ً و بدون واقي لمرات ٍ كثيرة، مارس شذوذا ً لم يطقه عندما كان شابا ً و انحدر في الفسوق ِ حتى بصق َ على وحهه في المرآة ِ، و في اليوم التالي خرج إلى الشارع و قاد سيارته بطريقة ٍ جنونية، صرخ َ في المارة و في الشرطي، و في السائقين الآخرين، و شتمهم، ثم دخل إلى المطعم و طلب أشياء ً كثيرة، أكل بعضها، و ترك المعظم، ثم خرج دون أن يدفع، و عندما حاول النادل إيقافه دفعه في صدره و خرج.

فعل في هذا الشهر كل ما كان يعزف عنه طوال عمره، اتصل بصديق ٍ قديم و أخبره رأيه فيه بصراحه، قال له أنه يعتقد أن أحمق و أن زوجته تخونه مع صديق ٍ آخر، و بعث برسالة ٍ إلى عضو الحزب ِ الذي انتخبه وجه له فيها سيلا ً من شتائم مقذعه بذيئة نادرا ً ما تفوه بها. زار رئيسه القديم في العمل و وجه َ له ضربة ً في منتصف ِ وجهه و عندما سقط على الأرض ركله بقوة و نعته بالحمار الذي لا يفهم شيئا ً.

لم يسلم منه أحد، حتى صورة ُ زوجته الراحلة رماها على الأرض فكسر بروازها ثم داسها بقدمه التي أدماها خليط الزجاج و برواز الصورة، و تركها على الأرض لأيام ثم التقطها و بكى فاختلطت دموعه بالدم الناشف ِ البني الذي نزفه وقتها. "سامحيني" ظل يردد ثم نام و الصورة ُ فوق صدره تضغطها ذراعاه المشبوكتان بقوة إلى صدره.

ذهب إلى المستشفى في الموعد المضروب له، استقبلوه ُ بابتسامات ٍ باردة، تحمل في طياتها الموت الذي سيقدم له الراحة الأخيرة، تقدم منه الأطباء مصحوبين بالمحامي و الشهود حسب القانون، و سألوه إن كان يرغب في إتمام العملية، فأجاب بالإيجاب، سألوه هل يشعر بأي شك في عزمه و لو قليلاً، فأجاب بالنفي.

بدأت الإجراءات، فحقنوه بالمخدر الذي غيـّـَبه عن الوعي، ثم وضعوا قرصا ً صغيرا ً بين أسنانه و شدوا على فكيه قليلا ً فانتشر ما فيه من سمٍّ في جسده، فمات في ثوانٍ، سجلت الأجهزة ُ المربوطة ُ بجسده عملية الموت، و تركوه نصف ساعة ٍ للتأكد ثم أدخلوه الفرن الحارق حيث تحول إلى رماد وضعوه في زجاجة.

أرسلوا الزجاجة َ إلى ولده حسب طلبه داخل طرد ٍ معد ٍّ خصيصا ً لهذه الحالات مع رسالة عامة تشرح محتوى الزجاجة مُرفقة بالوثائق القانونية التي تُثبت العملية و تشهد على قانونيتها.. فتح ابنه الباب و تسلم الطرد المغلق دون أن يعلم ما فيه، جاءت زوجته من الداخل:

- حبيبي، لقد تأخرنا، اليس عليك أن ترتدي ثيابك؟ اليوم عيد ميلاد أبيك و ستكون مفاجأة ً جميلة ً له! لم نره منذ سنتين!
- أكيد، في الحال، لكن دعيني أولا ً أرى ما في هذا الطرد.

---------------------------------------------------------------------------------------------------------
خاتمة: إن أشد َّ جريمة ٍ يمكن أن يرتكبها الإنسان هو أن يُهمل من يحبهم و يحبونه!
لا عُذرعن غياب المحبة!
لا عُذر!
لا عُذر!



#نضال_الربضي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وباء السلفية التكفيرية – 5- التركيب الإجرامي للتكفيري ج 4
- الضربات الأمريكية لداعش.
- وباء السلفية التكفيرية – 4- التركيب الإجرامي للتكفيري ج 3
- وباء السلفية التكفيرية – 3- التركيب الإجرامي للتكفيري ج 2
- وباء السلفية التكفيرية – 2- التركيب الإجرامي للتكفيري ج 1
- بوح ٌ في جدليات – 5 – جارنا و الأفعى.
- في الموت – قراءة ثالثة، من العبثية حتى الحتمية.
- من وحي قصة حقيقية - يا سادن الحبِّ.
- في الموت – قراءة ثانية من حيث الموقف الإنساني الواعي.
- غزة - 4 - بقلم الملكة رانيا
- وباء السلفية التكفيرية و ضرورة الاستئصال.
- غزة - 3 – أربعة أطفال و قذيفة.
- في الموت – قراءة أولى كأحد وجهي الوجود.
- غزة – 2 – إستمرار جرائم الحرب الإسرائيلية و ردود الفعل الشعب ...
- غزة – وضاعة استباحة الحياة و ازدواجية الاعتراف بالحق الإنسان ...
- قراءة في اللادينية – الإلحاد كحركة دينية مُجدِّدة.
- من سفر الدين الجديد – الفصل الأول - آمر لي مارهو
- قراءة في جدلية ما بين المنظومة الدينية و الواقع– المعجزات و ...
- في نفي دونية المرأة – 4 – الانسجام الجيني الأنثوي مع حاجة حف ...
- من سفر الله – 3 – في جدلية تنافر الطبيعة البشرية مع التكليف ...


المزيد.....




- شاهد لحظة احتراق خيم النازحين في خان يونس بسبب غارة إسرائيلي ...
- شاهد آلاف الأسرى الفلسطينيين يواجهون الموت البطيء بسجون الإح ...
- مدير هيئة شؤون الأسرى يتحدث عن تجربة الأسرى الفلسطينيين القا ...
- جدوى المقاومة المسلحة وتأثيرها في ملف تحرير الأسرى الفلسطيني ...
- الأمم المتحدة: تعليق حظر روسيا لأنشطة -طالبان- قرار سيادي وم ...
- الاحتجاجات تتوسع.. ثلث الطيارين الإسرائيليين يطالبون بوقف ال ...
- الأونروا: لم تدخل أي مساعدات إلى قطاع غزة منذ 2 مارس الماضي ...
- -بتنا نألف الإبادة-.. ألم وحسرة بالمنصات بعد قصف خيام النازح ...
- على وقع رسوم ترامب.. أمنستي تدعو لاقتصاد قائم على حقوق الإنس ...
- -أهلا بكم في الجحيم-.. صحفي غزّي يروي فظائع تعرض لها الأسرى ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - نضال الربضي - بوح في جدليات – 6 – ارتدي ثيابك َ لقد تأخرنا.