أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - خليل صارم - النظام الساسي العربي (الموروث و المرتكزات ) الجزء الأول















المزيد.....



النظام الساسي العربي (الموروث و المرتكزات ) الجزء الأول


خليل صارم

الحوار المتمدن-العدد: 1281 - 2005 / 8 / 9 - 11:51
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


وجهة نظر *
النظام السياسي العربي

الموروث و المرتكزات

- ( نسخة معدلة ومدققة )

خليل صارم


تقــــديم
لست متخصصاً ولا أدعي ذلك, ولست باحثاً أكاديمياً ولا أدعي ذلك.
إنها مجرد وجهة نظر مستندة إلى وقائع التاريخ كما وصلنا وكما تتمسك به هذه الأمة بغالبيتها وإلى الأحداث التي عايشناها, وتراكمات معرفية وثقافية, انطلاقاً من أن واقعنا المزري الحالي هو نتائج لمقدمات تاريخية أسست له.
أعتقد ولا أجزم أن وجهة النظر هذه تعبر عن رأي قسم لابأس به من أبناء جيلي والسابق له والجيل الذي يليه الذين عايشوا الإحباط تلو الإحباط وضياع أحلام العمر الوردية سدى على مدى أكثر من نصف قرن, يتساوى في ذلك أبناء هذه البقعة من المعمورة الممتدة مابين ( المحيط البائر والخليج العاثر ),
هي مجرد محاولة للدلالة على الأسباب التي استدعت كل هذه المصائب من خلال رؤية خاصة ومعاينة ومعايشة للفصول الأخيرة من الأحداث على امتداد نصف قرن.
هذه المصائب التي مابرحت تنهال فوق رؤوسنا بحيث أضعنا معها الاتجاهات والقدرة على تحديدها بل وحتى الإحساس بها وتمييزها, فلم يعد هناك مايثير فينا أية مشاعر , لنصبح مجرد ركام بشري تتلاعب به قوى التغيير بحكم الواقع مستسلماً لإرادتها لتسوقه على هواها دون أية قدرة على المساهمة في حركة هذه القوى.إن كل ذلك بفعل أيدينا وعقولنا التي توقفت عن الحركة والخيال والإبداع منذ قرون طويلة وتجمدت ليأكلها الصدأ والعفن, تجتر أفكاراً في غالبيتها غثة تافهة متخلفة ونحن نحسب أنها العبقرية والفضيلة والحضارة بعينها, مع ذلك كله فإننا سرعان مانتهم الغير بمصائبنا هرباً من المسؤولية.
لم يعد هناك أي حل للخروج من هذا الواقع سوى أن نبدأ وبجرأة في النظر داخلنا والاعتراف بكل أخطائنا وانحرافاتنا والتوقف عن الكذب على أنفسنا والتوقف عن تسويق المزيد من الأوهام علَّ هذا الركام البشري يستفيق من غفلته الفاضحة وتدب الحياة في أوصاله فيعود ليساهم في ركب الحضارة الإنسانية بالشكل المطلوب والمتوجب , وكما بدأ الأجداد الأوائل , الذين اخترعوا الحرف ونشروا الثقافة الإنسانية وخرجت من بينهم النبوات لتهدي الحكمة والمنظومة الأخلاقية للإنسانية .
هي مجرد حجر في هذا المستنقع الراكد علَها تستجر جدلا صحيحا حول حقيقة النظام السياسي العربي وتاريخه المخجل, شريطة أن يكون هذا الجدل صادقا, جريئا, فنحن بأمس الحاجة للصدق والجرأة مع الذات وعدم التلطي خلف أصابعنا المرتعشة.

خليل صارم








إهدا ء

إلى كل من يؤمن بقوة الكلمة, لأنه في البدء كانت الكلمة
( وكانت الحــــرية )
إلى كل الحا لمين بوطن حضاري والمؤمنين بأن هذا الوطن قد شهد أو ل حالة حضارية في التاريخ البشري عندما رسم ذلك الفينيقي أو ل حرف مكتوب مرسياً بذلك أسس حضارته ليصبح المعلم ابن المعلمين والسيد ابن السادة ....
فلنضع التساؤل التالي قيد الإجابة :
هل نحن قادرون على إعادة الوصل التاريخي ثم اللحاق بركب الحضارة ..؟؟
إنـــه الحـــلم ولكن . أليس الحلم سابقاً للواقع الذي يجب أن يليه حتماً!!؟
* * *






النظام السياسي العربي
البدايات
قبل ماينوف عن أربعة عشر قرنا , بدأت هيكلية إمبراطورية جديدة ترتسم في أفق العالم المعروف آنذاك
ولقد كان مقدرا لهذه الإمبراطورية أن تكون نقلة حضارية رائعة على مستوى التاريخ الإنساني سيما وأنه من المفترض أن تكون خارجة من رحم آخر وأرقى الرسالات السماوية والتي كان النبي العربي محمد (ص) قد استكمل تبليغها وتدوين دستورها المكتوب ( الموحى به ) ( القرآن الكريم) , مشتملة كافة الأبعاد الإنسانية الراقية والأسس الفلسفية العلمية المتطورة , والتي لم يكن العالم قد عرف لها مثيلا من قبل .
فالنبي الكريم محمد بن عبدا لله (ص) تقدم للبشرية جمعاء ولأول مرة في التاريخ الإنساني برسالة سماوية متكاملة, واضحة المعالم, محددة الأطر, شاملة الأهداف, تمتلك أرقى الحلول الآنية والمستقبلية لكل ما قد يطرأ من تعقيدات على سلم التطور الحضاري الإنساني الممكن الوصول إليه, على أرضية منطقية عقلانية علمية, تحرض العقل البشري على البحث والاستقصاء والاستنباط والاستنتاج والتحليل, مؤسساً لذلك كله قواعداً حضارية قادرة على الحلول محل أعتى الإمبراطوريات التي كانت تسيطر على العالم المعروف آنذاك(الرومانية والفارسية) ولكن بطابع إنساني , أخلاقي .
وهي الرسالة التي تكاد تكون الوحيدة التي خاطبت البشرية جمعاء, والتي حاربت كافة أشكال التعصب والقسر والعنف الذي رفضته إلا في حالة الدفاع المشروع, مستندة بذلك إلى منطق الحوار العقلاني الحر الواعي في الإقناع والاقتناع والاعتراف بالآخر كائنا من كان هذا الآخر بغض النظر عن الانتماء والعرق واللون والجنس .
في الواقع فان هذه الأسس هي التي ارتكزت عليها ( الرسالة العظيمة ) كشروط أساسية لاحترام إنسانية الإنسان الذي كرمه الله على كافة مخلوقاته., لــكن أمر ما حدث ؟ وجريمة ارتكبت ؟ !!! كيف ؟! هذا ماسنحاول استقراؤه وبحثه .
بدلاً من أن تخرج ( الإمبراطورية الجديدة ) من هذا الرحم الطاهر الزكي, الرائع, بالشكل الطبيعي وفق سنة التطور الطبيعية متربعة على قمة الحضارة الإنسانية آنذاك كبديل طبيعي مطلوب ومقبول للإمبراطوريتين ( الرومانية والفارسية ) سندا لمبادئ هذه الرسالة السمحاء خرجت بشكل قسري مخالف لكل ذلك, ضاربة عرض الحائط بكل هذه المبادئ والأسس .
هكذا ظهرت الإمبراطورية العربية, أو" النظام السياسي العربي ".. والمدقق في صفحات التاريخ يكتشف أن جميع المترددين والمشككين والانتهازيين والوصوليين, وكل ذوي النوايا الخبيثة الذين وصفهم القرآن الكريم ( بالمنافقين) قد استغلوا مبادئ التسامح والعفو والمغفرة بعد انتصار الرسالة, ليجتاحوا صفوف المؤمنين بها بعد أن أعيتهم الحيلة للوقوف بوجهها قسرًا بغية تخريبها ومنع انتشارها, لكن هذه المرة من الداخل. !!!
إن هؤلاء هم من اعتمد عليهم ( النظام السياسي العربي ) فيما بعد لتدعيم أسسه ومرتكزا ته ثم سرقة هذه الرسالة وتجييرها لمصلحته بعد أن أمعن فيها تحريفا وفق رؤيته ورؤية كافة القوى المنافقة , وقد أسفروا عن حقيقتهم وحقيقة نواياهم وأهدافهم في أكثر من موقف وكان الحاخام ألتلمودي ( كعب الأحبار) هو الأكثر تأثيرا من بين هؤلاء, إذ ساعد وأسس لإرساء ( المدرسة التلمودية) داخل الرسالة المحمدية . هذه المدرسة التي سرعان ماشدت إليها هؤلاء جميعا بعد أن رأت القوى الطامحة لتأسيس
إمبراطورية قائمة على العنف وبناء الأمجاد والطموحات الشخصية الكثير من التطابق الشديد وطموحاتهم داخل هذه المدرسة وهذا النهج.
كيف حدث ذلك ؟ ولمــــاذا ؟.
نعـــــود للاستعراض العام للرســـالة فنقول : إن كل أسسها ومبادؤها وغاياتها قد حفظها لنا القرآن العظيم ( الدستور المكتوب والموحى به ) والمدقق في القرآن الكريم يدرك وبسهولة أي مجتمعٍ راقٍ أسس له ليكون قدوة ومثالا للبشرية جمعاء في قيمه وعلاقاته, لو قيض له استمرار النهج الذي بدأه رسول الله (ص) وأرسى له على أرض الواقع.
هذه الرسالة العظيمة التي أكملت واشتملت على ماسبقها من رسالات بما فيها آخرها " رسالة السيد المسيح " عليه السلام".الذي بشر بالإنجيل مركزا على الوصايا العشر في نسخة مطورة لرسالة النبي موسى بن عمران عليه السلام فحسب نص القرآن الكريم أن السيد "المسيح" عليه السلام , قد بشر برسول بعده اسمه أحمد وهذه البشرى .تناقلها أخصاء المؤمنين برسالة السيد المسيح عبر عدة أجيال هي المدة الفاصلة بين الرسالتين
إن ظهور اسمي كل من ( ورقة بن نوفل ) مطران الجزيرة آنذاك وهو من أبناء عمومة أسرة النبي الكريم وخال السيدة خديجة بنت خويلد أول زوجة للنبي الكريم وهي التي ساندته في نشر دعوته وآمنت بها و(الراهب بحيراء ) الذي تعرف على النبي الكريم بمجرد مشاهدته له وكان مايزال صبيا وحذر عمه أبو طالب من يهود التلمود حفاظا على حياته لأنهم لو تعرفوا عليه لبذلوا المستحيلات في سبيل قتله والتخلص منه كعادتهم في قتل الأنبياء والتآمر عليهم (دليلا أكيدا على إيمانهما بنبوته ودعوته) وفي الروايات الصحيحة والمتواترة أن ارث الأنبياء قد انتقل إليه (ص) وخاصة ارث موسى وعيسى عليهما السلام. وبالتأكيد فان كل من ورقة بن نوفل والراهب بحيراء قد قاما بمهمتهما خير قيام من تسليم مابعهدتهما إليه والإيمان بنبوته ورسالته . إن هذا هو الوجه المنطقي لحقيقة علاقة هؤلاء بالنبي الكريم خلافا لكل ماسبق من تفسيرات كانت تخفي في الحقيقة نوايا سيئة يقف خلفها بالتأكيد حاخامات التلمود .
إن الرسالة الإسلامية المحمدية كما أنها أكملت ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) فقد أوضحت وطورت ماسبق من رسالات سماوية بمنهجية واضحة تقطع الطريق على كل التأويلات والاجتهادات المنحرفة, لذلك فان أي مفاهيم خاطئة لأي جانب من جوانبها تكون حتما مقصودة ومصحوبة بنوايا خبيثة سيئة ومعادية للإنسانية لايمكن تبريرها بأي شكل من الأشكال , نظــرا لوضوح طروحاتها الشديد ووضوح كل ماتقدمت به من قيم وعلاقات إنسانية وأسس تطوير المجتمعات .
إن القرآن الكريم يبين لنا بشكل لالبس فيه كيف اشتمل على أسس التوراة والإنجيل الصحيحة والحقيقية ويبين لنا كيف أن الرسالات السماوية تدور كلها حول محور واحد أساسي هو ( المنظومة الأخلاقية ) التي تفتح الباب واسعا لكافة الجوانب الإنسانية في المجتمعات البشرية.

* * *


( الحكمــة في القرآن الكريم )
بالعودة إلى سورة (الإسراء ) في القرآن الكريم نكتشف ما هي الحكمة أو الوصايا العشر في الإنجيل وقبل ذلك في التوراة , لكنها في القرآن الكريم قد اشتملت على تفاصيل تيسر فهمها لأي إنسان مهما تدنى مستوى وعيه وذلك بقصد قطع الطريق على أية تأويلات أخرى كما سبق وحدث مع التوراة والإنجيل على أيدي التلموديين
هنا انتفى التعقيد وانتفت الحاجة لأية تأويلات أو شروح واجتهادات لكل من يبحث عن أسس السلوك الإنساني الأخلاقي القويم الذي يرتقي بالمجتمعات إلى أعلى المستويات الإنسانية الراقية.
إن الحكمة في القرآن الكريم تشكل قواعد أساسية محكمة لما يجب أن تبنى عليه تركيبة المجتمعات الإنسانية وهي ( قواعد فلسفية أخلاقية محكمة ودقيقة ذات منطق رياضي سليم ) فان أحسن الأخذ بها تطبيقا وصلت هذه المجتمعات إلى مواقع غير مسبوقة على سلم التطور الحضاري, لذا فإن النتائج سلبية كانت أم ايجابية مرهونة بمخالفة هذه القواعد أو الالتزام بها, وليست بفعل قوى خارجية أو غير منظورة أو قدرا مقدورا كما تحاول بعض الأطراف المضللة أن توحي بها وهذه الأطراف هي من مدرسة النظام السياسي العربي أساساً, واعتادت بعض الشرائح الاجتماعية العربية الخاضعة لسلطة هذا النظام ترداده بمنطق المستسلم دون روية وإمعان فكر.
ولنستعرض الحكمة كما وردت في القرآن الكريم:
سورة الإسراء. الآيات من 22 إلى 39
*لا تجعل مع الله اله آخر فتقعد مذموماً مخذولا* والشرك بالله من الناحية الإنسانية هو إهدار لكرامة الإنسان الذي يسلس قياده للجبابرة والظالمين ممن هم بشر مثله فهو وكلما ازداد في موالاتهم سواء
كان خوفا منهم أو طمعا في كسب ما ؟ يزدادون احتقارا له ولامبالاة به, وهم بالنتيجة لايهتمون بغير مصالحهم الخاصة.
لذلك فان التوحيد يحفظ كرامة الإنسان طالما أنه لايشرك به أيا من البشر الذين يتميزون بالضعف إلى جانب القوة, الضعف تجاه غرائزهم وشهواتهم وأطماعهم على حساب حياة الأفراد والمجتمعات والاستقواء بالأتباع.
* وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا, إما يبلغن عندك الكبر إحداهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا *
هكذا إلى جانب التوحيد والحفاظ على الكرامة الإنسانية هناك الحفاظ على لحمة المجتمع من خلال التركيز على لحمة الأسرة القائمة على الرحمة والعرفان بالجميل والشكر الذي يتأكد من خلال الأسرة وتتوارثه الأجيال.
* ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فانه كان للأوابين غفورا *
* وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا *
* إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا *
*وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولاً ميسورا *
* ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسورا *
* إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وانه كان بعباده خبيراً بصيرا *
* ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم, إن قتلهم كان خطأً كبيرا *
ولنلاحظ في الآيات السابقة كيف يتم التركيز على أسلوب العلاقات ضمن المجتمع والقائم على التعاون وتوفير الحقوق لأصحابها ومساوئ التبذير الذي يقود إلى الفساد إلى جانب صفة البخل والتقتير الذي لايقل مفسدة ويؤديان معا إلى اختلال التوازن بين شرائح المجتمع والمطالبة بالاعتدال الذي يضمن المساواة, ولا نعتقد هنا أن قتل الأولاد هو القتل المادي بمعناه المتعارف عليه وإنما المقصود به هو القتل المعنوي انطلاقا من حرمانهم من حقوقهم بزعم الحرص المادي الشديد خشية الفقر أو إلزامهم بأفكار وعادات عفا عنها الزمن ولم تعد ملائمة لحياتهم ومستقبلهم ,ففي حديث متواتر منسوب للإمام علي ( كرم الله وجهه ) مضمونه: ( لاتقسروا أولادكم على أخلاقكم فقد ولدوا لزمان غير زمانكم ) والمقصود بالأخلاق هنا ( العادات ) وأساليب العيش التي لايمكن أن تبقى صالحة لكافة الأزمنة, وليس المقصود بالأخلاق بمعناها المعروف, وهذا يناقض تماما التصلب في المفاهيم والشكليات التي تنادي بها القوى المتخلفة في كل الأزمنة.
نتــابع مع سورة الإسراء:
* ولا تقربوا الزنى انه كان فاحشةً وساء سبيلا *
* ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل انه كان منصورا *

* ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا *
* وأوفوا بالكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا *
* ولا تقف ماليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا *
* ولا تمش في الأرض مرحاً انك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا *
* كل ذلك كان سيئةً عند ربك مكروها *
* ذلك ما أوحى إليك ربك من الحكمــة ولا تجعل مع الله اله آخر فتلقى في جهنم ملوماً مدحورا *
إذا هذه هي قواعد الحكمة الأساسية التي تأخذ بيد المجتمعات الإنسانية والأفراد على حد سواء في طريق الخير والسمو والحضارة بوجهها الأخلاقي, فالزنى والقتل وتجاوز حقوق الأيتام وعدم احترام العهود والابتعاد عن طريق الحق والحقيقة والإنصاف, كذا النميمة والغيبة والصلف والغرور والكبر كل ذلك سيء ومرفوض قطعا كونها تقضي على إنسانية الإنسان وتعصف بالمجتمعات.
وفــي مواقع كثيرة من القرآن الكريم ومختلفة المواضع نهي شديد عن الكذب والنميمة والغيبة والنفاق والسرقة وتحذير متشدد منها.
وهكذا نرى أن الوصايا العشر في الإنجيل قد وردت في القرآن الكريم موضحة ومشروحة مع إضافات تتلا ئم وتطور العصر والمجتمع البشري, وكل من قرأ الإنجيل رأى كيف كان السيد المسيح لاذعا وحادا في نقده للمجتمع الذي كان يخاطبه آنذاك محاربا بذلك الفساد الذي كان منتشرا على أيدي الحاخامات الدجالين حتى أنه وصفهم بالأفاعي والخنازير بعد أن ضاق ذرعا بمناوراتهم وخداعهم ومكرهم وقام بطردهم من الهيكل, وكيف كان يضرب الأمثلة مؤكدا على ضرورة الالتزام بالوصايا وبما يتلاءم ومفاهيم الناس الذين يخاطبهم.
من جانب آخر فان الحكمة كما اطلعنا عليها هي أكثر من كافية للارتقاء بأي مجتمع يأخذ بها من الحضيض إلى قمة مستويات الحضارة التي طالما حلمت بها الإنسانية., ومع ذلك فان القارئ يلمس أن القرآن الكريم قد انتقل بها إلى مستويات أعم وأشمل, حيث أسس لتنظيم المجتمعات وفق قواعد دقيقة امتدت إلى القانون المدني والجزائي وقانون الإرث والأحوال الشخصية منظما بذلك علاقات المجتمع فاتحا الباب على مصراعيه لاستنباط القواعد القانونية الملائمة وحتى أصول الحكم في جوانبه الايجابية من حيث المساواة والحرية واحترام الآخر بشكل يتلاءم تصاعديا وسنة التطور الحضاري, وحدد موقفه في الوقت عينه من الظلم والانحراف والفساد وحتى الخطأ بمفهومه البسيط مرسياً أسس وقواعد حرية الفرد والمجتمع بشكل متطور متخذا من النبي الكريم قدوة ومثالا ونموذجا للخطاب الموجه للإنسانية.

