|
اليوم بتنا هنا والصبح في بغداد
كاظم الموسوي
الحوار المتمدن-العدد: 4540 - 2014 / 8 / 11 - 14:44
المحور:
سيرة ذاتية
"يوم انتهينا الى السجن الذي ما انتهى وصيت نفسي وقلت المشتهى ما انتهى يا واصل الاهل خبرهم وقل ما انتهى اليوم بتنا هنا والصبح في بغداد" سعدي يوسف بعد نهار طويل وليلة كاملة قضيتهما رغما عني في مطارات وطائرات لا خيار لي فيها ولا رأي، حصيلتها تعب شديد وانتظار ممل، وصلنا بغداد صباحا، عند الساعة السابعة. بتنا هناك، في المطارات والفضاء وصبحّنا في بغداد. اجل وصلنا الصبح الى دار السلام. وجدتها عند الصبح غافية وهواءها عليلا، تفرك عينيها من عمق النوم او السهر، لا ادري.. اذ نحن في شهر ربيعي، نهاية كانون الثاني/ يناير. السماء كانت زرقاء فعلا تلونها اسراب طيور هائمة تبحث عن مستقر لها في زوايا الكرة الارضية، وسحابات بيضاء متناثرة هنا وهناك. استبشرت بها خيرا رغم كل ذاك التعب والإنهاك. خرجت من بناية المطار بعد الاجراءات الروتينية، ختم الجوازات وانتظار الحقائب. ثمة اشياء تحدث وتشير لنفسها بفضول او بتركيز او لحسابات اخرى.. امور كثيرة منها مثلا دخول "مدنيين" الى الادوار الممتدة من المسافرين الواصلين بانتظار المرور عبر طاولات او غرف شرطة الحدود وختم الجوازات، وإخراج معارفهم بعد قُبل واحتضان وكلمات الحمد لله على السلامة والوصول دون الالتزام بانتظار الادوار وكأنهم مسافرون اخرون، او ليسوا كالآخرين، او الاخرون ليسوا مثلهم. فلابد ان تعرف احدا من هؤلاء" المدنيين" لياخذك كما شاهدت وربما هناك امتيازات اخرى ايضا. الله اعلم!!. المهم هذه ظواهر تتكرر فقط في عالمنا الثالث، وفي بلداننا العربية خصوصا، وتحت افياء حكومات التحزب الاستبدادي والتقسيم الطبقي حتى للمسافرين، مثل درجات جلوس الطائرة، الاولى والسياحية. وحتى هذه فهي حسب ما تملك وما في الجيب، ليست كما يحدث او حدث في مطار بغداد الدولي!. في سفرة سابقة، كان كل شيء فيها مريحا.. كانت هناك حافلات كبيرة تنتظر القادمين، فيها مكان مخصص للحقائب ومقاعد للركاب، تشعرك باستقبال لطيف نسبيا مصحوبا باحترام عام، ومجانية تبرعا من وزارة النقل. وهي خاصة في المطار والوضع العراقي في بغداد. اذ لابد ان تنتقل من المطار بهذه الحافلات رغما عنك ايضا، اذا كنت مواطنا عاديا، لا تعرف "المدنيين" الذين ذكرتهم، الى ساحة العباس بن فرناس. ويسمونها ساحة العباس دون قصد طبعا!. متى تنتهي هذه القصة؟!. ولكن هذه المرة غابت هذه الحافلات الكبيرة، وشاهدت سيارات من الدفع الرباعي سوداء ووقفت منتظرا دوري ولم يعبا احد بي. فكل سيارة تأتي يصعد فيها مسافرون بتوصية وإشارات وتحيات. رجال مدنيون مع هواتف يتحدثون ويسيّرون السيارات. يتنادون احيانا بأسمائهم: ابو سجاد، ابو كرار.. ابو... الجماعة توصلهم؟. فسالت احدهم كيف اصل الى ساحة العباس؟ لم يرد علي وآخر اجاب على عجل دون ان يلتفت لي: سيأتي "كوستر" هناك موقفه.. قلت له: وهذه السيارات.. رد ايضا وهو مشغول بهاتفه المحمول: محجوزة حجي!. صعدت في "الكوستر"، الحافلة متوسطة الحجم. حيث حشرت الحقائب مع المسافرين بطريقة السردين والسائق يصيح مطالبا بجمع خمسة آلاف دينار عراقي اجرة الراكب الواحد ( اقل من خمسة دولارات)، بسرعة كيلا نتأخر، (عن ماذا؟!). هذه المرة تبدلت هدية وزارة النقل للقادمين الى بلدهم من انحاء المعمورة. ولا حاجة للشك في مثل هذه الاشياء الصغيرة.. خمسة آلاف دينار لا تستحق حتى التفكير فيها، ولكن..! لا مكان او فراغ في الشاحنة وصارت بأجور هذه المرة.. وتدافع المسافرون دون اصول واحترام لكبير او صغير، رجل او امرأة.. اجل هذا ما شاهدته وأنا اتحسر على تلك الايام.. ومن اين جاء هؤلاء العراقيون وكيف صارت الامور الان؟. الديكتاتورية والحصار وأخلاق الريف والمدينة والهجرة والاغتراب والمنافي والملافي ..و..