أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - ماجد رشيد العويد - شهداء الغضب














المزيد.....

شهداء الغضب


ماجد رشيد العويد

الحوار المتمدن-العدد: 1283 - 2005 / 8 / 11 - 08:52
المحور: الصحافة والاعلام
    


تحدّث في الفترة الأخيرة بعض العائدين من العراق، ومن الموصل تحديداً، عما يسمى "شهداء الغضب"، ووضّحوا هذا النوع من الشهادة والشهداء بقولهم إن الرئيس العراقي السابق صدام حسين كان في حالات غضبه يقتل عدداً من الناس لأسباب تتخفى فيها الحاجة إلى التسلية بالبشر .. ثم ما يلبث أن يهدأ، وأن تزول عنه غضبته، ولكن بالطبع بعد أن يريق دم عدد من الأبرياء. آنذاك يتوجه بالزيارة إلى أهل الشهيد أو الشهداء، في مواساة لهم، وتعبيراً منه، لا عن أسفه وإنما عن نوع من الشعور بالرغبة في رؤية أهل القتيل، وهم يجثون عند أقدامه، معلنين للقائد "الضرورة"، عن افتدائه بالنفس والتضحية من أجله بالغالي والرخيص، فيعلن "القائد" أنهم شهداء غضبه وأنهم لا ريب إلى الجنة ذاهبون، لأنهم بالمحصلة افتدوا الوطن وقائده بدمائهم الزكية.
ولا يختلف هذا النوع من الضحايا عن أولئك الذين كانوا يلقون طعاماً للأسود وغيرها من الحيوانات الضارية في حلبات الصراع الرومانية. فهؤلاء كذلك كانوا يساعدون على الترويح عن الإمبراطور في لحظة غضبه من عدو له أبدى بعضاً من النفور، أو بعض الملاحظة على نظام حكمه، فلا أقل والحال كذلك من إلقائه طعاماً للحيوانات الضارية فيصلح حال الحاكم، وتزول عنه سَورة الغضب التي تملّكته، ويتأدب فريق آخر من الشعب ممن يحملون النزعة ذاتها في إبداء النفور أو ما شابه من مشاعر لم ترقَ بعد إلى ممارسة معارضة لشكل نظام الحكم السائد.
وقائد الضرورة هذا تناسخ في الوطن العربي ليصبح رمزاً دالاً على الألوهية، وتفترض بالطبع هذه شعباً يقوم بواجب العبادة غير المنقوصة، فيتفيأ المغلوبون على أمرهم بالظل الوارف الذي تمنحه لهم الساحات المحتضنة للتماثيل، ويندسون تباعاً تحت ما توفره من ظل ورطوبة تحميهم قليلاً من قيظ البلاد، ويتنسمون شيئاً من الرطوبة المنبعثة من الماء المتدفق من حول الصنم.
وكما قصفت الكعبة بالمنجنيق قصفت مدن عربية كالبصرة على أهلها بالطائرات، وضُرب عليها طوق من الحديد والنار، ثم مورست الذلة على من بقي من أبنائها بحيث لا يمكنهم أن ينهضوا ثانية أبداً، من موت قتل نزوعهم الإنساني إلى مئات من السنين، فمُسِحت الكرامة منهم بتراب الأرض، والجباه السمر مُرّغت بالوحل، والنفوسُ ولجَ إباؤها كهوفاً من المذلة الممزوجة بالرعب، والتي تكاد جهنم لا تترك أثراً في النفوس مثله!! فغدا الإنسان في هذه البقاع أشبه ما يكون "بحيوان أجرب" لأجل القائد الضرورة، التاريخي، الرمز. ويصير الوطن أشبه بحديقة حيوان كبيرة جُعِلت لتسلية القائد الهمام، وسيفه البتار. وأما التاريخ العريق من سومري وبابلي وآشوري وعباسي، فهو أشبه بأضغاث الأحلام العابرة لخلايا النخب المثقفة من أدباء وفنانين، ومفكرين وسواهم. أضغاث أحلام تمكنت من الكتل البشرية على هيئة كوابيس، فتهيأ لهم أنهم يملكون تاريخاً آخر غير الذي قام بصنعه "القائد". لا إن تاريخ العراق يبدأ من لحظة الميلاد "البعثية"!! إنه التاريخ الذي بدأ مع عام 1968، وهو التاريخ الذي أنجب إنساناً رائداً في جوعه وبؤسه، مرهقاً بالحروب، محتلاً بقهر "الضرورة" له.
ولعل الذي مورس على الشعب العراقي لم يُمارس بالدرجة ذاتها على أي شعب عربي آخر، ولكن هذا الأخير بكل انتماءاته القطرية، لم يجد مناخاً أفضل إلا من حيث أنه لم يُقتّل التقتيل ذاته، ولكنه من حيث النتيجة شعب مسلوب الإرادة، واهن العزيمة، قُتِلت منه روح الإبداع، وتشرّد على أرصفة الدنيا بلا أماني أو طموحات. وهو بهذا المعنى شهيد غضبة حاكمه الهمام!!



#ماجد_رشيد_العويد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صناعة الألقاب
- حديث إلى الشريك في الوطن
- لنبدد معاً سوء الفهم
- مع وزير الإعلام مرة أخرى
- مع وزير الإعلام في الرقة
- شيء من الروح
- مع وزيرة المغتربين بثينة شعبان
- مواطن فرنسي من أصل سوري
- كلمة حب في سمير قصير
- العلاقة الخاطئة بين الحكام العرب وشعوبهم
- البعثيون السوريون في مؤتمرهم القادم
- البعث مفرخة للشعارات وفقط
- ماذا عن الخيار الثالث


المزيد.....




- هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب ...
- حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو ...
- بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
- الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
- مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو ...
- مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق ...
- أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية ...
- حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
- تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - ماجد رشيد العويد - شهداء الغضب