|
وباء السلفية التكفيرية – 4- التركيب الإجرامي للتكفيري ج 3
نضال الربضي
الحوار المتمدن-العدد: 4539 - 2014 / 8 / 10 - 14:44
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
وباء السلفية التكفيرية – 4- التركيب الإجرامي للتكفيري ج 3
أستكمل معكم اليوم أعزائي القراء النظر في الشخصية السلفية التكفيرية، لنفهم سويا ً كيف يستطيع بعض ٌ ممن يعيشون معنا في مجتمعاتنا و يشاركوننا أرض الوطن و سماءه أن يندرجوا في فظاعات ٍ لا يمكن تخيلها، و يعملوا لهدم هذه المجتمعات و استبدال نموذجهم البدائي بها. و لقد تعرضت ُ لخمس ِ صفات تبرزُ لدى هؤلاء المجرمين و هي: الاندفاع العاطفي، الغضب و السخط على المجتمع، الإحساس بالمظلومية و إسقاطها على الأيدولوجية، النرجسية الفائقة، و الفشل في الاندماج مع العائلة و المجتمع، فهلموا سويا ً و من جديد لننظر ُ بتعمُّق ٍ في تركيبهم النفسي و صفاته.
صفة: العنف البدائي البوهيمي ----------------------------- يمكن ُ اعتبار ُ التاريخ ِ البشري امتدادا ً إجراميا ً كبيرا ً، دون أن يعني هذا أننا نحصر ُ دورة التاريخ ِ و الحضارة ِ الإنسانية العظيمة في هذا الإجرام، لكن مقامنا اليوم ليس َ مقام الخوض ِ في الإبداع و الحضارة ِ و الفِكر، لكنه مقام استعراض ِ أداة ِ الديناميكية الكبرى المحركة لعجلة التاريخ و هي أداة ُ الصدام ِ و الصراع ِ و التضادُّ، و عليه فإن الأمم جميعَها و دون استثناء قد خاضت الحروب و انتهكت الإنسان و اقترفت البشاعات و تفننت في اختراع العذاب ِ و الألم و إيقاعه.
و هذا مفهوم ٌ علميا ً إذا ما عدنا إلى الأصل الحيواني لجنسنا البشري، حيث أن الصراع على استحواذ الأرض و امتلاكها كان و ما يزال ُالمحرك الأعظم للتاريخين الإنساني و الحيواني على حد ٍّ سواء، ففي المملكة َ الحيوانية َ تقوم الأسود بقتل صغار ِ أعدائها المهزومين، و كذلك تصنع ُ قرود ُ البابون، و الجرذان و القوارض، و حتى الدجاجات حين ُ تترك ُ صغارها تنقرُ صغار َ الدجاجات ِ المهزومات ِ حتى الموت.
لكن َّ هذا المفهوم َ علميا ً غير ُ مقبول ٍ إنسانيا ً، إذ أن البشر قد توصلوا بوعيهم و سموهم الأخلاقي إلى إدراك ِ انحطاط أعمال ِ العنف و حقارة ِ طبيعتها، و تأثيرها المُرعبِ و المخيف على النفسية البشرية ِ السوية التي تأباها في الأحوال العادية، و أثرها المدمِّر على جماعة الضحية سواء ً على الصعيد الفردي للأفراد أو الجماعي الذي يُعرِّف ُ هويتهم. و كنتيجة ٍ لهذا الفهم الإنساني المتطور ظهرت مواثيق ُ حقوق الإنسان و جمعياتها، و صيغت الاتفاقيات ُ التي تحدِّد مسؤوليات الدول المُحتلة للأراضي من جهة ِ الأسرى و النفوس و الممتلكات و المعيشة، و أصبحت الحرب في أي بقعة من العالم تستدعي تدخُّل الدول الكبرى جميعها فلم تعد القيادات و الرؤساء المحليون منفصلين عن الشأن العالمي لهم أن يعلنوا الحروب و يخوضوها بحرية دون أي مُسآلة. و أصبح َ لزاما ً على كل دول العالم أن تعلن بوضوح َ أنها ضد الإرهاب و الدمار و سفك الدماء و التطهير العرقي و الديني.
