|
غزة ومجتمع الفرجة وانتظار جودو
ناجح شاهين
الحوار المتمدن-العدد: 4538 - 2014 / 8 / 9 - 20:29
المحور:
القضية الفلسطينية
إلى عادل سمارة ناجح شاهين كتب عادل سمارة متسائلاً عن تقاعس الطبيب الفلسطيني عن التطوع لمعالجة ضحايا غزة. ولكنه بقسوته المعتادة لم يكتف بذلك، فقد قرر أن يذكرنا بالتطوع الطبي الفلسطيني لعلاج الضحايا في ليبيا أيام حرب التحرير الأمريكية التي استهدفت ذلك البلد بغرض تخليصه من الطاغية القذافي، وجلب الديمقراطية على الطريقة الأمريكية إليه. كلنا يعرف ما حل بليبيا منذ ذلك الحدث السعيد، ولكنني شخصياً، لم أعلم حتى اللحظة على وجه اليقين ما الذي ذهب من أجله الأطباء الفلسطينيون في تلك الغزوة الإنسانية. ترى ماذا ينتظر من الفرنسي إذا تعرضت باريس أو ليون للعدوان؟ بل ماذا ينتظر منه إذا تعرضت إسبانيا للعدوان؟ هل يوجد حاجة إلى أن نذكر أنفسنا بإسبانيا 1937 (Spain 1937) الذي هو عنوان قصيدة لشاعر إنجليزي هو و.ه. أودن W.H.Auden لخص الحرقة الأوروبية تجاه ما يحصل في إسبانيا من مجازر لا ترقى أبداً لما جرى ويجري في فلسطين. هل يعد الغزاوي مواطناً عربياً يستحق تورط إخوته المواطنين العرب في همه؟ يجب أن نتردد في إجابة هذا السؤال بانتظار أن يحسم العرب في المستوى الشعبي على الأقل انتماءهم للعروبة؟ لكن إذا انتكسنا إلى مستوى الإقليم، ألا يمثل الغزاوي جزءاً من إقليم فلسطين؟ لا بد أن الجواب البدهي هو نعم. لكن هيهات، هيهات. عندما تختلط المواطنة وتلتبس يمكن أن نصل حالة كوميدية من الانتماء: منذ أيام قامت عشيرة العبادي في الأردن بمظاهرة كبيرة وشجاعة دعماً لغزة. كان حدثاً مشرفاً من حيث المبدأ، ولكنه كان حدثاً مؤلماً من حيث الكوميديا السوداء التي احتواها، إذ كيف يمكن دعم نضال عربي في فلسطين انطلاقاً من هوية عشائرية. حتى الشعارات كانت مربكة في براءتها من ناحية إعرابها عن تضامن "العبابيد" مع غزة. نخشى بالفعل أن الهوية العربية قد تشظت إلى حد أن المواطن العربي ما عاد لديه مواطنة تتجاوز العشيرة أو الحي الصغير. وهذا يعني أن على غزة ومقاومتها أن تنتظر هبة آل الشخشير في نابلس أو آل حسونة من اللد في رام الله أو آل أبوسنينة من الخليل ...الخ من أجل التضامن معها لأن آل الأمة العربية لا وجود لهم، والأدهى أن آل الإقليم الذي ذبح مشروع الأمة من أجل تكريسه لا وجود لهم أيضاً. يبدو لنا من ناحية نظرية الأمة أنه لا يمكن أن نؤسس لأمة لا وجود لعناصرها التي تعزلها عن غيرها قبل عناصرها التي تجمع ما بينها. ونقصد أنه بسبب عدم إمكان فصل الفلسطيني عن السوري من ناحية الخصائص يغدو مفتعلاً تأسيس أمة فلسطينية. وهذا الافتعال سيقود المواطن الفلسطيني العربي إلى الانحدار إلى مستوى عدم الإيمان بأية هوية، مما يصل بنا إلى حالة جحا أو حالة العشيرة في أفضل الأحوال، ثم يحدث أمر خطير من قبيل الانزلاق إلى العدمية الداعشية وما لف لفها في ظل استثمار استعماري أمريكي بخاصة وغربي بعامة. لو كان الطبيب الفلسطيني في رام الله ونابلس والخليل يستدخل فكرة مفادها أنه وغزة في مركب "انتمائي" واحد لهب للمشاركة في موقعتها من دون كلام عن التبرع والدعم والمؤازرة والبحث عن الممول وعن المجتمع الدولي وكل ما يتصل بهذه الترهات. وعلى ذكر المجتمع الدولي نرغب في هذا السياق في التأكيد أن أساطير حقوق الإنسان والمنظمات الدولية وقواعد القانون الدولي الإنساني تسهم كلها في بناء ما يمكن تسميته بمجتمع فرجة عربي وفلسطيني. الناس تنتظر فعلاً يأتي من مكان ما. ينتظرون مؤازرة من "أمنستي" أو من لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، أو من محكمة لاهاي، ويتيهون في دهاليز فكرة معاقبة إسرائيل. ويستبدلون ذلك بإسهامهم الفعلي في "خلع الشوك" بأيديهم لمصلحة انتظار الخارج العولمي ليقوم بالمهام بالنيابة عنهم. لذلك تطغى جعجعة لا طائل تحتها هنا وهناك حول محاسبة إسرائيل وجلبها للمحكمات الدولية المختلفة. وتسود حالة فرجة وانتظار محزنة. ينسى الناس أن هذه المنظمات والمبادئ قد صيغت بشكل أساس من قبل طرف واحد في العالم هو الولايات المتحدة على قياس احتياجاتها بوصفها قوة مهيمنة بعد الحرب "العالمية" الثانية. وقد كانت المؤسسات الدولية المختلفة فاعلة ونشطة وجاهزة إلى أقصى درجة لتقوم بكل ما يلزم لفضح وتعرية وإدانة كل من تراه الولايات المتحدة متورطاً في انتهاك مبادئ الإنسانية، أما إذا رأت الولايات المتحدة خلاف ذلك فالعوض في سلامتكم، إذ أن أحداً لن يحرك ساكنا. هل نسينا كيف كانت مئات المنظمات الدولية تقيم الدنيا ولا تقعدها من أجل يهودي روسي تضعه الدولة السوفييتية تحت الإقامة الجبرية؟ هل رأيتم حجم التضامن الكوني مع أسرى "إسرائيل" لدى حزب الله؟ أو مع "شاليط" الجندي الأسير لدى حماس؟ أين ذلك من الهدوء العالمي تجاه المجازر في الضاحية الجنوبية أو غزة، أو حتى تجاه التطهير الديني والعرقي في العراق وصولاً إلى إعادة عصر السبي وبيع النساء في نينوى والموصل في ردة قروسطية تنظمها المخابرات الأمريكية المشرفة على داعش، ويقف المرء حيالها مشدوهاً لا يعرف إن كان عليه أن يضحك أو يبكي؟ إن من ينتظر دعم "العالم" أحد شخصين: إما أنه ضحية مسكينة وساذجة لأساطير حقوق الإنسان والمنظمات الدولية (=الأمريكية)، وإما أنه مرتزق يعمل لخدمة المشروع الاستعماري الكوني بحسن نية (=مقتنعاً أنه يناضل مع منظمات ديمقراطية تسعى إلى نشر حقوق الإنسان والوعي الديمقراطي عبر العالم) أو بسوء نية (=يدافع عن قبضة المال مدعياً أنها حقوق الإنسان أو الماركسية أم العرافة على رأي مظفر). ارتقت المقاومة الفلسطينية مرتقى صعباً بالفعل، وأبلت بلاء حسناً على الرغم من بعض الخلط في مواقفها السياسية (الذي يؤسس لموقف سخيف مثل موقف وزير خارجية روسيا لافروف الذي رأى أن من حق "إسرائيل" الدفاع عن نفسها ضد الإرهاب). وذلك يتطلب ارتقاء وعي المواطن العربي على الأقل في اتجاه التوقف عن السلبية السياسية الساذجة التي تتوهم أن حلولاً سحرية لمشاكل الوطن والأمة تأتي على جناح طائر حقوق الإنسان المجنح، وفي اتجاه القناعة التي تؤدي إلى العمل على أساس أن فعلنا العربي النشط في المجالات كافة، وخصوصاً في الإقليم الفلسطيني، وما حوله هو الطريق إلى انتصار غزة وفلسطين، والأمة العربية كلها. لكن ذلك يتطلب إدراك أن "جودو" المجتمع الدولي لا وجود له، تماما ًمثلما العنقاء والغول وحقوق الإنسان، والديمقراطية.
#ناجح_شاهين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
انتصرت المقاومة
-
هاشم أبو ماريا
-
المقاومة الفلسطينية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
-
غزة وشلال الدم واحتفالات التوجيهي
-
غزة تتعمد بالدم في زمن مجاهدي داعش ومقاتلي التنمية
-
المنظمات غير الحكومية في ديجور الفساد والبيروقراطية وعدم الف
...
-
يحبونني موافقاً، يكرهونني معارضاً: من سمات الشخصية العربية ف
...
-
إسرائيل رئيساً للجنة الدولية لتصفية الاستعمار صدق أو لا تصدق
-
سيكولوجية المثليين والاقتصاد السياسي
-
حول السلعة الميتة والإنسان الحي
-
المخازي الأساس في الانتخابات السورية
-
عزمي بشارة والانتخابات السورية والمصرية أو في حكمة الديمقراط
...
-
فنون قتل الذكاء والإبداع في النشاطات الترفيهية المدرسية
-
-متى ستقتلني؟- تسأل الفتاة خطيبها
-
السيسي: إعادة إنتاج النظام
-
استبدال الحمار/البغل بالسيارة
-
اللغة الإنجليزية ومرجعيات العولمة
-
قمر على رام الله، ودم على بيرزيت
-
عداد الدفع المسبق، وخصخصة المياه، ووحشية رأس المال الفلسطيني
-
خطاب رئيس الوزراء الكندي أمام الكنيست
المزيد.....
-
كيف يمكن إقناع بوتين بقضية أوكرانيا؟.. قائد الناتو الأسبق يب
...
-
شاهد ما رصدته طائرة عندما حلقت فوق بركان أيسلندا لحظة ثورانه
...
-
الأردن: إطلاق نار على دورية أمنية في منطقة الرابية والأمن يع
...
-
حولته لحفرة عملاقة.. شاهد ما حدث لمبنى في وسط بيروت قصفته مق
...
-
بعد 23 عاما.. الولايات المتحدة تعيد زمردة -ملعونة- إلى البرا
...
-
وسط احتجاجات عنيفة في مسقط رأسه.. رقص جاستين ترودو خلال حفل
...
-
الأمن الأردني: تصفية مسلح أطلق النار على رجال الأمن بمنطقة ا
...
-
وصول طائرة شحن روسية إلى ميانمار تحمل 33 طنا من المساعدات
-
مقتل مسلح وإصابة ثلاثة رجال أمن بعد إطلاق نار على دورية أمني
...
-
تأثير الشخير على سلوك المراهقين
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|