|
تصاعدُ الفاشية فكرياً في إيران
عبدالله خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 4546 - 2014 / 8 / 17 - 11:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مَثّلت الاثناعشرية شكلاً فقهياً سياسياً سلمياً للشعوب في فارس. فقد تحكمتْ الزيديةُ والإسماعيليةُ في التاريخِ الديني لقرونٍ بعد الفتح العربي، وكانتا تكرسان العنفَ وترفضان الحلولَ السلمية للتطور السياسي، والأخيرةُ منهما ترسلُ الخناجرَ المسمومة لحكامٍ يختلفون معها. ولهذا انتصرتْ الاثناعشريةُ عليهما وذابتْ أفكارُ العنفِ السياسية الحادة الكبرى، ولم تكن التقيةُ وانتشارُ الصوفية في إيران إلا أشكالا أخرى لرفض الصراعات الدموية وتفجير الخلافات السياسية ومن أجل الاهتمامِ بجمال الطبيعة وتكريم الإنسان وتقدير حياته. وبين الصوفيين أمثال سعدي الشيرازي و(الرومانسيين) كعمر الخيام الهائمين العاملين في عالم الأخوة والمحبة، وبين عالم تكريس إيران الراهنة لأغلب اقتصادها للعسكر والاستعداد للحروب هوةٌ هائلة، فكيف انزلقت إيران لمثل هذا العالم المناقض لثقافتها وتاريخها؟ ما الذي قذفها من كلمات سعدي مثل (إني أحرقتُ نفسي كالعودِ في نار الفكر لكي يفوحُ نشري في العالم) إلى أن تصنعَ الخرافة لتنفيذ الغزو؟ فكرةُ ولاية الفقيه هي ذروةٌ لتطورٍ يعودُ الى الوراء عن تلك التوجهات، فقد قام فلاسفةٌ ومفكرون بزرع بذور الانغلاق القومي وكراهية الحداثة ونتائجها الموضوعية. وبخلاف الثقافة العربية وظهور منورين عديدين ربطوا الثقافة العربية بالاتجاهات الديمقراطية الغربية، تصاعدتْ أفكارُ المنغلقين وأصواتُ أعداء الثقافة الديمقراطية الغربية الإنسانية في إيران، ولم تفندْ دعواتَ الفاشيةِ الغربية بل تغلغلتْ فيها وزرعتها في تربةِ الكراهية، وقد كان أحمد فرديد (1914-1984) من أوائل من عبر عن رفضهِ للثقافة الغربية العقلانية والنزعات المادية متوجهاً للنزعة الوجودية اللاعقلانية لدى مارتن هيدجر أحد مفكري النازية والمروجين لها. وشغلتْ أفكارُ هيدجر مكاناً مركزياً في وعي النخب الدينية و(التحديثية) باعتبارها ذات (آثار تدميرية خارج محيطها الخاص). تحولت أفكارُ فرديد الشفاهية غير المدونة إلى مادةٍ أساسية لدى المحافظين يبثونها في الحياة والمناهج الدراسية، وغدا فيلسوف النازية الألماني هيدجر وكذلك نيتشه المؤسس الأول لهذه الرؤية من المؤثرين الكبار في وعي النخبة الإيرانية ذات النزعة الفاشية. عبرت أفكارُ فرديد عن مخاوف الإقطاع الريفي خاصة من تنامي الحداثة، وزادت الثورةُ البيضاء الفاشلة من معاناة الريف وتغلغل الرأسمالية بدون تطور عميق وطني إصلاحي، ومع غياب الطبقة الوسطى الحاضنة للحداثة، فإن المفكرين وبعض الأدباء ينقلبون كجلال آل أحمد، وبدلاً من تشجيع الحداثة يتحول إلى عدو لدود لها: (إن خطاب جلال آل أحمد حيال (المكننة)، وأثرها التغريبي في الشرق، ودورها في استئصال صورة الحياة التقليدية، وتدنيسها طهرانية عالمنا، ظل هذا الخطاب محكوما بعقدة (المكننة) في غير واحد من كتاباته الأخرى، لا سيما كتابه الأثير الذي نقد فيه النخبة ووسمَ مواقفَهم بالخيانة، حسبما يشير عنوانه (المستنيرون: خدمات وخيانات). عن مقالة (مفهوم التحيز والتمركز في الفكر الديني الإيراني المعاصر) لعبدالجبار الرفاعي. يُجري جلال تعميماً لثقافة الغرب فهي كلها شر، بدلاً من رؤية الفارق بين التوجهات الديمقراطية والتوجهات الاستغلالية المتدخلة في مصائر الشعوب، فكيف يمكن المساواة بين الإنجازات الإنسانية في حقولِ المعرفة والطب والثقافة والاقتصاد والتقنيات، وبين الأساطيل التي تدكُ البلدانَ ومنظمات التجسس؟ وقد اشتغل جلال آل أحمد عقدي الخمسينيات والستينيات خاصة في القصة والكتابة الفكرية محارباً الحداثة، عائداً الى الغيبيات الأسطورية غير الفاعلة تحويلاً للواقع، وقد رأينا في مقالةٍ سابقة مجموعة من الكتاب يسممون الوعي الإيراني بخلايا الفاشية (راجع الثقافة الإيرانية من الآرية للطائفية). وقد أدان الباحثُ الإيراني سيد حسين نصر (1933)، (تفشي النزعة الإنسانية منذ عصر النهضة) و(أنها تنحاز للعلوم والمعارف غير الدينية باعتبارها تمثل السعادة الاجتماعية في هذا العالم)، ورفض كافة العلماء والمخترعين الذين أسسوا العالم الصناعي الحديث والثقافة الديمقراطية طالباً العودة الى الإشراق والعالم الروحي الشرقي المفارق للواقع. عبرت هذه الآراء عن إنشاء ثقافة معادية للديمقراطية، ولتشكيل عامة متخلفة مُقادة متعصبة، وللإبقاء على الشعب من دون تغلغل الأفكار التحديثية وتمزيقه لشبكة التخلف، وحضّرت للدكتاتورية السياسية الدينية المتداخلة المسماة ولاية الفقيه. ولهذا رأينا النخبةَ الإيرانية الحاكمة في السنوات الأخيرة تنقسمُ بين مؤيدين محافظين لأفكار هيدجر، وبين معارضيها، لكن من خلال ليبرالية محدودة كما هي لدى رفسنجاني وخاتمي، فلم يتم استئصال الفكر النازي عبر مادية تاريخية ناقدة ولم يتم إصلاح العلاقات الإقطاعية في الزراعة وفي الأحوال الشخصية والثقافة بل كُرست وقننت.
#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشعبُ والجيشُ معاً
-
اليسارُ المتكلس
-
تخلف الشعوب جذر الاستبداد
-
التفاعل مع العصر
-
تجريبٌ مستمرٌ
-
انعطاف علماني جذري
-
تحولات أفغانستان
-
ثقافة الخرافة والتعصب
-
اليهودية وإنتاج العنصرية (2)
-
اليهودية وإنتاج العنصرية (1)
-
صراعُ الحداثة يتوسع!
-
النساء في ظل الدكتاتورية الذكورية
-
لا عقل في الواقع العربي
-
نضال النساء البحرينيات ضعيفٌ ومحدود
-
الديمقراطية علمانية
-
الغيتوات على مستوى المنطقة
-
لبنان: الطائفية والحروب
-
جذور الشمولية في المذاهب الدينية (1-2)
-
أساسُ الخرافةِ الدينية
-
الرأسماليةُ الحكوميةُ استبدادٌ ديني
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|