فإذا ما فهمنا السابق أدركنا لم تمثِّل ُ السلفية ُ التكفيرية خطرا ً على البشرية ِ جمعاء لا على دولة ٍ أو مجموعة ٍ بعينها، فالسلفي التكفيري يُعلن أنه مع البدائية البوهيمية الأولى، تلك التي تتلقى زخمها من الحاجة ِ الحيوانية للقتل من أجل الاستحواذ ِ على الأرض ِ و المكان، و التكفيريون َ يعلنون دوما ً عن أرضين: الأولى أرض الإسلام، و الأخرى أرض الحرب، و في سبيل توسيع ِ رقعة ِ أرض الإسلام لا بدَّ من خوض الحرب في أرض الحرب، فالصراع ُ صراع ُ أرض، و مكان، و استحواذ، حتى لو كان الهدف ُ المُعلن هو نشر الإسلام. إن الإسلام هو الأداة من أجل الأرض، من أجل بسط النفوذ و فرض السلطان، من أجل إنهاء المختلف و امتلاك ما له.
لكن َّ هذا النوع َ من الحرب الدائمة لا يمكن ُ أن تبقى مشتعلة إلا بوجود جنود ٍ متعطشين لإبقائها، مُريدين لاستدامة ِ سعيرها، و هو ما نسمعهُ منهم دوما ً، نسمعه ُ من قادتهم الميدانين و شرعيهم و جنودهم، و هم الذين ينفذون الخُطط و السياسات، و جلُّهم بسيط ٌ ضحل ُ المعرفة شبه-معدوم الاضطلاع، لكنه عنيف ُ الطبع، ساع ٍ بنهم للقتال، للفعل، للإنهاء، لبسط النفوذ، للتوسع، لإنهاء المخالف، لتحيده و إفنائه، فهو ابن ثقافته العنيفه التي تلقى قبولا ً لدى نفسه الحيوانية المُستعدة و المتعطشة للخروج بكل عنفها بكل شبقها العدواني دون مواربة أو تزين أو شعور ٍ بالحرج.
و حتى نفهم هذه النفس المريضة َ بالعنف، لا بدَّ أن نقرأ ما يكتبون، و ما يسألون عنه، لأن الكتابة َ و السؤال تُفصحان عما يعتمل ُ في القلب و يشتعل ُ في البال. و كمثال: بعث َ شخص ٌ يعرِّف ُ عن نفسه باسم "تلبيسة أرض الجهاد" إلى أحد ِ منابرهم ما نصُّه:
-------------------------------------------------------------------------------- السلام عليكم الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده،
الحمد لله الذي يسر لنا التواصل معكم
عندنا بعض الأسئلة بارك الله فيكم :
ـ هل أن السلاح الذي نغنمه من النصيرية والجيش المرتد هو غنيمة أو يعتبر وقفا يجب اعادته فور قيام الدولة الإسلامية.
ـ هل يجوز قتل أطفال النصيرين ونسائهم اللاتي لم يتضح انهن مسلحات؟
ـ بالنسبة للإخوة المهاجرين في ما يخص الصلاة هل يجوز لهم ان يصلوا صلاة مقيم ام يقصروا ويجمعوا ؟
بارك الله فيكم ونفع بكم. --------------------------------------------------------------------------------
لاحظوا محتوى السؤال، فالسائل يريد أن يعرف هل يجوز له أن يغتنم أسلحة الطائفة العلوية السورية (النصيرين)، و هل يجوز ُ له قتل الأطفال و النساء غير المسلحات (لا مشكلة لديه في قتل المسلحات)، بالإضافة إلى سؤال ٍ عن الصلاة (و هذا السؤال لم تأملتم فيه اعتراف واضح أنه في أرض غير أرضه).