الحرية في القرآن الكــــــــريم
فــــي مواضع كثيرة من القرآن الكريم, يتخذ من النبي الكريم نموذجا يخاطب من خلاله البشرية في تركيز واضح على الأسلوب الأمثل للحوار مع الآخر كائنا من كان هذا الآخر, مشددا على الحرية في القبول أو الرفض لمن يريد أن يؤمن بهذه الرسالة أم لا, دون تهديد أو وعيد, بل بكل لين ورفق ومحبة وحسن خطاب.
إن كافة أشكال القسر والإلزام مرفوضة قطعا كما نص عليها القرآن الكريم ويضرب الأمثلة حتى في التعامل مع الطغاة, ففي مثال التوجيه للنبي موسى وشقيقه هارون ( عليهما السلام) ورد النص التالي:
(الآية) .( اذهبا إلى فرعون انه طغى. فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى )
43-44 طه.
هذا هو نمط التبشير وأسلوب الدعوة وهذه هي طريقة الحوار ( القول اللين ) وان هذا موجه للبشرية جمعاء ولكل من أراد أن يتبوأ موقعا اجتماعيا وسياسيا ودينيا وذلك من خلال الإيحاء بالتوجيه إلى النبي الكريم.
هذا النمط من التوجيه نراه في أماكن كثيرة من القرآن الكريم بحيث لاتكاد تخل’ سورة منه, فضرورة الأخذ بالموعظة الحسنة وإبلاغ الدعوة بالحسنى والحوار المقنع وعدم وجود وصاية لأحد على الآخرين ورفض أي شكل من أشكال العنف في هذا المجال أو غيره والأخذ بكل مايكرس منطق الحرية والتأكيد على احترام الرأي الآخر, كل ذلك ورد بصيغة الأمر تشديدا على هذه الحرية واحترامها وإلزاماُ للنبي الكريم وجميع المؤمنين بهذه الأوامر. خلافا لكل القواعد التي بني عليها النظام السياسي العربي فيما بعد وخلافا لكل افتاءات فقهائه عبر مالا يقل عن أربعة عشر قرنا, وخلافا لكافة تفسيرات غالبية هؤلاء الفقهاء المنحرفة والشاذة للقرآن الكريم ( دستور الرسالة الإسلامية المحمدية, المكتوب والموحى به ) ومنهجها الذي طبق من قبل النبي الكريم .فقد أعطى القرآن الكريم وسيرة النبي الكريم الثابتة والمطابقة للقرآن الكريم ( الحرية ) سواء كانت فردية أم على صعيد المجتمع , هالة من الاحترام بلغت حدود القداسة , مشددا على حمايتها واحترامها ومنع المساس بها من قبل أي كان وحتى من النبي الكريم .,
ولا تكاد تخلو سورة من سور القرآن الكريم من التذكير بهذا الحق المقدس.
فالنبي الكريم هو:رسول الله العلي القدير, وهو بشير ونذير ولا يحق له تجاوز ذلك بأي شكل من الأشكال فيكره الناس على الإيمان والمطلوب منه فقط أن يشرح ويوضح ويدعو معتمدا بذلك على أسلوب الحوار العقلاني المهذب والمنطقي واللين الذي يصل بالنتيجة إلى الإقناع المبني على الفهم والاستيعاب.
أما القسر والإلزام ومصادرة حرية وقناعات الآخرين وقمعهم بزعم نشر الإيمان وحماية الدين فهي أمور محرمة ومرفوضة قطعا بكافة أشكالها وأوجهها وبالنص الحرفي لأن الإيمان يجب أن يبنى على قناعة ذاتية من المتلقي تنبع من أسس عقلانية منطقية كي يترسخ ويندمج مع حقائق الحياة بتناغم يزيد من ترسيخه لدى المؤمنين بهذه الرسالة , وهذا ماشدد عليه القرآن الكريم وأوضحه , على عكس مانهج النظام السياسي العربي وبنى عليه أسسه , هذا النظام الذي حمل لواء الرسالة فيما بعد زاعما الإيمان بها ومطبقا كل مايلائم استمرار يته بشكل قسري وعنيف منذ ظهوره للعلن كإمبراطورية وحتى الآن وفي كافة بؤره .
هذا النظام الذي اعتمد قراءة مقلوبة من قبل أعمدته وفقهائه عبر التاريخ ونظر إلى نصوص القرآن الكريم بعيون محدودة الرؤية, قصيرة النظر مستندة على خلفيات ماكرة خبيثة ونوايا سيئة وذلك لطمس الحرية ومفاهيمها الصحيحة تعزيزا لطموحاته في السيطرة, متكئاً بذلك على وصايا فقهائه وآرائهم وفتاويهم التي تبرر كل سلوكيات السلطة والسلطان .
هؤلاء الفقهاء الذين تشبهوا تماماً بحاخامات التلمود ونهلوا منهم, تدعمهم بذلك قواعد شاذة أطلق عليها فيما بعد صفة الأصولية.
إن الله عز وجل يخبرنا ويذكرنا في أكثر من مقام ومقال وحسب نصوص (آيات) القرآن الكريم أنه قادر على أن يجعل الناس جميعا أمة واحدة مؤمنة, لكنه ومن خلال الحرية التي يجب أن يتمتع بها كل فرد وإسباغ هذه الهالة من الحماية عليها والتي قاربت حد القداسة, أفسح المجال واسعاً لكل إنسان في استعمال هذه الحرية كي يكون الإيمان نابعا من قناعة ذاتية وكذلك أية قناعة أخرى معاكسة كانت أم متوافقة وإلا كيف يمكن تطبيق مبادئ الحساب من ثواب أو عقاب على قدر التقى والإيمان أو الكفر والإنكار ومخالفة حقائق الطبيعة والكون . وكيف يمكن لمس أثار الالتزام بقواعد الحياة من عدمه وهذا ماسينسحب بآثاره على الفرد والمجتمع على حد سواء,وكل على قدر عمله. إذاً فبدون تحقق شرط الحرية لايمكن الحديث عن الحساب.
{ ولنستعرض هذه الآيات كما وردت في القرآن الكريم }
( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم, إن الله عليم خبير ) 13 الحجرات
( فمن شــاء فليؤمن ومن شــاء فليكفر ) 29 الكهف
( ولو شــاء لجمعهم على الهدى ) 35 الأنعام
( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين ) 118 هود
( ولو شاء الله ماأشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا وما أنت عليهم بوكيل ) 107 الأنعام
( من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولاتزر وازرة وزر أخرى ) 15 الإسراء
( ولو شاء الله لجمعهم على الهدى ) 35 الأنعام

( سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ماأشركنا قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين )
148 -149الأنعام.
ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين
99 يونس
( لاإكـــراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ) 256 البقرة
( وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أء سلمتم فان أسلموا فقد اهتدوا وان تولوا فإنما عليك البلاغ المبين والله بصير بالعباد ) 20 آل عمران.
( وما أرسلناك عليهم حفيظاً أن عليك إلا البلاغ ) 48 الشورى
( وما أرسلناك إلا مبشراً ونذيرا ) 56 الفرقان
( أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا ) 43 الفرقان
( إن أنا إلا بشير ونذير لقوم يؤمنون ) 188 الأعراف
( إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل ) 12 هود
( قل ياأيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين ) 49 الحج
( إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين ) 50 العنكبوت
( إنما أرسلناك بالحق بشيراً ونذيرا ) 119 البقرة
( وما أرسلناك إلا مبشراً ونذيرا ) 105 الإسراء
( إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيرا ) 45 الأحزاب
( وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيرا ) 28 سبأ.
هكذا يتضح تماماً مفهوم الحرية كما كرسها القرآن الكريم فكيف بعد ذلك كله نجد من ينصبون أنفسهم أوصياء على الناس ويوزعون الكفر والإيمان في كافة الاتجاهات ويفتون بتكفير الغير أفرادا وشعوبا مبررين القتل والمجازر وكافة انتهاكات حقوق الإنسان , صحيح أن كل شيء يخضع لمشيئة الله عز وجل ولكنه تعالى يخبرنا بالنص أنه قادر على أن يجعلهم كافة مؤمنين أو مشركين .. فلماذا لم يفعل ذلك ويجيب عزوجل (إن لله الحجة البالغة في ذلك ) كما رأينا في الآية من سورة الأنعام .
وهنا تتضح الغاية التي ألمحنا إليها وهي أنه ( تعالى ) لو جعلهم يؤمنون جميعا أو يشركون جميعا كيف يتأتى بعد ذلك تطبيق مبادئ الثواب والعقاب وأين نذهب بقاعدة
( ولاتزر وازرة وزر أخرى ) والواضح هنا بشكل جلي إن مبدأ العقاب والثواب يستند إلى حرية الاختيار واتخاذ القرار والإرادة الحرة الواعية في ذلك , وهكذا ذهبت القوانين الوضعية وإلا فما الحاجة إليها أصلا إذا لم يكن للإنسان يد في تصرفاته وسلوكياته أو مكتوب عليه ارتكابها منذ الأزل كما ذهبت إليه بعض الاتجاهات الفكرية الدينية , إذاً لأصبحت حتى القوانين الوضعية تدخل في خانة الكفر والإلحاد لأنها وفق هذا المنطق مخالفة لمشيئة الله .
من جانب آخر فان النص كما رأينا يؤكد أن الله تعالى لم يفوض أحدا بمن فيهم الأنبياء والرسل بإلزام الناس باعتناق الرسالات والإيمان بها , فلا إكراه في الدين بعد أن تم توضيح الخطأ من الصواب والحق من الباطل والرشد من الغي , وعلى الإنسان أن يختار أي من النجدين وبالتالي فهو المسؤول أمام الله تعالى عن هذا الاختيار وهو الذي يتحمل نتائج خياراته لوحده دون غيره .
إن فرض احترام الحرية إلى هذا الحد يقطع الطريق على أي كان البحث في قضايا الكفر والإيمان لأن هذا من اختصاص الله تعالى وحده والفصل فيها محصور به تعالى ولا يوجد تفويض لأحد بذلك.
والواضح أن قضيتي الكفر والإيمان مرتبطتين بالعلم والجهل, لذا فإننا نجد في القرآن الكريم الكثير من الآيات التي تحرض العقل الإنساني على التفكير والبحث والاستقصاء, وبالتالي فانه يتوجب على الإنسان الفرد وحده أن يقرر موقفه بكامل حريته واختياره من حيث فهمه الصحيح لقواعد وقوانين الطبيعة والكون والمجتمع وانعكاس ذلك كله على حياته .
مع ذلك ووضوحه وضوح الشمس في رابعة النهار, فقد صودرت الحرية تماما وتعطلت الإرادة والتي هي أساس الحياة وأساس رقي المجتمعات وتطورها وحجر على العقل تماما, بأيدي من وصفوا بالفقهاء الذين نحوا كل هذه النصوص القرآنية الملزمة باحترام الحرية جانبا تحت زعم الكفر والإيمان وحماية الدين من الضلال والكفر شاهرين تهم التكفير والزندقة بوجه كل من حاول استعمال العقل والمنطق والتمسك بحقائق الحياة وقواعدها الثابتة واختلف مع منطقهم المخالف للعقل وللنص ومع تفسيراتهم المنحرفة والشاذة ومع سلاطينهم سلاطين الجور والظلم, مصححين لله ورسوله الكريم بما افترضته أطماعهم ونزعة خدمة السلطان الجائر وتبريرا لكل سلوكياتهم المنحرفة ليبنوا إمبراطورية قائمة على الفتح المسلح ونهب ثروات الشعوب واستعبادها تحت شعار نشر الإيمان !!! وأي إيمان ؟؟؟ إيمان السلاطين وآلاف الجواري والإماء والعبيد والخصيان وتكديس الثروات والذهب وتوزيع الاقطاعات على قادة الجند وبناء الأمجاد الشخصية إنتقاماً., والتي ارتدت على الأمة أحقادا وردود أفعال وتقسيم جرى فيما بعد إنتقاما وحصدتها الأجيال اللاحقة., فعندما سنحت الفرصة لهذه الشعوب ولهؤلاء الخصيان المستعبدين ارتدوا على مستعبديهم السلاطين ليسيطروا على الإمبراطورية ثم اجتاحوها انتقاما ولو كان هؤلاء الفقهاء وسلاطينهم مؤمنين بالرسالة التي رفعوا لوائها زورا وبهتانا لتابعوا نشرها وفق أسلوب رسول الله (ص) المبني على الحوار الذي يؤدي إلى الإقناع والاقتناع باللين والمحبة ( ولدخل الناس في دين الله أفواجا ) برضا وقناعة دون الحاجة للفتح المسلح فالناس تهتم بما تراه من نموذج التطبيق على أرض الواقع وسلوك المؤمنين بهذه الرسالة فان كان مطابقا لمضامينها ومنها مضمون منظومتها الأخلاقية والالتزام بحقائق الحياة التي تؤدي الى الازدهار والتطور أخذوا بها وأسرعوا إليها فاتحين قلوبهم, أما الفتح المسلح فانه قد يخضع الشعوب لبعض الوقت, لكن هذه الشعوب ستنتظر الفرصة السانحة للاقتصاص والانتقام من خلال الانقضاض على الإمبراطورية وهذا ما حدث فعلاًً.
إن المدقق في التاريخ عبر مايقارب الأربعة عشر قرنا يلمس هذا الانحراف الرهيب عن مضامين الرسالة الإسلامية المحمدية الراقية بحيث أن الابتعاد والانحراف كان يزداد بخط تصاعدي مع مرور القرون , ففي الوقت الذي كان يجري فيه دفن أسس هذه الرسالة وأهدافها النبيلة ومنظومتها الأخلاقية التي بنيت عليها كما حفظها لنا القــرآن الكــريم . كان هناك فكر بديل منحرف, مشوه يتنامى ويجري ترسيخه برعاية سلطة الإمبراطورية وفقهائها التي نشأت تحت عباءة الرسالة ورفعت لوائها زورا وبهتانا.
هذا الفكر المنحرف اعتمد أساسا على إعطاء الشعائر الأهمية القصوى دون المضمون وأضاف وابتدع شعائرا أو تفصيلات معقدة لهذه الشعائر جرى نسجها بكل صبر وأناة بأيدي ماكرة ومجرمة ابتدعت المزيد من التجزئة لها مترافقة بوجهات نظر جديدة تثير الجدل العقيم مع كل تجزئة تظهر وهكذا دواليك بمتوالية هندسية لانهاية لها.
إن الخلافات وتعدد وجهات النظر حول أساليب تطبيق الشعائر قد أسس لخلافات أعمق وأبعد تأثيرا كانت كلها بفعل السلطة وتخطيط فقهائها, سميت فيما بعد مذاهبا وألصقت بأسماء لاعلاقة لها بها وهذا ماسنراه فيما بعد.
** ** **

( القرآن الكريم وخطاب العقل )
كما أشرنا سابقا فان قضية الكفر والإيمان مرتبطة بالعلم والجهل, لذلك فإننا نلاحظ أن الكثير من الآيات القرآنية تحرض العقل الإنساني على التفكير والبحث والاستقصاء, منتهية بعبارات مثل:
(يعقلون, يتفكرون, يتدبرون ) نورد قسما منها على سبيل المثال لا الحصر:
( إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ) الروم 24 كذلك الرعد 4
( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ) 24 محمد
( إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) 42 الزمر كذلك الروم21
( والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ) 12 النحل.
( ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون ) 35 العنكبوت.
( كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون ) 28 الروم
( وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون ) 5 الجاثية.
( والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون ) 2 البقرة.
( ويتفكرون في خلق السموات والأرض ) 191 آل عمران .
( يغشى الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) 3 الرعد.
( لتبين للناس مانزل إليهم ولعلهم يتفكرون ) 44 النحل
( فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون ) 69 النحل.
( وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون ) 21 الحشر.
( إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب . الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ماخلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار ) 190 – 191 آل عمران.
إنه خطاب واضح لأصحاب العقول (أولي الألباب) كي يستعملوا عقولهم جيدا ويتعاملوا بشكل سليم مع حقائق الكون والطبيعة والمجتمع . ومن المنطقي أن نفهم أن المعنى المقصود بالآيات هو ( الأدلة والبراهين ) والدليل والبرهان لايمكن استحضارهما إلا لإثبات كيفية حصول وقائع مادية محددة محسوسة وملموسة .
والأهم من ذلك في هذا المجال أن القرآن الكريم وقبل ماينوف عن أربعة عشر قرنا قد حدد بدقة وقبل أن يعرف العالم أية معلومات عن الكون المحيط بنا أن لكل من الكواكب والأجرام والمجرات مدار محدد لا يحيد عنه :
* والشمس والقمر كل في فلك يسبحون * 33 ألأنبياء
* ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون * 40 يس .
إن الوصول إلى الحقيقة في هذه الحالة وتطبيق الدليل على الواقعة أو الحدث المطلوب إدراكه يتطلب عملية عقلية معقدة متسلسلة ومنطقية تصل إلى النتيجة التي هي الواقعة الموجودة بين أيدينا وبذلك يتيسر فهمها والبرهنة عليها مجددا ثم الانتقال نحو وقائع أكثر تعقيدا وهكذا دواليك .
إن صانع الحدث في الواقع هو الأكثر قدرة في البرهنة على الوقائع التي أوصلت إليه إلا أن المعلومة السهلة المنال تلغي الدافع للبحث عنها أو حتى التفكير بها , وهنا يكون المطلوب عكسيا كما في القرآن الكريم فان فهم الحدث وتتبع أسبابه تؤدي للوصول إلى صانعه وقدرة صانعه ( وهذا هو المطلوب تماما من إيراد عبارات تحريضية مثل ألا يتفكرون , ألا يعقلون) ...الخ
وهنا نتساءل: طالما أن القرآن الكريم يبين لنا أن كيفية النظر إلى كل شيء تكون بعقل علمي منفتح وخاصة إلى الكون المحيط بنا وحقائق الحياة والطبيعة وفهم قوانين الفيزياء والكيمياء ومبادئ الجاذبية وقوانينها وحركة الأجرام السماوية واكتشاف دوران الأرض وكيفية تعاقب الليل والنهار وتبدل الفصول وكل مايتعلق بالكون والمجرات وذلك منذ ماينوف على الف واربعماية عام, فما الذي منع من دراسته في حينه وفق هذا المنطق العلمي ؟؟؟ ولو تم ذلك في حينه لوصلنا إلى الإجابات الدقيقة عن كل ذلك قبل كافة الأمم ولوصلت البشرية إلى مراحل مذهلة في الكشف فاقت ما هي عليه الآن بمراحل بعيدة لايمكن تخيلها. ولكن الذي حدث أن كل ذلك قد انقلب رأسا على عقب , فلماذا حدث ذلك ؟ وماهو السبب .؟




