|
صناعة الألقاب
ماجد رشيد العويد
الحوار المتمدن-العدد: 1282 - 2005 / 8 / 10 - 07:52
المحور:
الصحافة والاعلام
ربما يؤشر سقوط نظام صدام حسين في العراق على بداية سقوط الأنظمة ذات الطابع "الإلهي" التي لا تقبل نقداً ولا مساً بوجودها من أي نوع، والموجودة فقط في البلاد العربية والإسلامية. وما سبب تخلف هذه البلاد سوى طبيعة هذه الأنظمة التي لم تقبل لنفسها أقل من التأليه تسبغه على ذاتها، ثم ليفسح هذا السقوط المجال لبعض الحراك ولبعض النقد تمارسه النخب، وغير النخب. وتستمد هذه النظم طبيعتها المتألهة من جذر لها في التاريخ البعيد للمنطقة. فمن ناحية، فقد دعي الفرعون في مصر بالإله، ودعي الحاكم في بلاد ما بين النهرين بنائب الآلهة. وليس الحال بأحسن في بلاد الشام، ولا في بقية الديار الإسلامية التي أسس الحكام في ما مضى لنوع من الألوهية كبّلوا به الشعوب في المنطقة، فما عاد أحد يجرؤ على التنفس بغير أخذ الإذن ممن يلي هذا "الإله" المزيف. وعندما توفي الرسول الكريم، دعي "أبو بكر الصديق" بخليفة رسول الله. وعندما وافته المنية، وصار عمر الخليفة واختلف الناس في التسمية، تم الاتفاق على لقب "أمير المؤمنين" لكل الخلفاء. ولم يكن في هذا اللقب ما يدل على التبجيل، ولا على الخوف من الأمير طوال فترة الخلافة الراشدة. على العكس كان ينهض الأعرابي تكسوه ثيابه الممزقة، وربما تنفذ منه رائحة الترحال في الصحراء المترامية فتعطل من السامع القدرة على التمييز، ومع ذلك ينهض هذا الأعرابي ويتفوه على مسمع من الخليفة بكلام قاس، لو قيل مثله اليوم في وجه رجل أمن من الصغار لحُبِس بموجبه القائل متهماً بعظائم الأمور. أما معاوية بن أبي سفيان فلقد أدرك بحسه "الملكي" أنه "أول الملوك وآخر الخلفاء" على حدّ قوله. أجل لقد ابتدأ هذا الرجل دورة جديدة من الحكم ألغت ما أسسه الرسول الكريم وخلفاؤه، ليصل فترته بما ذهب في الزمن من طغيان. وعبد الملك بن مروان عندما ولي الخلافة رأى أن مجرد النقد يدفع بالناقد إلى الموت بحد سيفه، وأما ابنه الوليد فيستغرب أن يحاكم الخليفة، وكأن هذا الأخير ليس بشراً بقدر ما هو إله وكيف للإله أن يحاكم؟! وعند إخواننا الشيعة على المذهب الجعفري أصحاب "الاثني عشرية" فقد عصموا من لا يُعصم، وقدسوا من لا قدسية له، وأسبغوا على التابعين منهم من الصفات ما له سحر، وأي سحر! من مثل فلان من "آيات الله" و"قدس الله سره" و"أدام الله ظله"، ونسي الجميع أنهم إنما يؤلبون عليهم بشراً مثلهم يأكلون ويشربون ويلبسون وينامون، ولا ننسى بالطبع أن لكل مجتهد في العلم نصيب. وأما خلفاء العصر العباسي، فتفننوا في صناعة الألقاب وإسباغها على ذواتهم، فأبدعوا لدى الجمهور خوفاً مزدوجاً لا فكاك منه، فمن جهة فالخليفة خليفة الله على الأرض، ومن جهة أخرى يثير اللقب في الناس رعباً يجعلهم يؤثرون البعد مع السلامة عن القرب من نار السلطان. لا ضير أبداً من القول فلان عليه السلام أو فلان كائناً من كان عليه السلام فهذه من الآداب