|
الانتقال السلمي للسلطة معيار بناء الديمقراطية في العراق ، ولكن؟
عبد المنعم عنوز
الحوار المتمدن-العدد: 4546 - 2014 / 8 / 17 - 19:25
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
انتهت الازمة السياسية اخيرا باختيار رئيس للحكومة المقبلة متمثلة بشخص الدكتور العبادي . ويأمل الجميع من السياسيين المعنيين وغيرهم ان يرى فعليا حركة انضاج ولادة دولة ديمقراطية ينعم برقيها الحضاري ومكانتها الدولية عموم العراقيون . هذه الديمقراطية التي كفلها الدستور 2005 لم ترى النور إلا في بعض معاييرها الشكلية فقط وكما نرى اليوم الانتقال السلمي للسلطة كحالة من تطبيقاتها. أما مضمونها الموضوعي فقد بقي معلقا في واقع الحياة السياسية في كل مراحل بناء الدولة العراقية منذ 2003 لأسباب متعددة لسنا بصدد التطرق اليها الآن. اننا نؤكد دائما بان فرضية تأسيس دولة القانون والديمقراطية تستلزم في جانب مهم منها هو ان تتمتع الدولة بمنهاج عمل حكومي واقعي وقابل للتطور والتكيف مع حاجات الناس والوطن . ومن المؤسف ان الدولة العراقية طوال هذه الفترة الماضية شهدت ازمات سياسية متكررة ، نجدها فاقدة لآليات السلطة التنفيذية كاملة الاهلية . وقد لاحظنا وجود حالة القلق والنزاع الدائم في اداء الواجبات لدى قيادات السلطة التنفيذية على مدى تلك ألفترة حصل ذلك في جانب منه بسبب غياب البرنامج الواضح والمتفق عليه من قبل المتخصصين لبناء دولة المؤسسات . ان هذا الواقع يجعل شروط بناء الدولة للمرحلة القادمة غير مؤكدة لأنها غير معلومة المعايير والقواعد. ويعلم الجميع مدى اهمية وضع برنامج قادر على تحسين الحال العام لمكونات الدولة العراقية . يجب ان يكون في مضمونه منهجا ثريا بالقواعد والأحكام والإجراءات تكون قابلة التنفيذ الفعلي لمشاريع الدولة وخاصة تلك التي تتطلب نمطا متقدما من شروط عمل جديدة لمرافق الدولة بسبب وضعها المتخلف والمترهل حاليا. ونكرر القول أن يتقدم على كل ذلك برنامج عمل يعني بدراسة المجتمع العراقي بتنوع مركباته كافة ، وتوفير آليات النهوض بخصائصه المعاشية الاقتصادية والأمنية والثقافية وجعلها تتجه بمسار وطني موحد يؤمن للجميع قدرا كبيرا من التضامن والتجانس وتؤسس لمعيار المواطنه الحقيقية لدى الجميع دون شك .
من المبادئ الاساسية في بناء الدول الديمقراطية هو ان تعلم الدولة كشخص معنوي من اشخاص القانون الدولي مضمون البرنامج الذي يؤمن صيانة وتطور مكوناتها في اطار فلسفتها وهويتها. وكما قلنا انه لحد الآن لم يتوفر ذلك البرنامج بسبب عدم قدرة جهة واحدة ، وان كانت تشكل الاغلبية البرلمانية، يمكن ان تتبنى هذه الدولة برنامجها وتعتمده في بناء ذاتها وفلسفتها المركزية . والسؤال هو الى أي درجة سيتمكن رئيس الوزراء الجديد تحقيق التوافق الوطني في برنامجه القادم لإدارة السلطة التنفيذية ؟ فمن المعلوم ان الكتلة الاكبر عددا في البرلمان ( التحالف الوطني ) كما نص عليها الدستور الجديد لعام 2005 تتكون من مجاميع متعددة يمتلك كل منها برنامج وأفكار خاصة بها . اضف لذلك الواقع هو تعدد الكتل السياسية الاخرى كالقوى الوطنية والتحالف الكردستاني وهما الاكثر مطالبة بتضمين البرنامج الحكومي لأفكارها واستراتيجياتها المعلنة والغير معلنة التي تعتبرها شرط الانتماء لبرنامج الدولة. وهي التي يراد منها ان تكون فاعلة في حكومة المشاركة الوطنية. فما هي اذن نوع وطبيعة القواعد والأحكام التي تشكل القاسم المشترك لعمل الحكومة القادمة ؟ ومن هي الجهة التنفيذية المؤثرة التي ستتولى تنفيذها دون ان تحصل الاعتراضات هنا وهنالك حتى من الاطراف المشاركة في هذه التشكيلة الحكومية الواسعة ؟ لقد بان واضحا ومعلنا تقديم مفهوم الشراكة للكتل السياسية في تركيبة الكابينة الوزارية القادمة. وليس مفاجئا معرفة وتشخيص الاسباب والبواعث لمقاصد هذه المطالبات وخاصة الدعوة الى الحصول على حقائب وزارية سيادية من كل الاطراف . فهل يعني ان الحقيبة الوزارية هو التمتع بقدر او بآخر بالامتيازات الوظيفية المادية منها والمعنوية وتجاهلها المفهوم الوطني لتحمل المسؤوليات وقبول عنائها في بناء مؤسسات الدولة العراقية خاصة في الوزارات الخدمية ؟ نحن نؤكد دائما بان سلطات رئيس الحكومة ينبغي ان تتمتع في ممارستها بالاستقلالية في الاداء والرقابة على اعضاء حكومته حتى يمكن ان نحمله المسئولية عند الاخفاق في التنفيذ. ومن العرف الديمقراطي ان يتمتع رئيس الحكومة بآليات بشرية كفوءة ومصادر مادية تحظى بتسهيلات من السلطة التشريعية تمكنه من انجاز مشروعه الوزاري . ومن اهم معايير نجاح اداء الحكومة هي ابتداءا حرية رئيسها بانتقاء اعضاء حكومته وباستقلالية تامة لأجل صحة تنفيذ منهاجه الوزاري. ومن اجل ذلك فانه لابد ان يعمل على تفعيل معيار الكفاءات المناسبة عند اختيار اعضاء حكومته لتفادي الضرر السياسي والاجتماعي والاقتصادي والامني لسلطة الدولة. ومن التفاؤل هو ان شخص الدكتور العبادي من الكفاءات العراقية المتخصصة التي سمحت له ظروف تأهيله الاكاديمي وإقامته في المهجر تشخيص ومعرفة كيف تبني حكومات الدول المتحضرة يلدانها. ولقد كان له حضور واهتمام خاص في مشاركاته على جانب اعمال مؤتمر الكفاءات العراقية الذي انعقد في بغداد في كانون اول 2008. لابد ونتمنى ان يكون اختياره موفقا كما اعلن بان الترشيح للحقائب الوزارية هو من الكفاءات الوطنية. ولكن يبقى اختيار المرشحين مقيدا بما تقدمه الكتل السياسية المشاركة فقط لا غيرها دون الكفاءات العراقية الوطنية الاخرى. ولربا يكون هذا الواقع جزءا من معاناته عدم تمكنه من اختيار الافضل في ادارة مرافق الدولة. أضف لذلك نخشى في اداء الحكومة القادم تدخل الكتل المؤتلفة بعمل السلطة التنفيذية من خلال ممثليها وتسييرهم باتجاه بوصلة افكارهم السياسية الخاصة وتغليبها على السياسة العامة للدولة. وبدون شك فان مثل هذا الافتراض ،الذي نتمنى الابتعاد عنه ،ان تكرر كما حصل في الدورة السابقة ، سيفقدها امكانية اداء واجباتها بالشكل الصحيح ويعرضها لازمات عمل يفقدها ثقة المواطن العراقي لأنها ستكون مصدرا للفوضى وضياع الجهد وتبذير المال العام . ان غياب البرنامج الوزاري الموحد من جهة، ومع الصلاحيات المقيدة لرئيس الحكومة من جهة اخرى ، وكذلك تعدد مضامين الافكار السياسية والاجتماعية للكتل المشاركة في قيادة السلطة ألتنفيذية لابد انها تقود الى تعطيل اليات التنفيذ وتعرقل المسار في الاتجاه الصحيح لبناء دولة القانون و ألديمقراطية كما هو الحال الذي رافق الدورة الانتخابية السابقة. عسى ان يعم مبدأ حسن النية لدى الجميع في تجاوز هذه الصعوبات من اجل الوطن والمواطن. ونسأل متى تكون ولادة هذا الرمز الوطني الذي يجعل من العراق وجها مشرقا.
#عبد_المنعم_عنوز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اين فرضية تاسيس دولة القانون والديمقراطية في العراق ؟
-
قواعد النظام القانوني لاستقطاب الكفاءات العراقية في المهجر -
...
-
مشروع الاتفاقية الامنية العراقية - الامريكية بين الرفض و الق
...
-
مستلزمات بناء الدولة الوطنية الديمقراطية
-
تفعيل اليات التنسيق لاستقطاب رؤوس الاموال العراقية المهاجرة
-
مشروع الاتفاقية العراقية – الامريكية من وجهة نظر العلاقات ال
...
-
مفهوم الديمقراطية وتعدد السلطات للدولة العراقية
-
طبيعة العلاقة بين النفط والغاز والسيادة الوطنية في الاقتصاد
...
-
تفاقم الجريمة في العراق
-
المعايير القانونية لتكييف مفهوم المواطن العراقي في الدستور ا
...
المزيد.....
-
بوتين: لدينا احتياطي لصواريخ -أوريشنيك-
-
بيلاوسوف: قواتنا تسحق أهم تشكيلات كييف
-
-وسط حصار خانق-.. مدير مستشفى -كمال عدوان- يطلق نداء استغاثة
...
-
رسائل روسية.. أوروبا في مرمى صاروخ - أوريشنيك-
-
الجيش الإسرائيلي: -حزب الله- أطلق 80 صاورخا على المناطق الشم
...
-
مروحية تنقذ رجلا عالقا على حافة جرف في سان فرانسيسكو
-
أردوغان: أزمة أوكرانيا كشفت أهمية الطاقة
-
تظاهرة مليونية بصنعاء دعما لغزة ولبنان
-
-بينها اشتباكات عنيفة بالأسلحة الرشاشة والصاروخية -..-حزب ال
...
-
بريطانيا.. تحذير من دخول مواجهة مع روسيا
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|