|
مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (6)
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 4544 - 2014 / 8 / 15 - 04:45
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
قال عبد الناصر ((وأنا رئيس الجمهورية كنتُ مغلوبًا على أمرى من المشير وعصابته)) (مذكرات السفير أحمد حسين الفقى – ص185- نقلا عن جميل مطر فى كتابه أول الحكاية : حكايتى مع الدلوماسية- كتاب الهلال- إبريل 2002- ص19) أعتقد أنّ ما قاله عبد الناصر أحد المفاتيح المهمة لفك الشفرة الغامضة بينه وبين عبد الحكيم عامر. ومن هنا يبرز السؤال : لماذا صبر عليه رغم فشله وكوارثه العديدة وبصفة خاصة فى هزيمة 56 ومذبحة اليمن (من 62- 67) ثم كارثة يونيو67، وجريمته ضد الفلاحين عندما تولى منصب رئيس اللجنة التى سُميتْ (لجنة تصفية الاقطاع) ؟ وهل (صديق العمر) يكون كارثة على (صديقه) ؟ وهل يمكن أنْ نصدق تحليل عبد الناصر الذى وصف حكيم بأنه ((الطفل المُـدلل الذى يُـدمر ويكسر ما تقع عليه يداه عندما يُحرم من شىء له رغبة فيه)) (مذكرات البغدادى- ج2- المكتب المصرى الحديث- عام77- ص208) فإذا كان عبد الناصر جلس على مقعد الطبيب النفسى ، وإذا كان تحليله صائبًا ، فلماذا رضى لنفسه أنْ يكون حكيم هو الرجل الثانى بعده رغم فشله ورعونته مثل أى (طفل مدلل) ؟ تلك أسئلة لم يقترب منها الناصريون ولا الماركسيون العروبيون ولا مؤلف (صديق العمر) الذى جاء مسلسله تسجيلا باهتـًا للأحداث ، ولم تفلح كل مساحيق التجميل لإزالة قبح المرحلة الناصرية ودمويتها ، لأنّ أية مساحيق لا تصمد أمام وهج (شمس الحقيقة) بدأ السجل الإجرامى لعبد الناصر بعد شهور من سيطرة ضباط يوليو على مصر فجر الأربعاء الأسود 23يوليو52، إذْ أصرّ عبد الناصر على ترقية عبد الحكيم عامر أربع رتب دفعة واحدة (من صاغ إلى لواء) ليكون هو القائد العام للقوات المسلحة. وربما يجهل كثيرون ذلك الموقف المُشرّف الذى اتخذه اللواء (حسن محمود) قائد سلاح الطيران الذى تقدم باستقالته ورفض أنْ يستمر فى منصبه احترامًا لرتبة اللواء التى يحملها وهو لا يرضى لنفسه أنْ يكون مرؤوسًا لمن هو أقل منه فى الرتبة. وكان من نتائج تعيين حكيم قائدًا عامًا للجيش إبعاد باقى أعضاء المجلس عن وحداتهم العسكرية وجرى تهديدهم أو تقديم الخدمات لهم حتى أصبح لا همّ للكثير من الضباط إلاّ التقرب من حكيم وناصر طمعًا فى منصب أفضل ((وأصبح الجيش بذلك أداة قوة فى يد جمال وحكيم . وانعزلنا نحن نهائيًا عنه. ونتج عن هذه السياسة فساد الجيش مما ترتب عليه نتائج وخيمة عسكرية وسياسية)) (البغدادى- مصدر سابق- ج1- ص78) ولأنّ عبد الناصر وبعض ضباط يوليو52 خريجو السفارة الأمريكية التى توسمتْ خيرًا فى هؤلاء الضباط لمحاربة الشيوعية ، وأمدتهم بأسلحة قمع الجماهير، فكان لابد من إتمام السيطرة على شعبنا بتطبيق منظومة (عسكرة المجتمع المصرى) من خلال نقل ضباط الجيش للوظائف المدنية (محافظ ، رئيس مدينة ، رئيس حى ، رؤساء شركات الخ) حتى وزارة الخارجية سيطر عليها ضباط الجيش وخاصة التابعين لعبد الحكيم عامر، بشهادة كثيرين من ضباط يوليو الذين كتبوا مذكراتهم أو المؤرخين مثل أ. طارق البشرى فى كتابه (الديمقراطية ونظام يوليو52- كتاب الهلال- ديسمبر91- ص353) وشهادة جميل مطر الذى عمل فى وزارة الخارجية (مصدر سابق- ص20، 21) وشهادته غير مجروحة بسبب ميوله الناصرية / العروبية. ثم كانت المذبحة التى تم تدبيرها لعمال كفر الدوار بعد أسبوعيْن من سيطرة الضباط على مصر، والقبض على 576 عاملا وبعد الافراج عن 545 صدر الحكم (العسكرى) بسجن 29 بمدد مختلفة. وإعدام عامليْن ((وقد صدق على هذه الأحكام مجلس قيادة الثورة وبإجماع الأصوات لأنّ القاعدة التى اتفقنا عليها أنّ أى قرار بالإعدام يُـتخذ من المجلس لابد أنْ يكون بإجماع الآراء)) (البغدادى – ص69) وتلك الشهادة تنفى أكذوبة أنّ عبد الناصر وخالد محيى الدين رفضا التصديق على حكم الإعدام ، خاصة وأنّ البغدادى أضاف ((ونـُـفِذ فيهما حكم الاعدام . ولم يتكرّر ما حدث بكفر الدوار وتجنبنا بذلك مشاكل ربما كانت تؤدى إلى مآس كثيرة وضحايا جديدين)) فعقلية هذا الضابط ترى أنّ الحكم العسكرى بإعدام عامليْن هو الذى سيمنع المشاكل للضباط والمعنى الحقيقى لتلك الجملة أنّ الإعدام سيؤدى غلى استقرار حكمهم القمعى من خلال مدرسة (العين الحمراء الأمريكية) ويؤكد ذلك موقف الضابط وفاء حجازى (مسئول المخابرات آنذاك) بعد إضراب عمال مصنع الشوربجى الذى قال ((لقد أعدمنا خميس والبقرى ونحن مستعدون لإعدام مليون لتعيش الثورة)) (العمال فى الحركة الشيوعية- تأليف أحمد الجبالى- نقلا عن فوزى حبشى فى كتابه معتقل لكل العصور- دار ميريت للنشر- عام 2004 ص120) ومن بين الأسئلة المسكوت عنها : لماذا وافق الضباط (وعلى رأسهم عبد الناصر) على إنضمام عبد المنعم أمين إلى حركتهم يوم 22يوليو رغم اتصالاته ((بالسفارة الأمريكية واقتناعه بما تروّجه الدوائر الأمريكية فى مصر عن الخطر الشيوعى وضرورة التصدى له بكل الوسائل)) ؟ ولماذا يكون هو بالذات الذى رأس المجلس العسكرى لمحاكمة عمال كفر الدوار؟ وذكر المؤرخ العمالى أمين عز الدين أنّ ((عبد المنعم أمين لعب دورًا فى حملة الترويج الأمريكية حول الخطر الشيوعى فى مصر)) (مجلة روزا ليوسف 31/7/87) ولماذا تمّ إتهام خميس وبقرى بالشيوعية ؟ الإجابة قـدّمها أمين عز الدين الذى كتب ((وجدتْ المخابرات الأمريكية وعملاؤها فى أحداث كفر الدوار فرصتهم لكى يُضاعفوا الترويج عن الخطر الشيوعى فى مصر. وراحوا يُـقنعون نفرًا من قادة حركة الجيش ، والتقط هذا الخيط القائمقام عبد المنعم أمين أحد الضباط الطارئين على حركة الجيش والذى لم ينضم إلى الضباط (الأحرار) إلاّ يوم 22يوليو52 ليُشارك فى عملية الاستيلاء على السلطة. ثم مُـنح عضوية مجلس قيادة (الثورة) يوم 15 أغسطس فى أعقاب أحداث كفر الدوار)) (روزا ليوسف 27/7/87) وما مغزى ما ذكره كثيرون ومن بينهم محمد نجيب الذى كتب ((لبيتُ دعوة إلى منزل البكباشى عبد المنعم أمين . وكان حاضرًا معنا جيفرسون كافرى وأربعة من رجال السفارة ، علمتُ فيما بعد أنّ إثنين منهم من رجال المخابرات الأمريكية. وكان معى عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وعبد اللطيف البغدادى وزكريا محيى الدين . وفى لقاء آخر قال جيفرسون أنّ حكومته تخشى تسلل الشيوعية إلى مصر، وعرض معاونة أجهزة المخابرات الأمريكية)) (كنتُ رئيسًا لمصر- المكتب المصرى الحديث- عام 84- ص311، 312) وكتب المؤرخ العمالى طه عثمان سعد ((وهكذا يتأكد دور المخابرات الأمريكية فى الأحداث بالتقارير التى أحاطتْ قادة حركة الجيش عن شيوعية مصطفى خميس وقادة العمال فى كفر الدوار والتخويف من تحركات فى مناطق أخرى مثل شبرا الخيمة والمحلة الكبرى)) (خميس والبقرى يستحقان إعادة المحاكمة مطابع الأمل- عام 93- ص 10) ووصل إجرام ضباط يوليو أنهم أجبروا 1500 عامل للحضور إلى ملعب كرة القدم بنادى الشركة لسماع الحكم ، وهو المشهد الذى يستدعى من بئر الأحزان أحداث دنشواى عام 1906 بمعرفة ضباط الاحتلال الإنجليزى ، وكتب طه سعد عثمان أنّ ((عاملا من الذين حضروا إعلان الحكم مُجبرين قال : إنّ ما تعرّض له جميع الحاضرين من العمال من مهانة وإذلال وإرهاب كان أقصى مما يمكن أنْ يتعرّض له أسرى الحرب فى جيش مهزوم ومستسلم بدون قيد مما جعل المنتصر يعاملهم أسوأ من معاملة العبيد)) (ص52) وذكر أيضًا أنّ ما حدث فى كفر الدوار((كان عربونـًا للأمريكان فى محاربة الشيوعية)) (47) ولماذا اختلفتْ المعاملة مع عدلى لملوم (الاقطاعى) والذى أظهر معارضته للضباط صراحة. وهاجم هو وأفراد أسرته قسم البوليس وأطلقوا عليه النار. وأثناء المحاكمة كان هو وأمه يسبان قادة (الثورة) والفلاحين ، ورغم ذلك صدر الحكم بالأشغال الشاقة المؤبدة الذى انتهى إلى الافراج الصحى ؟ وإذا كان الناصريون يُردّدون تلك الجملة البلهاء (عبد الناصر نصير العمال) فإنّ طاهر عبد الحكيم ذكر فى كتابه (الأقدام العارية) أنه ((لم يكن قد مرّ على (ثورة) يوليو52 أكثر من شهريْن حينما سيق إلى السجن الحربى أعضاء اللجنة التحضيرية لاتحاد عمال مصر فى سبتمبر52 على إثر العدوان الوحشى على عمال كفر الدوار. وقد مورس التعذيب عليهم لأنهم احتجوا على إعدام خميس والبقرى . ولإثنائهم عن المضى فى تكوين الاتحاد)) وأضاف ((إنّ النظام الناصرى كان يستخدم الفلكة والكرباج لتأديب معارضيه. ففى عام 53 ألقى القبض على 40 نقابيًا قدموا عريضة يطالبون فيها بإصدار قانون للتأمين ضد البطالة)) ولأنّ ضباط يوليو تعمّدوا توظيف الدين لتثبيت حكمهم ، لذا قال البكباشى عاطف نصار وهو يتلو حكم الإعدام أنّ ((مصطفى خميس كان يحارب الله ورسوله فحق عليه القتل)) (عبد المنعم الغزالى – بعد أربعين عامًا براءة خميس والبقرى) وزعم الناصريون أنّ إضراب عمال كفر الدوار من تدبير الرأسمالية للقضاء على (الثورة) المزعومة فكذبهم طه سعد عثمان الذى نشر واقعة إخفاء ملف التحقيق فى تلك الأحداث بعد أنْ قرأه أحد وكلاء وزارة العدل الذى كان متحمسًا لعرضه على مكتب العمل الدولى . ولماذا أحيطتْ أقوال مصطفى خميس بسرية تامة ولم يعلن عنها ؟ وما مغزى إختفاء الرسالتيْن المرسلتيْن لمصطفى خميس إحداهما من لندن والأخرى من الأرجنتين قبل إعدامه؟ وكان تعليق طه سعد ((إنه حتى الآن لا أحد يعرف شيئـًا عن محتوى الخطابيْن ولا شكّ أنهما كانا فى صالح مصطفى خميس وإلاّ كانت كل الأجهزة بما فيها الصحافة قد فضحتْ ما فيهما بتضخيم كبير)) (من 55- 56) أما السادات الذى أعطاه مؤلف (صديق العمر) دورًا لا يستحقه فقال يوم 14/8/52 أنه ((سوف يُعلق المشانق فى شبرا الخيمة على أبواب المصانع إذا حدث أى تحرك من العمال)) (53) أما أستاذ القانون (د. سليمان الطماوى) فقد نصح ضباط يوليو بنصيحة كل خدم الطغاة فقال لهم ((لقد أعدمتم إثنيْن من العمال فسكت العمال جميعًا ويحتاج الأمر إلى إعدام إثنيْن من الطلاب كى يصمت الجميع)) (رفعت السعيد – مجرد ذكريات- هيئة قصور الثقافة- عام 2008- ص116) ولأنه أصبح من المُبشرين بدخول جنة الناصرية تمتْ ترقيته فوصل إلى عميد كلية حقوق عين شمس. ولأنّ الحكومات المدنية الفاشية تتشابه مع الحكومات الدينية ، وأنّ النوعيْن يعلمان أنّ حرية الصحافة تعنى تعريتها وكشف كل عوراتها ، لذا انتبه ضباط يوليو وأعلنوا منذ الأيام الأولى عن عدائهم لحرية الصحافة ، ففى يوم 27يوليو52 (أى بعد أربعة أيام فقط من استيلائهم على مصر) تم قتل الصحفى يحيى نصّار بيد جمال سالم أحد ((سفاحى الثورة البيضاء)) (أمين المهدى – من مقدمته لكتاب أنا وبارونات الصحافة- تأليف جميل عارف- ص4) وفى ذات الكتاب ذكر المؤلف أنّ الصاغ صلاح سالم (الذى يحمل اسمه أحد أطول شوارع القاهرة) عندما كان وزيرًا للارشاد وقف عند مدخل قصر عابدين وصرخ فى وجه مندوبى الصحف وقال ((لك يوم يا صاحبة الجلالة)) (ص12) أما عبد الناصر فهو الذى دبّر مؤامرة خروج عمال النقل وأعطى مبلغ أربعة آلاف جنيه بسعر عام 54 لرئيس عمال النقل (صاوى أحمد صاوى) بهدف إقناع العمال بالاضراب عن العمل والهتاف ضد الديمقراطية (خالد محيى الدين وطه عثمان سعد والبغدادى- على سبيل المثال) ورغم ما قدمه صاوى من أعمال منافية للأخلاق وضد العمال لصالح الضباط ، فقد تعرّض للاهانة على يد أحد الضباط ، والحكاية أنّ صاوى بعد أنْ حشد العمال لاستقبال عبد الناصر بعد عودته من مؤتمر باندونج ، حدث احتكاك بسيط بينه وبين البكباشى أحمد أنور قائد البوليس الحربى ، فذكــّره الصاوى بما فعله من أجل (الثورة) فأسكته أحمد أنور بصفعتيْن على وجهه. وعلى حد تعبير أحمد أنور لأحمد حمروش ((لم أتمالك نفسى فلهفته قلمين)) وكان تعليق أحمد حمروش وانتهى دور الصاوى ((بعد أنْ اعتصرتْ (الثورة) فائدته)) (قصة ثورة 23يوليو- ج2- دار الموقف العربى- عام 81- ص177) واعترف عبد الناصر بما فعله فى مارس 54 بأنّ التفجيرات الستة التى حدثت فى محطة السكة الحديد والجامعة ومحل جروبى كانت من تدبيره (البغدادى- ج1- ص144، 164) وضيّع مؤلف (صديق العمر) فرصة (خلق التوتر الدرامى) من خلال تشابك الأحداث المتناقضة : فبينما كان عبد الناصر يدّعى أنه ضد الاستعمار (وعلى رأسه أميركا) كان يوفد ضباط المباحث إلى أميركا للحصول على دورات تدريب فى تعذيب المعتقلين السياسيين . وعندى شهادات الشيوعيين والناصريين الذين اعترفوا بذلك فى كتبهم وأغلبهم من المدافعين عن عبد الناصر بوصفه (قائد التحرر العربى) رغم ما ذاقوه على أيدى زبانيته من تعذيب أدى إلى موت أكثر من عشرين شخصًا وإصابة ستة بالجنون ، ناهيك عن الأمراض النفسية والعضوية. ومع ملاحظة أنّ حبهم لعبد الناصر يدخل تحت باب (حب من جانب واحد) كحالة من حالات الأمراض النفسية والعقلية. ومن بين تلك الكتب كتاب المناضل الشيوعى فخرى لبيب (عضو اللجنة المركزية بحزب التجمع) الذى نقل شهادة المناضل (عبد