أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - اقتلوهما كما قتلتم ابن رشد














المزيد.....

اقتلوهما كما قتلتم ابن رشد


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4544 - 2014 / 8 / 15 - 13:57
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


اقتلوا "إسلام بحيري" و"إبراهيم عيسى" واحرقوا كلَّ من يحاول تحرير عقولكم من خرافات ألصقها الأدعياءُ بدين الرحمة؛ من أجل أن يرهبوكم ويسوقوكم كما تُساقُ القطعان، وقد خلقكم الله أحرارًا ذوي عقل وإرادة لا تُساق. اقتلوهما كما قتلتم ابن رشد في تاريخكم، فتلقّفه الغربُ البرجماتي الذكيّ وبنى بأفكاره الخالدة حضارته ونوره، ونكصنا نحن للوراء المظلم.
آهٍ يا ابن رشد، مكتوب عليك ألا تموت وإن فنى جسدك منذ عشرة قرون! كلما اصطدمتُ بعقل بليد مظلم لا تخترقه شموع العالم، كلّما راعني عقلٌ يحيا في القرن الحادي والعشرين، لكنَّ بداوةَ الصحراء بجدْبِها ويباسِها لم تزل تعشِّشُ بين أركانه، كلما صادفتْني وحوش آدمية تقول: لكي أعيشَ أنا؛ لابدَ أنتَ أن تموت، أنا خيرٌ وأنتَ ضلال، الله يحبُّني ويمقتُكَ، كلّما أحزنني استشراءُ النَقْلِ على حسابِ العقْل، وغيابُ النورِ لصالح العتمة، أتذّكرُ الوليد ابن رشد! ويتردّد السؤال في قلبي: ماذا لو أنه ظهر الآن بكل نورِه ونارِه؟ أكنّا سنكتفي بحرق كتبه ونفيه إلى حيث يُنْفَى العلماءُ؟ أم كنّا سنحرق الرأسَ الذي أنتج تلك الكتبَ وذلك الفِكرَ؟ الإجابةُ يعرفُها الجميع. على أن قرعَ النواقيس، ولو في الفراغ، الذي لا ينقل الصوتَ مهما علا وعَظُمَ، أكثرُ نُبْلاً من الصمتِ والاستسلام، حتى وإن توّحدتِ النتائجُ.
من نكد الدهر بحق، أن يرتقي ابن رشد تلك المكانة الرفيعة لدى الغرب، بينما لا يكادُ الشابُّ العربيُّ الراهن يعرف عنه شيئًا! فضلاً عن سَيْرنا، بدأبٍ وإصرارٍ وعماء، على خطٍّ نقيض لكلِّ ما وصل إليه ابن رشد بالتأمل وإعمال العقل! تُرجمت شروحه لفكر أرسطو إلى اللاتينية في القرن الثالث عشر، على يد الاسكتلندي ميشيل سكوت والألمانيّ هيرمانوس أليمانوس، وكانت شروحُه بمثابة البعث للأرسطية الحقيقية في الغرب، ثم أقرَّ روجر بيكون أن سكوت هو صاحبُ التحوُّل الفعليّ في تاريخ أوروبا الغربية بسبب المقدمة الرُّشدية لأرسطو.
عبر تلك الترجمات تسرب مبدأ المزاوجة بين "العقل والإيمان" إلى الفكر المسيحيّ في أوروبا؛ فانطلقت شرارةُ المذهب العقلانيّ الذي أدى بدوره إلى التحرر التدريجي من الفكر الأفلاطوني الذي كان أقل وطأةً في الشرق المسلم عنه في الغرب المسيحيّ.
في القرون السابقة لابن رشد كان هناك تشويشٌ في استيعاب الأرسطية من قِبَل المفكرين المسلمين، ولهذا تمَّ تشويهُ فكره على يد العديد منهم، وكان ابن رشد أولَ من استعاد أرسطو الأصل الذي تم اكتشافه من جديد في الغرب عبر ترجمات شروحه. وفيما تلا من قرون أصبحت أعمالُ ابن رشد تُدرّس في جامعات أوروبا؛ الأمر الذي أرهص لحركة انتصار الأرسطية وإزاحة الفكر الأفلاطونيّ الراسخ في الغرب آنذاك. ولهذا يعتبر الغربُ الآن "آفيروس" Avverous، أو ابن رشد، واحدًا ممن لعبوا دورًا رائدًا في إحياء تطوير الإسكولائيية المسيحية. وفي حين أخذ كثيرٌ من المفكرين المسلمين على فكر ابن رشد استغراقَه الشديد في العقلانية، إلا أن كتاباته ظلت منجمًا للأفكار والمعلومات لفلاسفة المسيحية ومحركًا لتحرير عقول المثقفين الغربيين على مدى قرون أربعة منذ ق12 حتى ق16، وظلَّتْ أعمالُه مثارًا لجدل وسجالات حادة بين إسكولائيي أوروبا في مواجهة الكنيسة من أجل تعديل تعاليمها.
