|
الجراد والترويع وعرسال وحزب الله
خليل عيسى
الحوار المتمدن-العدد: 4540 - 2014 / 8 / 11 - 22:20
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
"الآتي أصعب...وكفى قولًا بأنّ تدخّل حزب الله في سوريا هو من استحضر داعش الى لبنان!". بهذه الصرخة الحازمة أنهى وليد جنبلاط مؤتمره الصحفي االذي رافق العمليات العسكرية للجيش اللبناني في عرسال. أداء جنبلاط كان ’سوبر درزيًّا‘. أطلّ علينا من بين ثنايا التوافق الأميركي-الايراني على "مكافحة الارهاب" في عرسال وقد رأى أن واجبه ’التاريخي‘ يتمثّل بحماية ’الدروز‘ و’الجبل‘، بينما الكلمات الأخرى التي وردت مثل ’الوطن‘ و’لبنان‘ و’الدولة‘ فهي لم تعد كونها الزينة الضرورية لتسويق أيّ بضاعة أمام جماهير ’الطائفة‘ المشدوهة بالأداء أمامها. إنّ هذا النوع من التشقلب في السياسة لهو أمر معتاد في لبنان ويقع في مكان ما بين هواجس الرعب الدائم من ’الآخر‘ الطائفي وبين وشوشات السفارات الاستعماريّة في المنطقة. لكنّ المسألة المثيرة للإهتمام حقًا تكمن في محاولة الإجابة الجدية على سؤال الذي أزعج وليد جنبلاط: هل أنّ تدخل حزب الله العسكري في سوريا هو وراء مجيء داعش الى لبنان أم لا؟ إنّ قسما ممن يعارضون تدخل "حزب الله" العسكري في سوريا يردّون بالإيجاب على ذلك لكنهم لا يأخذون في حساباتهم أنّ "دولة العراق الاسلامية" إذا ما تمددت أكثر، قد يكون لها يومًا أجندات تضمّ لبنان في ’الخلافة‘ كما ضمّت أجزاء من سورية والعراق، علما أنّ ذلك يبقى حتى اليوم إحتمالًا غير ماثلٍ بشكل جدّي. أما من يدعم "حزب الله" فهو من المقلب الآخر يبشرنا وبالدليل القاطع، أنّ "ما يحصل في عرسال" يؤكد "صحّة ما قام به حزب الله منذ البداية". لا بل لا يكتفي بذلك وأصبح مؤخرًا يطلب من الباقين شكر مقاتلي الحزب المذكور لانهم يدافعون عن ’الوطن‘ في ظلّ "تقاعس" من تبقى! إنّ التماثل بين طرفي المعادلة المطروحة، "حزب الله" و"داعش"، يكمن في ملاحظة أنّ التنظيمين المذكورين يعملان بأواليات فكرية وعسكرية عابرة لحدود الدولة القُطرية. كلمة "حدود" لا تعنيهما في شيء. ’إقامة الخلافة‘ هي مشروع كافٍ للبغدادي ليمحو أيّ حدود بين سوريا والعراق. أمّا التبريرات الاديولوجية التي تساق من اجل إرسال مقاتلي حزب الله الى بغداد وحلب والقصير فكانت دومًا الحرب على ’تكفيريين‘و’حماية المراقد الشيعية‘. إذا، لا مفاضلة بين الطرفين بهذا الخصوص، وبهذا المعنى فإنّ ما سماه جنبلاط بتعبير مجازي"قدوم الجراد"، قد يستعمله فرد من عشيرة الشعيطات في دير الزور يقاتل "داعش" أو ثائر قاتل يومًا "حزب الله" في "القصير" بشكل متوازي. لكنّ الفرق الجوهري بين الإثنين هو أن "دولة العراق الإسلامية" تصبح شيئا فشيئا "ذات" وتبحث بجديّة سبل إقامة دولتها، أمّا "حزب الله" فيبقى جزء وأداة من مشروع هيمنة إمبراطورية إيرانية في الوطن العربي بالمعنى الجيوسياسي الواسع للكلمة. ولتقديم إجابة الدقيقة يجب أن نتذكّر قبل كل شيء أنّ تدخل "حزب الله" والميليشيات العراقية، تحت إمرة إيرانية، أتى لحماية النظام السوري من الإنهيار المحقق في منتصف عام 2012. لقد سمح هذا التحوّل المفصلي بقلب الموازين جذريًّا فتصارع طرفان هما النظام المدعوم وحلفاءه من جهة و’الجيش الحرّ‘ من جهة أخرى، مما أدى الى إنهاك الأخير بشكل كبير. حينها بدأت "داعش" تتمدّد على حساب المناطق التي سيطر كان قد سيطر فيها الثوار السوريون طوال السنتين المقبلتين الى أن انتهى بوجود لاعبين عسكريين مركزيّين في سوريا: "داعش" في المنطقة الشرقية الشمالية وقوات الأسد في الوسط والغرب. وبهذا المعنى فإنّه من الدقيق والموضوعي الزعم أنّ تدخلّ "حزب الله" والميليشيات العراقية هو الذي أدّى الى تسهيل إطلاق ديناميّة تمدّد "دولة العراق الاسلامية" التي بدأت الآن في بسط سيطرتها على مناطق االتي يسيطر فيها النظام السوري. إذا وعلى الرغم مما قاله جنبلاط، فإنّ تدخل "حزب الله" في سوريا يجب أن يفهم على أنّه جزء من ’الإستراتيجية الدفاعية‘ للامن القومي الإيراني التي فرضتها الثورة السورية وليس حتما بأنّه إستجلاب ’مقصود‘ "لداعش" الى لبنان مثلا، بل أنّ ذلك كان نتيجة مآل طويل ومعقّد ولكن حاسم أيضًا للأمور، انتهى بجعل "داعش" تهديدًا حقيقيًّا لكلّ بقيّة أطراف الصراع الدائر. لكن كيف نربط ذلك بالذي يحصل في جرود القلمون وعرسال؟ إنّ المعلومات الصحفية الأكثر مدعاة للثقة والمنشورة تقول بأنّ المقاتلين في القلمون هم خليط من أقليّة تنتمي الى "داعش" وأكثرية من "جبهة النصرة" متحالفتان الى جانب جماعات أخرى متفرّقة من ’الجيش الحرّ‘ في القلمون، انسحبت جميعها الى الجرود بعد استعادة قوات الأسد و"حزب الله" لكل الأراضي المحيطة بجرود القلمون. لذا فإنّ إطلاق تسمية "داعش" على مجموع المقاتلين في جرود القلمون مضللة بأحسن الأحوال. ذلك يعني أيضًا أنّ التضخيم المقصود لتعبير "داعش" واحتلال هذا الاخير فضاء الإعلام اللبناني والذي انضوى بأسره في "حرب على الإرهاب" وأبلس عرسال وسكانها ونازحيها، أدى في المحصّلة الى إنفلات أسوأ أنواع الممارسات الفكرية واللفظية العنصرية بحقّ العراسلة واللاجئين السوريين كالصحفية اللبنانية التي كتبت أنّ "على كلّ لبناني أن يقتل كلّ سوري يصادفه"! إنّ هدف كل ذلك كان إيقاف أيّ إعتراض على الإرادات التي قرّرت مسار الأمور. فجآة أصبح كلّ شيء "داعشيًّا"، مما ارعب العباد المتسمّرة على التلفاز وأسكت كلّ شكّاك ومعترض معيدًا الى الأذهان تقنية "الصدم والترويع" التي اعتمدتها القوات الامبرياليّة الأميركيّة في غزو العراق عام 2003. فمن أشنع ما حصل في الإعلام اللبناني تمثّل في حصر استعمال تعبير "شهداء" عند ذكر الجيش اللبناني وعدم ذكر أيّ شيء بالمقابل أو القليل جدًا عن مصير 35 الف عرساليًّا و140 الف نازح خلال العمليات العسكرية. ربما كان هؤلاء بحسب البعض مجرّد "خسائر جانبيّة" يجب تقبلها، الا إذا كنت عرساليًّا أو نازحًا سوريًّا، عالقًا تحت النيران فلك الخيار حينها أن لا تتقبّل ذلك على مسؤوليتك. الأدهى من كلّ ذلك فهو استغلال إعلام "حزب الله" ’الحربي‘ ما حصل لكسب شرائح جديدة من اللبنانيين والتي كانت متأرجحة في موقفها منه، وخصوصا من المسيحيين وذلك بسبب تفوّق قنوات وسائل إعلامية تابعة للأحزاب المسيحيّة على نفسها في الزعم بأنّ " بقاء مسيحيو لبنان مرتبط بمعركة عرسال ضد الإرهاب"! لقد أدى ذلك من جانب "حزب الله" الى إعادة تنشيط التعبئة النفسيّة من أجل استمراره ’بالحرب العادلة‘ لدعم المالكي ومجرميه الى ما لا نهاية، بينما لا يزال كثيرٌ من اللبنانيين يظنّ أنّ "حزب الله" لا يقاتل سوى "داعش" في العراق وسوريا. ولكم أن تسألوا العراقيين عن عدل ميليشيات المالكي وإحترامهم للطوائف الأخرى. ملاحظة: بالتزامن مع كلّ ذلك فإنّ الطبقة الحاكمة اللبنانية، والتي يبدو أنّها قرّرت في سياق حرب لا تنتهي على الإرهاب، أن تطوّع 12 ألف جندي جديد بجرّة قلم، بينما هي لا تزال ترفض حتى اللحظة إقرار"سلسلة الرتب والرواتب" وحقوق الموظفين اللبنانيين التي تشمل العسكريين، وذلك بنفس الحماس التي تبثّ شاشاتها الأغاني الوطنية، المجانيّة... "دعمًا للجيش". (العربي الجديد) (عنوان المقال الأصلي : "الجراد" والصدم والترويع)
#خليل_عيسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وحدة لبنانية -افتراضية- في ساعة
-
عدالة واحدة و’غيرُعادلين‘ متعدّدون
-
الاستعمار الأميركي-الإيراني: ’إعلان‘ إمبراطوريّة الشرّ
-
رحلة كيم الى البنك الكبير
-
عرس العنصريّات الديموقراطي
-
سورية : من الصراع الطبقي المقدس الى واقع الطبقات المدنس
-
اليسار اللبناني يسقط في سوريا
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية
/ هاشم نعمة
-
من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية
/ مرزوق الحلالي
-
الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها
...
/ علي الجلولي
-
السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق
...
/ رشيد غويلب
-
المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور
...
/ كاظم حبيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟
/ هوازن خداج
-
حتما ستشرق الشمس
/ عيد الماجد
-
تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017
/ الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
-
كارل ماركس: حول الهجرة
/ ديفد إل. ويلسون
المزيد.....
|