المحسن شاشة) الذى قال له أنّ ((مجموعة من ضباط المباحث العامة كانت تستعد للسفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية لتلقى دراسات فى تخصصاتهم ، فى الوقت الذى كانت الدولة تـُعلن فيه موقفـًا معاديًا للاستعمار وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية. لقد كشف سمير ناجى (المحقق) هذا الأمر- دون قصد منه - مشيدًا بعظمة أميركا)) وأنّ أدوات التعذيب صناعة أمريكية. وأنّ التعذيب وصل لدرجة ((من الشراسة والهمجية أشد وأنكى وبصورة لم يسبق لها أنْ حدثت فى مصر أيام أحلك عصورها زمن الاستعمار)) وأنّ النظام الناصرى ((استباح سحب المريضة والحامل والمرضعة إلى حيث لا علاج ولا رعاية. استباح تمزيق الأسرة وتشتيتها . استباح القاء الأطفال على قارعة الطريق. استباح ما لم يجرؤ الاستعمار على استباحته لنفسه ، زمن أنْ كان الحكم للعدو الأجنبى وليس للوطنى المصرى)) ففى زمن الاحتلال الانجليزى ((كان للمرأة حرمتها ومكانتها الخاصة. حتى فى أحلك الظروف التى مرّتْ بها مصر، إلى أنْ جاء الحزب العسكرى إلى السلطة فأصبح اقتحامه للمنازل فى هجمات الليل والفجر، كالهجمات العسكرية البربرية التى يستبيح فيها الغزاة بعضًا مما ليس مباحًا ، فاستباح اقتحام الخدور وجر النساء إلى المجهول فى قلب الليل البهيم)) (الشيوعيون وعبدالناصر- ج1- مطابع الأمل- عام 90- ص234، 339، 351، 367، 439) وذكر فخرى لبيب أيضًا أنّ التعذيب كثيرًا ((ما تجاوز ما وصلتْ إليه المعتقلات النازية.. وأنّ صورة من صور معتقلات النازى قد برزتْ أمامى)) (الجزء الثانى- ص 213، 233) وما ذكره فخرى لبيب أكده المناضل الشيوعى د. فوزى حبشى الذى كتب ((فى ديسمبر52 وافقتْ أميركا على تزويد مصر بأسلحة خفيفة تصلح لقمع الجماهير)) (معتقل لكل العصور- ميرت للنشر- عام 2004- ص 156) وتعمّد عبد الناصر الكذب عندما سأله الصحفى الهندى (كارينجا) عن المعتقلين السياسيين (من شيوعيين وإسلاميين) فقال ((ليس لدى أى معتقل سياسى)) صدقت السيدات المعتقلات الخبر فذهبنَ لرئيس الحرس بالسجن وطالبنَ بالافراج عنهنّ ، فكان رد الفعل استدعاء السجينات فى قضايا مخدرات ودعارة فأشبعنَ المعتقلات السياسيات ضربًا وحشيًا لمجرد أنهنّ صدقنَ تصريح عبد الناصر(ص138، 139) بينما مصطفى باشا النحاس (رئيس وزراء مصر) صرّح يوم 21 فبراير 50 أنه لم يعد فى مصر معتقل سياسى واحد ، فما كان منا إلاّ أنْ جمعنا أمتعتنا وذهبنا إلى قائد معتقل (الطور) الذى أكد لنا الخبر وطلب منا الهدوء والاستعداد للخروج حين تصله التعليمات الرسمية. وكنتُ أحد أفراد آخر دفعة يُـفرج عنها فى ذلك اليوم)) (ص110) وعن إنكار عبد الناصر لوجود معتقلات فى مصر ذكر نبيل زكى فى شهادته لفخرى لبيب عن إضراب المعتقلين الشيوعيين ((قبل الاضراب كان لعبد الناصر تصريح شهير قال فيه أنه لا يوجد لديه معتقلون . أما بعد الاضراب فإنه لم يعد بقادر على إنكار وجودهم كما حدث فى حديثه لصحيفة (لوموند) عام 63 (ج2- ص329 ، 429، 514) وهذا هو الفرق بين مصطفى النحاس وعبد الناصر الذى يغفر له الناصريون كل جرائمه فى حق شعبنا ، وفى حق المعتقلين الذين كان عليهم الهتاف لمن أمر بإعتقالهم وتعذيبهم أى الهتاف