و.. نزلت الشمس الى بغداد وابتدأت حرارة الجو تشع ويتصبب العرق وغابت العصافير عن اجواء المدينة.. حتى الطيور تهرب من صخب المدن ومن اجوائها المشحونة بالغازات ودخان السيارات وأصوات الازدحام الغريب في شوارع عريضة محصورة بين بيوت حجرية وفضاءات ملبدة بما لا تعرفه الطبيعة في تلك الايام. في بغداد الان.. كلما تقترب من المدينة كلما تبتعد عن المدنية، وعن ايام الزمن الجميل. وصلنا بغداد اذن.. ودخلناها باشتياق وحنين للناس والأمكنة والشوارع والذكريات.. بغداد لم تعد كما تركتها او هاجرت منها.. وفيها كما في مصر على قول المتنبي العظيم.. لكن الاجمل للمغترب هو ما يراه ايام الجمع من كل اسبوع في شارع المتنبي. شارع المكتبات والمثقفين العراقيين. تفتيش في مدخله لتنبيه الداخل الى ظروف الامن ورعب الانفجارات التي هشمته في مرات سابقة. وملأت صور الشهداء مقهى الشابندر في نهايته التي ترفع صور عراقيين ومشاهد من زمان اخر على جدرانها.. من السياسيين او المثقفين، شعراء وأدباء وروائيين وفنانين وأضيف لهم الشهداء الجدد. لفت انتباهي في الكتب المعروضة على الارصفة او في واجهة المكتبات التي تصطف على جانبي الشارع، اصدارات جديدة وقديمة عن اليهود، في العراق خصوصا وتاريخهم، ومؤلفات لهم.. مصفوفة بشكل واضح كأنه استهداف مطلوب. قال لي زميل فلسطيني مختص حين اخبرته عنها بأنها لا تبتعد عن دور للكيان فيها، لترويج وتغلغل وتعريف وأهداف اخرى لا يعلمها إلا الراسخون بعلم مثل تلك الظواهر والانشغالات الثقافية. في فلسطين المحتلة والدراسات الاكاديمية يحاولون ذلك وحسب التوجهات طبعا. فأين ما يجدون فرصا او مناخات تتيح لهم مثل ذلك لا يتوانون عنها ولا يتأخرون. هل ننتبه ام انها شكوك ليست في محلها، كما يحاول بعضهم التبرير؟!. قلت لذلك الصديق: قد تنفع هذه الاصدارات في المعرفة والإطلاع على التاريخ والمصير والمسار، لاسيما في التاريخ السياسي العراقي، والأدوار والمكانات والتعايش والإنسانية.. ورد بجدية وأين كانت هذه المؤلفات وماذا تروم بعد؟!. كما لفتني بوضوح ايضا في الاصدارات الجديدة الكثيرة عن اليسار وأحزاب اليسار. اكثر من عنوان عن الحركة الشيوعية والحزب الشيوعي ومناضلين شيوعيين ومذكرات لقيادات شيوعية واطاريح عن الحركة والشخصيات.. هذا اهتمام مهم وجدي في ظروف عراقية بامتياز. ففي الوقت الذي تهيمن فيه قوى دينية تحارب اليسار في ادبياتها وسياساتها تجد الشارع لا يضن على اليسار بمثل هكذا اهتمام وانتشار. هل هي الديمقراطية التي يتحدثون عنها تباهيا وكأنها موضة جديدة؟ ولكن لماذا في الكتب فقط؟. ذكر لي صديق يحمل صفة مدير عام في وزارة عراقية، وجري الحديث عن دوره او التعاون الوطني وضرورة العمل المشترك لخدمة العراق العظيم. قال بخفوت قد لا تتصور اذا قلت لك ان بعض المدراء الاخرين، المحضيين او حملة (البازباند) المذهبي والطائفي والمكلفين بأعمال ليست من عنوان وظائفهم يرون فينا اعداء اشد من الاعداء الحقيقيين الذين يتربصون بهم قبل غيرهم ويحاربونهم في كل مجال، خلاف ما نحاول ان نريهم حرصنا معهم على خدمة الشعب والوطن.. انهم لا ينظرون لنا غير طابور ضدهم ويتركون الاعداء الحقيقيين يلعبون في الميدان كما يرغبون ويخططون.. وكالعادة.. لا يفيقون إلا والفأس قد وقع في الرأس.. ولات ندم بعدها.. بعد حرق روما ونيرون يصرخ.. على الجميع!. ضحكت معه وذكرته بما قاله ابو تمام: إذا جَارَيْتَ فـي خُلُقٍ دَنِيئـــا فأنتَ ومنْ تجارِيه سـواءُ رأيتُ الحرَّ يجتنبُ المخازي ويَحْمِيهِ عنِ الغَدْرِ الوَفاءُ وما مِنْ شِدَّة إلاَّ سَيـــــــأْتي لـها مِنْ بعدِ شِدَّتها رَخاءُ لقد جَرَّبْت هذا الدَّهْرَ حتَّـى أفَـادَتْني التَّجَارِبُ والعَناءُ فلا والله ما في العيشِ خـيرٌ ولا الدُّنيا إذا ذهبَ الحَيـاءُ إذا لم تخشَ عاقبة الليـالي ولمْ تستَحِ فافعَلْ ما تَشـاءُ
#كاظم_الموسوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاحزاب الشيوعية في العالم العربي : ثوابت ومتغيرات
-
الاخوان المسلمون من البديل الى النزيل
-
الى بغداد.. وان طال السفر!
-
اليسار ونكبة العرب
-
الانتخابات الرئاسية استحقاق أم رد فعل!
-
في الاول من ايار/ مايو *
-
صفحات من التاريخ السياسي/ مظاهرة شباط/ فبراير 1928
-
وثبة كانون الثاني 1948*
-
الاسلام السياسي والثورات الشعبية
-
دور العسكر في السياسة
-
من يفخخ السيارات؟
-
تشويه المفاهيم هدف مرسوم
-
استطلاعات الرأي وكلاب الحرب
-
قبعة موفق
-
العراق: جيش وسياسة
-
العراق: البعبع! *
-
العراق: تحالفات سياسية*
-
العراق: أحزاب وسلطة *
-
العراق: البحث عن استقرار
-
الاسلمة السياسية في العراق
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|