يجب ألا نستغرب الآن رؤية من يقلب يديه تعجبا ويكتفي بترداد عبارة سبحان الله , وكفى !! , دون أن يعي لماذا يرددها , وربما ما يزال عقله يرفض الاقتناع بغزو القمر والمريخ ووصول المركبات الفضائية إلى أعماق الكون .
إن المقصود في القرآن الكريم يصبح واضحا جليا, فكلما تعمق الإنسان بمفاهيمه العلمية واستعمل عقله بشكل منهجي كلما اقترب أكثر من الخالق, والقرآن الكريم لم يترك صغيرة أو كبيرة في كافة مجالات الحياة وجوانبها ( الأخلاقية, الإنسانية الاجتماعية, العلمية والعملانية ) إلا وتطرق إليها مشيرا إلى أساليب التعاطي معها موضحا حينا وملمحا آخر إلى الحلول والسبل لفهم ما أشكل منها والأهم في كل ذلك هو التحريض على استعمال العقل بشكل سليم في البحث والتقصي والدراسة , محذرا في الوقت عينه من مغبة مخالفة القواعد المحكمة لحقائق الحياة والطبيعة والكون وعدم القبول بالواقعة دون فهمها على وجهها الصحيح حتى لايصبح الأمر مجرد تسليم وخضوع لكل مايتم إملاؤه على الناس من قبل أي كان تحت مزاعم إلهيه بقصد الإخضاع والإذلال , وهذا ماحدث بالفعل , كما ترك القرآن الكريم المجال لكثير من الجوانب توضحها مراحل التطور الإنساني . إن مايبعث على الحيرة هو البعض الذين يجيبون في معرض توضيح آية ما .؟ من آيات القرآن الكريم من خلال بعض الشراح الذين عاشوا قبل العديد من القرون خلت وفق منطق ومفاهيم ذلك العصر البعيد والذين يمكن أن نصفهم بالقياس لمفاهيم هذا العصر بالمتخلفين علمياً وحضارياً , مع ذلك نرى هؤلاء البعض يتمسكون بشروحاتهم وكأنها نص مقدس لايجوز تجاوزه أو حتى مناقشته وهذه بعض أوجه التناقض والتطور الطبيعي الذي طرأ على الفكر الإنساني والتناقض الحاد مع مكتشفات العصر وحقائقه العلمية ويجب أن لانستغرب وجود من يتمسك بخرافة أن الأرض ثابتة على قرني ثور وأنها لاتدور أو أنها منبسطة . الخ .!!
إن كل من اطلع على القرآن الكريم بعقلية منفتحة علمية, مهما كان انتماؤه ومايدين به سيكتشف مذهولا في هذا العصر كيف أن القرآن الكريم قد وضع قبل أكثر من أربعة عشر قرناً وبضعة عقود أسس الحقبة العلمية الحالية والمستقبلية ( حين كانت البشرية غارقة في الجهل وكان بينها وبين مرحلة التنوير مسافة زمنية بعيدة جدا ) وكيف تحدث عن قواعد ومراحل خلق الإنسان والكون ونظرياتها, وبالمناسبة فإننا نتساءل عن معنى الآية الكريمة ( والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون ) 47 الذاريات
طبعا فإن المعنى واضح فعبارة (أيد) تعني لغةً القوة والإمكانية أما عبارة (لموسعون) فلا تعطي أي معنى هنا غير الاتساع والتمدد. واللام هنا للتأكيد وتعني أن العملية مستمرة , وهكذا يحق لنا التساؤل: أليست هذه الآية اختصارا دقيقا لنظرية الانفجار العظيم "BING BANG" والتي تم اكتشافها واعتمادها مؤخرا . كذلك تحدث عن حركة الشمس والقمر ودوران الكرة الأرضية من خلال تعاقب الليل والنهار وحركة الرياح والسحب ..الخ , كل ذلك والبشرية كانت ماتزال بعد تقف متسائلة خائفة أمام قوى الطبيعة وحركتها ,حتى حماية البيئة ومخالفة قوانينها التي تنعكس على استمرار الحياة على ظهر هذا الكوكب والتي نبحثها في هذه الأيام وتنشر عنها الدراسات والأبحاث ا لمطولة ..... أوضحها لنا القرآن الكريم
محذرا :( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ) الروم 41
وكم من الشروط التي تحدثت عنها ( سورة التكوير ) قد تحققت حتى الآن وبالمناسبة فإنها وفق المنطق العلمي تتحدث عن كوارث طبيعية أو من فعل الإنسان وتتحدث عن أمور مستقبلية منذ ماينوف عن ألف وأربعماية عام حدث بعضها والبعض الآخر في طريق الحدوث فمن خلال سماء مليئة بغبار البراكين أو الناجم عن انفجارات ذرية تحدث شكلاً يشبه الكسوف بالنسبة للشمس ويجعلها تبدو كالكرة بعد أن يمتص الغبار حدة إشعاعاتها وكذلك منظر النجوم في مثل هذه الحالة وفي سماء غير صافية وهل هناك مناطق جبلية مهما بلغت من الارتفاع والوحشة لم تسكن وتخترقها الطرقات والدروب وليس( وفق تفسيرات البعض الذين يصرون على انتقال الجبال من مواضعها ), وتعطيل العشار تحتمل وجهان إما جباية الزكاة ( العشر و العشارون ) أو التلاعب بالحمل وإمكانية تعطيله علميا بوسائل مختلفة مستعملة حالياً ومن منا لايعلم أن الوحوش أصبحت تعيش ضمن محميات ولم تعد لديها حرية الحركة بمعنى أنها حشرت ( ضمن نطاق محدود ) أما تسجير البحار أو امتلائها فهذا مايحدث بالتدريج من خلال ارتفاع درجات حرارة الأرض وذوبان جليد المحيطين المتجمدين ( الشمالي والجنوبي ) ويزيد في تسريع ذلك الثقب الموجود في طبقة الأوزون التي تحمي الأرض , أما تزويج النفوس , ألا يدل ذلك على الاستنساخ وفق مفاهيم العصر الذي نعيشه ., مع ذلك فإن القرآن الكريم ( حمال أوجه ) .
المهم في الأمر هو أن نتمكن من فهم القرآن الكريم بمنطوق علمي منطقي سليم وليس وفق تهيؤات مستندة إلى مفاهيم تعود إلى قرون مضت لم يكن الإنسان قد عرف فيها الآلة والكهرباء وهذا الكم الهائل من المكتشفات والمخترعات حتى وصل إلى فك شيفرة الجينات وإدراك تركيبة الحمض النووي ..الخ . والأهم من ذلك كله هو الإنسان الذي اصطفاه الله تعالى وكرمه على جميع مخلوقاته وهيأه لفهم كل شيء وأدق دقائق محيطه مؤكدا بذلك على صيانة حقوقه كاملة والحفاظ على كرامته وتقديس حريته التي أكد عليها القرآن الكريم كما بينا ورسخها النبي الكريم في سلوكياته وتعاطيه مع المجتمع آنذاك .
إن ذلك كله يتعارض تماما مع العقلية الطامحة إلى الأمجاد الشخصية وبناء إمبراطورية بالقوة القاهرة والسيطرة الشاملة المطلقة القائمة على كافة أشكال الاستبداد والعنف والعسف والظلم. فكان الحل والمخرج الوحيد أمام ( النظام السياسي العربي ) الطامح لإنشاء إمبراطوريته التي بدأت ملامحها في التكون والظهور يكمن في الانقضاض على الرسالة الإسلامية المحمدية الراقية السمحاء بكافة جوانبها ليجيرها لمصلحته وخدمة طموحاته .
هـــذا النظام الذي لولا الرسالة الإسلامية المحمدية لما تسنى له الظهور وإشغال أي صفحة في التاريخ ولا حتى تكون ملامحه , فكان أن اتكأ على الرسالة رافعا رايتها في نفس الوقت الذي أمعن فيها تحريفاً وتشويهاً ودفناً لقيمها النبيلة والإنسانية الحقة , لكن وجود شهود الرسالة الذين عايشوا النبي الكريم وتلقوا منه مباشرة وكلفوا بنشر مبادئها والإشراف على تلقينها للناس خاصة وانه لم يكن قد مضى على غياب الرسول الكريم تلك المدة الطويلة , كانوا حجر عثرة أمام طموحات النظام السياسي العربي فالتفت إليهم يغتالهم واحدا اثر الآخر ( بدءاً باغتيال عمر بن الخطاب ) وانتهاءً (بمأساة الحسين)
وصولاً إلى اغتيال (عمر بن عبد العزيز) مطاردا لمؤيديهم ليتخلص منهم قتلا وتشريدا وتغييبا في ظلمات السجون والزنازين .
هكذا فان أول ما يفاجيء الباحث المنصف هو أن النظام السياسي العربي قد تأسس على أسوأ أنواع الغدر والعنف فلم يوفر أقطاب الرسالة دون خجل أو حياء . وهكذا نرى بداية أن هذا النظــام قد فقد أهم القيم التي يمكن أن يبنى عليها أي نظــام ســياســي.
كانت الخطوة التالية لهذا النظام تكمن في إيجاد الكاد ر البديل الذي يقوم بتبييضه أمام الناس ويسبغ عليه مواصفات القداسة تمهيدا لنشر وإرساء مفاهيمه الخاصة وقيمه المتعارضة مع قيم الرسالة وباسم الرسالة فخلق طبقة من رجال الدين أو فقهاء السلطة المستعدين دائما لشرعنه كل مايأمر به النظام مهما كانت مخالفته فجة لقيم وأهداف الرسالة , ولي عنق الحقيقة مهما كانت ..
وهكذا بدأ هؤلاء ممارسة مهامهم بكل همة ونشاط لايفتر مختلقين أحاديثاً وشهوداً ماأنزل الله بهم من سلطان وتأويلات ألصقت ظلما وعدوانا بالقرآن الكريم والنبي العظيم , كل ذلك مترافقا مع ضخ كم هائل من الأكاذيب والمرويات والتفسيرات الشاذة للقرآن الكريم , وطالما أن الشهود غائبين أو مغيبين فلم يعد هناك من يتجرأ ويرد على طوفان الأكاذيب هذا والتلفيقات المخالفة للقرآن الكريم وسيرة وسلوكية النبي الكريم ( ص ) وتخالف المنطق بكافة أوجهه .
لقد بدأ هؤلاء بمسح كل الأهداف النبيلة والمعاني الأخلاقية الإنسانية للرسالة من أذهان الناس مرسيين بذلك لثقافة منحرفة متشددة لاعلاقة لها بالرسالة مطلقا ., و هكذا أيضا بدأ التأسيس لمظاهر التعصب الغبي التي تطورت عبر مراحل التاريخ . هذا التعصب في حقيقة الأمر كان منبعه أصــــول جاهلية مرتبطة بحالات من العداوات العشائرية تم إلباسها قسرا لباسا دينيا مع مرور الوقت.
كما ترسخت ظاهرة الفعل ورد الفعل في العلاقات داخل المجتمع لتبرز اثر ذلك أحقادا يصعب إزالتها خاصة وان القسم الأعظم من الأمــة فيما بعد بات غير قـادر علــى فرز مازرعه النظام السياسي العربي عبر فقهائه عن جوهر الرسالة النبيل وقد استمر هذا الخلط المذهل بين الشاذ والصحيح ليصبح موروثنا أكثر من معيب وأكثر من مخجل .
كل ذلك وكما أشرنا بقصد تبرير ممارسات وسلوكيات السلطة المنحرفة الظالمة متكئين في أغلب الحالات على تأويلات غريبة عجيبة للقرآن الكريم وعلى ما تشابه منه دون المحكم مخالفين تماما وبوقاحة النص القرآني الذي حذر من ذلك .
( وهو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات , فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب ). 7 آل عمران .
ثم طمسوا بعد ذلك على أوامر رسول الله بعرض حديثه على القرآن فما تطابق يؤخذ به وما اختلف يضرب به عرض الحائط . وكأني به (ص) يرى بأم العين هؤلاء الرواة الكذبة المتفقهين الذين سيظهرون بعده , يشوهون ويستبدلون ويصنعون ويغيرون ويحرفون الرسالة عن وجهتها الحقة التي أرادها الله ورسوله لها , ويحشون أدمغة البسطاء بشتى الأكاذيب والترهات والأساطير المتناقضة تماما مع العقل والمنطق .
ولقد ذهب بعض هؤلاء المتفقهين ( فقهاء السلطة ) إلى الزعم بأنهم هـم المقصودين بعبارة ( الراسخون في العلم ) فذهبوا في افتاءاتهم نحو إنتاج التضييق الزائد والمزيد منه بمرور الوقت طال عامة الناس في أدق تفاصيل حياتهم اليومية وهكذا تجرأ الكثير ممن لاعلاقة لهم بالفقه والدين إلا من باب الشكل ليدلوا بدلوهم في مجالات كثيرة فاختلط الحابل بالنابل وقلبوا اليسر كما في القرآن الكريم إلى عسر شديد , في حين أن الرسوخ في العلم يشمل كافة مناحي الحياة والقدرة على فهم الحقائق والنظريات العلمية , وعلى هذا بدأت تظهر التخصصات العلمية في أوج قوة الإمبراطورية العربية لتلمع أسماء
( كابن سينا والخوارزمي والكندي )... الخ إلا أن هذه المرحلة العلمية لم تستمر طويلا بما يكفي وكانت مجرد بقع مضيئة في هذا التاريخ الأسود سرعان ما انطفأت لأن النظام أرادها من خلاله. وهناك سبب آخر وهو بدء تشرذم الدولة العباسية ودخولها مرحلة الانهيار التي انتهت بتجزئة الإمبراطورية على أيدي الخصيان والمماليك ثم سقوطها النهائي مع بداية الفتح العثماني والذي يعتبره البعض امتداداً للنظام .
علــى كل حال ليس من حقنا أن نصرخ مدللين على حضارتنا ..؟ !!! فالقرآن الكريم رسالة عالمية والعلماء في أي مكان من هذا العالم هم الأكثر قدرة على اكتشاف عظمة الخالق والدلالة عليها وعلى إعجاز القرآن الكريم وليس فقهاء التفاصيل والشكليات الذين تزخر بهم مجتمعاتنا .



* * *



لماذ ا رسالة عالمية
أو لماذ ا عربية وأمميــــة
خلافا لكل الدعوات والرسالات التي سبقت , جاء النبي الأعظم محمد بن عبدا لله (ص) ومعه القرآن الكريم للبشرية أجمع دون استثناء وبشكل واضح جلي وصريح , ومنذ اللحظة الأولى ,و لم يختص بأمة محددة بعينها واشترط الإقرار بكل ماسبق من ديانات ورسالات سماوية وهذا أساس العالمية .
صحيح أن القرآن الكريم جاء (بلسان عربي مبين ) وبالنص :
• وهذا لسان عربي مبين * 102 النحل
• لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي* 44 فصلت
• بلسان عربي مبين * 195 الشعراء
• إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون * 2 يوسف
• وكذلك أنزلناه حكما عربيا * 37 الرعد
• وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا * 113 طه
• قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون * 28 الزمر
• كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون * 3 فصلت
• وكذلك أوحينا إليك كتابا عربيا لتنذر أم القرى* 7 الشورى
• إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون * 3 الزخرف
• وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا * 12 الأحقاف
كذلك الرسول الكريم عربي الأرومة واللسان ورأس أشراف العرب الأقحاح , ذلك أن اللغة العربية بشكلها القرآني تتربع على قمة اللغات بدءا من ظهور اللغة والكتابة وحتى الآن , أي أنها النسخة اللغوية المطورة والأرقى في كل اللغات التي عرفتها البشرية كونها الأقدر على اختزال المعاني في حروفها وكلماتها وتعابيرها بحيث أنه يمكنك أن تختزل في جملة واحدة أو سطرين ماتحتاج معه إلى صفحات طويلة في اللغات الأخرى لتوضيحه . بمعنى أوضح أنه لو أنزل القرآن الكريم بلغة أعجمية لاحتاج إلى عشرات المجلدات لتوضيحه وتفهيم معانيه وهذا ماأكده القرآن الكريم صراحة:
( ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي ) 44 فصلت .
ولا يغيب عن البال أن لغة الأنبياء السابقين على الرسالة الإسلامية المحمدية, كانت أشكالا من العربية القديمة وهذا ما يؤكد على أن اللغة العربية هي( لغة السماء) وبالتالي فان الرسالة الإسلامية المحمدية هي رسالة عا لمية:
أولا – كونها نزلت باللغة العربية سندا لمواصفات هذه اللغة وقدرتها على الاختزال, واللغة العربية تدخل في كثير من اللغات التي أساسها اللاتينية وكذلك الإنكليزية وقد اكتشف الباحثون اللغويون مئات الكلمات ما تزال تستعمل بلفظها العربي تقريبا مع تعديل في لفظ بعض الأحرف الحلقية ( ق . خ.ح. ع) والتاء المشددة (ط ) وال ( ظ ) وال (ض ).
ثانيا - تأكيدًا على عالمية هذه الرسالة أنها موجهة للناس كافة في القرآن الكريم وفي أحاديث الرسول الأكرم وليست مختصة بشعب أو عرق محدد .,
ففي القرآن الكريم ( رب الناس * ملك الناس * اله الناس ) .
( ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) 13 الحجرات
* ولولا دفع الله (الناس) بعضهم ببعض لفسدت الأرض * 251 البقرة
* الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل * 37 النساء
* أم يحسدون الناس على ما آتهم الله من فضله* 54 النساء كذا 24 الحديد
* من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا * 32 المائدة
* فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم * 144 الأنعام.
• ولا تبخسوا الناس أشيائهم ولا تفسدوا في الأرض * 85 الأعراف .
• إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون * 44 يونس .
• وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض * 17 الرعد .
• لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم * 1 إبراهيم .
• ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة * 61 النحــل .
• وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى *94 الإسراء, كذا 55 الكهف.
• فطرة الله التي فطر الناس عليها * 30 الروم.
• إنما السبيل على الذين يظلمون الناس * 42 الشورى
• يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم * 21 البقرة ...الخ .
وهناك عشرات الآيات الأخرى وفي كل صفحة من صفحات القرآن الكريم خطاب موجه للناس . البشر . الخلق بالمطلق .. ( المؤمنين . المؤمنات . الكافرين . المنافقين ). ...الخ
وفي هذا المجال هناك الكثير من الأحاديث المؤكدة عن رسول الله (ص) وأهمها: ( الخلق كلهم عيال الله , أحبكم إلى الله أنفعهم لعياله ) . هكذا تتأكد عالمية الرسالة مع تركيزها الشديد على الحرية كما سبق وبينا ذلك لأن حصر الرسالة أو أية عقيدة أو نظرية بفئة معينة أمر مناقض للحرية كونها وبحصرها بفئة محددة تصبح ملزمة لهذه الفئة وبالتالي لايمكن لها تجاوز الحدود المرسومة لها ضمن نطاق هذه الجماعة في حين أن الرسالة أو الأيديولوجية ذات الصبغة العالمية لايمكنها أخذ مداها الكامل إلا بالتلازم مع الحرية وبذلك يكون الالتزام بها من عدمه أمر يختص بقناعات الفرد ولأنه( لاتزر وازرة وزر أخرى ) كما في الرسالة الإسلامية المحمدية الصحيحة فكل حر في اختياره وكل مسؤول عن نفسه وبالتالي فان ثوابه وعقابه شأن يخص الله تعالى , ولأنه وحده الذي يعلم ماتكن الصدور وما تخفي .

النظام السياسي العربي ومجتمعاته
إن من بين الجرائم التي ارتكبها النظام السياسي العربي في ذروة قوته وانشغاله ببسط سيطرته , جريمة قطع الحوار مابين الرسالة المحمدية بجذورها الضاربة في عمق الرسالات السابقة وعلى رأسها رسالة السيد المسيح (عليه السلام) وبين المسيحية والذي بدأه الرسول الأكرم محمد بن عبد الله (ص) فالقرآن الكريم احتوى ما قبله من الرسالات, وفي الرسالة الإسلامية المحمدية إن الإيمان سلسلة متواصلة لا تنقطع , والواضح أن كل رسالة سابقة جاءت لمرحلة معينة من حياة الإنسانية تحقيقا لنقلة حضارية فكرية ملائمة وهكذا التالية لنقلة أكثر تطورا انتهاء بالرسالة المحمدية خاتمة الرسالات والتي ضمت واحتوت كل ما سبقها كونها الحلقة الأخيرة في سلسلة التطور هـذه . يشهد بذلك القرآن الكريم الذي ضم كل التطورات المستقبلية حتى النهاية وقبوله التأويل فيما يتطابق والمستقبل البعيد , وهذا التأويل لو اعتمد وفقا للمفاهيم المنطقية العلمية المطلوبة لكان بالإمكان تحديد مراحل التطور في كافة جوانبه بشكل مسبق كونه جاء بكافة الخطوط العريضة لها . إلا أن حاجة النظام للسيطرة وضمان تشديد قبضته على الشعوب التي أخضعها لسيطرته جعله ينحرف بالتأويل إلى جوانب بعيدة عن المنطق السليم فبدا الإسلام المحمدي في نظر بقية الشعوب متخلفا وغير ملائم للتطورات الحضارية مع أنه هو الأساس الحقيقي لها وباعتراف الكثير من علماء الغرب .إن الأنبياء هم من ذرية واحدة ولا يجوز الفصل بينهم
( بنص القرآن الكريم ) ( لا نفرق بينهم أحدا ) , ولقد اختص القرآن الكريم السيد المسيح وأمه العذراء مريم ( عليهما السلام ) بسورة كاملة ( سورة مريم ) عدا الكثير من الآيات المتفرقة , إضافة لبقية الأنبياء والرسل(عليهم السلام أجمعين ) ففي سورة (النساء الآية 171) جاء ( إنما المسيح رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ) وفي سورة (المؤمنون الآية )50 جاء ( وجعلنا ابن مريم وأمه آية للعالمين ) . وفي حديث الرسول الأكرم المتواتر والمجمع عليه جاء ( كمل من الرجال كثير ومن النساء أربع . آسية بنت مزاحم , ومريم بنت عمران , وخديجة بنت خويلد , وفاطمة بنت محمد ) .
إذا فلا وجه للخلاف الحاد بين ما سبق من رسالات وعلى رأسها رسالة السيد المسيح وبين الرسالة الإسلامية المحمدية, وكما تشيع القوى السوداء المتشددة لدى الجميع, ودل عليه أيضاً سلوك النظام السياسي العربي في فترات مختلفة من التاريخ وفي بعض بؤره الحالية. فالخلاف شكلي( إن وجد) بين الرسالتين المسيحية والمحمدية على وجه الخصوص و ناجم عن تفسيرات وتأويلات للأحداث التي رافقت رسالة وحياة السيد المسيح ومنها قضيتي الصلب والتشبيه ( شبه لهم ) وكانت هذه الأمور في طريقها إلى الحل لو استمرت روح الحوار الخلاق التي بدأها الرسول الأكرم


وبعض أقطاب المسيحية (وفد نجران) ممن عاصروه , وما انسحاب وفد نجران من الملاعنة إلا تأكيداً على ثقتهم بالنبوة , ولولا هذه الثقة لتابعوا جلسات الحوار إلى النهاية. فالرسالة الإسلامية المحمدية كما هو مؤكد وواضح أنها أكدت على أن كل من وحد الله ( عز وجل ) وآمن واتبع من سبق من الأنبياء والرسل هو ( مسلم ) ولم تحصر هذه الصفة بها كما هو واضح الآن , وهذا ما أكد عليه القرآن الكريم في الكثير من الآيات .
في كافة الأحوال , لايمكن تبرئة حاخامات التلمود استنادا لقضية التشبيه فهم حقيقة كانوا يقصدون السيد المسيح في عملية الصلب ( وفق المفهوم الإسلامي بالنسبة للتشبيه) فالمقصود عندهم هو السيد المسيح وهذا ماأثبتته أدبياتهم وكتبهم المقدسة
( حسب مفاهيمهم ومعتقداتهم) و كما سبق وبينا بالنسبة للتلمود الذي ينضح بالحقد على السيد المسيح والمسيحية وهذا ما استعرضناه في موقع سابق
لقد تمت الإساءة لهذه العلاقة بين الرسالتين نتيجة دسائس حاخامات التلمود وما أفرزوه من قوى ظلامية عبر التاريخ , وما اعتمده النظام السياسي العربي من أساليب الفرز والتفضيل وتقسيم المجتمع حفاظا على إستمراريته وذلك خلافا لنهج الرسالة .
لقد بدء بتفضيل العنصر العربي بالمطلق ضمانا لعملية التعصب وتفعيلا لها ثم انتقل لتفضيل أتباعه والموالين له الذين تستروا بالرسالة المحمدية وباسم الدين طبعا. ليفضلهم على غيرهم من بقية شرائح المجتمع وهكذا انتقل إلى العشيرة فالعائلة معتمدا من ضمن كل هؤلاء الأكثر ولاء له على باقي المجتمع
*في كتاب الإمتاع والمؤانسة الذي ألفه التوحيدي في مطلع القرن الخامس للهجرة ( منشورات وزارة الثقافة في سوريا عام 1978 ص 117 ) نقرأ الفقرة التالية : " أعني تفضيل أمة على أمة , من أمهات ماتدارأ عليه الناس وتدافعوا فيه ولم يرجعوا منذ تناقلوا الكلام في هذا الباب إلى صلح متين واتفاق ظاهر , فقلت بالواجب ما وقع هذا , فان الفارسي ليس في فطرته ولا عادته ولا منشأه أن يعترف بفضل العربي , ولا في جبلة العربي وديدنه أن يقر بفضل الفارسي وكذلك الهندي والرومي والتركي والديلمي " . فلو كانت الثقافة والمفاهيم الإسلامية الحقيقية قد وصلت ذلك العصر بشكلها الصحيح ( لا فضل لعربي على أعجمي)..الخ فهل كان على التوحيدي أن يبحث في هذا الأمر ؟!
- إن عملية الفرز والتفضيل هي الخطوة الأولى واللبنة الأساسية في الدفع باتجاه العنصرية والطائفية
لما كان فيها من مصلحة للنظام في الحفاظ على شموليته واحتكاره للسلطة وهذا ما يتطابق تماما والعقلية الأصولية.؟ فكان من الطبيعي أن تكون من مفرزات النظام وأن تستو لد في كل مرحلة من مراحل التاريخ
- هذه الأصولية أو القوى الظلامية أو الحاخامية التلمودية . هي نظرة عنصرية بخلفية دينية منحرفة تزعم أنها تحتكر الحقيقة المطلقة وتنظر إلى كل من يختلف معها نظرة دونية, لذا فإننا نرى أن ما اصطلح على تسميته خطأ ( بالأصولية الإسلامية ) أول ما تشكلت في رحم النظام السياسي العربي الـــذي استخدمها سلاحا في وجه قوى التنوير والحضارة في المجتمع كونها تشكل خطرا أكيدا عليه وعلى أفكاره العفنة المتخلفة.إن أي ربط بين هذه ( الأصولية ) ..؟ وبين الرسالة الإسلامية المحمدية هو اعتداء فاضح وافتئات على هذه الرسالة المتطورة والمنفتحة بأهدافها الإنسانية الراقية والنبيلة والتي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تنتج أي شكل من أشكال التعصب والعنصرية والتمييز الديني أو العرقي فالعقل والعلم والمنطق يرفض القبول بذلك لكل من اطلع على هذه الرسالة وفهمها على حقيقتها كما أن كل من اطلع على القرآن الكريم وأحاديث الرسول المطابقة له يكتشف أنه من رابع المستحيلات أن ينتج عنها أي شكل من أشكال العصبيات.
بمعنى أوضح أن النظام السياسي العربي هو المسؤول الوحيد وهو الذي وفر البيئة الخصبة لجرثومة التشدد والتعصب بالتعاون مع القوى الظلامية المعادية لكل الرسالات السماوية وما سبقها من أصوليات منحرفة أنتجتها فئة محددة معروفة
( الحاخامية التلمودية الكاباليه ) والتي لا علاقة لها بالإنسانية, فزينت ذلك للنظام السياسي العربي بعد أن اخترقته وتحكمت في قمة الهرم , والتاريخ لا يمكن إخفاء وقائعه وحقائقه مهما تم التلاعب بها وخاصة أمام أعين الباحثين المدققين.: إن منبع ما اصطلح على تسميته ( بالأصولية ) عبر التاريخ الإنساني هو واحد ( الحاخامية التلمودية الكاباليه ) التي أخفت التوراة ودفنتها وقدمت بديلا عنها ( التلمود والكابالاه والمشناه ) وهي مجموعة من التعليمات الحاقدة على الإنسانية (كما سنبينه لاحقاً) واستمراراً لها فإن النظــام السياسي العربي ومنذ نشوئه يرى نفسه التالي:
• كل ما ينتجه ويصدر عنه هو الصحيح فقط رافضا الاعتراف بالآخر أو أي رأي آخر وبحكم قوة الواقع صار هذا الآخر كافرا وزنديقا يباح دمه.
• السلطة وما تحتها حق الهي للسلطان حر التصرف بها وبالمجتمع وفق رغباته وإرادته وعلى الجميع الانصياع له وخدمته .
• كل موال للنظام مؤمن صحيح الإيمان والمواطنة وكل معارض كافر زنديق خائن.
وكون النظام السياسي العربي قد استولى على السلطة بالقوة فانه يرفض التخلي عنها مهما كانت الظروف ومهما ارتكب من أخطاء قاتلة بحق المجتمع والوطن وبالتالي فان إستمراريته مرهونة بقوته واعتمادا على القوى التي تشاركه نمط التفكير والمصالح.
مع ذلك فانه من المؤكد أن هذه الميزات ليست حكرا على النظام السياسي العربي وحده, وهي تشمل كافة الأنظمة الاستبدادية الشمولية عبر التاريخ الإنساني وصولا إلى العصر الحالي. لكن النظام العربي تميز عنها بأنه ظهر تحت عباءة الرسالة الإسلامية المحمدية السامية التي انحرف عنها واضعا نفسه كبديل لها كما تميز بأرثوذوكسيته المفرطة في الحفاظ على نهجه الشديد التخلف دون أية محاولة لتطوير نفسه على الرغم من التطور المتسارع والمذهل الذي يحيط به على الصعيد العالمي. قاطعا الطريق على مجتمعاته مانعا إياها من تطوير نفسها خاصة بعد أن أرسى كافة مسببات تمزيق النسيج الاجتماعي لهذه المجتمعات التي تحكم بها وأصيبت بلعنته , كما حرف الأسس المنطقية التي تبنى عليها المجتمعات حفاظا منه على تخلف مجتمعاته ضمانا لاستمراريته.
ومرة ثانية يثبت فقهاء النظام السياسي العربي وعبر التاريخ أنهم من أنجب تلامذة
( الأصولية الحاخامية التلمودية الكاباليه ) حتى أنهم ذهبوا إلى حد التطابق معها من حيث الشكل واللباس ونمط العيش هكذا يتبين كيف أن مجتمعاتنا العربية والإسلامية قد تعرفت على ما يسمى(بالأصولية )في ظل النظام السياسي ولم تظهر كردة فعل على الممارسات الغربية تجاه منطقتنا في القرن العشرين كما يزعمون, تبريرا لممارساتهم بحق الدين والمجتمع والوطن وكل القوى الحضارية الشريفة فيه , كقتل العلماء والأدباء والمفكرين في كل مرحلة يقف فيها المجتمع على أعتاب نقلة حضارية جديدة لتشده إلى الوراء سنوات طويل بخسارته لنخبة المتنورة ومن يستطيع أن يسلم بجلده يتكفل به النظام .
ونستغرب هنا كيف أن هذه المجتمعات لاتستعمل ذاكرتها جيدا وكيف أن أول بؤرة أصولية من بؤر النظام السياسي العربي في أوائل النصف الأول من القرن العشرين قد ظهرت كدولة بمباركة ورعاية بريطانية أمريكية وان الوهابية ومؤسسها محمد بن عبد الوهاب ..؟؟ قد وجهته المخابرات البريطانية في بغداد في مطلع القرن العشرين ليتحالف مع أول دولة ليكون واجهتها الدينية ولتكون أفكاره أيديولوجية لها ثم لتنتقل هذه الأفكار من هناك إلى بقية العالم العربي والإسلامي بواسطة الحمقى الحاقدين كضربة من الضربات الأخيرة الموجهة (للإسلام المحمدي الأصيل ) في أسوأ عملية تشويه وتحريف وتشدد يزرع الحقد والتقسيم ويضخ اللؤم والدم والمجازر في شتى الاتجاهات ولتبرر فيما بعد لقيام دولة مايسمى بإسرائيل تحت شعارات دينية , كما نسيت هذه الشعوب أن كافة الحركات الدينية المتشددة كانت منذ مطلع القرن العشرين وحتى الآن تستو لد على أيدي المخابرات الأجنبية و القوى المعادية لحركة التطور الطبيعية.
لقد أصبحت الحركة الوهابية فيما بعد مذهبا من المذاهب الإسلامية له رموزه وفقهائه ومريديه وكل من اطلع على افتاءات واجتهادات وسلوكيات هؤلاء يكتشف مدى التغيير الذي أحدثوه بمنحى يسيء تماما لجوهر وروح الإسلام المحمدي الأصيل , فبدلوا وغيروا وكفروا وأباحوا واستباحوا حتى أن الرسول الكريم لم يسلم من التشويه والافتراء فهو (ص) في مفاهيمهم مجرد ( رجل ومات ) وبذلك يصبح مؤسس هذا المذهب أهم من النبي الكريم وتصبح أقواله وافتاءاته بمستوى القرآن الكريم إن لم تكن أهم وذهبوا في انحرافهم إلى حدود منع تلاوة آيات بعينها من القرآن الكريم كالآية الموجهة حقيقة ضد رؤساء العائلات والعشائر التلمودية والذين كانوا يحملون لقب الملوك .
* إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة * 34 النمل , ونسأل : لماذا منعت تلاوتها في المساجد أو بأي شكل علني آخر ..؟؟؟ .
والغريب أن الكثير من الآيات التي تنتقد سلوك هؤلاء ومفاسدهم تاريخيا وإيذائهم الأنبياء قد منعت تلاوتها أو على الأقل تم تخفيف تكرارها العلني ..!!!. لماذا ..؟؟. ثم أليس النص القرآني مقدساً أم أن لهم رأي آخر .؟؟!!
هذا المذهب ساق الناس بالسوط إلى المساجد وحرم المرأة أية حقوق وعاملها معاملة البهيمة واعتبر بقية المذاهب كفرة , وقطع يد سارق لقمة الخبز جوعاً بينما برر سرقة وهدر أموال الشعب بالرغم من أن الأوائل من الصحابة والتابعين قد اعتبروا أن إيجاد فرصة العمل للفقير بمثابة قطـع اليـد بمعنى الكف عن السرقة لانتفاء الحاجة وليس قطع اليد بمعناه الحرفي وبالتالي حرمانه من إمكانية ممارسة أي عمل يسد له جوعه ويكفيه شر الحاجة للغير وبالتالي لم يطبق أي عقاب على الفقير المحتاج الذي لايجد قوتا في بيته , من هنا تتطابق مقولة الصحابي الجليل ( أباذر الغفاري ) التي حفظها لنا التاريخ وتداولتها الشعوب على مر العصور ( عجبت لمن لايجد قوتاً في بيته , كيف لايخرج على الناس شاهراً سيفه ) بمعنى أن هناك خللاً في التركيبة الاجتماعية الاقتصادية يجب تصحيحها ولو بالقوة يؤكد ذلك مقولة الإمام علي ( كرم الله وجهه) الشهيرة والمتداولة ( ما جاع فقير إلا بما متع به غني ) و ( لو كان الفقر رجلا لقتلته ) .رغم ذلك ورغم ماورد من صحيح أحاديث الرسول الأكرم وما ورد في القرآن الكريم الذي شدد على حرية الآخرين واحترام حقوقهم وإنسانيتهم فقد حكم المذهب الوهابي بقطع رأس كل من اختلف معه ومع نظامه واعترض على فتاويه بينما لم يفعل ذلك مع من يسيئون تفسير القرآن الكريم ويسيئون لشخص النبي الأكرم . ألم يقل الغزالي .( إن المذهب دين مبدل ) ؟؟! .
هكذا فرض هؤلاء أربابا للناس وشركاء لله ( عزوجل ) وربما فرض طاعة هؤلاء الشركاء أكثر وقد قام هؤلاء بدورهم على أتم وجه في الإساءة للإسلام المحمدي موزعين البعثات التي تبشر بأفكارهم في شتى أنحاء العالم مدعومة بأموال النفط , ليكرسوا أمام شعوب الغرب صورة التخلف التي ارتبطت بالإسلام بفعلهم , وأكد هذه الصورة أحد كبار فقهائهم في أواخر القرن العشرين عندما أفتى( بتكفير كل من يقول بكروية الأرض ودورانها ) بحيث صارت سمعة الإسلام مضغة تلوكها الألسن المعادية وأجهزة الإعلام الأجنبية والإعلام الموالي للقوى التلمودية الكاباليه .
هذه هي صورة المجتمعات الإسلامية كما قدمها النظام وفقهائه المنحرفين .
لكن الأنكى من ذلك كله . أن بعض سدنة بؤر النظام السياسي العربي عندما يقومون بجولات في الغرب يكرسون صورة التخلف والجهل عن مجتمعاتهم ويتشدقون بكل وقاحة أنهم يقومون بتحضير هذه المجتمعات بينما هم في الواقع الكابح الأكبر لها الذي يعرقل تطورها . والحقيقة إنهم يقصدون تبرير استمرار أنظمتهم الشمولية على أنها ضرورية لهذه المجتمعات , وينكرون قتل آلاف الأبرياء من المثقفين بل من صفوة المثقفين وتشريد البعض الآخر وسجن العدد الأكبر لالشيء إلا لأنهم يطالبون بشيء من حرية الرأي وإصلاح وتطوير بعض جوانب الحياة في المجتمع , حتى بإسلوب خجول ومتردد .
إن هذا الواقع المخزي يؤكد حقيقة انفصال سدنة غالبية هذه البؤر عن مجتمعاتها بل أنها تقف في الخندق المعادي لهذه المجتمعات المنكوبة بها وأن الهم الوحيد لهؤلاء السدنة هو الاستمرار في سدة الحكم لأطول فترة زمنية مستنزفين وناهبين خيرات أوطانهم وشعوبهم وبشكل أسوأ بكثير مما فعله المستعمر الأجنبي , بل أن الأجنبي كان ينتاب سلوكياته شيء من الخجل على عكس هؤلاء الظالمين المتجبرين ممن يزعمون الانتماء لهذه الشعوب .


