من أرض مشروع القناة

فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4543 - 2014 / 8 / 14 - 09:30
المحور: المجتمع المدني
    

أقفُ الآن فوق رمال، لن تعود موجودة بعد شهور قليلة. أقفُ الآن فوق صفحة ماء تتكوّن الآن في رحم الأرض، لتولد من باطنها بعد شهور قليلة، فتغدو حلمًا مصريًّا رسمته عقولٌ نابهة، وواقعًا جميلا صنعته سواعدُ عفية، ومستقبلا آمنًا لأجيال قادمة ستقفُ بفخر تقول: هذا صنعه أجدادي المصريون العظماء.
اليوم الاثنين 11 أغسطس 2014. أكتبُ لكم من الإسماعيلية. أنظر ُمن نافذة باص يحمل شارة حركة "تمرّد"، مع مئة من أولئك الشباب الوطني الواعد، الذي ساهم في كتابة حاضر مصر الحرّ، والسفير محمد العرابي وزير الخارجية الأسبق. نمرُّ الآن بالمعدية رقم (6) لنعبر قناة السويس، لنصل إلى أرض مشروع قناة السويس الجديدة، عند الكيلو 60، ترقيم قناة، حيث أقفُ الآن.
اتصل بي بالأمس صحفي من مجلة "الكواكب" يسألني: كيف سيتناول الشعراءُ والأدباء ذلك المشروع إبداعيًّا؟ وأقول له الآن إن أية قصيدة، مهما بلغت من جمال وبراعة صوغ، غيرُ قادرة على رسم الصورة على نحو شعري، أكثر من زيارة المشروع ورؤيته رأي العين. هنا قصيدة حية تحكي كيف يبدأ حلمٌ في التحقق فور الحلم به. كيف تبدأ السواعد المصرية في العمل والحفر والبناء، فور توقيع القرار بخاتم جمهورية مصر العربية، وتصديق الرئيس وصنّاع القرار. كيف تمرُّ الثواني والدقائق والساعات والأيام لترسم وجهًا آخر لخارطة مصر الجديدة. كيف تتولد قناة مائية باشّة مشرقة في صحراء جافة عبوس. كيف تتخلّق فوق الرمال الصفراء، صفحةُ من المياه الصافية المتلألئة ستحمل عما قريب سفنًا عملاقة تجوب مصر شمالا وجنوبًا؛ فيشكرنا العالمُ الذي سيفيد من حلمنا وجهدنا الثري.
كنت بالأمس على شاشة القناة الأولى في برنامج "صباح الخير يا مصر"، أتحدث عن مشروع القناة، وعلّقت على المثل الفولكلوري الشهير "يوم الحكومة بسنة"، قائلة: “لكن يوم القوات المسلحة، بساعة واحدة". هذا الجهاز السيادي المنضبط يعرف قيمة الزمن، ويقدّس العمل ويقدس النظام. فحين يقول سأنجز هذا الكوبري أو ذاك الطريق في شهر، تعرف أنه يعرف ماذا يقول، وتذهب بعد شهر فتجده أنجز ما وعد. لهذا فأنا على تمام الثقة بأن مشروع قناة السويس سيُنجز في موعده، وسوف تظهر بشائر الماء على صفحة هذه الرمال بعد شهرين من الآن، كما وعدنا العميد "حسن السيد العراقي" وهو يشرح لنا طبيعة المشروع العملاق. قال: "اليوم 11 أغسطس، تعالوا يوم 11 أكتوبر لتشاهدوا الماء وقد ظهر في عمق الرمال.” 4000 معدّة ما بين لودر وحفّار وسيارة نقل وقلاب، وحوالي 12 ألف عامل ما بين مقاول ومهندس وعامل حفر وغيرهم. ورغم أنني خريجة كلية الهندسة، وعيناي مدربتان على قراءة اللوحات الهندسية والخرائط المساحية، إلا أن رؤية المشروع على الطبيعة شيء آخر يشبه السحر، ويملأ القلب بالفرح بمصريتي وبالفخر بجيشي العظيم، حين تقع عيناي على الشارة المعلقة على صديريات رجالنا هناك مكتوب عليها: “الجيش المصري”.
كأن لدينا خط سكة حديد في اتجاه واحد من القاهرة إلى الأسكندرية. حينما يسير قطارٌ من الجنوب إلى الشمال، فيقابله قطارٌ آخر قادمٌ من الشمال إلى الجنوب ماذا يفعل القطار الأول؟ عليه الانتظار في تجويف جانبي ما، حتى يمرّ القطار الثاني. علينا إذن أن نصنع خطًّا جديدًا لتسير عليه القطارات الآتية من الاتجاه المعاكس، لكيلا تتعطل حركة القطارات، ونوفر زمن الانتظار. تلك هي فكرة مشروع القناة الجديدة ببساطة. نصنع في أماكن اختناق القناة مسارًا جديدًا يمنع انتظار السفن في البحيرات الجانبية، حتى تمرّ السفن القادمة من الاتجاه المعاكس، ونعمّق الأماكن الضحلة لتستوعب مرور السفن العملاقة ذات الرواسي الضخمة. فبدلا من مرور 49 سفينة كل يوم كما يحدث الآن، ستسمح القناة الجديدة بمرور 97 سفينة يوميًّا، حينما تنتهي أعمال الحفر والتبطين، بعد عام واحد من الآن، بإذن الله.
شكرًا جيشنا العظيم، وشكرًا يا مصر الطيبة.

#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات