|
طليعة بلا أمل ..؟!
قاسم حسن محاجنة
مترجم ومدرب شخصي ، كاتب وشاعر أحيانا
الحوار المتمدن-العدد: 4540 - 2014 / 8 / 11 - 10:27
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
طليعة بلا أمل ..؟! كتبت الأُستاذة ليندا كبرييل مقالة حاورتني فيها ، عن رؤيتي لما يجب أن تكون عليها الأمور ، في ضوء جريمة التعذيب البشعة للأيتام في مؤسسة "مكة المُكرمة " المصرية . وافتتحت مقالها بما يلي : "تفضّل الأستاذ قاسم حسن محاجنة بتوجيه ملاحظة لموقفي من قضية تعذيب الأيتام في معهد مكة المكرمة". ولي بعض المُلاحظات على ما ورد في المقال ، وهذا رابطه : http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=427688 بداية وبعد توجيه شكري الجزيل ، وفائق تقديري للموقف الإنساني ، الذي تجلى في المقالين المنشورين بهذا الشأن ، "بقلم " الأستاذة ليندا ، إلا أن هذه الجملة التي افتتحت بها مقالها الموسوم ، ليست دقيقة . وللتوضيح أقول بأنني ناقشتُ موضوعات عامة ، ولم أُناقش قضية شخصية . طرحتُ للنقاش وحاولتُ تسليط الضوء على الأليات التي طورتها الدول المُتقدمة في تعاملها مع المُجرمين ، وحرصتُ على إبراز أهمية أن يكون القانون هو الحكم الفيصل ، ولا يُمكن ولا بأي حال من الأحوال ،أن ترتقي المُجتمعات وتتطور ، إذا لم يكن للقانون والقضاء ، سلطة سيادية مستقلة . فالمُحاكمات تجري في قاعات المحكمة وليس في الساحات العامة . ركزتُ أيضا على تشجيع الضحايا والشهود ، التبليغَ عن الجرائم ولو تطلب الأمر أن "يحصلوا " على منفعة ما ، وخصوصا الشركاء الثانويون في الجريمة ... ومن يتابع ما أكتب ، يعرف حتما وبالتأكيد ، بأنني "نصّبتُ " نفسي مُدافعا عن الضحايا وناطقا رسميا بإسمهم ، دون تكليف من أحد ، سوى التكليف الضميري والمهني . ففي كل ما أكتب وفي حياتي الخاصة والعامة ، لم أعرف لي صفا ، سوى صف الضحايا والمُضطهدين ، لأصطف فيه . ثانيا : كتبتُ وعن قناعة تامة ، بأن الإعتداءات الجنسية على الصغار داخل الأُسرة ، تتفشى في المجتمعات الإنسانية ، ولكنها في المُجتمعات العربية أصبحت وباء ، وقلتُ بأن لا أحد يستطيع إقناعي ، بأن واحدا على الأقل من أفراد الأُسرة ، يعرف ما يجري في الغُرف المُغلقة ، وخصوصا الأمهات اللواتي يملكن رهافة الحس والحدس الأُمومي ، ليلاحظن بأن أحد الأطفال يتعرض لإعتداء . ويجب في رأيي القيام بحملة توعية مُكثفة ، لتشجيع الأُمهات على التبليغ ، وأن يتخطين حاجز الخوف ، لإنقاذ الضحايا . وتسائلت ، هل تُعتبر الأُم التي صمتت وامتنعت عن التبليغ (لأسباب لا مجال للخوض فيها هنا )، شريكة في الجريمة ؟! ورأي الاستاذة ليندا هو ، حسب ما ورد في مقالها : "ففي هذا المثال وقعت الجريمة في حق فرد ، بين مغتصب وضحيته فحسب، يُسأل عنها ثقافة اجتماعية ضحلة عمرها قرون، يرعاها رجال الدين بفتاويهم المخجلة التي تحتقر المرأة ودورهم في التثقيف التربوي". رغم دعوتي الواضحة للجميع بالتخلي عن الطوباوية ، فإنني أرى بكل ضحية ، عالما مُتكاملا ، وعند الحديث عن الضحايا ، ورغم هول الجرائم المُرتكبة بحق الأيتام في المؤسسة ، والتي أدعو لمُعاقبة مرتكبيها ، فإن الإعتداء الجنسي على طفل داخل اسوار أُسرته ، وعلى يد من كان من المفروض ، أن يوفر له الحماية ، هذه الجريمة لا تقل في هولها ، عن جرائم التعذيب ..!! وهي بالتأكيد ليست قضية بين شخصين ..!! فهي قضية مجتمعية ، يجب أن تقض مضاجعنا جميعا . وبما أنني لا أُريدُ الإطالة ، فعلى موقعي عدة مقالات تتحدث عن الإعتداءات الجنسية والبيدوفيليا ، يستطيع من يريد أن يقرأها . ثالثا ورابعا : كتبت الإستاذة في مقالها ما يلي : "لا جدوى من نظرتك المتحضّرة المتمدّنة هذه " ، وكتبت أيضا:" أنت تبسط أملاً واسعاً جداً بأخلاق الإنسان العربي يا أستاذ ." . أحسستُ ، وقد أكون مخطئا ، بأن الأستاذة ليندا ، تؤمن بأن وضع المُجتمعات العربية ، محتوم ، مفروغ منه ، ولا أمل بتغييره ، وأرجو أن أكون مخطئا تماما . لكن ، لنأخذ مثالا مُعاصرا عن مجتمع كان محكوما "بالنظرية الحتمية " ، مُجتمع جنوب أفريقيا ، قبل نلسون مانديلا وبعده . كانت " أخلاقيات " المُجتمع الأبيض "عُنصرية " ، ترّبى البيضُ على نظريات الأبيض المُتحضر ، السيد ، وأن الأسود متوحش مُتخلف ، "واجبه " الوحيد وغايته من الوجود ، هما في خدمة السيد الأبيض . ثقافة روجت بأن الأبيض هو إنسان والأسود هو مخلوق مُشوه . وقصة الثقافة العنصرية في جنوب أفريقيا ، معروفة للجميع . كان للسود وغير البيض الأخرين ، الكثير من الأسباب الحقيقية "للإنتقام " بأبشع الوسائل من مُضطهديهم ومُعذبيهم من البيض . لكن ما حدث هو العكس من ذلك . فنلسون مانديلا وديزموند توتو ، قادا عملية مُصالحة علنية ، مصحوبة بشهادات موثقة ، أدلى بها المجرمون والضحايا ، تبعتها عملية طلب الصفح والغُفران ، من المُجرم للضحايا . ساهمت هذه المُصالحة في إستقرار الأوضاع ، وجنبت البلاد حربا أهلية ومجازر عرقية . ومرة أُخرى عليّ التأكيد ، بأنني أكتبُ في قضية عامة ، وليس في قضية شخصية ، وأُناقشُ طروحات عامة ، ولا أُناقش حالة تعذيب الأيتام في مصر . هل تحققت العدالة لضحايا نظام التمييز العنصري في جنوب افريقيا ؟؟ بالقطع لا ، فكثير من المُجرمين ، لم يُعاقبوا على جرائمهم . لكن هل تم تطبيق قانون المُصالحة ؟ نعم ، فحكومات جنوب افريقيا المُتعاقبة ، عملت جاهدة في تطبيق القانون، ومنعت ظواهر "تطبيق القانون " بأيدي الأفراد . وهذا المثال يقودنا إلى خطأ "نظرية الحتمية " ، فحين توفرت قيادة ذات رصيد نضالي وأخلاقي من المُستوى الرفيع ، استطاعت أن تقود عملية تغيير مُجتمعي ، يشهد له القاصي والداني . وحال المُجتمعات العربية ، ليس بأسوأ من حال مجتمع جنوب افريقيا ، قبل نلسون مانديلا . فمجتمع جنوب افريقيا(من الافارقة والأسيويين ) ، كان من مجتمعات العالم الثالث ، وحكمتهُ ثقافة قبائل مُتناحرة ، بمنظوماتها القيمية ، لكن نلسون مانديلا وشركاه ، الذين حلموا وحملوا أملا لمُجتمع جديد ، يسوده النظام والقانون ، حققوا جزءا من هذا الأمل . فالتحضر والأخلاق هي في المُحصلة ، سلوك مُكتسب ، لكنه يحتاج الى طليعة تؤمن بالتغيير ، وتحمل أملا حقيقيا وواقعيا بإمكانية تحقيق هذا الأمل على أرض الواقع . فطليعة بلا أمل ، لا تستطيع أن تُغير نفسها ، بل تتلاشى .. وهذا أخشى ما أخشاه .. وشكرا للأستاذة ليندا ، التي حثتني على طرح تصوري ..
#قاسم_حسن_محاجنة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما بين الحُلم الطوباوي والحُلم الواقعي ..
-
إضاءة على مقال الزميلة ليندا كبرييل : مُتلازمة ستوكهولم وأهد
...
-
ألناسخ والمنسوخ وما بينهما ..
-
ألرد الأريب على تساؤلات سامي لبيب...
-
مكاسب ألحرب ..!!
-
ألمشاعر وسياسة ألقوة ..!!
-
تابوهات وطابوهات : حوار عن الحوار في الحوار ..!!
-
بعد زوال حماس ..!!
-
الألم النفسي : قراءة للحالة ألعربية الإنتحارية (3)
-
ألحرب وألأخلاق
-
الألم النفسي : قراءة للحالة ألعربية الإنتحارية (2)
-
مردخاي كيدار : دكتور في -الإغتصاب -..!!
-
داعش : الإستثناء عن -القاعدة - ..!!
-
التنزيه لسياسات أليمين الإسرائيلي ..!!
-
أنا فلسطيني شريف .. نقاش هاديء مع الزميل ماجد جمال الدين .
-
حياة جدعون ليفي في خطر ..!!
-
الإعلام الإسرائيلي : لا صوت يعلو فوق صوت دوي المدافع .
-
ألشعب أليهودي بين التنظير والواقع ..
-
أخوية ألدم ..!!
-
-أفضال- الإسلام السياسي ..
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|