* * *

تأثيرات فقهاء السلطة والقوى المعادية للرسالة
لقد ركز فقهاء السلطة والسلطان على الشعائر وطرق ممارستها التي عقدوها بعيدا عن الجوهر والمضمون الإنساني للرسالة, فاخترعوا أساليب وطرق شتى لممارسة هذه الشعائر من خلال التركيز على التفاصيل ونسج تفاصيلاً جديدة بشكل تعجز عنه أعتى الشياطين من أعداء الرسالة... ألم يقال: بين التفاصيل يكمن الشيطان .
إن أية عقيدة أو نظرية أو أيديولوجية مهما بلغت من القوة والتماسك والتكامل , لايمكن اختراقها إلا من خلال إغراقها بالتفاصيل . كون التفاصيل والخوض بها تبعد عن المضمون والهدف وتقود بدورها إلى الخلاف على هذه التفاصيل فالقضاء على العقيدة تماما كما حدث مع رسالة النبي موسى (عليه السلام ) إذ أن أقوال وآراء وتلفيقات الحاخامات وأكاذيبهم أصبحت هي البديل المتداول للتوراة والتي اختفت تماما فاعتبروا أن أقوال الحاخامات المنحرفين عن التوراة هي أفضل وأهم . وهكذا توجه الكثير من الفقهاء والرواة الكذبة صنيعة السلطة الظالمة عبر التاريخ, فقد أصبحت أحاديثهم وتفسيراتهم وتأويلاتهم المستندة إلى روايات مكذوبة بديلاً عن الرسالة العظيمة وبالتالي فان المفاهيم المنحرفة للقرآن الكريم أصبحت هي المرجع والأساس. ( تماما كما فعل حاخامات التلمود) وألزموا الناس بهذه التفسيرات والتأويلات والأقوال. جاعلين من كتبهم الصفراء التي لا تنضح سوى بالجهل والتخلف وسموم التعصب ومجافاة العلم والمنطق . الأساس والمرجع. ولنلاحظ أنه في ما يسمى بالأصولية
( التلمودية ) أقوال شاذة ومنفرة مثل:
- أن مخافة الحاخامات هي مخافة الله !!! ؟؟
- إن أقوال الحاخامات هي أفضل من أقوال الأنبياء !!! ؟؟
إن هذا مطابق لسلوكيات فقهاء السلطة أو النظام السياسي العربي وان لم تلفظ تحديدا إذ أن أقوالهم وآرائهم وأعمدة النظام صارت البديل الحقيقي لأقوال النبي الكريم ( ص) ثم تربعوا يفسرون القرآن الكريم وفق أهوائهم ورغباتهم. وفي البحث عن أصل هذا البلاء نكتشف أن هناك حاخامات تلمود يون كانوا وراء ذلك وهم من أسس لهذه المدارس الفكرية المنحرفة أمثال ( كعب الأحبار ) هذا الحاخام ألتلمودي الذي زعم الإسلام مؤسسا لكل الفتن والتحولات مغريا من أغرى في الانقلاب على الرسالة, وحادثة خلاف هذا الحاخام ألتلمودي مع أبا ذر الغفاري في مجلس الخليفة عثمان بن عفان مشهورة, وذلك عندما وكزه أباذر بعصاه قائلا له ( أتعلمنا ديننا يا ابن اليهودية ) وأبا ذر هو الذي قال فيه رسول الله (ص) (ما أظلت الخضراء وما أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر ) .
إذا فهذا هو ما فعله النظام السياسي العربي منذ بدء تكون أفكاره والتي أسست للفتن التي قضت على الخلافة الراشدة ومن ثم على شهود الرسالة.
من الواضح أن ممارسة الشعائر قد وردت في القرآن الكريم سهلة ميسرة بسيطة, فالقرآن الكريم يركز تركيزا شديدا على الإيمان العقلاني المبني على القناعة الذاتية الذي يترسخ اعتمادا على المنظومة الأخلاقية أو الحكمة كما سبق ومر معنا. أما هذا الكم الهائل من التفاصيل التي تدور حول كيفية ممارسة الشعائر, وكل له وجهة نظره الخاصة التي قادته إلى تكفير الآخر بدلا من محاولة فهمه انطلاقا من دستور الرسالة "القرآن الكريم" والسنة النبوية المطابقة له ولا تتعارض معه بأي شكل من الأشكال. هذه التفاصيل جرت الويلات على الأمة مذابحاً وحروباً داخلية وتخلفاً .
إن من يحاول البحث في كيفية ممارسة الشعائر من ضمن آثار هؤلاء ومؤلفاتهم واختلافات الأتباع سيستغرقه بحثه وقتا طويلا كي يستخرج الغث من السمين والمصيبة الأعظم تكمن في أن من يختار التوقف مع القرآن الكريم مكتفيا بما أورده في هذا المجال سيتفق الجميع ضده على أنه شاذ عن الإجماع بحيث يصلون إلى حدود تكفيره وسيتعرض لاتهامات لا طاقة له بها وكأن القرآن الكريم قد أصبح غريبا أو أنه قاصرا وهم متمموه ومصححوه. مع ذلك نسأل ماالعمل ..؟ خاصة إذا اكتشف المدقق أن هذه الملايين من المسلمين قد غرقت بهذه التفاصيل التي اصطنعها لهم فقهاء السلطة عبر قرون طويلة بعيدا عن القرآن الكريم ونجحوا في تشويه ممارسة هذه الشعائر مظهرين الاختلاف واختلاق أشكال شتى منها ما عرفها رسول الله من قريب أو بعيد وكما سبق وأسلفنا فان كل من أتباع هذه الأشكال المختلفة يكفر الآخر فيرى أنه وحده من يملك الحقيقة كل الحقيقة..!!! ولقد اخترعوا مدارسا لهذه الاختلافات أصبحت فيما بعد مذاهباً غرقت في الاختلاف على كافة الشكليات دون الغوص في الجوهر ونسبت هذه الخلافات والاختلافات إلى علماء وأئمة لم يختلفوا حقيقة على شيء, والباحث الجيد و النزيه يكتشف أن علماء وأئمة أمثال : أبي حنيفة , والشافعي , ومالك , وابن حنبل كان كل منهم يشكل حالة إرهاص تمهد لنقلة نوعية في فكر الأمة للتخلص من التركة الثقيلة لفقهاء السلطة المنحرفة والعودة بها إلى خط الرسالة النبيلة والراقية وان الخلافات المنسوبة لهم حقيقة هي من فعل فقهاء السلطة وتزويرهم تمت بعد وفاة كل منهم بنفس الأسلوب الذي تم فيه نسب أحاديث مكذوبة للرسول الأكرم , بدليل أنهم جميعا لم يسلموا من اضطهاد السلطة لهم وملاحقتهم لإرغامهم على التراجع عن آرائهم ومدح هذه السلطة. وسيرتهم تؤكد تعرضهم للسجن والملاحقة والتهديد والوعيد والموت داخل السجون , أما الواقع فيؤكد أن هؤلاء الأئمة أبناء مدرسة فكرية واحدة تنتسب إلى القيم الإسلامية المحمدية الحقيقية ولا علاقة لها بسلطة النظام السياسي العربي وقد استمرت هذه السلطة في حينه بالتضييق على كل من تابع نهجهم .
أما الآن فلو تساءلنا حقيقة, أي من المدارس المنسوبة لهؤلاء هي الصحيحة مع التأكيد على براءتهم جميعا من هذه الاختلافات وإنهم أبناء مدرسة واحدة كما أسلفنا, لظهرت على الفور شتى أشكال الخلاف وآلاف الآراء التي تدعم هذا أو ذاك ولطفت على السطح كافة أشكال العداء, هكذا وبمرور الوقت تكرست الخلافات والانقسامات داخل المجتمع الواحد وكلها مصطنعة بفعل النظام بدلا من أن تتوحد الأمة وتتطور حضاريا كما كان مرسوما لها وبالشكل الطبيعي والمنطقي وبكافة الأحوال فان المستفيد الحقيقي الوحيد من كل الانقسامات التي حصلت هو النظام السياسي العربي وأعداء الأمة عبر التاريخ , وذلك حفاظا على استمرارية هذا النظام وبأي شكل من الأشكال ويندر أن نجد عبر التاريخ نظاما يعمل جاهدا على إغراق مجتمعه في التخلف والانقسامات الطائفية والمذهبية كما فعل النظام السياسي العربي, وكبرى المصائب أنه وحتى النبي الكريم لم يسلم من تشويه فقهاء السلطة فامتدت أيديهم الملوثة إليه والى سيرته الشخصية فبدلا من تقديمه للبشرية بصورته وسيرته الحقيقية وشخصيته الرائعة المميزة وأنه خاتم الأنبياء, هذه الشخصية المتكاملة شكلا ومضمونا بدءا من جمال الصورة وقوة الشخصية إلى جانب كمال ودماثة الخلق والسلوك ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ), والتي أسرت بلطفها ودماثتها القلوب والعقول محبة ورحمة وعدلا وعلما.
هذا الإنسان العظيم الذي قيل فيه ( أنه فوق المخلوق ودون الخالق ) والذي كانت الكلمة النابية تجعله يتصبب عرقاً لشدة تهذيبه. لم لا ؟., وقد هذبه رب العالمين وأظهر على يديه معجزات فاقت كل من سبقه من الأنبياء والرسل. هذه الشخصية العظيمة أسيء لها من قبل فقهاء السلطة والسلاطين المنحرفين في محاولة للحط من مكانتها ورفع مكانة سلاطينهم وسادتهم, فرأوا أن من معجزاته ( أنه أعطي قوة أربعين رجلا وأنه كان يؤتي نسائه في ليلة واحدة ) .
هكذا ألصقوا انحرافهم وشذوذهم (هم وسادتهم ) بهذه الشخصية العظيمة التي لم يعرف التاريخ الإنساني مثيلا لها وهو نبي الطهارة ومعلم النظافة وسيد الأخلاق الرفيعة النبيلة, مع ذلك فهم يصرون على هذا