أكثر منها من التقديس، ولا ضير من إضفاء الألقاب فهذه أريد بها احترام الملقب. ولكن الجاري أن الألقاب مُنحت مع الزمن هالة من القداسة لم يعد معها ممكناً ولا مقدوراً خلعها بغير بناء تربية جديدة، على أسس سليمة ومعافاة من كل تبجيل مجاني لكل من هب ودب، بحيث يغدو الأمر ثوباً نرمي به إلى الأجساد العارية من كل قيمة، فنضفي بملء إرادتنا عليها من الوقار ما لا تستحقه. وهذا ما جرى مع الزمن فمن منا اليوم يجرؤ على مناداة ليس الرئيس أو الملك أو الأمير، بل من هو دون هؤلاء منزلة ممن شاع عن صدام مثلاً أنه ولاّهم المراكز العالية، وهم أميون تفّه، بغير ألفاظ التبجيل والاحترام الزائد الكاذب. وأما ما يخص الرؤساء والملوك والأمراء، أصحاب السيادة والجلالة والسمو، المبجلين، المعظمين، إلى آخر هذه السلسلة من الألقاب التي قتلت في الدواخل كل إمكانية على النظرة الحيادية النقية الخلو من كل شائبة، أما هؤلاء فلقد صنعوا جداراً يفصل بينهم وبين شعوبهم، وصار عدم الوصول إليهم أمراً نافذاً، وحجاباً غير قابل للاختراق. ويظل السؤال قائماً كيف يقبل الرؤساء والملوك والسلاطين ومن هم في حكمهم، هذا التبجيل الذي ينهار عند أول امتحان؟ كما رأينا على الفضائيات يوم سقوط نظام صدام حسين القائد الضرورة، والضرورة عرفناها تُسقِط ولا تَسقط. لقد أخذ الناس يوماً ما على الخليفة عثمان أنه أخطأ في المعاملة ففضل بعض أهل بيته من بني أمية على الناس، وهو الخليفة المسن والتقي الورع، فقاموا على قتله وفيهم رجال من أمثال محمد بن أبي بكر الصديق. فكيف لا يتعظ حكام العربية اليوم من أنهم لو نالتهم يد شعوبهم فلسوف تقطعهم إرباً، إرباً.
#ماجد_رشيد_العويد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حديث إلى الشريك في الوطن
-
لنبدد معاً سوء الفهم
-
مع وزير الإعلام مرة أخرى
-
مع وزير الإعلام في الرقة
-
شيء من الروح
-
مع وزيرة المغتربين بثينة شعبان
-
مواطن فرنسي من أصل سوري
-
كلمة حب في سمير قصير
-
العلاقة الخاطئة بين الحكام العرب وشعوبهم
-
البعثيون السوريون في مؤتمرهم القادم
-
البعث مفرخة للشعارات وفقط
-
ماذا عن الخيار الثالث
المزيد.....
-
-قريب للغاية-.. مصدر يوضح لـCNN عن المفاوضات حول اتفاق وقف إ
...
-
سفارة إيران في أبوظبي تفند مزاعم ضلوع إيران في مقتل الحاخام
...
-
الدفاعات الجوية الروسية تتصدى لــ6 مسيرات أوكرانية في أجواء
...
-
-سقوط صاروخ بشكل مباشر وتصاعد الدخان-..-حزب الله- يعرض مشاهد
...
-
برلماني روسي: فرنسا تحتاج إلى الحرب في أوكرانيا لتسويق أسلحت
...
-
إعلام أوكراني: دوي صفارات الإنذار في 8 مقاطعات وسط انفجارات
...
-
بوليتيكو: إيلون ماسك يستطيع إقناع ترامب بتخصيص مليارات الدول
...
-
مصر.. غرق جزئي لسفينة بعد جنوحها في البحر الأحمر
-
بريطانيا.. عريضة تطالب باستقالة رئيس الوزراء
-
-ذا إيكونوميست-: كييف أكملت خطة التعبئة بنسبة الثلثين فقط
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|