أما جواب الشيخ فمختصره و أنا مضطر لهذا الاختصار لأن الرد ملئ بالآيات و الاستشهادات من القرآن و السنة، على طريقتهم التي يحبون فيه إغراق السائل بغزير ِ"علمهم"، أقولُ مختصر الجواب هو: أموال النصيرين حلال، يجوز قتل النساء و الأطفال في حال الإغارة ليلا ً عليهم، و يجوز قتلهم كمعاملة بالمثل حتى لو لم يقاتلوا.
لاحظ عزيزي القارئ التركيب النفسي للسائل و المُجيب، فكلاهما لديه استعداد ٌ للعنف لكنه يريد أن يُشرِّع َ له، أن يجعل َ خروجهُ مباركا ً برخصة ٍ إلهية، مضبوطا ً بقبول ٍ رباني، فالمشكلة ُ لديه ليست في موت الطفل أو المرأة أو الرجل، فهذا الموت بحدِّ ذاته مقبول بل هو مرغوب ٌ و مطلوب ٌ و يُسعى إليه، إنما المشكلة ُ هي في تحديد درجة ِ الموت و امتداد ِ أبعاده و شموليته و على من يقع و كيف يُطبَّق.
إن السلفي التكفيري ما زال أسيرا ً لهذه البوهيمية، عبدا ً لهذه الحيوانية، شاذَّا ً عن التطور المنطقي و الطبيعي للعنصر البشري الذي يعيش ُ في مجتمعات ٍ حديثة أصبحت سمتها المميزة الانفتاح ُ على العالم و التعاون ُ و التآلف. لا يستطيع ُ السلفي التكفيري أن يعيش َ هذه الهدوء النفسي فهو صاخب ٌ من الداخل مملوء ٌ بضجيج ٍ قادم ٍ من البوهيمية البشرية الأولى التي ما تزال تعيش ُ فيه، تلك البوهيمية التي هذبها الآخرون و أخضعوها للعقل ِ و الفكر ِ و الإدراك، و حوّلوا قوتها العنيفة إلى قنوات الإبداع ِ الفكري و الأدبي و الإنتاجي اليومي لبناء المجتمع ِ القائم ِ على الفرد.
التكفيري يقتل ُ الرجل َ و الطفل، و يغتصب ُ المرأة ثم يهدم ُ المعبد، و يحتل ُّ البيت و يغتنم ُ المال، فهو يُنهي الرجل، و يستحوذُ على امتداده البيولوجي المُستقبلي الذي أداته المرأة، و يُنهي امتداده البيولوجي الحالي بأطفاله، و ينهي فكره بمعبده، و يحتل مكانه َ و أرضه، إنه يلغي وجود خصمه كاملا ً، يٌفنيه فناء ً تاما ً، إنه لا يقدر ُ و لا يُطيق ُ و لا يريد ُ أن يوجد ما هو غيرُهُ، ما هو مختلف ٌ عنهُ، ما هو غير منسجم ٍ في فكره و حضورِه الشاذ عن الحضارة.
لذا فلا يمكن الحوار ُ مع جماعات داعش أو النصرة أو أنصار بيت المقدس أو بوكو حرام أو كل هذه المجاميع، فهؤلاء واضحون معك َ منذ البداية، يقولون لك بملئ الفم أنهم قادمون لينهوك أو ليضموك إليهم بشروطهم، فلا حل َّ معهم سوى محاربتهم و إنهائهم، و استئصالهم نهائيا ً، مع ترك المجال ِ مفتوحا ً لمن يعود ُ منهم إلى عقله و رشده و ينفض ُ يديه منهم و يرجع َ لأهله و مجتمعه ضمن شروط ٍ لا تفرِّط ُ في حقوق الضحايا و لا تؤسِّس ُ لإعادة ظهورهم أي ضمن شروط ٍ دقيقة ٍ جدَّا ً و مدروسة. كما إني أرى أنه يجب إعادة النظر ِ في القوانين الجنائية لتستطيع َ التعامل َ في جرائمهم و تشعباتها و تعقيدات بشاعاتها لأن هذا الوضع الجديد الذي يأتون به لا بدَّ له من فلسفة ٍ جنائية ٍ جديدة قادره على الإحاطة ِ ببشاعته و معالجة ما ينتج عنها.