الزعم على أنه من باب البرهنة على العدالة بين الزوجات !!.والسؤال هنا هو كيف يمكن لمسلم يحترم إسلامه أو يحترم عقله على الأقل أن يقبل بهذا التشويه ؟, ألم يجدوا معجزة له غير هذه, ألم يفكر أحد ممن يرددون ذلك بمنتهى الغباء أنه من المستحيل على مثل هذه الشخصية العظيمة أن تنحدر إلى هذا الدرك من السلوك على الرغم من كافة التفسيرات والتبريرات المطروحة ؟؟, لكنه الحقد المريض الأعمى أو الغباء المفرط , سيان .. دفعت بمن ابتدع مثل هذا السلوك ناسبا إياه إلى النبي الكريم بقصد تشويه الصورة تبريرا لممارسات سلاطين الجور والفجور الذين غصت قصورهم بعشرات المحظيات ومئات الجواري والإماء والخصيان بحيث يصبح كل ذلك مقبولا في أذهان العامة ويتمادى هؤلاء الفقهاء ( الحاخامات ) بتخرصاتهم على النبي الكريم أبعد من ذلك مشككين بأسرته الأقربين الذين وقفوا إلى جانبه موفرين له الحماية في بداية دعوته وشمل ذلك التشكيك بإيمان ونقاء والديه فزعموا أنهما ماتا كافرين لأنهما لم يشهدا الدعوة ودبجوا في ذلك الكتب المسمومة الصفراء التي وزعت على أقربائه وذويه مددا مختلفة في النار , هكذا وبكل جرأة وقحة على الله تعالى وعلى رسوله الأكرم.
أما من وقفوا في وجه الدعوة وخططوا للتخلص منه ومن رسالته وتآمروا عليه جميعهم فقد أسلموا وحسن إسلامهم . هكذا غفرت كل خطايا هؤلاء وكل من يمت لهم بصلة عدا أسرة النبي الأعظم وكل من يمت لها بصلة وهكذا فان التساؤل المنطقي التالي يفرض نفسه وهو : كيف يمكن لأي كان أن يقبل زعم محبته ولن نقول موالاته في الوقت الذي تسيء فيه لأسرته الأقربين ؟؟ , مع أن التاريخ الصحيح يخبرنا أن أسرة النبي الكريم تنحدر من صلب إسماعيل بن إبراهيم الخليل ( عليهما السلام ) أي أنها أسرة إبراهيمية حنيفةً مؤمنةً موحدةً وهي وريثة الكعبة ( بيت الله ) وإنها الأسرة الأكثر شرفا وتعليما وكرما في الجزيرة كلها والتي حافظت على نقائها وصفائها منذ نشوئها والأسرة الوحيدة التي كان دعاؤها مستجابا, وعلى يدي جده تم تفجير نبع زمزم والذي كان غائضا ومردوما وقد جفت مياهه.
هكذا تجاوزوا حديثه (ص) الذي يقول فيه ( لقد انتقلنا من الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام الزكية ) وتجاوزوا أيضا النص القرآني * وتقلبك في الساجدين *
(الشعراء 219) .
إن هذا التشويه الذي تبناه النظام السياسي العربي وفقهائه لم نجد له مثيلا في التاريخ سوى التشويه الذي ألحقه حاخامات التلمود بتراث النبي موسى (عليه السلام) و بالسيد المسيح وأمه العذراء مريم( عليهما السلام ).
سندا لأشكال التشويه هذه وانطلاقا منه تابع النظام ارتداده عن الرسالة عبر مراحل التاريخ ممعنا فيها دفنا وتمزيقا ولكل فضائلها السامية ومنها احترام إنسانية الإنسان أينما وجد وحيثما كان. أما من وقف مدافعا عن الرسول الكريم وجوهر رسالته فقد كفروه وصلبوه وقتلوه على مر العصور.,
وبسبب من فقهاء السلطة المصطنعين وافتاءاتهم المنحرفة خرجت تيارات متخلفة متشددة لتنتج تشدداً وتقييداً متصاعداً ومزيداً من الانقسام والتجزئة والتشويه القائم على خواء . كابحين أي تطور ممكن للمجتمع مرا كمين الغبار المتصاعد من أفكارهم الغثة والعفنة المنحرفة مع الكثير من السموم يفرغونها من أجوافهم النتنة بشكل مدروس وبعناية شديدة من قبل ( حاخاماتهم ) لإخفاء جوهر الفكر الإسلامي المحمدي الإنساني النبيل مقدمين بذلك خدمات جلى في اتجاهات معادية متعددة ومنها قوى القمع السلطوية والعنصرية المعادية للإنسانية داخليا وخارجيا *
كما أسلفنا فقد برروا للسلطان وسلطته الجائرة كل الممارسات المخالفة للمنطق والعقل وسنة التطور, ملفقين شتى الأحاديث المكذوبة التي ينسبونها للأنبياء لدعم افتاءاتهم المنحرفة .وكما أسلفنا أيضا عن الخلاف في الشكليات التي أصبحت هي الأساس بدءا من الوضوء واستعمال الماء وكميته وأساليب استخدام اليد وطريقة دخول الحمام
( ليضيع الدين في الماء ) وانتهاء بالصلاة وطرق وضع اليدين والوقوف والمستحب والمكروه فأضافوا وحذفوا وعدلوا ماشاء لهم لتكثر مفسدات الصلاة ومكروهاتها ومستحباتها ومفسدات الوضوء ومستحبا ته ومكروها ته وثارت صرا عات حولها سفكت فيها الدماء الحرام, وغرقت المجتمعات في جدل فارغ لا جدوى منه وكأن القرآن الكريم قد نزل ناقصا وإنهم متمموه ومصححوه., وكانت النتائج تقسيم الأمة إلى شرائح مذهبية تتبادل الأحقاد إذ يكفي أن تراقب طريقة وضع اليدين في الصلاة وطريقة الوضوء لتعرف مدى التقسيم والى أي حد وصل إليه وكل يسخر من الآخر ويدينه وربما كفره في كثير من الحالات وفي مراحل مختلفة أشهروا السلاح بوجه بعضهم البعض وحتى ضمن المذهب الواحد فقد أصبح لكل إمام مسجد أنصاره ومريدوه, لكن الأنكى من ذلك أن الكثير أطلقوا لحاهم وانبروا يفتون في أوساط العامة دون أية دراسة أو تخصص حتى أن آراء هؤلاء صارت أهم من القرآن الكريم وتجاوزوا تحذير رسول الله ( من أفتى بغير علم فليتبوأ مقعده من النار ) لكنهم ردوا عليه بأن ( من أفتى وأصاب فله أجران ومن أخطأ له أجر واحد) وطالما أن من يفتي مأجور في الحالتين فليدلي كل بدلوه ليختلط الحابل بالنابل وتزداد الوجوه المشوهة عددا في الواجهة الإسلامية المحمدية النبيلة *
هكذا صارت كل المظالم مأجورة وكل الافتاءات التي تبرر للسلطان سلوكه المنحرف مأجورة سواء كانت بعلم أم بغير علم وصار هؤلاء فوق الحساب والعقاب وعليه فان القتل على الشبهة أو النية سمة ظاهرة دون التحقق من سبب شرعي واضح وصريح وبينة ثابتة ومحاكمة حرة وعلنية كما عمل في العصر الراشدي وذلك في ظل صمت الفقهاء بل وبمباركتهم في غالب الأحيان الأمر الذي يؤكد شرعنة هؤلاء الفقهاء لهذه التجاوزات والارتكابات اللاإنسانية والتي يندى لها جبين حتى الحيوانات خجلاً وما نزال حتى اليوم وفي (عصر التقدم العلمي التكنولوجي وعصر الاتصالات الرقمية واستكشاف الفضاء وفك شيفرة الخلية) نسمع بعض هؤلاء الأغبياء يرددون مقولات غريبة عجيبة مصرين بذلك على رسم صورة التخلف وإسباغها على هذه الأمة المنكوبة فقد تداول هؤلاء مؤخراً مقولة أنه (لايجوز للمرآة أن تخلع كامل ثيابها عند الاستحمام وذلك حتى لا تستحي الملائكة ) فتصوروا إلى أي درك وصل بهم انحرافهم وشذوذهم وعقدهم النفسية لكنهم لم يقولوا لنا كيف تأكدوا من مرافقة الملائكة للمرأة إلى حمامها الخاص وكيف تأكدوا من جنس الملائكة وذكوريتها وإمكانية عدم حفاظها على رباطة جأشها أمام امرأة عارية لاتدري كيف رافقوها إلى مكان استحمامها .
هكذا تطول لائحة المحرمات و بمرور الوقت يقفز من قلب العتمة من يفتي ويشرع بأمر ما ؟ والأكثر خطورة هو أن بعض هؤلاء ومع كل نكبة تصيب الأمة يخرج ليدعي رؤيته للرسول الأكرم في منامه ثم يوزع رسالة ويطلب من الغير نسخها وتوزيعها بقصد الهاء الناس عن نكبتهم والبحث في أسبابها, وأذكر أنه عندما بدأت العمليات الاستشهادية في جنوب لبنان في أواخر عقد الثمانينات من القرن الماضي قفز هؤلاء ليكتبوا على الجدران في منطقة قريبة من الجبهة وبالخط العريض حديثا منسوبا للرسول الأكرم مفاده (القابض على سنتي له أجر مائة شهيد ) فلماذا في هذه الفترة تحديدا خرج هؤلاء بهذا الحديث,وفي هذا المكان تحديداً, أليس خدمة للعدو وبقصد تثبيط همة المقاتلين عن المشاركة في العمليات والاكتفاء بالبحث في مفسدات الصلاة ومستحباتها والدخول في جدل فارغ حول من هم الكفار؟ ومن هم المؤمنين؟ وكيفية تكفير الآخرين؟...الخ . ولماذا لم يخرجوا هذا الحديث في الجزائر مثلا ؟ لكنهم في الواقع قد اعتادوا على تلفيق أحاديث حسب المناسبة ووفق ما يأمرهم بهم أسيادهم من خارج الحدود أو يفصلونها حسب مقاساتهم وبشكل يكرس مفاهيمهم المنحرفة .‍‍
كما أسلفنا فقد برروا للسلطان وسلطته الجائرة كل الممارسات المخالفة للمنطق والعقل وسنة التطور ملفقين شتى الأحاديث المكذوبة ينسبونها إلى الأنبياء وكأنهم عايشوهم وملفقين القصص التي لا أساس لها سوى في الفكر ( ألحاخامي ألتلمودي ) وضمن تصوراتهم الهزيلة وسندا لذلك تصدر الفتاوى
هكذا لم يأ لُ هؤلاء جهداً عبر العصور وبإلحاح شديد يدعو إلى الدهشة والاستغراب مما يؤكد أن هؤلاء هم ( تلمود يون ) فعلا وأنهم توارثوا هذه الأدوار أبا عن جد, وهم الآن عندما يعوزهم التبرير ينسجون روايات وأحداث وأحاديث تنسب للرسول الأكرم وغيره من الأنبياء ثم يجلسون لتحميل القرآن الكريم من التأويلات ما يتوافق وأهدافهم الشريرة.
لقد تجرأ هؤلاء أخيرا فنزعوا أية صفة استثنائية عن الأنبياء رافعين بذلك من شأن سلاطينهم الجائرين إلى مصاف القداسة والتأليه, ثم كفروا وأباحوا دم كل من خالفهم في نهجهم هذا, كل ذلك تحت راية الرسالة والدين وباسم الله .
لقد نزعوا صفة العصمة عن النبي الكريم وقالوا عنه أنه مجرد ( رجل ومات ) وفي أحاديثهم يقولون أنه كأي شخص يصيب وتخطيء وينقاد خلف عواطفه وغرائزه يمالىء هنا ويعادي هناك كما لفقوا حوادثاً عن أشخاص قاموا بتصحيح سلوكيات النبي وإرشاده أو حكموا في خلاف شجر بينه وبين الغير.
بكل بساطة . لقد ألغيت كافة الصفات الاستثنائية لمقام النبوة وأنكروها تماما لتجير فيما بعد لسادة هؤلاء ولفقهاء السلطة حتى أن بعض الفقهاء والخلفاء ( الملوك والسلاطين ) قد تمتعوا بقداسة فاقت قداسة النبوة بكثير, وصار بالتالي ما يصدر عنهم هو الأهم والمرجع, وهكذا تم تغيير نمط تفكير القسم الأكبر من العامة حتى ترسخ هذا التغيير وتقولب بالشكل الملائم لهؤلاء بعيدا عن النهج الصحيح والسليم بحيث أنك في هذه الأيام تسمع مقارنات مثيرة للدهشة والاستغراب. تماماً كما فعل حاخامات التلمود الذين أبدلوا مقام النبوة بمقامهم وبكل ما يصدر عنهم مع إمعانهم بتشويه التوراة حتى اختفى تحت ركام الأكاذيب والتحريفات السامة المغرضة ثم تآمروا على المسيحية ورسالة السيد المسيح ( عليه السلام ) ليضخوا داخلها من سمومهم القاتلة التي شعبت المسيحية إلى كنائس متعددة الاتجاهات تحارب بعضها بعضا وتكفر بعضها وكل منها تدعي أنها الأقرب للحقيقة,(ومن قرأ التاريخ بإمعان وتروٍ سيميل إلى الاقتناع أن الحروب الصليبية قد قامت للقضاء على مسيحية الشرق لكي تبقى المرجعية المسيحية محصورة في الغرب وأن زعماء الحملة الصليبية قد تفاهموا في بعض المراحل مع بعض السلاطين وفقهاء السلطة ولم تشكل الحروب الصليبية أية مشكلة للتلمود يين ) ثم انتقلت بعد ذلك لتؤسس للخلافات والأحقاد بين المسلمين المحمديين وبين المسيحيين وزرعت بين هؤلاء وهؤلاء أفكارا تزعم أن الآخر كافر وملحد أو تلغي وجوده ولا تعترف به بعد أن تغلغل التلموديون بين هؤلاء وهؤلاء.
لقد أعترف القسم الأكبر من علماء المسلمين بتغلغل ما اتفقوا على تسميته بالإسرائيليات في الإسلام, والحقيقة أن هذه التسمية خاطئة ويتوجب استبدالها بعبارة ( التلموديات ) فبني إسرائيل في التوراة والإنجيل والقرآن هم غير التلمود يون, لأن بني إسرائيل هم عشائر عربية المنشأ والأصل من أبناء هذ ا الشرق, حافظوا على توحيدهم حتى رسالة السيد المسيح ( عليه السلام) ليضمحلوا ويذوبوا في العقيدة المسيحية كون السيد المسيح قد جاء لهداية ( خراف بني إسرائيل الضالة ) ( حسب الإنجيل) ولم يعد لهم أي وجود منفصل في حقيقة الأمر.
أما الذين كانوا موجودين في عهد النبي الأكرم محمد (ص) فهم ( تلموديون) من بقايا العشائر التي رفضت المسيحية وحافظت على ولائها لحاخامات التلمود وكانوا يتعاطون أعمال السحر والشعوذة ( وفق كتاب الكابالاه) وقد وقفوا من الرسالة الإسلامية المحمدية نفس الموقف المعادي من رسالة السيد المسيح, وهؤلاء من غضب عليهم النبي الكريم لحقدهم وتآمرهم ونقضهم العهود وأبعدهم عن الجزيرة العربية على الرغم من أنهم كانوا من الأعراب من أبناء المنطقة والذين وصفهم القرآن الكريم بالأشد كفرا ونفاق مع التأكيد بأنه لاعلاقة لهؤلاء بالتجمع الصهيوني ( ألتلمودي ) الهجين الذي أنشئ في أواخر النصف الأول من القرن العشرين في فلسطين إلا من حيث المعتقد ألتلمودي القائم على الكفر بكافة الرسالات وبكل القيم الإنسانية النبيلة والذين يزعمون الانتماء للسامية وهم في حقيقة الأمر من أشد أعداء السامية وسكان المنطقة الآن هم الساميين الحقيقيين أصلا ونسبا .

