|
مطارحة من صميم المصارحة ـ حوار مع صديق إسلامي3
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 1281 - 2005 / 8 / 9 - 08:52
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
صديقي العزيز ! إن " التوبة" تقتضي الكف عن المعاصي لا التمادي في ارتكابها عن قصد . ومهما نفيت عن حركة التوحيد والإصلاح ، التي أنت عضو فيها ، كل سلبية ، فتلك شهادة زور تتنافى مع قولك ( فنحن كإسلاميين لا نشهد إلا بالحق ، لأن شهادة الزور من الموبقات السبع في الإسلام )( الحلقة 8) . ذلك أن تشديدك على أن يقوم الاشتراكيون بالنقد الذاتي ويقدموا الاعتذار عن فشلهم ( في إشاعة مناخ الديمقراطية كموقف ، وسلوك ، وحالة نفسية ، ونظام ) داخل أحزابهم ونقاباتهم ومنظماتهم ، وبالتالي فشلهم في أن يكونوا ( ديمقراطيين حقيقيين ) . إن كلامك هذا ، عزيزي محمد ، يحيل على أمرين اثنين هما : الأمر الأول : أن الاشتراكيين لم يسهموا مطلقا في توفير ولو حد أدنى من الديمقراطية داخل الدولة والمجتمع . وهذا أمر أنت نفسك نفيته من قبل في كتابك . إذ شهدت لهم بالقول ( لقد نجحت المعارضة الديمقراطية في تنزيل المثل السياسي العربي ( الضربة التي تميتك تقويك ) . وحققت مكسبا سياسيا هاما للمجتمع المغربي ، ألا وهو الهامش الديمقراطي الذي نتنفس هواءه اليوم في صورة نشاط سياسي وإعلامي وأساليب نضالية ، وحرية نسبية في التعبير والتفكير )(ص 54 ، 55 ) . الأمر الثاني : أن حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية يناضلان من أجل دمقرطة الدولة والمجتمع ، وأنهما يوفران داخلهما مناخا ديمقراطيا حقيقيا . وهذه مسألة لا أساس لها من الصحة . إذ الديكتاتورية الموجودة داخل هذين التنظيمين لا تماثلها ديكتاتورية في أي تنظيم يساري . وأكتفي ، في هذا المقام ، بإدراج مثالين . المثال الأول : حالة السيد بدر الدين رشدي الذي اضطرته " الديمقراطية الداخلية" إلى تبني اسم مستعار لنشر مقالة يبدي فيها وجهة نظره في المسار العام الذي تنحوه حركة التوحيد والإصلاح . إذ نشرت أسبوعية "الصحيفة" عدد 119 بتاريخ 28 يونيو / 4 يوليوز 2003 ، مقالا للسيد بدر الدين رشدي استهله كالتالي ( كاتب هذا المقال عضو بحركة التوحيد والإصلاح اختار أن يحتمي باسم مستعار ليعبر في " الصحيفة" عن وجهة نظر فيما يُعتمل داخل حركة التوحيد والإصلاح ، ونتمنى أن يصل اليوم الذي تعم فيه رياح الديمقراطية كل تنظيماتنا السياسية، ليصبح " للمواطن الحزبي" الحق في التعبير عن آرائه داخل الحركة أو في الإعلام دون حاجة إلى أسماء مستعارة أو تهم جاهزة ). إن هذه الشهادة كافية لدحض كل زعم بأن هذا التنظيم الإسلامي ملتزم بما يرفعه من شعارات الشورى والديمقراطية والحرية . هنا نطرح السؤال : ماذا جاءت الحركة تضيفه على مستوى التنظيم وقواعده ؟ لنترك هذا الشاهد من أهلها يجيب بالقرائن التالية : بيان استقالة د. الريسوني من رئاسة الحركة ، إذ يقول : ( وجاء بيان الاستقالة ليتوج مسلسل الغموض في التنظيم ، وعمليات الهروب إلى الأمام التي تمارسها القيادة في جو من التكتم .. وإغراق الأعضاء بخطاب أخلاقوي مضلل ) . فالحركة في نظر هذا العضو ، تنظيم يقوم على الغموض وتضليل الأعضاء ثم ترهيبهم . الأمر الذي يجعل الحركة ـ حسب الشاهد ـ واقعة تحت قيادة " ضعيفة" و" ساذجة" و" خائفة " و" غبية" لم تزد الحركة إلا انحرافا عن خط سيرها الأصلي ( كل هذا لا يجعلنا نصدق أن استقالة الريسوني جاءت من تلقاء نفسه . إنها بنظرنا نتيجة ضغط خارجي قوي جدا .. استجابت له قيادة ضعيفة وساذجة وخائفة .. وهذه القيادة هي المسؤول الأول عن هذا المسار التحريفي الذي تدحرجت إليه الحركة منذ مدة .. فما مسؤولية هذه القيادة الغبية التي ذهبت تجادل وتجادل في قضايا السياسة بمنطق فقهي مجرد وبائد ) . من هنا نقول للأستاذ طلابي إن هذا المنطق الفقهي المجرد والبائد هو الذي يحكم ليس فقط مواقف الحركة بل ، وأساسا الحزب . ذلك أن الحركة ، بفعل تكتيكاتها التي سبق وكشفها السيد خليدي ، تمكنت من الهيمنة على الحزب والانقلاب على مبادئه وأفكاره . ومن ثم فالقيادة المتحكمة والمؤثرة في مواقف الحزب هي قيادة الحركة التي وصفها السيد بدر الدين بالغبية والساذجة ، وهي التي أدخلت الحزب في صراعات مجانية خاصة مع اليسار المغربي الذي يسعى اليوم السيد خليدي ومناصريه ، إلى تصحيح الوضع وإعادة العلاقة إلى حالتها الطبيعية . فالأمر إذن مرتبط بالمنطق العام الذي يحكم الحركة . وهذا المنطق " المجرد " والبائد" ما كان له أن يصير هو المهيمن لولا غياب الديمقراطية وسيادة الانتهازية والتملق كما أفصح عن هذا السيد بدر الدين رشدي بقوله ( ولعبت التجديد دورا كبيرا في ذلك .. من خلال مقالات لكتبة تنظيميين كلها تبرير وتفاهة ودعاوى إيديولوجية فجة .. تميت العقل .. الحقيقة أن الحركة تعيش لحظة عصيبة في تجربتها الدعوية ، وكثير من الأعضاء المنصفين ينظرون إلى هذا الواقع بألم وحزن ، أمام تحكم مجموعة من السذج والبسطاء في مقاليد أمورها متدثرين بالدعوة والتربية .. إن الريسوني يعمل إلى جانب أعضاء في المكتب التنفيذي الجديد محدودي الفكر والتجربة ، خصوصا على صعيد الممارسة الواقعية المتحولة ، فأغلبهم وعاظ ، أو ذوو عمل اجتماعي متميز لكنه محدود ولا يوفر فرص النضج الفكري والسياسي ) . إن في هذا القول ردا مباشرا على ما ادعاه ذ. طلابي من كون الحركة ( اعتصمت بحبل الله ودعت وتدعو الأمة وتنصح الحكومة وفق القانون والشرع إلى الاعتصام بحبل الله المتين ، باعتباره العاصم من الهلاك والشقاء ) . إن واقع قيادة الحركة لا يشكل خطرا على الحركة وحدها ، بل على المجتمع وعلى الدين بالدرجة الأولى . إذ كيف لمن يفتقر إلى النضج السياسي والفكري ، وتنقصه التجربة والخبرة بالواقع المتحول ، أن يفتي في أمور الدين والمجتمع . إن الحكم على الشيء فرع من تصوره كما يقول الفقهاء . فكيف يصيب الحكمُ في واقعة لا يملك المفتي أي تصور عنها ، أو قل تصورا مشوها . وهذا هو الواقع المر الذي يحاصر مدونة الأحوال الشخصية ، كما يحاصر بعض مرافق الدولة . وبسبب هذا المنطق الفقهي المجرد والبائد تم التحكم في الحركة والحزب ، ويسعى أصحابه إلى التحكم في البلاد والعباد . فقيادة الحركة والحزب تحكِّم هذا المنطق البائد والمجرد في تعاملها مع مجريات الواقع وتطلعات المجتمع ومطالب النساء والشباب ، وإنتاجات المثقفين والفنانين والإعلاميين وغيرهم . وبهذا المنطق تحْكم الحركة والحزب على مدى إسلامية الدولة وقوانينها من عدمها . وبالمنطق نفسه حكم الريسوني على عدم أهلية الملك لتولي إمارة المؤمنين . كما حكم من قبل على كون مشروع الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية مصادما للشرع . وكذلك فعلت الحركة والحزب . منطق خطير ، وخطورته تمحق لما تتحكم بدواليب الدولة . لقد عطلت عمل اللجنة الملكية المكلفة بتعديل المدونة ما يزيد على السنتين ، دون أن تأخذ قيادةَ الحركة والحزب رأفةٌ بالمرأة وما تعانيه من حيف وظلم ، أقرت به تلك القيادة نفسها لكن نفت أسبابه كالتالي ( إن كثيرا من مظاهر الحيف والظلم اللاحق بالمرأة ، ليس مصدرها المدونة ، بل ترجع إلى جوانب في القوانين الوضعية والمساطير المدنية التي تحتاج إلى تعديل حتى تتلاءم مع مقتضيات المدونة ومقاصدها ) . إنه فعلا منطق بائد هذا الذي يلغي حركية المجتمع وتطور الواقع ويؤبد صلاحية نصوص المدونة التي هي اجتهاد بشري تحكمت فيه ظروف لم تعد قائمة . منطق غريب عن الإسلام وعن مقاصده لا زالت هذه القيادة متمسكة به ، وتعمل على فرضه على المجتمع . إنها كمن يضع العربة أمام الحصان ، بحيث يصير الواقع في حركيته هو الذي يتشكل لتنطبق عليه فتاوى زمان . إذن كيف يمكن لهذه الحركة الدعوية أن تجدد فهم الناس لدينهم ، وتستنبط أحكاما لمعاملاتهم ، وتنزل التشريعات الإسلامية منزلة التطبيق بما يجعل تلك التشريعات صالحة لهذا الزمن ومستوعبة لهذا الواقع ، والحركة محكومة بمنطق مجرد وبائد ؟ أكيد لن تُنتج سوى الكوارث مادامت محكومة بمنطق بائد ، والبائد فقد صلاحية استعماله . لقد أدرك السيد بدر الدين رشدي خطورة القيادة على الحركة ، وندرك معه خطورة الحركة على الدين والبلاد والعباد . ونحذر منها قدر تحذير السيد بدر الدين رشدي وزيادة . سيما وأن الحركة مكنتها الدولة من منابع الإفتاء (= المجالس العلمية ) ومنابر الدعوة ( = المساجد ) . أي أهلتها لنشر منطقها البائد وفكرها المجرد ورؤيتها المنغلقة . هنا تكمن المشكلة ، وهي المشكلة التي لامسها السيد بدر الدين رشدي في قوله ( إن مشكلة الحركة هي مشكلة فكر منغلق يحمله كثير من حشوية العلوم الدينية ويريدون فرضه باسم المشروع الإسلامي ، واستغلال الأدوات التنظيمية من خلال البرامج التكوينية والتأطيرية ، وإلغاء كل أشكال الاختلاف والتعددية داخل الحركة ، حتى أصبحت الحركة في واقعها الحالي تجمعا سلفيا ، لا يختلف في شيء ، من الوجهة الفكرية والتصورية ، عن جماعات السلفيين المهووسين ) . مؤسف جدا أن يصير ذ. طلابي مرددا خطاب قيادات الحركة ، وسجين تصورها وفكرها المنغلق ، دون أن يستعين بسلاح النقد والتحليل . بينما أدرك السيد بدر الدين رشدي خطورة غياب الحس النقدي على الحركة وعلى أعضائها ، إذ ، كما جاء في قوله ( لم يتم الانتباه له ـ أي الاختلال الذي يطبع تشكيلة المكتب التنفيذي ـ في المؤتمر الأخير للحركة للأسف ، لغياب حس نقدي عام ، وانعدام رغبة شاملة في المراجعة ، مما جعل بعض المؤتمرين القلائل يتنبؤون بهذا الانسداد منذ مدة ولكن لا حياة لمن تنادي ) .
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مطارحة من صميم المصارحة ـ حوار مع صديق إسلامي-2
-
مطارحة من صميم المصارحة(1)
-
ألا رفقا بالسيد القمني
-
هل صارت حقوق الإنسان علامة تجارية ؟
-
على أي أساس تطالب المنظمات الحقوقية الحوار مع شيوخ السلفية ا
...
-
قراءة في كتاب- ما هو سبيل الله ؟- لسمير إبراهيم حسن :
-
لندن ضحية احتضانها لشيوخ التطرف وأمراء الدم
-
نادية ياسين : الشجاعة المأمرَكة لن تكون إلا وقاحة
-
الحركات الإسلامية والدولة الديمقراطية
-
أية مصلحة للأمريكيين في تحالفهم مع الإسلاميين ؟
-
فتاوى التكفير أشد خطرا وفتكا بالمجتمع من عبوات التفجير
-
الإنسان العربي أبعد ما يكون عن الحوار والتسامح والتحالف
-
هل سيتحول المغرب إلى مطرح للنفايات الوهابية ؟
-
نادية ياسين لم تفعل غير الجهر بما خطه الوالد المرشد
-
المسلمون وإشكاليات الإصلاح ، التجديد ، الحداثة 2
-
المسلمون وإشكاليات الإصلاح ، التجديد ، الحداثة 1
-
خلفيات إضراب معتقلي السلفية الجهادية عن الطعام
-
معتقلو السلفية الجهادية من تكفير منظمات حقوق الإنسان إلى الا
...
-
المجتمعات العربية وظاهرة الاغتيال الثقافي
-
الأزمة السياسية في إيران تؤكد أن الديمقراطية لا تكون إلا كون
...
المزيد.....
-
كلمة قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي خامنئي بمناسبة
...
-
قائد الثورة الاسلامية: التعبئة لا تقتصر على البعد العسكري رغ
...
-
قائد الثورة الاسلامية: ركيزتان اساسيتان للتعبئة هما الايمان
...
-
قائد الثورة الاسلامية: كل خصوصيات التعبئة تعود الى هاتين الر
...
-
قائد الثورة الاسلامية: شهدنا العون الالهي في القضايا التي تب
...
-
قائد الثورة الاسلامية: تتضائل قوة الاعداء امام قوتنا مع وجود
...
-
قائد الثورة الإسلامية: الثورة الاسلامية جاءت لتعيد الثقة الى
...
-
قائد الثورة الاسلامية: العدو لم ولن ينتصر في غزة ولبنان وما
...
-
قائد الثورة الاسلامية: لا يكفي صدور احكام اعتقال قيادات الكي
...
-
قائد الثورة الاسلامية: ينبغي صدور أحكام الاعدام ضد قيادات ال
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|