عزيزي القارئ عليك( ِ ) أن تدرك(ي) أن الصراع القائم اليوم َ هو بين إنسانية و حضارة و بين حيوانية ٍ و رجعيةٍ و تخلف، صراعا ً ما كان يجب أن نخوضه في القرن الواحد و العشرين بعد كل ِّ ما أنجزته البشرية ُ حتى الآن، لكننا مجبرون عليه، مُضطرون له، لأن البديل هو الانتكاس نحو القطيع الحيواني مرَّة ً أخرى، لكن مع كلاشنكوف بدلا ً من حجر الصوان.
يتبع في المقال القادم.
-------------------------------------------------------------------------- الأجزاء السابقة من هذه السلسلة:
وباء السلفية التكفيرية و ضرورة الاستئصال. http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=425063
وباء السلفية التكفيرية – 2- التركيب الإجرامي للتكفيري ج 1 http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=426975
وباء السلفية التكفيرية – 3- التركيب الإجرامي للتكفيري ج 2 http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=427141
#نضال_الربضي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وباء السلفية التكفيرية – 3- التركيب الإجرامي للتكفيري ج 2
-
وباء السلفية التكفيرية – 2- التركيب الإجرامي للتكفيري ج 1
-
بوح ٌ في جدليات – 5 – جارنا و الأفعى.
-
في الموت – قراءة ثالثة، من العبثية حتى الحتمية.
-
من وحي قصة حقيقية - يا سادن الحبِّ.
-
في الموت – قراءة ثانية من حيث الموقف الإنساني الواعي.
-
غزة - 4 - بقلم الملكة رانيا
-
وباء السلفية التكفيرية و ضرورة الاستئصال.
-
غزة - 3 – أربعة أطفال و قذيفة.
-
في الموت – قراءة أولى كأحد وجهي الوجود.
-
غزة – 2 – إستمرار جرائم الحرب الإسرائيلية و ردود الفعل الشعب
...
-
غزة – وضاعة استباحة الحياة و ازدواجية الاعتراف بالحق الإنسان
...
-
قراءة في اللادينية – الإلحاد كحركة دينية مُجدِّدة.
-
من سفر الدين الجديد – الفصل الأول - آمر لي مارهو
-
قراءة في جدلية ما بين المنظومة الدينية و الواقع– المعجزات و
...
-
في نفي دونية المرأة – 4 – الانسجام الجيني الأنثوي مع حاجة حف
...
-
من سفر الله – 3 – في جدلية تنافر الطبيعة البشرية مع التكليف
...
-
قراءة في مشهد– من وحي محاضرة في علم الفلك و الفضاء – الممارس
...
-
من سفر الله – 2 – في الدين و الإلحاد – تمظهرات العداء و الاج
...
-
بوح ٌ في جدليات – 4 – امتداد الوعي الكوني، فرضية.
المزيد.....
-
شاهد: لحظة إطلاق سراح الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود وتسليمه
...
-
تسليم الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود للصليب الأحمر في خان يو
...
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر الصناعي النايل سات وال
...
-
مستعمرون يقطعون أشجار زيتون غرب سلفيت
-
تسليم رهينتين في خان يونس.. ونشر فيديو ليهود وموزيس
-
بالفيديو.. تسليم أربيل يهود للصليب الأحمر في خان يونس
-
الصليب الأحمر يتسلم المحتجزين الإسرائيليين أربيل يهود وجادي
...
-
القناة 13 العبرية: وصول الاسيرين يهود وموسيس الى نقطة التسلي
...
-
الكنائس المصرية تصدر بيانا بعد حديث السيسي عن تهجير الفلسطين
...
-
وصول المحتجزين الإسرائيليين أربيل يهود وغادي موزيس إلى خان ي
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|