رجال الدين
ومفهوم الدين والتدين

كما بينت في مواقع سابقة فان مجتمعاتنا لم تتعرف إلى رجال دين بالمعنى الصحيح عدا القليل الذين اضطهدوا ولوحقوا من قبل النظام, ولكن هذه المجتمعات تعرفت إلى فقهاء سلطة بالمعنى الحرفي لهذه الكلمة. يفتون ويشرعون بما يتوافق مع أهواء السلطة عبر العصور بلي عنق الحقيقة أو بتمييعها ثم فرض هذا المنطق على المجتمعات الخاضعة لسلطة النظام وبالتالي القضاء على حالة التطور الطبيعي فيها تاركة إياها تراوح في المكان وربما في أكثر الحالات العودة إلى الوراء.
بالتأكيد فإنني سأقف باحترام شديد لكل رجل دين متسلح إلى جانب الفهم الصحيح للدين انطلاقا من المنظومة الأخلاقية بجوانب شتى من العلوم
(فلسفة,رياضيات,كيمياء, فيزياء ).الخ. ولا أقول أنه يتوجب عليه أن يكون متخصصا بكل ذلك لأن هذا من الصعوبة بمكان, لكنه من الممكن ومن الضروري أن يكون ملماً بمبادئ هذه العلوم وضمن الحد الأدنى مع طيف واسع من الثقافة العامة. وستزيد نسبة احترامي له إذا كان يشجع على نشر هذه العلوم وغيرها من العلوم والتخصص بها.
فقط هذا النوع من رجال الدين هو الأكثر قدرة على استيعاب قواعد القرآن الكريم والوصول إلى فهمها بشكل صحيح في جوانبها الأخلاقية والعلمية منحياً الشروح المتخلفة جانباً, وهو قادر في الوقت عينه على استخدام المنطق العقلاني في عملية الفرز مابين الوجه الصحيح للرســالة الإسلامية المحمدية بقواعدها النبيلة والسامية وبين الشوائب التي أهيلت فوقها بقصد طمسها والإساءة لها سواء كان ذلك بسوء نية أم بحسن نية مع استبعادنا لحسن النية., كما أن هذا النوع من رجال الدين فقط , هو الأكثر قدرة على تقبل الرأي الآخر ودراسته بإمعان قبل أن يصدر فتاويه وأحكامه بشأنه, ولا ينطق بأي رأي بالمقابل انطلاقا من تصورات قاصرة مبنية على معلومات مدسوسة ومنحرفة وكاذبة لكنه يدرس الآخر ويطلع على أدبياته ويلم بوقائع التاريخ الماماً صحيحا ثم يدلي برأيه , بنفس الوقت فانه يرفض وبشدة أن يبني آرائه وأحكامه انطلاقا من مصالح السلطة وتحت أي شعار كان ( أية سلطة لا على التعيين ).
إن رجل الدين الذي يبني مفاهيمه على العلوم ويملك أطيافا واسعة من الثقافة متعددة الجوانب والقادر على الاستغناء عن السلطة السياسية بمعنى " أنه من غير الباحثين عن مواقع سياسية اجتماعية مميزة بدعم من السلطة " هو الوحيد الذي يملك كل الحق في نقد السلطة والمجتمع على حد سواء والوقوف بوجه السلطة موقف الند للند وربما أكثر من ذلك لصالح المجتمع بشكل عام وتوجيهه نحو السلوك القويم الذي يدفع به نحو التطور والحضارة ورفع الظلم عنه *,وهناك أمثلة كثيرة عبر تاريخنا, وفي العصر الحديث برز رجال دين مثقفين أمثال ( الشيخ محمد عبده ) في أواخر القرن التاسع عشر, كذلك هناك عدد من رجال الدين المسيحي الذين حسموا خياراتهم إلى جانب الشعب وبرز ذلك في النصف الثاني من القرن العشرين في عدد من دول أمريكا اللاتينية وفي فلسطين برز ( الأب كبوشي ) الذي وقف وقفة بطولية في وجه الاحتلال كذلك الأب ( حنا عطا لله ) الذي يقف بكل جرأة في وجه الاحتلال ليفضح ممارساته وذلك بغض النظر عن الخلفيات الدينية المختلفة سواء كانت متعارضة أم متوافقة فا لمهم هو الوطن والمجتمع.,وبالطبع فإن هناك عدداً لابأس به من رجال الدين الإسلامي المعروفين في مختلف الطوائف المهيأين للقيام بمثل هذه الأدوار .
إن رجل الدين الذي يحسم خياراته لمصلحة المجتمع بكل أطيافه ومذاهبه هو في الحقيقة الذي يعبر أجمل وأقوى تعبير عن حقيقة إيمانه ومفهومه للدين وهو الأكثر قدرة على تقديم النموذج الأمثل الذي يشد المجتمع إليه, وهو الأكثر قدرة بالطبع على أن يعطي الرأي الصائب في كافة الاختلافات بين الجميع دون تحديد, بل أنه يوظف هذه الاختلافات لمصلحة الجميع دون أية استثناءات بما فيها الأطياف السياسية. وهو وإن كان يمثل بالفعل هذا التدين لكنه وبفضل أفقه الواسع سيكون بعيداً حكماً عن التعصب لفئة أو مذهب ما.؟ ويصبح مقبولاً منه كما أنه من حقه الطبيعي أن ينتقد الخطأ والانحراف لدى الجميع دون استثناء. تماما كرجل السياسة الوطني الشريف والغير منحاز أو متعصب لأي تنظيم أو مدرسة فكرية وأيديولوجية بذاتها كونه يمثل المجتمع بكافة أطيافه . هذا هو رجل الدين المطلوب في هذا العصر ( المرحلة ) , وغير ذلك مرفوض قطعا لأن مواقفه ستتحمل مسؤوليتها فئة معينة بحد ذاتها وبالتالي فان التعصب والخطأ سينعكس على هذه الفئة بذاتها *
من الثابت أن المؤسسة الدينية الإسلامية لم تحكم مباشرة, لكن نفوذها لدى السلطة وضمن المجتمع كان كبيرا للغاية قارب حد الحكم مما وفر لهذه المؤسسة أداة فعالة للتأثير جعلها تمارس أشرس أشكال القمع ضد معارضيها وتمكنت بالتالي من توسيع رقعة مصالحها وحمايتها رافضة أي إختلاف معها بالمطلق وقرنت موقفها هذا بالاعتداء والظلم وتشريع كل ممارسات السلطة والسلطان ومظالمه فظهرت وكأنها اليد الضاربة للسلطة من خلال إباحتها دماء المعارضين ( الرأي الآخر ) أينما وجدوا. ولما كانت المصلحة المادية هي التي تحدد خيارات الفرد في ظل التضييق والإفقار والتجويع فان المؤسسة الدينية من خلال نفوذها الكبير داخل السلطة قد تمكنت من بسط سيطرتها محتفظة بالعدد الأكبر من الأنصار والأزلام والأتباع والمريدين الذين التزموا بها بدافع إيثار السلامة وتوفير الأمان ولقمة الخبز وليس من قبيل صحة موقفها على الإطلاق *
الأهم من ذلك كله أن سياسة التجهيل التي اتبعتها المؤسسة الدينية مع المجتمع بدعم من السلطة فعلت فعلها بمرور الوقت بحيث تداخل التلفيق والانحراف وتبرير ممارسات السلطة والسلطان تحت ستار الدين مع بعض القواعد الدينية ليجعلها كلها ذات طابع ومغزى ديني في أذهان العامة, ولو عدنا إلى الكثير الكثير من المرويات والأحاديث المنسوبة إلى الرسول الكريم وطابقنا ها مع القرآن الكريم عملا بالحديث الشريف : ( خذوا حديثي واعرضوه على القرآن فما تطابق خذوا به وما اختلف اضربوا به عرض الحائط ) لاكتشفنا عمق هذا التداخل الذي نسج بخبث ودهاء على مر العصور والذي يناقض تماما النص القرآني مما يؤكد تزويرها واختلاقها ,* مع ذلك فإننا نصطدم اليوم بمن يدافع عن هذه المرويات الكاذبة ويحاول إعطاء النص تفسيراً مخالفاً للمنطق بحيث يجعل النص مطابقاً للحديث المكذوب . إن سياسة التجهيل والتحريف هذه أفسحت المجال واسعًا أمام الخرافة والسحر والشعوذة وتبعا لذلك ظهر الكثير من المحتالين والمفسدين من أعداء الرسالة ليبتدعوا عقائداً وشعائراً شدت إليها البسطاء الأمر الذي وفر لهؤلاء نفوذاً كبيراً إلى جانب المكاسب المادية الكبيرة إلا أن الجانب الأسوأ في الأمر أن هذه الاختلافات قد تداولتها أجيال البسطاء فيما بعد ليتم البناء عليها بحيث قاربت أن تكون مذاهبا أو من أساسيات الدين لا يجوز الاقتراب منها وأنزلت في خانة المقدسات *
كل ذلك شكل مرتعا خصبا للمدرسة ( التلمودية الكاباليه ) التي من بين أساسياتها الاتكاء على أساليب السحر والشعوذة والخرافة للسيطرة على البسطاء والسذج وابتزازهم *
إن المطلع وخاصة إذا كان ممن كانوا في مرحلة تفتح الوعي مطلع النصف الثاني من القرن العشرين يتذكرون تماماً كيف أن رجال الدين شنوا حملة شعواء على التعليم وعرقلوا ارتياد المدارس وخاصة في الأرياف زاعمين أن التعليم مفسدة جلبت معها الكفر والإلحاد والزندقة وقد استمر ذلك بشدة وزخم متصاعد حتى ظهور قوانين إلزامية التعليم ومجانيته فيما بعد في بعض بؤر النظام السياسي العربي المتأثرة بالحالة الثورية التي كانت سائدة آنذاك.( إن التعلم من وجهة نظر المؤسسة الدينية المتخلفة آنذاك تعني تفتح العقول وإمكانية طرح أسئلة ومسائل جديدة بوجه رجال الدين,قد لا يملكون إمكانية الرد عليها وبالتالي فإنهم سيخسرون مواقعهم ومكاسبهم وامتيازا تهم التــي تتــدفق عليـهم ), ولهـذه الأســباب جن جنونهم في أواخــر الخمسينات من القرن العشرين عندما بدأت تنتشر إلزامية التعليم في بعض البؤر التي عملت علــى تطوير نفسها, ونــذكر أن رجــال الديــن كانــوا يجمعون الكبار في المناســبات الدينية ليهاجموا التعــليم والمتعلمــين ويضربون لهم الأمثلة الكاذبة عن كفر فلان وغضب الله على عائلة آخر ثم يختمون أحاديثهم بنصائح لتوفير خسارة الأموال والأبناء ونعمة الرضى الإلهي المرتبط برضاهم, ولانزال حتى اليوم نسمع بعض هؤلاء المتخلفين يتهامسون بنفي وصول الإنسان إلى القمر والمريخ ويحيطون المجموعة الشمسية بنظرة تقديسية فيطلقون على كواكبها أسماء وصفات مقدسة كما في الديانات الوثنية وبما يتطابق مع الفكرالكابالي الذي يحرص عليه الحاخامات وأتباعهم.
ولقد لاحظنا أن الكثير من رجال الدين ( المتفقهين ) وبعض أصحاب الطرق المتخلفين يستندون في نظرة التقديس للمجموعة الشمسية إلى بعض الآيات التي ورد فيها ذكــر
( الشمــس والقمــر والنجوم)..الخ, لترسيخ مفاهيمهم المتخلفة بتفسيرات بعيدة عن المنطق والعقل السليم, بالرغم من الوضوح الشديد لهذه الآيات التي تؤكد أن حركة الشمس والقمر واختلاف الليل والنهار, علمت الإنسان حساب الأيام والشهور والسنين وابتداع التقويم ومعرفة الفصول ثم ومع تطور العلوم تم اكتشاف تأثيرات هذه الكواكب فيما بينها من إشعاعات وجاذبية وحركة المد والجزر..الخ .
إذا فالأمر علمي بحت ولولا رجال الدين الذين غرقوا في تشريع ممارسات السلطان والابتعــاد بالمجتمع عن الفهم الصحيح للدين لعبر المفهوم الإنساني لدى مجتمعاتنا منذ مئات السنين على أنه فهم لقواعد علمية موجودة وانتهى الأمر, لينطلق نحو أبحاث جديدة, لكن تفسيرات هؤلاء وتأويلا تهم أدخلت عملية الفهم لدى المجتمع في صراع مابين القاعدة العلمية والتأويل المنحرف الذي أحيط بهالة من القداسة حرمت الابتعاد عنها.
هكذا ولهذه الأسباب والكثير الكثير غيرها, كانت حركة المجتمع التطورية بطيئة للغاية بل متخلفة تماما عن بقية المجتمعات وظهر هذا التخلف المقيت جليا في النصف الثاني من القـرن العشرين عندما اكتشفنا أن المؤسسة الدينية بالتعاون مع النظام السياسي العربي قد تمكنت من ترك هذه المجتمعات غارقة في ظلام القرون الوسطى ومتخلفة عن العالم كل هذه المدة الزمنية الطويلة.
مع ذلك فان النظام السياسي العربي وحتى هذه اللحظة ما يزال هو الحليف الأكبر للمؤسسة الدينية بكل تراكماتها هذه ومازال هؤلاء يشرعون للنظام كل ممارساته مهما بلغت درجة انحرافها وظلمها وبما يوافق أهوائه ورغباته ومصالحه المتداخلة مع مصالح هؤلاء في مواجهة المجتمع والسيطرة عليه وابتزاز خيراته وإمكاناته, بدليل أنه ليست هناك أية بؤرة من بؤر النظام السياسي قد حسمت الأمر واختارت التوجه العلماني والأسلوب الديمقراطي في الحكم.
من الثابت عبر التاريخ فشل المؤسسات الدينية في كافة المجتمعات في أن تظهر كنظام حكم, مع ذلك فان المؤسسة الدينية لدينا وبامتداداتها المختلفة مازالت تحلم بأن تكون نظام حكم مع مخالفة ذلك لطبيعة المجتمعات وسنة تطورها.
سبق للمؤسسة الدينية وتماهت مع أنظمة الحكم المختلفة منذ الحقبة الأمـوية فالعباســية كـــــذلك العثمانية مرورا بالدويلات المختلفة بعد انهيار الخلافة العباسية ومنذ بدء ظهور ملامح الضعف عليها وهي ماتزال تملك الكثير من النفوذ والتأثير في العصر الحالي لدى كافة بؤر النظام السياسي العربــي فماذا كانت عليه النتيجة أو النتائج ؟ أليست النتيجة مانحصده الآن من إذلال واحتلالات وانهيار وسقوط ؟!! والواضح أن المؤسسة الدينية بتحالفها مع السلطة الجائرة كانت وراء هذا التــاريخ المخزي انتهاء بما وصلنا إليه الآن فهي وراء أســوأ أنــواع الظلم والعسف الذي حدث حتى الآن .كذلك هي وراء بروز الحركات التي توصف ( بالأصولية). والأهم أنها وراء تخلف هذه المجتمعات المخزي, وتقسيمها إلى مذاهب واثنيات وأقليات لم ينجح النظام في استيعابها بالرغم من اعتناق هذه الاثنيات لنفس العقيدة .
إن فصل الدين عن السلطة ( الدولة ) يفسح المجال أمام رموزه المتنورة للتفرغ تماماً لتوجيه المجتمع وفق المنظومة الأخلاقية كما أنه يفتح الباب واسعا للتنافس في إظهار الالتزام بهذه المنظومة التــي تعيد اللحمة للنسيج الاجتماعي بمختلف مذاهبه واثنيا ته وعقائده وأديانه كون جميع هذه الأطياف تلتقي تماما عند المنظومة الأخلاقية التي هي بمثابة العمود الفقري للمجتمع تربطه وتتحكم بحركته نحو التطور والرقي
فابتعاد الدين عن السياسة وأسلوب الحكم يحفظ له نقاؤه وصفاؤه بدلا من تحريك شهوات رجال الدين نحو ممارسة صلاحيات مستمدة من دعم السلطة ليصبحوا بعد ذلك مجرد موظفين يسبحون بحمد السلطان ليلا نهارا على المنابر وفي كل مناسبة . والواقع المؤكد أن رجال الدين في ظل النظام السياسي العربي هم وراء الإكثار من الشعائر وتعقيدها من خلال ابتداع إضافات إليها من شأنها ألا تترك المجال للمؤمن للفراغ منها والتفكير مليا بواقعه, مع أن الشعائر كما وردت في القرآن الكريم بسيطة وسهلة للغاية بعيدة عن أية تعقيدات ( وقد طـالب القرآن الكريم بتعظيمها لا بتعقيدها واختلاق تفاصيلاً لها ) فالنص القرآني يقول في هذا المنــحى (ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ) لكن تعقيدها بهذا الشكل التي هــي عليـه الآن وكثرة الخلافات حول أشكالها لم يترك مجالا للتركيز على الجوهر الإنساني الذي يتجلى بالالتزام بالمنظومة الأخلاقية , فأصبح التدين شكلي فارغ المضمون والهدف حتى قيل : ( أن هنا ك مسلمون ولكن ليس هناك إسلام ) لقد وفر التشدد في ممارسة الشعائر بهذا الشكل المعقد وبهذه الأشكال من الاختلافات في تأديتها الغطاء المناسب لكل منحرف من ذوي النوايا السيئة للتسلل بين صفوف البسطاء وضخ سمومه بينهم وصار من يسرع إلى الصلاة هرولةً دون مبرر وبشكل لافت للأنظار ويقيم الاستعراضات عند كل موسم حج ويستغل كل مناسبة ليؤكد للجميع أنه صائم ويحك جبينه بحجر حتى تتركز فيه بقعة سوداء زاعما أنها من طول السجود, صار هذا محميا وخارج نطاق الحساب والنقد حتى ولو كان قد مارس و يمارس الموبقات بأصنافها وكل أشكال مخالفة المنظومة الأخلاقية لالشيء إلا لأنه يمارس هذه الشعائر بضجيج وكافة أشكال الهرج والتهريج يضاف إلى ذلك أنه ينقلب إلى ناقد اجتماعي ومصلح ديني مرشداً وموجهاً يشير إلى الكافر والمؤمن وفق مفاهيمه ومصالحه *
*أذكر ومن خلال نقاش أثير مع أحد هؤلاء حول معنى لايمسه إلا المطهرون فأكد أن المطلوب هو غسل اليدين قبل لمس القرآن الكريم , عندها أكدنا له أن ( المس هو غير اللمس ) لغةً واستشهاداً بنصوص أخرى من القرآن وفي هذا السياق يكون معنى الآية ( إنه لقرءان كريم *في كتب مكنون * لايمسه إلا المطهرون ) الواقعة 79 أنه لايمكن أن يعيه ويفهمه إلا من يؤمن به وليس معناها غسل اليدين إطلاقا مع أن غسل اليدين يمكن أن يكون من قبيل الاحترام وتعظيم الكتاب , وأوردنا له مثالاً آخر من القرآن الكريم يؤكد توجهنا هذا وهو ( لايقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس )275 البقرة وأضفنا الآية (وإذا مس الإنسان ضر دعانا) 49 الزمر لنؤكد له انها حالة نفسية عقلية وليست اللمس باليد بالشكل المعروف كما ضربنا له عن بيع النسخ لدى شعوب ودول مختلفة فهل كلهم من نفس المذهب أو الدين حتى يلتزموا بغسل اليد أو أننا سنضطر لتوظيف مراقب مع كل نسخة تهدى أو تباع ., فكان رده لنا ..أنكم سوف تخرجونني عن ديني . ؟؟ وهكذا يمكن أن نتصور مدى التعتيم والانغلاق المضروب على هذا العقل البائس , الذي يخشى استعماله حتى لايقع فريسة وهم الكفر والإيمان الذي زرعه فيه هؤلاء المتخلفون بثقافتهم المنحرفة .
هذا واقع , وهو واقع مقرف مثير للأعصاب , والحقيقة , أنها قيم النفاق والمكر والكذب والخبث بأجلى معانيها وبعد ذلك نجلس لنبتهل إلى الله طالبين المساعدة في الأزمات.!! فأية مساعدة إلهية نطلبها ؟ في الوقت الذي نخالف فيه كل القيم الإلهية التي اختزلناها بالشعائر فقط .!!! ألم يقل النص (إن الله لايغير مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) 11 الرعد.
هذا النص هو تأكيد على قاعدة إن ( لكل نتيجة سبب ) وأن النتائج مرهونة بأسبابها ولما كانت غالبية الوقائع ( النتائج ) في مجتمعاتنا سلبية فان أسبابها بالتأكيد سلبية وهكذا فان وصولنا إلى نتائج ايجابية مرهون بتبديل كافة القواعد والأسباب المنحرفة السائدة في المجتمع وأهم هذه الأسباب أو أول خطوات التغيير تلتزم:
1- تغيير النظرة إلى الآخر وعدم الركون إلى أننا نحتكر الحقيقة.
2- تبديل العقلية السائدة بكل خلفياتها وعدم الجلوس إلى الآخر بحكم مسبق نخفيه ونضمره ليظهر من خلال عثرات اللسان والمقصود هو إلقاء كل الخلفيات التي تربى عليها المجتمع وتحكمت في العلاقات بين شرائحه وأطيافه المختلفة وتراوحت مابين النفاق وإظهار الخلاف.
3- مراجعة الموروث كله بقضه وقضيضه وذلك قبل البحث في موروث الآخر وأن تتوفر الجرأة الأدبية على الاعتراف بالخطأ, فالحوار يحتاج لذهنية جديدة تفترض حسن النوايا وان الآخر ربما كان بعقليته يملك ايجابيات أكثر وأخطاء أقل.
4- لا مقدسات في الحوار ولا محرمات فاللقاء مع الآخر ومحاورته تستلزم مناقشة كل شيء لأن كل ما يبقى تحت الطاولة ولا يطرح للنقاش سيبقى لغما جاهزا للانفجار في أية لحظة.
