|
استبداد الحكام
مجيد ابراهيم خليل
الحوار المتمدن-العدد: 1282 - 2005 / 8 / 10 - 10:53
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
استبداد الحكام قراءة في التراث توفي الهادي سنة 170 هجرية، وهو رابع الخلفاء العباسيين، فتولى بعده أخوه هارون الرشبد الخلافة للفترة من 170 إلى 193 هجرية. ينظر إلى عهد الرشيد باعتباره أزهى العصور بسبب هيبة ونفوذ الدولة داخليا وخارجيا، إلا أن هذا الازدهار الذي تشير إليه كثير من المصادر يخفي وراءه واقعا اجتماعيا وسياسيا يتمثل في الغليان الاجتماعي والثورات ضد السلطة كما أن ممارسات الخليفة وجهاز أمنه والمحيطين به تكشف لنا عن شخصية طاغية يتحكم في الآخرين وفق مزاجه الشخصي. وقد كان مألوفا في عصره حز أو قطع رؤوس المعارضين، وهي سياسة درج عليها من سبقه من الخلفاء الأمويين والعباسيين وقد مارسها الرشيد بنفسه في أول خلافته ليزرع الرهبة في قلوب الآخرين فقد دخل بغداد عاصمة الخلافة وهو يحمل رأس ضحيته (أبي عصمة) على رمح، وذلك أن الرشيد وجعفر بن الهادي، كانا يعبران قنطرة، فطلب أحد حاشية الهادي وهو أبو عصمة من الرشيد أن يقف مكانه حتى يجتاز ولي العهد القنطرة، فامتثل الرشيد للأمر ووقف. وبعد أن أصبح الرشيد خليفة، حانت ساعة الانتقام(قدم أبا عصمة فضرب عنقه وشد جمته في رأس قناة ودخل بها بغداد) وهكذا بدأ حياته السياسية. وعندما ثار رافع بن الليث ضد الرشيد، حصلت معركة استطاع فيها القائد هرثمة بن أعين أن يلقي القبض على بشير أخ رافع. توسل بشير إلى الرشيد أن يعفو عنه فقد يرق قلب رافع إذا سمع بالعفو فقال الرشيد، وكان ذلك سنة 193 هجرية وهو يعاني سكرات الموت :(والله لو لم يبق من أجلي إلا أن أحرك شفتي بكلمة لقلت اقتلوه ثم دعا بقصاب فقال لاتشحذ مداك اتركها على حالها وفصل هذا الفاسق) فقطعه القصاب حتى جعله أشلاء، 14 جزءا.وهذا التصرف يبين مدى القسوة والوحشية في معاملة الخصوم وقد أراد الرشيد أن يفصل جسد طبيبه جبرائيل بن بختيشوع كما فصل أخا رافع لأنه أخطأ في علاجه، إلا أن الطبيب طلب إمهاله يوما واحدا قائلا له أنك ستصبح بعافية، فمات الرشيد في ذلك اليوم ونجا الطبيب ويبدو أنه كان مدركا أنها ساعات الاحتضار الأخيرة . كذلك ثار الخوارج على الرشيد بقيادة الوليد بن طريف الشاري وهزم جيوشا عديدة للخليفة. أرسل الخليفة لمحاربته يزيد بن مزيد الشيباني فقتله واحتز رأسه،وكانت هذه الواقعة في حديثة قريبا من الأنبار. وعندما ثار يحيى بن عبدالله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب بالديلم، أرسل الرشيد القضل بن يحيى لمحاربته في جيش كبير. تراسل الفضل ويحيى من أجل الصلح. استجاب الثائر يحيى للصلح بشرط أن يكتب الرشيد أمانا بخط يده، كتب الخليفة الأمان وأشهد عليه القضاة والفقهاء وأرسله مع جوائز وهدايا، بعد ذلك أراد الرشيد أن ينقض كتاب الأمان الممنوح إلى يحيى فناداه بحضور القاضي أبي البخترى والفقيه محمد بن الحسن وسألهما رأيهما في الأمان أصحيح هو؟ أجاب بالإيجاب محمد بن الحسن الفقيه أما أبو البخترى فقد قال: هذا منتقض من وجه كذا وكذا، وبسبب هذه الإجابة التي كان الخليفة يبحث عنها، عينه قاضيا للقضاة، مزق الرشيد الأمان ثم أمر بحبس يحيى وقد قتل في السجن، وتختلف المصادر في الطريقة الوحشية التي قتل بها. كما أوقع الرشيد بالبرامكة بسبب قوة نفوذهم وخشيته على سلطته منهم فأمربقتل جعفر بن يحيى البرمكي وأن يأتوا إليه برأسه وقد نفذ مسرور الخادم الأمر فقتله وحمل إليه رأسه. وفي صباح اليوم التالي أمر الرشيد أن ينصب رأسه على جسر، ويقطع جسمه إلى قطعتين، تنصب كل قطعة على جسر، أما البرامكة الآخرون فقد حبسوا وصودرت أموالهم كما وضع الرشيد ابن عمه عبدالملك بن صالح في السجن لأنه قد يطمع بالخلافة أي إنه يحاسب على النيات. وفي سنة 192 هجرية انتفضت الخرمية في اذربيجان، وجه الرشيد لقتالهم عبدالله بن مالك في عشرة آلاف فارس فأسر وسبى عددا كبيرا ثم قدم بهم إلى الخليفة الذي أمر بقتل الأسرى جميعا وبيع السبي. عن هذه الشخصية الاستبدادية تذكر المصادر التاريخية إنه كان يصلي كل يوم مائة ركعة إلى أن فارق الدنيا، وكان إذا حج حج معه مائة من الفقهاء وأبنائهم و كان يخصص سنة للغزو وسنة للحج، وقد شهد عهده كثيرا من المعارك التي تسمت باسم الإسلام وكان الهدف منها الحصول على أكبرالمغانم . إن ماكان يقوم به الرشيد من تصفيات للمعارضة وقتل بالجملة لم يكن يستند إلى قانون أو نص إلهي أو وضعي، فقد كان يتصرف بصلاحيات مطلقة دون محاسبة أو مساءلة، وهذا الأمر نجد جذوره في خلافة عثمان بن عفان الذي اعتبر الخلافة منحة أعطاها الله له فلا يمكنه التنازل عنها، وقد رأى الدكتور حسين مؤنس في كتابه(تنقية أصول التاريخ الإسلامي) أن الخلافة اختراع وكان لابد من وضع قوانين منظمة لها، كما أنها كنظام ابتكار موفق جدا من أبي بكر وعمر. وهذا الابتكار أو الاختراع الذي لم توضع له قوانين أو ضوابط، استخدم على مدى قرون طويلة وعانى الناس منه معاناة شديدة.
#مجيد_ابراهيم_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حدث بالأمس ويحدث اليوم
-
أساليب سلطوية - من التراث
-
سطوة المال قراءة في التراث
-
فنان الذاكرة و نشيد الموت العراقي
-
الفنان علي رشيد الموسوي يقف ضد الحرب ... ألف غورنيكا
المزيد.....
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
-
بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م
...
-
مواقفه من الإسلام تثير الجدل.. من هو مسؤول مكافحة الإرهاب بإ
...
-
الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض
...
-
الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض
...
-
من هم المسيحيون الذين يؤيدون ترامب -المخلص-؟
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|