تأثرت أدبياتُ اللاهوتية في القرون الوسيطة بالرُّشدية (فكر ابن رشد)، مثل دراسات توما الإكويني. واعتبره كثيرٌ من مستنيري الفكر من مسيحيي أوروبا واحدًا منهم إلى حدّ أن (أسْبَنوا) اسمه فجعلوه "آفين رويز" Avén Ruiz، غير أن آراءه كانت غيرَ مقبولةٍ من قِبل المسيحية الأرثوزوكسية الكلاسيكية؛ حيث كانت معظمُ نظرياته معاكسةً لتعاليم الكنيسة المتطرفة. لكن ذلك لم يلغِ الأثرَ البالغَ الذي لعبته أفكارُه في لاهوت مسيحيةِ العصر الوسيط. وعلى الجانب الآخر، درَسَ بعضُ المسيحيين أعمالَه على نحو منفرد لاقتناص أخطائه، مثلما فعل آرنولد فيلا نوفا (1240- 1311)، حين استنكر اعتمادَ الفكر المسيحيّ على تعاليمَ "مُلحدةٍ" (!) كهذه. ومن أجل تأكيد قوله، قام بتحريف أفكار ابن رشد. في ذات الوقت قامت مجموعة من الباحثين، في ق13، وقائدهم سيجر باربنت، بإعلان ولائهم التام لابن رشد، ما أثار هياجَ الكنيسة وغضبتها. كذلك أخطأ بعضُ الدارسين الأوروبيين فَهْمَ فكرِ الرجل، ما أدى إلى اختلاق خطٍّ فلسفيٍّ يسمى بالرُّشدية Averroism وهو ما كان يدلُّ، أول الأمر، على اتجاهٍ فكريٍّ يذهب إلى أن الفلسفةَ حقٌّ والدينَ الموحَى به باطلٌ. تلك الرشدية رفضها الإكوينيون، وبطبيعة الحال كان سيتبرأ منها ابن رشد نفسُه لو عاصرها. سوءُ تأويلِ ابن رشد هو ما دعا الكنيسةَ لاتهام المذهبِ كاملاً بتدنيس المقدَّس ومن ثَمَّ استنكاره عالميًّا. على أن معتقدَ ابن رشد عن خلود المادة وعن اتصال الله بالموجودات عبر وسيط العقل الفعّال ظلَّ العاملَ الحيويَّ في المعتقد الأوروبيّ حتى فجْر عصر العلم التجريبيّ الحديث. وظل ابن رشد والرشدية مادةَ جدلٍ في الدوائر الأكاديمية الأوربية لمئات السنين. وبالرغم من ظهور الكثير من المفكرين في العالم العربي والإسلامي مثل ابن خلدون وغيره، فقد ظل ابن رشد الأشهرَ ولُقِّبَ بـ "الشارح" في العالميْن العربيّ والغربيّ. ونظرًا لامتلاكه عقلاً منطقيًّا فارقًا، آمن ابن رشد بمقدرة العقل على سبْر الأسرار الكبرى للكون، سوى أنه جاء متأخرًا جدًّا عن أن يتمكن من إحداث إحياء حقيقيّ للفلسفة في بلاد الشرق الإسلامية نظرًا لسيادة نظريات الغزالي.
فيا من قلتَ يومًا: "والحقُّ لا يضادُّ الحقَّ، بل يوافقُه ويشهدُ له"، رجاءً لا تأتِ الآن، فلم نعد أهلاً لك!



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من أرض مشروع القناة
- من ينقذ كردستان الجميلة؟
- تكبيرات داعش
- دافنينو سوا تحت الوصايا السبع
- الخوف من جائزة جبران
- انتفضوا للأقرع، وباركوا داعش!
- باليرينا في سجن النساء
- تكفيريون في ثوب الميري
- القتل أرحم فظاعات داعش
- هل ندرس عملية الفرافرة؟
- سجينات الفقر
- أيها الشيطان، قرّ عينًا
- الدراما، آمرةٌ أمّارةٌ، أم مرآة؟
- ميرفت التلاوي، جبلُ الكريستال
- أستاذية العالم الداعشية
- لما كنا صغيرين
- سرقوا التلاجة يا محمد
- دريّة شرف الدين.. شكرًا
- -الشاعر- هاني عازر
- هل يعرف الداعشيون جبران؟


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - اقتلوهما كما قتلتم ابن رشد