5- البحث عن نقاط اللقاء مع الآخر ليتم اعتمادها أساساً للتكامل فإذا زادت على نقاط الخلاف صار التعاون والتكامل واجبا وليس خيارا أما إذا كانت نقاط الخلاف أكثر فان المزيد من الحوار المبني على إمكانية الإقناع والاقتناع يصبح واجباً وطنياً بدوره لتفكيك نقاط الحلاف هذه ثم تقليصها مقابل زيادة النقاط الايجابية .
6- إن الحالة الوطنية هي أساس أي حوار فمن يختلف معي في العقيدة والمذهب أو شكل الإيمان قد يكون في ذروة حالته الوطنية ولا يحق لأي كان التشكيك بوطنية أي مواطن بنفس الوقت الذي لا يحق له فيه التشكيك بإيمانه .
7- الأهم من ذلك كله هو : إعادة المنظومة الأخلاقية إلى الواجهة والعمل بها فعلياً وتلقينها للأجيال الجديدة .
8- إن الموقف من النظام السياسي هو حالة منفصلة ( تحت عنوان الموالاة أو المعارضة ) ولا علاقة لها بالوطنية إطلاقا , فقد اعتاد النظام السياسي العربي عبر العصور أن يقيس مواطنية المواطن ووطنيته بمدى الالتزام بهذا النظام كما اعتاد أن يجعل مسألة الأيمان والكفر مقياسا للولاء له من عدمه فالموالي مؤمن ملتزم وطني يملك حصة في الجنة أما المعارض فهو كافر وزنديق , متآمر ,عميل , خائن ..الخ .
هذه المقاييس والمعايير لم تعرف إلا في ظل النظام السياسي العربي العتيد وأمثاله من الأنظمة الشمولية وهي من أسوأ المقاييس على الإطلاق في العلاقة بالآخر وهذا ما يتوجب إسقاطه على الفور .
إن أي حوار يضع الموقف من النظام قاعدة, هو حوار محكوم بالفشل مسبقا كون النظام قابل للتغيير وليس مفروضا بحكم الهي أما( المجتمع – الوطن ) فهما الباقيان إلى الأبد .
بكافة الأحوال فان النظام هو طرف من أطراف الحوار لا أكثر ولا أقل ولا يجب أن ينظر إليه على أنه طرفا مميزا أو يشكل ثقلا نوعيا خاصة وان النظام العربي السياسي في أي من بؤره لا يمثل كافة شرائح المجتمع بشكل ديمقراطي حقيقي وهو نظام مفروض ومشخصن (فردي شمولي) مهما وضع من أقنعة ورفع من شعارات .
كما سبق وأوضحنا أن المذاهب في الإسلام هي من صنع النظام السياسي العربي وفقهائه و(لا علاقة إطلاقا لمن نسبت إليهم هذه المذاهب بها إطلاقا) فهم أبناء مدرسة واحدة حاولت على مر العقود إعادة الوجه الصحيح للإسلام وليس تقطيع أوصاله . كما رفضوا أية حالة تعصب مهما كانت ونقصد بالطبع ألأئمة ( أبا حنيفة – مالك – الشافعي – ابن حنبل ) يؤكد ذلك استمرار إنتاج المذاهب بعد ذلك وهذا دليل إضافي على أنه لا علاقة لهؤلاء بكل ذلك ولقد أجاب الغزالي في وقته (كما سبق وأشرنا ) بأن المذهب هو ( دين مبدل ) وعليه فان وجود الاختلافات كانت من صنع فقهاء النظام أما من نسبت إليهم المذاهب فقد شكل كل منهم نقلة نوعية ومعارضة بوجه النظام لإعادة الإسلام لسكته الطبيعية وهذا مالم يعجب النظام فطاردهم وضغط عليهم وسجنهم وفي العودة لتاريخ النظام وفقهائه المخجل والأسود , نرى وأنهم إمعانا منهم في تمزيق المجتمع وعقيدته السليمة طلعوا علينا في مراحل سابقة بمفاهيم مثل القدرية !!؟.
فبدلاً من قاعدة ( الخير من الله والشر من أنفسكم ) صار في عرف هؤلاء , كل شيء من الله خيرا كان أم شرا , ولا يد للإنسان فيه حتى في أسوأ الأخلاقيات والسلوكيات على أساس أن كل شيء مكتوب على الإنسان في علم الأزل أو الغيب .
وعليه فان الظلم صار قدرا مقدورا ومبررا ومن فعل الإله مكتوب في اللوح المحفوظ لايمكن تغييره فمحاولة التغيير تصبح مخالفة لإرادة الإله يعاقب عليها خاصة وأنهم قد خرجوا برواية أو حديث يقول ( أن الظالم سيف الله ينتقم به من عباده ) ؟؟!!!مبررين بضربة واحدة كل مساوئ النظام وصار هذا النظام يفسد ويظلم ويرتكب الموبقات بتفويض الهي , وعليه أصبحت ظلمات الزنازين وقطع الرؤوس والأوصال والصلب والتمثيل الفظيع بالآخر قدر مكتوب قبل أن يولد الإنسان ..؟؟!!
وأصبح مبرراً سنداً لذلك حتى استعمار الشعوب وسرقة الأوطان وتشريد أبنائها ( لأنها مكتوبة في علم الغيب ) , كما أصبح الجنوح ومخالفة حقائق الحياة والمجتمع والطبيعة مع كافة أشكال الفجور والشذوذ قدراً لا مجال لتعديله , لأنه مكتوب على الإنسان ارتكابه شاء أم أبى وان أية محاولة لتسفيه هذه المقولات هي ارتداد وكفر واعتراض على المشيئة لتصبح زندقة والحــاد ...الخ .
وفقا لهذا المنطق فقد الإنسان الحق بتقرير مصيره أو تعديله وبذلك تكرست مفاهيم السلطان الوحيد الأوحد القادر المانح المؤمن الأعظم , البطل الملهم , إلى ما هنالك من صفات وألقاب وصلت بالسلطان حدود التأليه ولأن ذلك بالطبع مكتوب في علم الغيب .
بعد ذلك كله لا ندري كيف يوصف الشرك بالله ؟؟ ومن هو الذي يشرك بالله ..؟!!
كل ذلك وعلى الرغم من أن الإنسان قد ولد حرا كما في مفاهيم الرسالة الإسلامية المحمدية الحقيقية , وان هذا الإنسان هو الوحيد الذي يملك حرية القرار في اختيار أي من الطريقين يسلك ( الخير أم الشر ) .. فالخير هو كل ما ينفع الإنسانية والشر هو كل ما يسيء إليها وعلى هذا الأساس ورد مبدأ الحسـاب أو الثواب والعقاب الإلهي . وإلا فما معناه حتى في القوانين الوضعية , وفقاً للمنطق الجبري ( القدري).؟ هكذا ابتدع الفقهاء وسادتهم من سلاطين الظلم والانحراف التبرير الشرعي لكل ممارساتهم التي صارت وفق ذلك قدراً مقدوراً لا مفر منه ولا مجال لتبديله .!!!ومقولة الخليفة العادل عمر بن الخطاب (رض) لأبن عمرو بن العاص عندما عاقبه لضربه القبطي من أبناء مصر . قد حفظها لنا التاريخ ومايزال الناس يتداولونها ( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ) .
إذاً فمن المثير للسخرية أن كافة الانحرافات والشذوذ في المجتمع قد وجدت ضالتها في هكذا مفاهيم فتم تنسيب أسوأ الأفعال وأكثرها خسة ووضاعة , وكل الفواحش والشذوذ والرشاوى ونهب المال العام والاختلاس ..الخ إلى القدر المكتوب في علم الغيب وكذلك اللصوص من جماعة ( هذا من فضل ربي ) . كل ذلك صار مبرراً بشكل مسبق وتحديدا لكل من والى السلطان , وأصبح حماة النظام وجنوده وزبانيته هم فقط المؤمنون المبررة خطاياهم ولا تجوز محاسبتهم على ارتكابا تهم (المشرعنة ) ؟؟!
إلا أن هذا المفهوم يتعطل تماما عندما يتعلق الأمر بكل من لايتفق مع النظام أو يعارضه لسبب من الأسباب ليصبح الحساب متوجباً في هذه الحالة , لأن من يخالف النظام هو كافر زنديق ملحد يستحق القتل والتشريد وكل أنواع العذاب وان عطف عليه يعيش محروما مسلوب الإرادة والحقوق حتى أن زوجته تطلق منه قسرا . والحقيقة أن هذا المخالف قد يكشف حقيقتهم ويعريهم .
لقد ترسخت هذه المفاهيم بمرور الوقت ليعمل بها حسب حاجة كل منحرف ويطبقها على كل ما يناسبه وقد يجدها المجتمع مبررة نوعا ما .
هكذا أيضاً دفنت الحرية التي قدسها الله تعالى واغتيلت وغيبت في ظلمات الأقبية والزنازين ليخرج بعد ذلك مجتمعا تعصف به كافة أشكال الخلاف والأفكار المنحرفة والشاذة , ذليلاً , مهاناً , محني الهامات والأكتاف , اعتياداً ووراثةً . وهكذا أذلت مجتمعات كاملة أظلها النظام السياسي العربي بظله الكالح السواد . لقد أصبح الكذب والنميمة والدسيسة والوقيعة والتحاسد والبغضاء والأحقاد والضغائن والفساد والإفساد وبيع الضمائر والذمم والتخلف بكافة معاييره من السمات التي تميز مجتمعاتنا عن غيرها وأصبحنا من أكثر الشعوب التي تنتقد المساوئ وتتظاهر بالعفة فيما تمارس أبشع الرذائل تحت الطاولة أو خلف الستار . مع ذلك فانه برأي أو قناعة هؤلاء , يكفي في آخر النهار ترداد عدداً محدداً من التسابيح والأدعية سراً أو جهراً حتى تمحى ذنوبه ولو كانت بحجم الجبال . وبهذا أيضا يتم تشجيع ممارسة وتعاطي كل الموبقات طالما أن التسبيح والدعاء يمحوها .
على العموم يكفي أن تجاهر بصلاتك وصيامك وحجك وتقيم المهرجانات وتثير ما أمكنك من الضجيج ( كما سبق وألمحنا ) حتى تصبح مؤمنا صحيح الإيمان وتكون قادرا بعد ذلك على تكفير الغير حتى ولو كان هذا الغير صادقا بسلوكه وأخلاقيا من الطراز الرفيع فذاك المتلفع بالجلباب الأبيض المسترسل شعر الذقن والمكحل العينين يبقى أفضل منه حتى ولو كان بسلوكه من أسوأ الناس لأن التمسك المرائي بالشعائر هو الأهم عند هؤلاء .أما الأخلاق جهرا كانت أم سرا والسلوك الإنساني النبيل فهو آخر مايهم
الأهم إذاً., هو ممارسة الشعائر بالكثير الكثير من الضجيج وطقوس احتفالية تشد الأنظار وتثير الانتباه ثم حرموا زينة الله وحرموا طيبات ما أحل الله متجاوزين على:
( وأما بنعمة ربك فحدث ) كما تجاوزوا على حديث رسول الله ( إن الله يحب إذا أنعم على عبد أن يرى آثار نعمته عليه ) . فصار منظر ذلك الكائن الذي يتنقل من مكان إلى آخر مرتديا رداءً يصل إلى منتصف الساق أو تحتها بقليل( كلابيه ) وينتعل (شحاطة ) رخيصة بشعر أشعث ولحية نمت بعشوائية , بيده قطعة خشبية يمصمص بها ويفرك أسنانه أسماها ( مسوا ك ) ويكحل عينيه وعندما يشرب الماء يمصمص الكأس بنغمات ناشزه متصاعدة ثم يتجشأ بشكل مقزز وبصوت مرتفع إلى أقصى حد ممكن ويتمخط في الشارع ثم يمسح بكمه زاعما أن كل ذلك ( سنة )؟! يتوجب إتباعها , وإنها كناية عن الزهد . هذا المنظر تصطدم به في الكثير من الشوارع العربية والإسلامية . ولا ندري حقيقةً من أين وصلت هذه السنة وكيف تم توثيقها ؟؟!! ولا نعتقد إلا أن من طلب التمسك بها يقصد بالواقع رسم أبشع صورة عن الإسلام والمسلمين لأنها ليست من السنة النبوية الكريمة بشيء ولايمكن على الإطلاق أن تكون كذلك.
فالنبي الكريم كما تؤكد الوثائق والمرويات المتواترة , كان يشمئز من الذي لايعتني بمظهره فهو محب للجمال والنظافة والطهارة بل هو معلم ( النظافة والطهاره ) جميل الشكل والصورة , أنيق الملبس يحب التعطر ورائحة العطر . أما السواك في حينه , فقد كان أرقى وسائل العناية الحضارية بصحة ونظافة الأسنان فالمعاجين وفراشي الأسنان لم تكن قد عرفت طبعا , ولو عرفت آنذاك فهل كان رسول الله يرفضها.. ؟ !! وهل كان يرفض طرق العناية بالفم والأسنان واستعمال المعاجين الطبية وسواها ؟! وكذلك وسائل الحلاقة الحديثة وتنظيف الجسم واللباس وغيرها ..؟ ! أما إظهار الزهد فيتوجب أن تكون الغاية منه رفع مستوى الإحساس بالتعاطف مع الفقراء والتواضع للآخر وهذا من واجبات ( الإمام القدوة ) وليس مطلوبا من الجميع . فهل نصب هؤلاء من أنفسهم أئمة وموجهين وقدوة للناس ..؟ كيف..؟ . مع العلم أن إظهار الزهد لا يكون باللباس الغير نظيف والغير متجانس أو بإطلاق اللحى عشوائياً وممارسة سلوكيات منفرة , لكن الزهد يكون بالتعفف عن التهالك خلف الثروات المختلسة من أموال الدولة والفساد واستغلال الموقع والالتزام بالمنظومة الأخلاقية كما وردت في القرآن وكما استعرضناها سابقا والتعفف عن الصغائر والقدوة عليه أن يلتزم بالحكمة القائلة حسب النص :
( ولا تمش في الأرض مرحا انك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا )37 الإسراء.
أما في عصرنا الحالي فلم يعد مقبولا ومبررا حتى للفقير ألا يكون نظيفا لائق الهندام مرتبا , أنيقا بصورة من الصور حتى في اللباس البسيط , طيب الرائحة جميل الهيئة .!!
كيف يقبل هؤلاء على أنفسهم دخول المساجد ( بيوت الله ) والوقوف بين يدي الله بهذه الأشكال بينما الواجب أن يتم ذلك بكامل الأناقة والنظافة قدر الإمكان . ؟؟
والواضح أن هؤلاء زاعمي الزهد والتمسك بالسنة ؟!! والتي وحسب سيرة الرسول الأكرم لا علاقة لهم بها على الإطلاق إنما يتابعون مسيرة تشويه الوجه الجميل والحضاري الراقي للرسالة الإسلامية المحمدية ونبيها الكريم وهذا ضمن الإطار نفسه للصورة البشعة التي ترسم في الجزائر حيث المجازر الوحشية القذرة تطال النسوة والشيوخ والأطفال تحت شعارات ومسميات إسلامية والإسلام منها براء .
إنها نفس الصورة التي رسمتها قطعان الطالبان في أفغانستان الذين أتقنوا رسم أسوأ وأبشع صورة عن الإسلام وهم لا تربطهم في الحقيقة أية علاقة بالإسلام ,ونفس الصورة التي ترسم في باكستان حيث تم تفجير الكنائس المسيحية والمساجد وهي غاصة بالمصلين والواضح أن علاقة هؤلاء مدعي الإسلام (والإسلام منهم براء) هي علاقة مباشرة بالتلمودية الكابالية ونفس الصورة التي ترسم الآن في العراق وبتنسيق عال ِ الإداء مع الموساد وقوى الصهيونية العالمية .
أي نظام هذا الذي يفرض على الرجال إطالة لحاهم لغاية ثلاثين سنتيمترا خلال عام تحت طائلة العقاب ويغلق محلات الحلاقة ( وقد هددوا الحلاقين الآن في العراق بتفجير محلاتهم , كما هددوا باغتيال من لايطيل شعره ويطلق لحيته بالاغتيال) ويمنع تعليم المرأة ويضربها في الأسواق كالبهيمة أو تطلق زبانيته النار على رأسها بكل برودة أعصاب في ساحة عامة وكأنهم يمارسون أمرا عاديا ؟؟! .
أي نظام ذاك الذي يفرض التخلف على شعب بالكامل ويحرم أجهزة الاتصال والأجهزة المرئية والمسموعة ,؟؟ من قال إن هذا من الإسلام في شيء ؟؟!! وأي إيمان وإسلام هذا الذي يتشدقون به ؟. لا أعتقد أن قادة الطالبان بكل هذا التخلف والجهل الذي يفرضونه هم ! ؟. أ و أنهم إلى هذا الحد من الغباء لكنهم عملاء أذكياء ومطيعون جداً لسادتهم , أتقنوا تنفيذ ماهو مطلوب منهم بكل أمانة ودقة . هذه الحركة صنعتها بالكامل أجهزة الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية !! التي دربتها وعلمتها كما قام النظام السياسي العربي في بؤره المتخلفة بتمويلها ورفدها بالكوادر المدربة والمؤهلة .لتنتقل بعد ذلك إلى استعداء العالم , كل العالم ضد الإسلام والمسلمين وخسارتنا للشعوب الصديقة لأمتنا , فتدمير تماثيل (باميان) المصنفة ضمن الآثار الفنية الإنسانية إضافة لكونها تراث مقدس لدى شعوب أخرى والتي لم يمسها أوائل الصحابة لأنهم وحسب توصيات الرسول الأكرم يحترمون تراث الآخرين ومعتقداتهم , ( هذا التصرف ) تسبب باستعداء مئات الملايين من البوذيين في العالم إضافة لاحتقار الشعوب المتحضرة لهذا السلوك المتخلف . فهل كان زعماء ورعاة قطعان الطالبان مؤمنين أكثر من الرسول الأكرم وصحابته ؟!
والمصيبة الأعظم أن هناك الكثير من هذه الشعوب المنكوبة ترى فيهم مؤمنين يحتذى بسلوكهم المتخلف المجافي للقيم الإنسانية النبيلة . يضاف إلى ذلك تبنيهم لعمليات الحادي عشر من أيلول في أمريكا وتدمير برجي التجارة وسقوط آلاف الضحايا من ركاب الطائرات المدنية الأبرياء وموظفي وزوار برجي التجارة فهل كان كل هؤلاء وعائلاتهم وأقاربهم من أعداء الإسلام وأعداء شعوبنا ؟؟ لا نعتقد . ولكن هناك نتيجة واحدة وحيدة هي , إعطاء المبرر للولايات المتحدة لتفعل ما تفعله الآن في منطقتنا والعالم بزعم مكافحة الإرهاب كما انعكس على الشعب الأمريكي نفسه الذي خضع لإجراءات استثنائية تحت نفس الزعم , وأصبحت بالتالي دولة ما يسمى بإسرائيل تضرب المدنيين الفلسطينيين بوحشية تحت شعار مكافحة الإرهاب , ثم جرى تصنيف امتنا وشعوبنا بأنها إرهابية مع التأكيد على برائتها من هؤلاء ومن كل ممارساتهم الوحشية الحقيرة , كقتل الرهائن بوحشية قذرة .( هذا القتل الذي يعتبره المعتقد الإسلامي الصحيح قمة الكفر والعداء للإنسانية ) فالرسول الأعظم عامل الأسرى معاملة الضيف المحترم ولم يسمح بتوجيه ولو عبارة تأنيب لهم وسمح بإعادة الحرية لكل منهم مقابل تعليم واحد من أبناء المسلمين لمن كان منهم قادرا على ذلك في حينه حتى أن القسم الأكبر من هؤلاء الأسرى رفض العودة والتحق بالرسول الأعظم مجاهرا بالإيمان برسالته .ثم ما يجري الآن من توزيع التفجيرات بين السكان المدنيين في العراق وتوزيع صور قطع رؤوس الرهائن المدنية المغلوبة على أمرها وتفجير القطارات التي تحمل العمال والموظفين إلى أعمالهم من أبناء الشعب الأسباني الصديق والذي تربطنا به علاقات عاطفية ثم التسبب بقتل الأطفال الرهائن في مدرسة ( اوسيتيا) المجاورة للشيشان وسقوط حوالي خمسمائة طفل ضحايا بين قتيل وجريح في مطلع أيلول 2004 لتعلن روسيا الاتحادية اثر ذلك عن استعدادها للمشاركة في حملة مكافحة الإرهاب ؟؟ التي بررت إبادة سكان فلسطين واحتلال منطقتنا , هكذا دخلت روسيا عملية العداء للعالم العربي والإسلامي بتخطيط ذكي من الصهيونية التلمودية والمتعاونين معها من هؤلاء المشبوهين الذين يزعمون الدفاع عن الإسلام ( أي إسلام )؟ , في حين أن روسيا الاتحادية كانت من أصدقاء شعوبنا . ورغم ذلك كله نجد بيننا من يرى في هؤلاء مؤمنين أتقياء يحتذى بهم وبسلوكهم المقيت المتخلف المعادي لشعوبنا وللإنسانية بوجه عام هذا السلوك الذي يعود إلى عصور الهمجية حيث كان الإنسان يقتل الإنسان دون مبررات . فهل هكذا يفعل من يحارب من أجل الحرية ؟ أو من أجل الدفاع عن مبدأ ؟ وأي مبدأ يقبل بكل هذه الهمجية .؟؟ بالتأكيد فان الإسلام براء من هؤلاء وهم الأكثر عداء للإسلام من بين أعدائه



#خليل_صارم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا ...
- ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا ...
- قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم ...
- مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل ...
- وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب ...
- واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب ...
- مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال ...
- -استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله- ...
- -التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن ...
- مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - خليل صارم - النظام الساسي العربي (الموروث و المرتكزات ) الجزء الأول