للجلاد الأكبر((عاش جمال عبد الناصر)) وإجبارهم على الغناء بالأغنية الكارثية (( يا جمال يا مثال الوطنية)) ومن رفضَ الهتاف كان عقابه الضرب بالفلكة والشومة أو وضعه فى البكابورت كما حدث مع العامل نجاتى عبد المجيد (ج2- ص96، 125 ،130) وذكر فوزى حبشى أنّ أحد أبشع ضباط مباحث أمن الدولة (حسن منير) ظل يصعد حتى وصل إلى قائد معتقل عام 59 ثم إرساله إلى بعثة تدريب فى أميركا ليعود مجرمًا متعطشًا للدماء)) وهى الحقيقة التى تجاهلها د. رفعت السعيد فى أحد كتبه وهو يتكلم عن حسن منير (141،142) وبينما روّج الناصريون لمشروع الإصلاح الزراعى ، فإنّ تنظيم النجم الأحمر عارض المشروع ووصفه بأنه سيُـفتتْ الملكية الزراعية ويؤدى إلى تقليل الانتاج ، وأنه وُضع بتوجيه الإدارة الأمريكية. ودعونا لإقامة المزارع التعاونية والجماعية وميكنة الزرعة)) (118) وذكر خالد محيى الدين أنّ السنهورى باشا اتخذ ((من قانون الاصلاح الزراعى ذريعة لضرب أى توجه ديمقراطى)) (والآن أتكلم- مركز الأهرام للترجمة والنشر- عام 92- ص 181) ورغم أنّ أغلب ضباط يوليو وأغلب المؤرخين أجمعوا على أنّ الأحزاب التى كانت قائمة قبل كارثة أبيب / يوليو52 كانت مؤيدة لمشروع قانون الاصلاح الزراعى ، بما فيهم حزب الوفد بشهادة الضابط أحمد حمروش (مصدر سابق – ص89) فإنّ بنت عبد الناصر(د. هدى) كتبتْ أنّ ((كل رؤساء الأحزاب رفضوا الاصلاح الزراعى)) ثم كرّرتْ كلام والدها وكلام الناصريين عن (العهد البائد) ولم تضف أى جديد لوعى القارىء (مقال بعنوان : الرأسمالية المصرية - ما كان والمتوقع - المصرى اليوم 25/7/2014) وفى المقال هجوم على الرأسمالية المصرية ووصفها بالمستغلة (دون تمييز) ثم كلام إنشائى كله تملق للسيسى لأنه تبرّع بنصف مرتبه. وإذا كانت هدى عبد الناصر حاصلة على الدكتوراه فى العلوم الاجتماعية والسياسية وتعمل بمركز الأهرام للدراسات السياسية وكتبتْ أنّ ((كل رؤساء الأحزاب رفضوا الاصلاح الزراعى)) فى حين أنّ الواقع عكس ذلك ، لا يكون أمام العقل الحر إلاّ افتراض احتماليْن لا ثالث لهما : أنها لم تقرأ تاريخ المرحلة التى تكتب عنها (وهذا خطأ منهجى يوجب سحب شهادة الابتدائية منها) والاحتمال الثانى أنها قرأتْ وعرفتْ أنّ رؤساء الأحزاب لم يرفضوا الاصلاح الزراعى ، وبالتالى فهى تـُصر على الكذب على نهج والدها الذى كذب عندما أنكر وجود معتقلات ومعتقلين فى مصر. ونظرًا لوجود علاقة عضوية بين الكذب والاستبداد لذلك صدر فى 3نوفمبر52 قانون يخوّل اللجنة العليا للاصلاح الزراعى تفسير أحكام القانون . وتعتبر تفسيراتها تفسيرات تشريعية مُـلزمة. وكان تعليق أ. طارق البشرى ((وبهذا ضمّتْ اللجنة إلى وظيفتها التنفيذية وظيفة (شبه) تشريعية ، لأنّ الأصل الدستورى أنْ يصدر من السلطة التشريعية. وبالتالى هيمنتْ اللجنة التنفيذية على القضاء ومؤسسات الدولة وألزمتهم جميعًا بوجهة نظرها فى تفسير القانون)) ولكى تضمن اللجنة التنفيذية سيطرتها الكاملة ، أضيفتْ للقانون مادة جديدة فى 9مارس53 نشأتْ بها لجنة قضائية تختص بالفصل فى المنازعات التى تنشأ بين ملاك الأرض والحكومة حول تطبيق القانون . واللجنة التى أخذتْ صفة (قضائية) بها موظفون لا علاقة لهم بالقضاء . ولم يكتف عبد الناصر بذلك وإنما أمر بتعديل آخر فى 7 إبريل 53 يمنع المحاكم العادية ، سواء المدنية أو الادارية ، من النظر فى المنازعات الخاصة بملكية الأرض المستولى عليها . وكان تعليق أ. البشرى أنّه بهذا القانون مُـنعتْ المحاكم العادية من التعرض للقرارات النهائية التى تصدرها اللجنة العليا ، فضمّتْ اللجنة العليا بذلك صلاحية قضائية ضمّتها إلى صلاحيتها التنفيذية وصلاحيتها التشريعية. وجمعتْ فى يديها سلطات الدولة (الثلاث) إزاء تطبيق قانون الاصلاح الزراعى)) واستمرارًا للدكتاتورية (فى شكل قبضة حديدية) صدر القانون رقم245 لسنة 55 ثم القانون رقم 381 لسنة 56 اللذان أدخلا المنازعات المتعلقة بالتوزيع فى اختصاصات اللجنة (القضائية) التى لا علاقة لها بالقضاء لأنها تمّتْ بالتعيين من سلطة الحكم . لذلك كان تعقيب أ. البشرى ((وإذا كان تجمع هذه السلطات فى يد جهاز واحد ، فإنّ هذا التجمع كان المثل المُـصغر للصورة التى صيغتْ على رسمها الدولة كلها فى عهد التغيرات السياسية والاجتماعية التى عرفتها مصر منذ يوليو 1952)) وبينما وصف نبى العروبة (عبد الناصر) الفترة السابقة على عهده ب (العهد البائد) فإنّ ذالك العهد (البائد) لم يرتكب الجريمة التى ارتكبها عبد الناصر(فى عهده غير البائد) وهى جريمة فصل الموظفين بغير الطريق التأديبى (ق 181 لسنة 52) الذى أجاز أخذ الموظف بالشبهة (فى مسلكه أو سمعته) ومنع هذا القانون المحاكم العادية من نظر أى طعن فى قرارات الفصل . ولم يكتف النظام الناصرى بذلك وإنما أصدر عددًا من القوانين بإجازة هذا الفصل (غير القانونى) بالنسبة للطوائف الخاصة من الموظفين ، كرجال القضاء ومجلس الدولة وإدارة قضايا الحكومة والأزهر والجامعات . وبالتطبيق لهذه القوانين (غير الدستورية) تم فصل كثيرين من الموظفين بعيدًا عن سلطة القضاء (الديمقراطية ونظام يوليو52- كتاب الهلال- ديسمبر91- من ص 170- 179) فإذا كان الحكم الناصرى ارتكب كل تلك الجرائم ، فلماذا غضب الناصريون من مؤلف (صديق العمر) ؟ وإذا كان هذا الحكم به كل عناصر الدراما ، فلماذا تغافل عنها مؤلف المسلسل ؟ هل هو (الهوى الناصرى) أم قيود التقليدية التى توئد الإبداع الرفيع ؟
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (5)
-
مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (4)
-
مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (3)
-
مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (2)
-
مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (1)
-
الفكر الأحادى وأثره على البشرية
-
التعريف العلمى لمصطلح (العامية)
-
رد على الأستاذ طاهر النجار
-
لماذا يتكلم العرب بالمصرى ؟
-
القوميات بين تقدم الشعوب وتخلفها
-
جريمة تأسيس أحزاب دينية
-
الإسلاميون والماركسيون والأممية
-
مرجعية الإرهابيين الدينية والتاريخية
-
متى يدخل الإسلام مصر ؟
-
جريمة الاحتفال بمولد النبى
-
فى البدء كان الخيال
-
شخصيات فى حياتى : ع . س . م
-
شخصيات فى حياتى : الأستاذ المنيلاوى
-
شخصيات فى حياتى : ثابت الأسيوطى
-
العلاقة بين العروبة والبعث
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|